مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

تقرير عن مناقشة دكتوراه بعنوان: “شرح سيدي محمد بن زكري على حِكم ابن عطاء الله السكندري”

نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد الملك السعدي، أطروحة جامعية لنيل الدكتوراه، بعنوان: “شرح سيدي محمد بن زكري على الحكم لابن عطاء الله السكندري” تقديم وتحقيق.

أعدها الطالب الباحث طارق العلمي، تحت إشراف الأستاذ : عبد اللطيف شهبون، وذلك يوم الثلاثاء يونيو 2015 على الساعة الثانية مساء.

تكونت لجنة المناقشة من الأساتذة:

– د. أحمد هاشم الريسوني: رئيسا

– د. عبد اللطيف شهبون: مقررا

– دة. سعاد الناصر: عضوا

– د. الطيب الوزاني: عضوا

– د. يوسف ناوري: عضوا

حاول الباحث من خلال تحقيقه لهذا الكتاب تسليط الضوء على شخصية العلامة سيدي محمد بن زكري من خلال عناوين حاولت أن تركز على المناحي المعرفية والتربوية التي شكلت شخصية هذا العلامة الموسوعي الذي بصم الحياة الثقافية خصوصا بمسقط رأسه فاس، كما حاول الباحث من جانب آخر أن يلامس موضوع الكتاب كمضمون وكذلك ما تعلق بمنهجية العمل والأسباب التي استدعت تأليف هذا السفر القيم، ولمحة عن النسخ المعتمدة.

 المضمون العام للكتاب:

الكتاب الذي بين أيدينا يحمل أهداف متعددة، ويطرح مضامين وإشكالات مختلفة، فهو يوضح معالم مشرب أخلاقي متجدر في بنية الممارسة الصوفية داخل المغرب، و يصرح صاحبه في مقدمة مؤَلَّفه؛ بأن موضوع الكتاب بيان لطريق السادة الشاذلية، باعتبارها طريق الشكر، والحكمة التي تم الاستهلال بها في بداية الشرح إشارة بمفهومها إلى طريقتهم باختصار؛ إذ الأليق بالعبد ليس الاعتماد على الأعمال، وإنما شهود الفضل والإحسان، وهو تمييز أصَرَّ المؤلف على التنبيه عليه في مقدمة كتابه، حتى يكون ما بعدَهُ بيانا لهذا المشرب المذكور، وذلك في مقابل طريق المجاهدة، -وهم غير الشاذلية- كالغزالي رضي الله عنه وغيره، الذين “جعلوا للطريق ثماني عقبات آخرها عقبة الشكر، فيكون السالك في السبع التي قبلها في غيبة عن المعنى المتقدم، فيشق عليه السلوك“، وهنا تبرز قوة المشرب الشاذلي لانطوائه على همة عالية، تدفع صاحبها إلى العمل بوصف بمحبة، لذلك يجد أنسه ولذاذته في التعبد، بخلاف من يعمل بدونها فإنه يجد في نفسه ثقلا في مزاولته للأعمال التعبدية.  

وبَيَّن المؤلف على أن الكلام في الكتاب مُوجَّه إلى المتيقظين المتنبهين الذين خرجوا عن دائرة الغفلة، باعتبار أن لهم تهييئا واستعدادا باطنيا، يكونون أكثر تجاوبا مع هذا التوجيه النوراني الذي ينطوي عليه الكتاب، فالشيوخ المتحققون يؤثرون بصدقهم وإخلاصهم في المريدين المتلقين عنهم، لما يستحضرونه في هذه العلاقة من شهود تجليات المطلق الذي يغطي وصف البشرية، لأنهم يتعاملون مع الخالق من خلال الخلق، ولابد من تحقيق هذه اليقظة الروحية أن يجمع الطرفان، الشيخ /المريد، يجمعهم ميثاق الأخذ والسلوك كشروط جوهرية في التربية الصوفية.

واللافت في الكتاب استحضار عدد من الإشكالات الكلامية في سياق مناقشة قضايا صوفية، وللباحث أن يتساءل عن سر هذا الاستدعاء القوي بالنسبة لابن زكري في شرحه لحكم ابن عطاء الله، ويمكن أن نقدم الإجابات الآتية:

أولا: السياق الثقافي الذي عايشه صاحب الكتاب، والذي تميز بإحياء مواقفَ كلاميةٍ اعتزالية على الخصوص، من ذلك ما ذكره صاحب كتاب نشر المثاني عن أحدهم يسمى ابراهيم بن الحسن الكوراني الشهرزوري، الذي أذاع قضية حدوث القدرة الإنسانية، وتأثيرها في أفعال العباد، وقد انبرى للرد عليه ثلة من علماء الوقت، كسيدي محمد بن عبد القادر الفاسي، وسيدي محمد المهدي بن أحمد الفاسي، الذي ألف كتابا سماه: «النبذة اليسيرة واللمعة الخطيرة في مسألة خلق الأفعال الشهيرة» [1] وغيرهم، ولعل أن استدعاء الرد من خلال نوعية هؤلاء العلماء، يبرزُ قوةَ حضور هذه المقالات وتأثيرها على عموم المجتمع.

ثانيا: إن بنية الخطاب الصوفي تستدعي بيان الفرق بين المدلول الصوفي وغيره من الدلالات التي تتشارك معه أرضية النقاش، بحيث إن هناك تناظرا في عدد من القضايا الصوفية التي نجد لها شبيها عند أهل الاعتزال وغيرهم من الفِرق، ما حدا ببعضهم إلى ربط التصوف بأصول أجنبية عنه، فكان من اللازم بيان الفروق، وتحديد التقاطعات بين هذه المجالات، حتى تتضح الرؤية، وتظهر الحجة، ولبيان هذا الأمر بشكل واضح، نأخذ مثالَ ما أورده ابن زكري في قضية شهود الفعل بين أهل التصوف وأهل الجبر، حيث يقول: “الفرق بين شهود أهل البقاء الأفعال من الله، وبين رأي أهل الجبر؛ أن أهل البقاء يشهدون وحدانية الفاعل والنسبة الشرعية، بخلاف غيرهم فإنهم وإن اعتقدوا ذلك تغلب عليهم الغفلة عنه، ويشهدون الأفعال من أنفسهم، فيعتمدون عليها، ويسكنون إليها[2]، وعلى أساس هذا التمييز ظهر وجه الفرق بين عقيدة أهل التصوف السنية وبين غيرها من النحل.  

وتمحورت الحكم حول المعرفة الإلهية وطرق تحصيلها، والآداب التي ينبغي التزام المتحققين بها، وما يتضمن ذلك من مشاهدات وحقائق فياضة تنكشف للعارف، والشارح في سياق هذه المعاني التوجيهية يُؤَصِّل ويقيس ويستنبط دقائق تربوية يغني بها حِكم ابن عطاء الله، وذلك بِحُكم وحدة الممارسة العملية التي تجمع صاحب المتن وشارحَه، وهذا ما يساعد على إغناء التجربة الصوفية، ويحقق تراكما حقيقيا في مجال السلوك التربوي، يمكن من خلاله تقنينه في شكل قواعد سلوكية كما فعل الشيخ زروق في كتابه: «قواعد التصوف». 

 واستدعاء الحكم العطائية في سياقات تاريخية مختلفة لا يخرج الشارح من مجاله التداولي، باعتبار أن طبيعة الموضوع تتعلق بجوانب كلية عن فلسفة التعبد، وما يقتضيه ذلك من استيفاء شروط وقواعد عامة قصد تمحيص السلوك لإدراك المطلق المتعالي، وعليه فالشارح في سياق مناقشته للحكم يضع هموم مجتمع يعاني تراجعا أخلاقيا، وتدهورا على مستوى غياب القيم الإنسانية المؤطرة للحياة العامة.

 دواعي اختيار الموضوع وصعوباته:

من الأمور التي حفزت همتي للبحث في هذا الموضوع اعتبارات عديدة منها:

1- اقتناعي بأهمية كتابِ شرح الحكم في تصحيح مجموعة من المفاهيم حول التصوف السني السلوكي، وما أثاره من مباحث جديرة بالبحث والدراسة.

2- موضوع الكتاب باعتباره من المدونات الكبرى التي تبين أسس ومبادئ الطريقة الشاذلية.

3- توفر عدة نسخ من مخطوط شرح الحكم لابن زكري، وسلامتها من الخروم والتلاشي، فضلا عن الخط الواضح الذي كتبت به معظمها، مما جعل عملية التحقيق تقترب من النص الأصلي.

4- منزلة المؤلف سيدي محمد بن زكري، والتي تتجلى في:

●  مصنفاته العلمية القيمة التي تشهد له بسعة الإطلاع، وغزارة المعرفة في مختلِف الفنون.

● مكانته العلمية العالية، إذ حظي بثناء مجموعة من العلماء وصفوه بأحلى الأوصاف وأحسنها، مما يدل على رسوخه في العلم وتمكنه منه.

أما عن صعوبات البحث: فإن العمل اكتنفته صعوبات جمة تطلبت مني غاية الجهد، ومن بين هذه الصعوبات.

– ندرة الدراسات والأبحاث عن المؤلف.

– طول المتن المحقق، وما استدعاه من جهد في المقابلة والتحقيق.

المنهجية المتبعة في التحقيق:

كان عملي في التحقيق كالآتي:

– نقل محتوى الكتاب من المخطوط إلى المطبوع معتمدا على النسخة “أ”، مع تحديد أرقام الصفحات ليسهل الرجوع إلى الأصل.

– مقابلة النسخة المعتمدة بالنسخ الأخرى، بتتبع الفروق والتحريفات، والزيادات والسقط، والإحالة إلى ذلك في الهامش، كما تمت الاستفادة من المصادر التي اعتمدها المؤلف.

– في مرحلة التخريج ثم التحقق من الآيات القرآنية، ببيان موضعها وإثبات السورة ورقم الآية.

– تخريج الأحاديث النبوية، والإحالة على مصادرها من مظان الحديث المعتمدة.

– التعريف بالأعلام مع ذكر مصادر ترجمتهم.

– توثيق المادة الشعرية بالتأكد من نسبة الأبيات لقائلها، والتخريج من دواوين الشعر أو المصادر الأدبية.

– توثيق النقول والمرويات والإحالة على مصادرها وأصولها.

– أثناء التوثيق تم تقديم اسم الكتاب على اسم المؤلِّف، ليتبع باسم المحقق، ودار النشر.

خاتمة في أهم نتائج البحث:

انطلاقا من الهدف الأول الذي انبثقت عنه هذه الوحدة، وهو خدمة النص العربي الأدبي القديم، وفي خضم هذا المشروع الكبير، يندرج إحياء أدبيات التراث الصوفي المغربي، إيمانا بأن التصوف في المغرب لم يلق بعد في الدراسات الجامعية ما يناسب الاهتمام اللائق به، باعتباره من أصول الهوية المغربية، وعليه يمكن أن نحدد نتائج هذا البحث كالآتي:

● إثراء الخزانة المغربية بهذه الباكورة من التراث الصوفي لأحد أبرز الشخصيات الصوفية التي عاشت في أواخر القرن الحادي عشر وبداية القرن الثاني عشر.

● رد الاعتبار لشخصية مغربية بارزة لم تلق العناية المناسبة لعطاءاتها الفكرية الكبيرة، وهي شخصية سيدي محمد بن زكري.

● دارسة التفاعل الصوفي بين المشرق والمغرب الإسلاميين، من خلال تتبع صدى متون صوفية المشرق عند المغاربة بصفة عامة، ومتن “الحكم العطائية” بصفة خاصة، وكيف اجتهد المغاربة في تأسيسهم لكتابة صوفية خاصة، تستجيب لمجال التداول المغربي.

ويبقى أهم هذه النتائج بعد هذه الرحلة الطويلة الشاقة هو تتويج الخزانة المغربية بشرح صوفي مغربي لهذا الكتاب النفيس.



[1] نشر المثاني، 5/1789.

[2] شرح حكم بن عطاء الله: ابن زكري، 106.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق