الرابطة المحمدية للعلماء

تقييم مشاريع برامج تأهيل الأئمة في ألمانيا وفرنسا

تأهيل الأئمة قد يُغيّر وجه الإسلام في القارة الأوروبية

التأكيد على اللغة والاندماج، هما أهم عناوين البرامج المتوازية التي انطلقت في كل من ألمانيا وفرنسا بهدف تأهيل أئمة المساجد ولو أن الوقائع الميدانية، تبرز أن التجربتين متفاوتتين، حسب قراءة المتتبعين.

ففي الحالة الألمانية مثلا، تعتبر جامعة أوسنابروك بولاية ساكسونيا السفلى رائدة في ألمانيا عبر فتح أبوابها لتأهيل الأئمة باللغة الألمانية وتدريس علم اللاهوت الإسلامي، أما في فرنسا فقد أوكلت مهمة تأهيل الأئمة وتدريس مادة “الدين، اللائكية وحوار الثقافات” للمعهد الكاثوليكي الخاص بباريس، وهنا بالذات، يرصد المتتبعون للتجربتين الألمانية والفرنسية تفاوتا بينهما سواء في الاختيارات التي وضعت للبرنامج أو في أشكال ردود الفعل عليه وخصوصا من قبل الهيئات الأكثر نفوذا في أوساط المسلمين في ألمانيا أو في فرنسا.

بالعودة إلى الحالة الألمانية، ومع نموذج جامعة أوسنابروك، التي تُعدُّ أول جامعة ألمانية تحتضن برنامج تأهيل الأئمة وتدريس علم اللاهوت الإسلامي، بناء على قرار من مجلس العلوم الذي يعتبر أهم هيئة تقدم المشورة في ميدان السياسة العلمية بألمانيا، حيث توخى المجلس أن يكون تأهيل الأئمة وتدريس علم اللاهوت الإسلامي باللغة الألمانية. وقد انطلقت الدروس في هذه الجامعة في مستهل الموسم الشتوي الدراسي لهذا العام، وتعد هذه الخطوة الأولى من نوعها في هذا السبيل الذي يعتبر إحدى ثمار “مؤتمر الإسلام في ألمانيا” بعد خمس سنوات منذ انطلاقته. ولم يجد قرار إسناد هذه المهمة للجامعة في ألمانيا، صعوبات كبيرة بخلاف ما حدث في فرنسا، حيث اضطرت الحكومة الفرنسية إلى تكليف المعهد الكاثوليكي الخاص في باريس، بعد أن رفضت الجامعات الحكومية احتضان المشروع معللة ذلك بأنه يتعارض مع مبدأ أساسي للعلمانية أي مبدأ الفصل بين النظام التعليمي والدين، كما يشرف المعهد الكاثوليكي الخاص على برنامج تأهيل الأئمة وتقدم الدروس باللغة الفرنسية تحت عنوان” الدين، اللائكية وحوار الثقافات”. ويعتقد البروفيسور أوليفي بوبينو الأستاذ المحاضر في المعهد الكاثوليكي والمسؤول عن محتوى البرنامج، بأن تكوين الأئمة وفق أسس التعليم اللائكي “اكتشاف حقيقي”، وواضح أن الصيغة الفرنسية لتأهيل الأهمية جاءت كحل وسط وكمحاولة لإبعاد هذا الملف عن بؤر التوتر والجدل الحاد الذي يشق المجتمع الفرنسي حول القضايا المتعلقة بالإسلام والعلمانية.

وسبق للبروفيسور بولانت اوكار، مدير مركز الدراسات حول الإسلام وحوار الثقافات، أن صرّح خلال ملتقى نظم حول برنامج تأهيل الأئمة بجامعة أوسنابروك الألمانية، بأن برنامج تأهيل الأئمة باللغة الألمانية وتدريس علم اللاهوت الإسلامي يستند إلى منهجية علمية تتوخى بلورة علم لاهوت إسلامي على غرار علم اللاهوت الكاثوليكي والإنجيلي، وانطلاقا من المعايير الأوروبية يمكن تطوير نظرية إسلامية متشبعة بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما تسهر جامعة أوسنابروك على تحقيقه من خلال الدروس التي تقدمها، كما توقع المتدخل أيضا، أن يساهم برنامج تأهيل عدد كبير من علماء الدين المسلمين في ألمانيا في إضفاء “وجه جديد للإسلام في ألمانيا”. ويعلل البروفيسور رأيه بأن “الأئمة الذين يتلقون تكوينا محليا في ألمانيا، يمكنهم أن يستجيبوا بشكل أفضل للمتطلبات الدينية للمسلمين في أرض الواقع، وسيساهمون في الاندماج، لأن لغتهم الألمانية جيدة ولأنهم خبراء في الثقافة وبما يتلاءم مع التاريخ والواقع”، في تقاطع مع ما أشار إليه أولفيي بوبينو الأستاذ المحاضر في المعد الكاثوليكي بباريس عندما يتحدث عن الحالة الفرنسية، ملاحظا أن برنامج تأهيل الأئمة يستند إلى أسس التعليم اللائكي بما يتلاءم مع قيم الدولة الفرنسية العلمانية وخصوصا بالنسبة للأئمة “الذين يفدون من خارج فرنسا وليس لديهم خبرة كافية بالمجتمعات غير المسلمة”.

ويتوزع واقع المسلمين في أوروبا بين متطلبات الإندماج ونفوذ سلطات دينية في الخارج، لولا أن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تجاوبا من قبل الهيئات الإسلامية، وهو ما يبدو متفاوتا بين الحالتين الألمانية والفرنسية، ففي ألمانيا يفد معظم أئمة المساجد من تركيا والبوسنة وشمال إفريقيا وإيران. ويشرف الاتحاد الإسلامي التركي وحده على 750 مسجدا من أصل 2500 مسجد في ألمانيا، ويعتبر هذا الاتحاد أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا وهو يخضع لنفوذ إدارة الشؤون الدينية في تركيا. ولا يبدي”الاتحاد” تفاؤله بخطة تأهيل الأئمة في الجامعات وباللغة الألمانية، ورغم ترحيبه بقرار مجلس العلوم بتدريس علم اللاهوت الإسلامي في الجامعات الألمانية فقد أكد في الوقت ذاته بأنه سيواصل تكوين الأئمة في تركيا.

أما في فرنسا، حيث يشكل الأئمة الذين يتم اختيارهم من طرف هيئات إسلامية من الخارج نحو 80 في المائة من أصل ألفي إمام مسجد في فرنسا، فقد رحب المجلس الأعلى للمسلمين في فرنسا ببرنامج تأهيل الأئمة وفق أسس العلمانية، لكن الحصيلة بالنسبة للمجلس ما تزال غير واضحة على الأقل لأن البرنامج ما يزال في بداياته.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق