مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

تقرير عن مناقشة دكتوراه بعنوان: «الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي؛ محاولة في التركيب»

    نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الأول- وجدة أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: ” الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي؛ محاولة في التركيب”، والمسجلة بوحدة البحث: “اللغات، الثقافات والتواصل”، أعدها الطالب الباحث: اليماني قسوح، تحت إشراف الأستاذين بلقاسم الجطاري وميمون الحمداوي، وذلك صبيحة يوم السبت 01 نونبر 2014، ابتداء من  الساعة التاسعة 9 صباحا، وإلى حدود الثانية عشر ونصف زوالا.

    استُهِلت المناقشة بكلمة السيد رئيس اللجنة، التي أكد من خلالها على أهمية مثل هذه المواضيع في إغناء حقل الدراسات الجامعية، وقبل أن يُحيل الكلمة على الطالب الباحث لتلاوة تقريره، قدم الرئيس أعضاء اللجنة العلمية التي ستناقش العمل والمشكلة من الأساتذة: فريد المريني الوهابي رئيسا، بلقاسم الجطاري مقررا، أحمد أبركان عضوا، يحيى عمارة عضوا، أحمد الكامون عضوا، حسن حساين عضوا.

  وقد حاول الطالب الباحث من خلال أطرحته رصدَ التطور التاريخي لحركة الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، وبحثَ خصوصيات هذه الشريحة من الناس في علاقتها بمجتمعها، كما سعى إلى دراسة وظائفها وأدوارها ومكانتها ونفوذها في المجال المقترح للدراسة.

منطلقا في كل ذلك من مجموعة من الأسئلة من قبيل:

 – ما حقيقة وجود الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي؟ وما مدى سبق المنطقة لاِحتضان حركة الأولياء والصلحاء؟ وما المراحل الأساس للتطور التاريخي لهذه الحركة بالمنطقة مجال الأطروحة؟ ومن هم الأعلام والشخصيات التي تمثلها؟

 – ما الأدوار والوظائف التي قام بها الصلحاء والأولياء بالريفين الأوسط والشرقي في الماضي والحاضر؟  

– ما المكانة التي حضي بها الأولياء والصلحاء بمجتمع الريفين الأوسط والشرقي وما تمظهراتها؟

– ما العلاقات التي نسجها أهل الولاية والصلاح في حقلهم الاجتماعي؟ وبماذا اتسمت؟

– هل من إمكانية لوضع خريطة لتمركز هذه الفئة وتوزيعها وتحديد دائرة تأثيرها أو نفوذها؟

– ما دلالات كثافة التوزيع الجغرافي لمزارات الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي؟ وما الأبعاد الرمزية لمواقعها؟

– ما حجم حضور أهل  الولاية والصلاح في الاِبداع الشعري الغنائي بالريفين الأوسط والشرقي وتجلياته وبعض دلالاته ؟ 

وقد حاول الطالب البحث والإجابة عن هذه الاشكاليات متوسلا بمقاربة تركيبة توليفة تمزج بين المنهج  التاريخي و”السوسيولوجي” و”الأنثروبولوجي” ، معتمدا في كل ذلك على البحث والاستقصاء الميدانيين، لجمع عدد من المعلومات والوثائق عن طريق الملاحظة بالمشاركة والمقابلة، والاعتماد على تدوين الروايات والممارسات والطقوس باستعمال مختلف وسائل التسجيل والتدوين وتقنيات التصوير والتحديد الموضعي لأضرحة الصلحاء عبر تقنية G P S ، فضلا عن تعبئة مجموعة من الاستمارات.

وقد توزعت مضامين الأطروحة إلى جزئين، خصص الجزء الأول منها للدراسة، والثاني للملاحق. وتشكل الجزء الأول من مقدمة ومدخل وثلاثة فصول وتركيب وخاتمة وفهارس. وخصصت المقدمة لتحديد دوافع اختيار موضوع الأطروحة، وإشكاليته ومنهجية البحث، ونظرة عن الدراسات السابقة عنه والمصادر والمراجع المعتمدة، وتصميم الأطروحة، بينما خصص المدخل لتحديد المجال الجغرافي للأطروحة وإطارها النظري والمفاهيمي.

أما الفصل الأول من الأطروحة فقد خصص لدراسة تاريخ الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي. أما الفصل الثاني، فقد تناول فيه الباحث الدراسة السوسيولوجية للأولياء والصلحاء بالمجال المدروس، في حين خصص الفصل الثالث، للدراسة الأنثروبولوجية لموضوع الأطروحة. وفي التركيب حاول الباحث التوليف بين خلاصات المقاربات الثلاث المعتمدة، وأنهى الباحث  دراسته بخاتمة عامة تضمنت أهم النتائج المتوصل إليها، كما عمل على وضع مجموعة من الفهارس المتنوعة ميز فيها بين فهارس الإيضاح وتشمل: فهرس الجداول، وفهرس الخرائط، وفهرس الرسوم البيانية، وفهرس الأشكال الهرمية، وفهرس الخطوط الزمنية، وفهرس الصور، وفهرس الخطاطات، وفهرس المصادر والمراجع، وفهرس المحتويات.

أما الجزء الثاني من الأطروحة، والمكون من عشرين ملحقا فقد تضمن وثائق عبارة عن مخطوطات ومراسلات، وظهائر، ومتون شعرية وحكائية، وجداول، وقوائم، وخرائط، وصور ورسوم وخطوط زمنية ملحقة بالجزء الأول من الأطروحة المخصص للدراسة.

وقد تم تنظيم هذا الجزء وفق التصميم التالي:

المقدمة: تضمنت تصميم هذا الجزء.

الفصل الأول: يشمل ثمانية ملاحق مرقمة بالترتيب من رقم: 1 إلى رقم: 8 مخصصة لمخطوطات تتضمن معلومات حول الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، وأنسابهم وظهائر توقيرهم واحترامهم، ووثائق ومراسلات تعكس جوانب من حياتهم وأدوارهم وما ارتبط بهم من علاقات صراع وسلطة، ومتون شعرية وحكائية حولهم.

الفصل الثاني: يشتمل على سبعة ملاحق، تضم جداول تفريغ استمارات البحث الميداني وجرد الصلحاء والأولياء المنتمين للمنطقة مجال الدراسة، والمترجم لهم أو المذكورين في عدد من كتب التراجم والمناقب، وفي بعض الدراسات الأجنبية الحديثة.

ويضم الفصل الثالث خمسة ملاحق تشمل: جداول، وخرائط، وصور، وخطوط زمنية ورسوم بيانية وتوضيحية.

وفي الأخير ذيل الباحث أطروحته بفهارس مختلفة، ميز فيها بين فهارس الاِيضاح وتشمل: فهرس الجداول، وفهرس الخرائط، وفهرس الخطوط الزمنية، وفهرس الصور، وفهرس المصادر والمراجع، وفهرس المحتويات.

ومن بين أهم ما خلص إليه الطالب الباحث من خلاصات واستنتاجات:

1- اعتبار ظاهرة الأولياء والصلحاء ظاهرة ممتدة وثابتة في تاريخ المنطقة على الأقل منذ دخول الاِسلام إلى الريفين الأوسط والشرقي، مع وجود أسس تاريخية موغلة في تاريخ المنطقة الديني والفكري، تفاعلت مع غيرها من الأفكار والمعتقدات التي لا يمكن نفي أثرها في الممارسات المرتبطة بالأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي. مع اعتبار الإسلام المصدر الأساس والرئيس ضمن هذه الأسس المفسرة لتبلور تجربة الأولياء والصلحاء وظهورها وتطورها بالمنطقة، والتي اِتسمت ملامحها بالوسطية والاِعتدال وتكريس قيم إنسانية واِجتماعية وأخلاقية ووطنية قامت على التضامن، والتآزر، والتآخي، والاِستقامة، والتسامح والسلم، والزهد، والمجاهدة، والاجتهاد والجهاد، والدفاع عن المظلومين والمضطهدين والمساجين والمهمشين وأبناء السبيل، ورفض التطرف والعنف خيارا للعمل والممارسة.

2- الانبثاق المبكر لحركة الولاية والصلاح التي مرت بثلاث مراحل أساسية واضحة المعالم والسمات في تطورها، مع وجود نوع من الاِستمرارية بين المراحل، وتداخلها، ولكل مرحلة أعلامها وشخصياتها الذين قدموا خدمات جليلة، وقاموا بأدوار تاريخية  شتى، وحضروا في مواقع وأحداث مهمة، وشكلوا قوة اِجتماعية وروحية وازنة ومؤثرة في مجريات الحياة العامة لمجتمعاتهم، فإلى جانب وظائف العلم والتلقين الصوفي، ونشر تعاليم الدين الإسلامي ببوادي منطقة الريفين الأوسط والشرقي، وحواضرها، تصدر هؤلاء لمقاومة الاستعمار الأجنبي بكل بسالة دفاعا عن وحدة الوطن وبيضة الإسلام ، كما تدخلوا لحل فتيل المشاكل والنزاعات بين الأفراد والأسر والجماعات والقبائل والمخزن، وتوفير الأمن والاِستقرار الروحي والمادي والصحي والنفسي، وتأمين الطرق والممتلكات والأسواق، وتنشيط الحياة الثقافية والاِقتصادية والروحية عبر المواسم والمهرجانات، وتحقيق التواصل والتفاعل والاِمتزاج بين الأفراد والقبائل والجماعات. في مقابل هذه الأدوار الإيجابية المشرقة، كان لبعض الدخلاء ممن ينتسبون إلى بعض الطرق الصوفية بمنطقة الريف كما غيرها من المناطق مواقف سلبية وسلوكات متخاذلة تجاه الوطن والمقاومة والمجتمع. غير أن يقظة رجالات الصلاح والولاية بهذه المنطقة سارعوا إلى تطويق هذه المواقف والسلوكات ومحاصرتها، حتى لا تستفحل وتؤثر، وذلك من خلال التصدي لأصحابها ومحاكمتهم وعقابهم، وسحب الاِعتراف بصلاحهم ومكانتهم وسلطتهم.

وإذا كانت الدراسة التاريخية لموضوع الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، قد سمحت بمحاولة تقديم إجابات  حول الأسئلة المطروحة أعلاه، فالملاحظ أنه بقدر ما كان صاحب البحث يتقدم في معرفة جوانب  تاريخية عن حركة الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، بقدر ما كانت أسئلة تطرح نفسها في إطار معرفة جذور الصلاح وبنيته وأبعاده الرمزية، تظهر قصور المقاربة التاريخية المعتمدة في الدراسة وعدم كفاية أدواتها في تقديم إجابات واضحة ومقنعة  عنها،  سيما بالنسبة لتحديد جذور اِمتداد الصلاح والولاية، ودور الممارسات والمعتقدات والشعائر في تحديد أسس اِنبثاقها وظهورها وتطورها بالمنطقة مجال موضوع الأطروحة، وتعرف مكانة الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، وسلطتهم، وأسسهما المفسرة التي سمحت لهذه الشريحة الاجتماعية ليس فقط نيل التقدير والاِحترام والتبجيل وتبوأ المكانة اللائقة بها، والقيام بعدد من الأدوار والوظائف الاِجتماعية، وإنما أيضا -وفي الآن نفسه- بناء علاقات اِجتماعية واسعة، في الحياة وبعد الوفاة؛ وفهم موضوعي وعلمي للمعتقدات والممارسات والشعائر والطقوس المرتبطة بها؛ من هنا تولد الدافع نحو اعتماد المقاربة السوسيو _ أنثروبولوجية في إطار من التكامل والتوليف والتكامل مع المقاربة التاريخية، وقد سمحت هذه المحاولة التركيبية للمزج بين هذه المقاربات المنهجية المعتمدة بتوسيع دائرة النظر والمعرفة والفهم بخصوص عدد من القضايا المرتبطة بموضوع أطرحتنا؛ وهكذا، يمكن القول:

1- إن الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، شكلوا ظاهرة ثابتة في تاريخ المنطقة، فهي حاضرة في الماضي البعيد والقريب، ومتجذرة في البنيات الثقافية والذهنية الجماعية والفردية بالمنطقة، تاركة أثرها وبصماتها في الواقع المادي والرمزي، وفي الوعي واللاشعور الفردي والجماعي، واستطاعت عناصر منها الاِنفلات من المراقبة والكبح والمنع، لتمتد إلى الحاضر.

2- بتعدد إسهامات رجالات الولاية والصلاح وحركتهم، في تدبير الشأن العام بالريفين الأوسط والشرقي في مجالات شاسعة اجتماعيا وثقافيا وتربويا وصحيا واِقتصاديا وسياسيا ودفاعيا؛ ورغم حالات المد والجزر التي عرفتها حركتهم، خلال مسيرها التاريخي الطويل، فقد غدت ظاهرة واضحة المعالم ممتدة ومستمرة، بل منصبة نفسها مرجعية لمشاريع تدبير الشأن الديني والثقافي، وتراثا وذاكرة قابلة الاِستثمار في إطار مشاريع ورهانات التنمية.

3- بتعدد تجليات مكانة الأولياء وسلطتهم ونفوذهم وعلاقاتهم، وتمظهراتها، وأسسها، ومصادرها المؤسسة والمفسرة، وتكاملها وتداخلها.

4- بتنوع علاقات رجالات الولاية والصلاح بمجتمعهم الصغير والكبير، وأسسها، وتقاطع محاور علاقاتهم عندهم، وقد شكل محورهم مركز إحقاق أشكال مختلفة من التواصل، والمصالحة والتوازن والاِنسجام بين عدد من البنيات التي تبدو متنافرة ومتعارضة ومتباعدة، مع اِلتباس علاقاتهم بالمخزن وتأرجحها وعدم ثباتها، وتسجيل اِختلاف في اِستراتيجية الجانبين وأهدافهما من العلاقة بينهما.

5- بوجود أبعاد رمزية ودلالات سوسيولوجية وراء كثافة التوزيع الجغرافي لأضرحة الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، ومزاراتهم، وسعي نحو تقديس المجال، والاِتصال بالمقدس الذي لا يقتصر حضوره على الذات، بل يمتد إلى عناصر المكان والزمان. وفي هذا الصدد، تجسد الممارسات والطقوس الشَّعَرية المرتبطة بزيارة رجالات الولاية والصلاح ومزاراتهم، أهم التعبيرات الرمزية عن تعلق  شرائح اجتماعية واسعة بالأولياء والصلحاء، وسعيهم للتواصل مع المقدس والاِحتماء به، وتقوية الروابط الاِجتماعية، والحد من التوترات والضغوطات والصراعات.

6- إن استمرار التعلق بالأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، من خلال اِستمرار زيارة أضرحتهم ومزاراتهم، وفق طقوس وشعائر مصاحبة، وخلال توقيت زمني متعدد ومتنوع ومتداخل، يشي بعمق التأثير الذي مارسته ظاهرة الأولياء والصلحاء في وعي المجتمع وذهنيته، أفرادا وجماعات بالشكل الذي يكشف عن جوانب من عقلية جماعية وقعت تحت تأثير ما هو روحاني ووجداني.

7- إن الأولياء والصلحاء بالريفين الأوسط والشرقي، خلال مسير حركتهم، يعبرون عن تجربة التدين الشعبي الذي يبدو أنه حظي بالقبول والتوافق مع الحس المشترك والتنظيم الاِجتماعي واِستطاع الحفاظ على حضوره ووجوده، متحديا آليات المنع والحجر والتحريم والفرملة والمراقبة والاِحتواء والتهميش والتبخيس، التي واجهته وتواجهه إلى اليوم من بعض التيارات المحسوبة على التيار السلفي المتشدد.

بعد هذه الخلاصات والاستنتاجات التي انتهت إليها الأطروحة يمكن القول أن هذا العمل قد فتح أفاقا أرحب من البحث يمكن لمن سيأتي بعده من دراسات أن يطرقها بمقاربات ومناهج أخرى مما سيعمق البحث في مثل هذه المواضيع ويغنيه  .

وبعد اجتماع أعضاء اللجنة، تمت تلاوة محضر الاجتماع، الذي تقرر خلاله منح الطالب اليماني قسوح شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا، مع التنويه بالأطروحة.

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق