“تقرير حول مناقشة أطروحة، بعنوان “الوَلاية والصلاح بمدينة فاس
نوقشت يوم الاثنين 14دجنير 2015، على الساعة الثالثة زوالا، برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية،جامعة سيدي محمد بن عبد الله ظهر المهراز بفاس، أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: "الوَلاية والصلاح بمدينة فاس خلال العصر الوسيط مقاربـة بـروسوبوغرافيـة"، إعداد الطالبة الباحثة بمختبر"البيبليوغرافية التحليلة والتوثيق للتراث المغاربي" لمياء لغزاوي، تحت إشراف الأستاذ السيد العميد الفاضل الدكتور عبد الإله بنمليح.
تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة الأجلاء:
الأستاذ الدكتور عبد الإله بنمليح مشرفا ومقررا (كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس)
الأستاذ الدكتور مولاي علي واحدي رئيسا (كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس)
الأستاذ الدكتور محمد المبكر خبيرا (كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس)
الأستاذ الدكتور أحمد الأزمي خبيرا (كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس)
الأستاذ الدكتور محمد الشريف عضوا (كلية الآداب، تطوان)
الأستاذ الدكتور المصطفى طهر عضوا (كلية الآداب، ظهر المهراز، فاس)
وبعد اجتماع أعضاء اللجنة، تمت تلاوة محضر المداولة، الذي تقرر خلاله اعتبار الطالبة الباحثة لمياء لغزاوي ناجحة في شهادة الدكتوراه بميزة مشرف جدا مع تهنئة اللجنة وتوصية بالطبع.
1-دوافع اختيار الموضوع وأهميته
وقع الاختيار على معالجة موضوع "الوَلاية والصلاح بمدينة فاس خلال العصر الوسيط مقاربـة بـروسوبوغرافيـة"، وفق منظور تاريخي يستند على مقاربة منهجية هي المقاربة البروسوبوغرافية Approche prosopographique-- التي ينبني منهجها على تجميع المعطيات حول الصلحاء بمدينة فاس الوسيطية وأوليائها، بغية التوصل إلى تصور عام عن خصوصيات حياة هذه الشريحة من المجتمع على مستوى نقط الائتلاف والاختلاف.
فقد أتاحت عملية إعادة توظيف الأدب المنقبي بمعية مختلف المتون المصدرية وفق مقاربة بروسوبوغرافية إمكانية متابعة السيرورة اليومية لحياة هؤلاء الصلحاء، وهو ما ترتب عنه وعي عميق بكون ظاهرتي الصلاح والوَلاية ليستا مجردتين وإنما هي معيش تاريخي واجتماعي إنساني. كما تشكل لدي لدواعٍ ذاتية تعاطفي مع شريحة الصلحاء والأولياء الذين لهم بدورهم متاعبهم وآلامهم وآمالهم. أما الدواعي الموضوعية التي عززت اهتمامي بالموضوع، الاطلاع على أشغال الأيام الوطنية السادسة عشر للجمعية المغربية للبحث التاريخي لسنة 2008، وبالضبط الكلمة التقريرية التركيبية للأستاذ محمد المبكر عن ورشة الصلاح والوَلاية بمدينة فاس، التي كانت بمثابة محفز لي على قراءة المعطى الصوفي "في أفق التاريخ الاجتماعي الشامل، لا من زاوية التأريخ للتصوف فقط"[1]، مما جعلني أشعر بمسؤولية أكبر للبحث في تاريخ الصلاح والوَلاية بمدينة فاس الوسيطية وفق مقاربة بروبوسوغرافية.
أما أهمية الموضوع تستمد أيضا من الدعوة الصريحة للأستاذ محمد المبكر. فالدراسات الصوفية على الرغم من قدم الاهتمام بها فهي بحاجة إلى "التجديد على مستوى المقاربات والمناهج المعتمدة"[2]، فمن خلال المكانة التي حظي بها هؤلاء الصلحاء تم الكشف عن كنه الحياة اليومية للمجتمع الفاسي ومعرفة انتظارات الفرد الفاسي البسيط وآماله مادام أن الصالح الولي هو نتاج المحيط الذي يعيش فيه.
2- مادة الموضوع وأسانيده
بناء على حصيلة شبكة العمل التي وضعت مرتكزاتها الأولى من لدن الأستاذ المشرف والأستاذ محمد المبكر، و التي تشكل كل استمارة فيها سيرة ونمط حياة خاصة بصالح من صلحاء مدينة فاس الوسيطية، الذين بلغوا ما مجموعه 278 ترجمة، وقد شكلت الحقبة الموحدية والمرينية أوج الصلاح والولاية بمدينة فاس، لكن المثير للانتباه أن المرحلة الإدريسية تفوق تمثيلية صلحائها صلحاء المرحلة المرابطية مما لا يدع مجالا للشك أن مدينة فاس الإدريسية مارست استقطابا هاما للأولياء والصلحاء إلى غاية ما قبل النصف الثاني من القرن 5هـ/11م. فأغلب صلحاء المرحلة الإدريسة نالوا صيتا تجاوز محيط المدينة.
بالمقابل اختلفت تمثيلية حضور صلحاء مدينة فاس بحكم هيمنة الحضور الذكوري على مجموع الحصيلة، باستثناء ترجمتين وحيدتين تتعلقان بالعنصر النسوي، ويرتبط الأمر بكل من: ورقا بنت ينتان الطليطلية وسارة بنت أحمد بن عثمان بن الصلاح الحلبية.
2-2- الدراسة النقدية لبيبليوغرافية الأطروحة
أقدمت على إجراء قراءة تأملية نقدية لمختلف المتون المصدرية والدراسات والمساهمات العلمية التي كان لها أثر كبير على مستوى تحرير مضامين الأطروحة
2-2-1- المصادر
بالنسبة للمثون المصدرية فقد وزعت تبعا للمستويات الاتية:
المستوى الأول: تصنيفات منقبية عبرت عن الانتشار الواسع لظاهرة الصلاح بالمغرب، ومن أهم الكتب المناقبية التي تم الاعتماد عليها نجد: المستفاد، التشوف، دعامة اليقين، أنس الفقير، السلسل العذب، الروض العطر.
المستوى الثاني: يرتبط الأمر بكتب مناقب وتراجم ذات طابع تكميلي تغني أخبار كتب المناقب والتراجم السابق عرضها من قبيل: مفاخر البربر، المقصد الشريف، جذوة الاقتباس، بغية السالك. هذا فضلا عن إغناء كتب الطبقات والرجال لقضايا الأطروحة عبر اعتنائها في مجملها بعلوم الشيوخ ورحلاتهم أنموذج ذلك: الديباج المذهب وما ترتب عنه من ذيول. أما بخصوص كتب الأسانيد، فهناك كتاب ممتع الأسماع لمحمد المهدي الفاسي الذي يعد من أقدم السير الذاتية المرتبطة بالشيخ محمد بن سليمان الجزولي والمساهم بشكل كبير في توجيه قضية التصوف الشادلي الجزولي بمدينة فاس.
المستوى الثالث: مصادر لم تهتم بمناقب الصلحاء إلا لماما، ويتعلق الأمر بالمعلومات الصوفية المثبتة في كتب الحوليات وإن كانت إشاراتها للصلحاء ذات طابع عرضي فإنها قدمت إفادات لا تقل قيمة عما هو مثبت في المتون المنقبية، منها على سبيل الذكر لا الحصر: المعجب، الأنيس المطرب، الذخيرة السنية، جنى زهرة الآس، فضلا عن كتاب المسند الصحيح الذي صيغ على شاكلة المناقب التي صارت هي الأنموذج الذي يحتدى به، ومن ثمة كان للكتابة المنقبية دور في توجيه كتابات مؤرخي الدولة المغربية فيما بعد.
المستوى الرابع: جمع مختلف أجناس الكتابة التاريخية المصدرية التي أغنت قضية الصلاح والوَلاية بمدينة فاس الوسيطية مثال: كتب تسنين وتقعيد تشمل مؤلفات من قبيل: المدخل إلى تنمية الأعمال لابن الحاج، وابن عباد الرندي /ت792هـ/ في رسائله. ثم محتسب الأولياء والعلماء، أحمد زروق /ت899هـ/ الذي يقعد للتوجه الشاذلي بالمغرب عبر مؤلفاته قواعد التصوف وعدة المريد. أما كتاب المعيار المعرب فيعد من أبرز المتون الفقهية التي تتضمن أخبار الصوفية وحياة الزهاد. بالمقابل شكلت كتب الرحلات نوعا آخر من المصادر الغنية بالمعلومات التي تتصل بالصلحاء أبرزها روح القدس في محاسبة النفس لمحي الدين بن عربي.
يستنتج مما سبق أن المنهج البروسوبوغرافي قد جعل من مجمل النصوص التاريخية عامة وعلى الوجه الأخص نصوص التراجم في شقها المنقبي "نصوص ولودة". وللإشارة فإنه في كل مرحلة زمنية من مراحل البحث تمت الاستفادة من مصادر أساسية، بحكم أن لكل فترة زمنية خصوصيات مصدرية ذات مرجعية فكرية تؤطرها.
2-2-2- دراسات في الصلاح والوَلاية
كما تمت الاستفادة أيضا من العديد من الدراسات الأكاديمية والبحوث ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بموضوع البحث. غير أنه سيتم الاكتفاء بنمذجة تلك الدراسات تبعا لتأثيرها على مسار البحث وفقا للتصور الآتي:
- يتعلق الأمر بدراسات لا محيد عنها لكل باحث يرغب في ضبط أصول التصوف المغربي، كدراسة كل من: التصوف الإسلامي في المغرب للباحث علال الفاسي، ثم العمل الموسوعي للباحث عبد العزيز بن عبد الله تحت عنوان: معلمة التصوف الإسلامي خواص ومميزات.
- تنقسم الدراسات الموازية للبحث إلى مستويين: المستوى الأول مرتبط بدراسات تهم تفعيل المقاربة البروسوبوغرافية فيما يخص التاريخ الإسلامي، وفي مقدمة تلك الدراسات أعمال الباحث محمد مواق المتعددة وخاصة مساهمته المتفردة عن:
-«Micro-prosopographie et biographie arabes : Histoire gentilice des fonctionnaires hispano-umayyades l’exemple des Banu Badr Ibn Ahmad».
أما المستوى الثاني من الدراسات الموازية فيرتبط بدراسات ذات بعد معرفي تعنى بموضوع الوَلاية والصلاح، لكنها ترتبط بأمكنة جغرافية وزمنية أخرى ويتعلق الأمر بكل من أعمال الباحثة ننلي سلامة العامري، وأعمال الباحث لطفي عيسى ثم العمل القيم للباحث محمد حلمي عبد الوهاب، تحت عنوان ولاة وأولياء السلطة والمتصوفة في إسلام العصر الوسيط.- تهم مجمل الدراسات التي شكلت منطلقا وحافزا أكبر للبحث عن امتدادات قضايا الأطروحة. من أبرزها الدراسة المعربة للباحثة منويلا مرين من لدن الأستاذ مصطفى بنسباع تحت عنوان: الزهاد والصوفية والسلطة في الأندلس، قيمة العمل تستمد من طريقة عرض القضايا التاريخية المرتبطة بالعديد من زهاد الأندلس اعتمادا على مصادر مخصوصة هي كتب التراجم فكان العمل بحق أنموذجا يحتدى به على مستوى بلورة قضايا شبيهة تهم حياة العديد من زهاد مدينة فاس بناء على مجموع سيرهم الذاتية. ثم دراسة الباحث روجيرو فيمركاتي سنسفرينو Ruggero Vimercati Sanseverino تحت عنوان:
Fès, la ville et ses saints : Hagiographie, Tradition spirituelle et héritage prophétique
عرض الباحث فيها لأولياء مدينة فاس منذ تأسيسها إلى غاية سنة 1912م، محاولا الإجابة عن قضية محورية مفادها: هل ارتقى الأدب المنقبي بالحياة الروحية للمدينة حينما صار علماء أشراف يدونون تاريخ أولياء جمعوا في سيرهم الذاتية بين سندي الشرف والعلم؟- تشمل جل الأطروحات الأكاديمية الكبرى التي يشترط علي استيعاب المنطلقات الفكرية لصاحبها وتصوراته المنهجية مع إخضاعهما معا للنقد والتمحيص الدقيق، للوقوف على آفاق أرحب للبحث وإشكالياته. من بين تلك الدراسات أعمال الأستاذ إبراهيم القادري بوتشيش، ودراسة الأستاذ عبد الجليل العلمي، في أصول التصوف بالمغرب/القرن السادس الهجري- الثاني عشر الميلادي/، كما شكلت دراسة كل من الأستاذ محمد المغراوي، العلماء والصلحاء والسلطة بالمغرب والأندلس في عصر الموحدي ودراسة الأستاذ محمد الشريف لكتاب المستفاد مرجعيات أساسية لا محيد عنها لدراسة الخصوصيات التاريخية للحركية الصوفية على العهد الموحدي. ثم أعمال الأستاذ محمد القبلي المتعددة والخصبة وعلى رأسها مساهمته القيمة تحت عنوان: "الدولة والوَلاية بالمغرب الأقصى في منتصف العصر الوسيط".
- تشمل المساهمات الدقيقة التي تعالج إحدى المبادئ الناظمة لظاهرة الصلاح والولاية وفي مقدمة تلك الأعمال مساهمة الباحث ياسر الهلالي تحت عنوان "موت الولي في كتب المناقب بالمغرب الأقصى خلال العصر الوسيط، من القرن السادس هـ/12م إلى القرن التاسع هـ/15م"، أو قراءته القيمة والمفصلة لقضية "اغتيال السلطان يوسف بن يعقوب المريني: قراءة في نصوص تاريخية ومناقبية لحادثة المنصورة"، كما شكلت أعمال كلا الباحثتين مايا شاتزميلرMaya SHATZMILLER وغاريثا-أرينال مرسيديس GARCIA-ARENAL Mercedes ، مرجعا لا غنى عنه للبحث في العلاقة التركيبية بين التصوف والسلطة والشرف على العهد المريني. كما تم العمل على تتبع مختلف إصدارات المجلات المتخصصة الورقية منها والرقمية.
3- الجهاز المفهومي
حمل عنوان البحث مشروعيته الإسمية، لأن كلا من الصلاح والولاية من المفاهيم الأكثر تعبيرا وتجسيدا للوضع الديني بمدينة فاس الوسيطية، عن تصدر حلية الصلاح مجموع حصيلة باقي التحليات بذكرها ما يعادل 65 مرة، فأرض المغرب "تنبت الصالحين كما تنبت الكلأ"[3] ويفيد مفهوم الصلاح على أن "الأولياء أنفسهم رجال صالحون قبل كل شيء، ولا يأتيهم الولاء، سواء أكان جليا أو خفيا إلا فضلا. وغالبا ما يكون الصلحاء أولياء خفيين"[4]، فضلا عن شبه إجماع لدى مصنفي كتب الرقائق على كون عمل الأولياء أساسه الصلاح. أما تحلية الوَلاية فقد ورد ذكرها ما يعادل 49 مرة، وهي تفيد تخصيص الله سبحانه وتعالى لبعض عباده وتفضيله بعضهم على بعض بما شاء من فضله. وعليه كان الولي الصالح هو من أحسن عبادة الله، طائعا في السر والعلن، غامضا في الناس، صابرا على الكفاف في رزقه، حريصا على مساعدة أفراد المجتمع على تخطي مآسيهم. من هذا المنطلق وعلى إثر هذه الخصوبة الدلالية نال كل من مفهومي الصلاح والوَلاية أولوية الذكر والتحليل بالمقارنة مع باقي التحليات التي تم استدعاؤها في البحث كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
4- الإطار الزمني والمكاني للموضوع
أما على مستوى دواعي اختياري لمدينة فاس ببعديها الحضري والقروي مجالا للدراسة فمرده أولا إلى رغبتي الأكيدة في الاعتراف بجميل مدينة فاس ومؤسساتها علي مولدا ونشأة، ثم ثانيا كثافة ظاهرتي الصلاح والوَلاية بمدينة فاس تعتبر مبررا قويا لأن تشكل مدعاة للاختيار، وهو تنوع وغنى تستلزمه مرتكزات المقاربة البروسوبوغرافية.
امتد زمن الدراسة مبدئيا من تأسيس الأمير إدريس بن عبد الله /ت177هـ-793م/ لمدينة فاس، وصولا إلى الصالح محمد الغزواني /ت935هـ-1528م/ الذي يعد أحد أبرز أعلام التيار الجزولي بمدينة فاس التي تلقى فيها تربية علمية وعملية أهلته لأن يؤسس زاوية خاصة به من داخل باب الفتوح من عدوة الأندلس بمدينة فاس.
5-منهج الأطروحة وخطتها
بسطت قضايا الأطروحة وفق منهجين: منهج كرونولوجي تعالَج على أساسه المواضيع والقضايا، ومنهج موضوعاتي لإبراز تطور الذاكرة والإفصاح عن طابع الاستمرارية.كما انبنى منهج البحث على مقاربة تراوحت بين ثلاثة أبعاد، شكلت في الأصل أساس خطة البحث التي قسمت إلى مدخل تمهيدي وأربعة أبواب مع مقدمة وخاتمة أثير فيها حدود الأطروحة وآفاقها المستقبلية، يتبنى البعد الأول التحليل الشمولي ونقصد به البحث في المؤشرات الكبرى التي أسست لظاهرتي الصلاح والوَلاية بمدينة فاس الوسيطية، وقد شمل هذا البعد كلا من المدخل التمهيدي إلى جانب مضامين الباب الأول، التي تمحورت فكرتها حول إنجاز معجم تاريخي يشكل حقلا دلاليا لفكر الصلاح والولاية. مع وعينا التام بضرورة تحديد الهوية الشخصية لصلحاء مدينة فاس ابتداء من أسمائهم وصولا إلى موارد رزقهم ونمط سيرورة حياتهم اليومية، وهو ما تطرقت إليه مضامين الباب الثاني في البحث. بينما ركز البعد الثاني على البحث الدقيق في فاعلية الصلحاء والأولياء داخل المجتمع الفاسي، وهو ما هم الباب الثالث من البحث. في حين شمل البعد الثالث تتبع نفوذ صلحاء مدينة فاس وأوليائها داخل محيطهم الاجتماعي على المستوى التربوي- التعليمي والسياسي والمنقبي، وهو ما جسدته محتويات الباب الرابع من البحث. وقد استبعد البحث منذ البداية الغوص في الجانب النظري والفكري للتصوف انطلاقا من قناعتي بالقصور والعجز على إثر غياب تراكم معرفي يستلزم عملية المسح الدقيق للتصورات الدينية، لذلك ظل هاجسي هو استجلاء اجتماعيات الحياة الدينية التي تشكل رهان مشروع الأطروحة.
6-إشكالية الأطروحة
بفضل المنهج تم تحديد إشكالية كبرى للأطروحة تمحورت حول: هل البروسوبوغرافيا قادرة على دراسة التاريخ الاجتماعي الشامل لصلحاء مدينة فاس وأوليائها خلال العصر الوسيط؟ بأية كيفية يتعايش أهل الصلاح والولاية بمدينة فاس الوسيطية فيما بينهم ومحيطهم الخارجي باعتبارهم فئة اجتماعية لها حضورها الوازن لدى العام والخاص؟ هي إشكالية كبرى كانت مذيلة بثلاثة تساؤلات فرعية وفقا للتصور الآتي:
● أولا: ما هي طبيعة ومميزات الحياة الاجتماعية والاقتصادية للأولياء ذوي الصلة بمدينة فاس خلال العصر الوسيط؟
● ثانيا: إلى أي مدى استطاع أولياء مدينة فاس إثبات مواقفهم من قضايا المجتمع والمشاركة في بنائه تحت ظل مراقبة سلطتي الدولة والفقهاء؟
ثالثا: كيف أثر صلحاء مدينة فاس وأولياؤها في رسم معالم الشخصية الروحية والعلمية للمدينة؟
7-أدوات البحث وتقنياته
تمحورت وسائل العمل حول كل أداة من شأنها أن تسمح بتفكيك واستنطاق وصياغة نظرة تأويلية لمختلف المتون المصدرية التي وجهت مسار قضايا الأطروحة، فتم اعتماد المقاربة البروسوبوغرافية لحصر مؤشرات موضوع الأطروحة. ولتثمين المعطيات التي أفرزتها المقاربة البروسوبوغرافية كان لزاما الاعتماد على المقاربة الإحصائية بواسطة برنامج إكسيلExcel ، كما تمت الاستعانة بالبرنامج الإحصائي "Statistical Package for Social Sciences" أي "الحزم الإحصائية للعلوم الاجتماعية" ويسمى اختصارا SPSS، وهي حزم حاسوبية متكاملة لإدخال البيانات وتحليلها. وبغية تسهيل سبل الاستفادة من دعامات البحث تم العمل على إنجاز فهارس لما يعادل مائة وتسعة جدولا وثمانية مبيانات وخطاطتين وخريطتين إلى جانب ما يعادل واحدا وسبعين صورة حديثة.
8-خلاصات الأطروحة
ارتأيت استعراض الخلاصات المتحصل عليها وفقا للنسق المقارباتي المشار إليه مسبقا ضمن خطة البحث. وهنا يجب التأكيد أولا على فكرة هامة جدا تبلورة على أساسها قضايا الأطروحة. فقراءة تاريخ الصلاح والولاية بمدينة فاس الوسيطة أنموذجا بناءا على مقاربة برسوبوغرافية، خطوة أسفرت عن عدة نتائج ومراجعات تهم بالضبط المجال الجغرافي لمدينة فاس ببعديه الحضري والقروي وفقا لإطار زمني محدد. سمحت عملية أجرأة المقاربة البروسبوغرافية على قضايا تاريخ الصلاح والولاية بمدينة فاس الوسيطية إما بتعدل بعض الأحكام أو تقيد تعميماتها أو فتح آفاقا جديدة بما أثارته من تساؤلات معرفية، مع التأكيد على أن الأعمال السابقة لعدد من الباحثين هي التي ألهمتني لطرح تساؤلات وطرق مسارات معرفية تتسم بطابع الجدة. وعليه فإن النتائج التي توصلت إليها لا تدعي قول الحقيقة وإنما تعبر عن تجربة عمل راهن على خوض غمار مقاربة أسفرت عن نتائج تغني النقاش وتظل قابلة للتمحيص والتعديل لأنها محكومة بطابع التمثيلية والنسبية.
ارتبطت خلاصات البعد الأول من البحث برصد مميزات الهوية الشخصية لصلحاء مدينة فاس الوسيطية، فتم التوصل إلى أن
دراسة مؤشر كنى صلحاء مدينة فاس من إحدى العناصر التي أفصحت عن شخصيتهم ليس في حدود التعريف بهم بل إلى مستوى ضبط هويتهم ومدى تكريمهم وتعظيمهم ضمن أوساطهم الاجتماعية. كما تنوعت الدلالة المعرفية للألقاب التي حملها الصلحاء، إذ هيمنت عند تحديد ألقابهم الألقاب ذات الطابع المهني صناعيا وحرفيا من قبيل:/ الحباك والحرار/ الأمر الذي يعبر نسبيا عن طبيعة الأصول السوسيو اقتصادية للصلحاء. كما سمحت الألقاب المرتبطة بسحنات الأولياء خاصة السود منهم، برصد مدى إقبال عامة الناس على خوض تجربة الولاية والصلاح ورهانهم عليها من أجل تحسين مكانتهم اجتماعيا. أما مؤشر الاسم النسبي، الدال على طبيعة الانتماء الجغرافي والعائلي للصلحاء، فقد ساهم بدوره في الكشف عن سيادة طابع الحركية والتنقل بين مدينة فاس ومجال جغرافي معين.
في حين لم تطرح مسألة الانتماءات القبلية لصلحاء مدينة فاس أي أزمة عرقية، فالصلحاء لم يتفاضلوا بأنسابهم بل بأعمالهم الصالحة التي تعبر عن قيمة الفرد وفضله، إذ لم تقنن مدينة فاس نفسها ضمن توجه قبلي دون آخر بل ظلت مأوى لكل القبائل وحضنا لكل متلهف للسلوك التربوي القويم، ذلك ما تعكسه نتائج طبيعة الانتماء الجغرافي لهؤلاء الصلحاء الذي حظي فيه العنصر الأندلسي بالصدارة.
أما عن معالم شخصية الصلحاء فقد أسفر مؤشر الملامح الفيزيولوجية للصلحاء عن أثر الزهد والعبادة في تغيير فيزيولوجيتهم. في حين عبرت قضية هندام الصلحاء وأماكن إقامتهم عن التمايزات الاجتماعية القائمة فيما بينهم. وقد اعتبر مؤشر قوت الصلحاء بدوره رافدا مهما للإفصاح عن هويتهم، فكان بذلك الاستهلاك الغذائي رهانا اجتماعيا يخفي بدوره نوعا من التراتبية الاجتماعية فيما بين الصلحاء.
أوضحت نتائج البحث عن مدى تفوق حصيلة صلحاء مدينة فاس ذوي الانتماء الوظيفي على حصيلة الصلحاء الذين زاولوا حرفا خاصة، وهي حصيلة تثير استغرابا قويا وتفيد بأن أصحاب التأليف المنقبي قد ألفوا مناقبهم ليس فقط للضعفاء من صلحاء المجتمع، بل إنهم سخروا مناقبهم لخدمة فئة من الصلحاء ذوي الحسب والعلم والمكانة الوظيفية المرموقة، مما يعكس شدة الفارق بين المعطى الحرفي والوظيفي معا والمعطى الوظيفي في حد ذاته، خصوصا وأن هذه الخلاصة تتوافق مع خلاصات المدخل التمهيدي حينما تم التوصل إلى كون صاحب "كتاب بيوتات فاس الكبرى" يؤرخ بدوره لنخبة أهل الصلاح والولاية بمدينة فاس.
كما أن مجمل الإشارات النصية تفصح عن توفر الصلحاء على موارد مالية ومادية من إرث وصدقات وهبات وهدايا وفتوح وإقطاعات فلاحية، لذلك فالنتائج المحصل عليها تدفع إلى إعادة النظر في الأحكام التي تصرح بأن تيار التصوف خلال المرحلة الموحدية استهوى فقط فئات اجتماعية بسيطة ومتواضعة.
أما عن طبيعة اهتمامات الصلحاء الوظيفية فقد انصبت حول وظائف دينية بعينها مساهمين بقدر كبير في تدبير شؤون المجتمع على المستوى الديني والتربوي، خصوصا حينما تولى عدد هام من صلحاء مدينة فاس منصب الإمامة والخطبة بجامعي القرويين والأندلس، حيث سعوا إلى الاتخاذ من هذين المنصبين بوابة لإجراء تواصل أعمق مع أفراد المجتمع.
تنوعت أيضا مستويات حركية صلحاء مدينة فاس خلال العصر الوسيط بعدم الاستقرار التام، فكل حركية مجالية يمارسها الصلحاء هي رحلة تعبر عن مسار حياة يمر منه الصالح. كما تتحكم في هذه الحركية عدة عوامل تفسر طبيعة تلك التراتبية أعلاه التي اتسمت بحركة دائبة عبر القرون. فعلاقة إقبار الصلحاء واستقرارهم واستيطانهم بالمدينة أمر يعبر ضمنيا عن متانة الصلة التي جمعت الصلحاء بمدينة فاس، عكس علاقة عبورهم وترددهم ونزولهم بالمدينة.
وقد مكنت الحركية المجالية لصلحاء مدينة فاس الوسيطية في المجالات القريبة أو البعيدة من نيل الصلحاء إشعاعا إما على المستوى المحلي أو الإقليمي أو المغاربي أو على مستوى أكبر. إن مجمل صلحاء مدينة فاس الإدريسية نالوا إشعاعا أكبر، بحكم سعيهم إلى ترسيخ معالم فكر الصلاح والولاية بالمدينة، بينما حظي صلحاء فاس المرابطية بإشعاع مغاربي فإقليمي، على إثر سعيهم إلى خلق تلاقح بين تجاربهم الروحية وتجارب محيطهم الإقليمي والمغاربي. في حين اكتسح صلحاء فاس الموحدية صيتا على المستوى المحلي على إثر نضج فكر الصلاح والولاية بمدينة فاس الموحدية وترسخه بها إلى أن صارت مجالا حيويا لاستقطاب الصلحاء والأولياء من مختلف الأقطار. بالمقابل سمحت الخصوصيات التاريخية للمرحلة المرينية بنيل الصلحاء إشعاعا على المستوى المغاربي فالإقليمي على إثر شهرة أعيان الصلاح بالانفتاح على رموز السلطة الزمنية التي عملت جاهدة على احتوائهم.
في حين عبرت نتائج البعد الثاني من البحث عن مدى تفاعل أهل الصلاح والولاية بمدينة فاس الوسيطية مع محيطهم الاجتماعي، سعى عالم الصلاح والولاية إلى تبني أسلوب حياة زوجية قائم على المودة والرحمة، خصوصا وأن نظرة التقدير والاحترام للمرأة الصالحة ليست نابعة فقط مما قامت به من أدوار اجتماعية وإنسانية تجاه المجتمع فحسب، بل هي نظرة مرتبطة بذهنية مجتمع الغرب الإسلامي ككل وهيبته من رجال ونساء الصلاح والولاية بشكل عام.
أسفرت المقاربة البروسوبوغرافية لأخبار الصلحاء على مستوى علاقتهم بمحيطهم الأسروي عن نتائج جد متباينة بخصوص وضعهم العائلي. فبخصوص الصلحاء والأولياء المتزوجين تم التوصل فقط إلى 65 صالحا من أصل 278 ترجمة تمت الإشارة إلى زواجها. أما بخصوص مؤشر خصوبة هؤلاء الصلحاء فقد تم التوصل إلى أنه من أصل 65 صالح متزوج هناك:49 صالحا تم الإخبار عن أبنائهم مقابل 16 صالحا تم إهمال مصيرهم. في وقت هناك هيمنة كبيرة للأبناء الذكور على الإناث، وهو ما يعكس بشكل جلي أن الخطاب المنقبي ذو طابع ذكوري بامتياز. أما علاقة الصلحاء بأبنائهم فقد ارتكزت على تبني مبدإ الصحبة مع حرص عدد من الصلحاء على استمرار صفة العلم والصلاح والهيبة والبركة في عقب البيت، بالمقابل هناك من الصلحاء من لم يكترث لأمر أبنائه ولم يشارك إطلاقا في تربيتهم.
استطاع صلحاء مدينة فاس أن يجسدوا فكرة العمل التضامني بدون شرط أو قيد، مما جعلهم يعرفون بسلوك الإيثار والبذل والإنفاق، فكان لزاما عليهم، حتى يتمكنوا من خدمة مجتمعهم وقضاء حوائجه، أن يتمتعوا بشخصية كارزمية تهابها السلطة الزمنية من خلال أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فضلا عن إصداعهم بالحق. فكانت تلك المهام بمثابة آلية من آليات نفوذهم داخل محيطهم الاجتماعي، الذي لم يتردد في التعبير بين الفينة والأخرى عن مواقف التشنج تجاه شخصية الصالح.
في حين ارتكزت نتائج البعد الثالث ضمن البحث على إبراز نفوذ أهل الصلاح والولاية بمدينة فاس الوسيطية، فعلى المستوى السياسيتم التأكيد على كون أهل الصلاح والولاية ليسوا بفئة اجتماعية مستضعفة، بل هي فئة حظيت بصوت يعبر عن همومها وانشغالاتها، فشكلت قضية إحراق كتاب الإحياء لأبي حامد الغزالي أحد أبرز أصوات الرعيل الأول من أهل الصلاح بمدينة فاس إبان مستهل القرن السادس الهجري. لقد احتضن صلحاء مدينة فاس فكر أبي حامد الغزالي ومبادءه الصوفية، كما لم يمنح صلحاء مدينة فاس المرابطية لحادثة إحراق الإحياء أكثر من حجمها بل استمروا في تداوله، دون أن تشير المتون المصدرية إلى أي متابعة وقعت في حقهم، مما يستنتج منه أن قضية الإحياء قضية تهم المجال الأندلسي دون حواضر المغرب الكبرى.
لقد ارتبطت علاقة الصلحاء برموز السلطة السياسية تاريخيا بطابع المعارضة أولا ثم الاحتراز والتقارب فالموالاة للسلطة الزمنية ثانيا، غير أن علاقتهم عموما بالسلطة ظلت تتراوح بين المهادنة تارة والاحتراز تارة أخرى. فالسلطة المرابطية كانت أكثر ليونة في تعاملها مع صلحاء مدينة فاس، لكن مع بداية أفول نجم دولتها بدأت سياسة تضييق الخناق على أعلام الصلاح بمدينة فاس. السياسة الاحترازية نفسها برزت معالمها مع بداية حكم الدولة الموحدية، على إثر حذر صلحاء مدينة فاس من طبيعة الحكم الموحدي ومرتكزاته العقدية والمذهبية. وعلى الرغم من تنامي تمثيلية عملية المواجهة التامة بين صلحاء فاس والسلطة المرينية، بقدر ما كانت صيغ المواجهة بين الطرفين ذات طابع شخصي بالأساس، عبر رفض تولي منصب ما أو تجنب اللقاء بالسلطان بشكل مباشر أو غير مباشر، وفي ذلك خوف للصلحاء على سمعتهم من أن ترتبط بأي شبهة.
أما على المستوى التربوي والتعليمي فقد فرض الصلحاء وجودهم داخل مدينة فاس بواسطة انخراطهم في كتاتيب ومساجد ورابطات ومدارس وزوايا مدينة فاس. وقد شكلت على الوجه الأخص مؤسسة الرابطة بمختلف أدوارها النواة الأولى لمؤسسة الزاوية على مستوى التسمية والوظائف، فجل وظائف مؤسسة الرابطة ظلت قائمة ضمن مؤسسة الزاوية وبذلك فمؤسسة الرابطة -تاريخيا- ما هي إلا انعكاس لمؤسسة الزاويا لاحقا. وقد ارتقى الفكر الصوفي ذو الخصوصيات الفاسية، من مستوى اتباع هدى السلف الصالح والالتزام بسنن أهل الدين والفضل إلى التأسيس لطرائق صوفية مرينية حسنة تتبنى أسلوب المصالحة مع الصالح علي اللجائي أو أسلوب الجود عبر الأعمال الإحسانية التطوعية للصالح محمد الحلفاوي.كما ترتب عن تراكم تجارب الصلحاء انبثاق تجربة مؤسسة "الزوايا الخاصة" المشيدة بإرادة مستقلة من لدن صلحاء التيار الجزولي بهدف إحياء التيار الشاذلي وتجديد هياكله بعد أن كان محدود الانتشار في الأوساط الخاصة طيلة القرن 8هـ/14م.
بالمقابل شكلت العلاقة التاريخية بين أهل الصلاح والولاية بمدينة فاس الوسيطية وبين فقهاء أعلام المذهب المالكي قضية مسار يطبعها الاندماج والتوافق، حيث قام الصلحاء بأدوار فعالة من أجل ترسيخ المذهب المالكي وصيانته وضمان انتشاره، فكانت مدينة فاس بذلك زاوية للتصوف السني ومحرابا للصلحاء والأولياء.
بينما شكل التحالف التاريخي الضمني بين شرفاء مدينة فاس الإدريسية وصلحائها قضية توافقية من أجل الإطاحة بالسلطة المرينية في إطار انتفاضة سنة869هـ، الأمر الذي يعبر ضمنيا عن كون سلطة الصلحاء صارت أكثر قوة وفاعلية داخل المجتمع الفاسي على عهد الدولة المرينية، التي وإن نجحت مؤقتا في تعطيل مسار التقارب والتجاوب بين القوتين، فإن الصلحاء رفعوا راية العلم والولاية والشرف باعتبارها إحدى عوامل إتمام هيبتهم وبركتهم، وما التجربة الجوطية إلا دليل على أولى تمظهرات اختزال قضية الشرف من قبل صلحاء مدينة فاس الوسيطية.
أوضحت حصيلة البحث انخراط صلحاء مدينة فاس في إثبات مكانتهم الاجتماعية، عبر آلية المنقبة المتمثلة أساسا في خرق العادة، وقد تمحورت حصيلة فحوى مجمل كرامات الصلحاء أساسا حول إجابة الدعاء والكشف على الخاطر والعلم بحوادث الأمور***، فاقترح تيار أهل الصلاح نفسه بديلا لمعالجة مشاكل المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وهو ما يعكس مدى تغلغل الفكر الصوفي في عقلية المجتمع الفاسية بعامته وخاصته. كما أن الصلحاء الذين تمتعوا بتأثير كرامتي هم صلحاء ينتمون إلى مستوى اجتماعي مرموق، وهي نتيجة طبيعية لأن دعوات الإصلاح لن تنبعث من عناصر قيادية منهزمة ومحدودة الإمكانيات فكريا واجتماعيا واقتصاديا.
9- صعوبات
تم تحديد صعوبات البحث في عنصرين اثنين: الصعوبة الأولى منهجية مرتبطة بجنس الكتابة المنقبية وعوائقها التي يمكن اختزالها في أربعة عناصر أساسية هي الزمان والمكان والنمطية ولغة الحكي، والصعوبة الثانية موضوعاتية فقد كانت مدة البحث صعبة على مستوى التفكير والتخطيط والبحث والتقصي والمتابعة، لأن عملية تدوين البحث وتحرير مواده في إطار رؤية شمولية جعلت من الصعب كتابة أي مبحث بصيغة مستقلة عن سابقه.
10 حدود البحث وأفاقه
لقد واجهت في إعداد البحث عدة حدود تعاملت معها بنوع من الحذر، فعلى المستوى المنهجي: لا يجب أن تؤخذ النتائج المتوصل إليها على أنها مسلمات نهائية لأنها تظل فقط أنموذجا للدراسة وبحاجة إلى إجراء قراءة بروسوبوغرافية تهم موضوع الصلاح والولاية على مستوى أزمنة وأمكنة أخرى بغية تعميم النتائج والتوصل إلى مبدأ ناظم لها على مستوى تاريخ الصلاح والولاية بالغرب الإسلامي ككل. أما حدود البحث على المستوى المعرفي فقد ارتبطت باختفاء تفاصيل المعيش والذاكرة وراء المحاسن، مما ترتب عنه عدم امتلاك أجوبة حاسمة للعديد من قضايا البحث. بينما تمحورت آفاق البحث في العمل حول الوعي الشديد بعدم ثبات المعرفة التاريخيّة، ليس وفق الانتماء والاعتقاد والإيديولوجيات فحسب، وإنّما أيضا وفق مقاربات علمية جديدة صار على أساسها العمل البروسوبوغرافي حاجة ملحة وليس أمرا عابرا، فإن لم تمنح المقاربة نتائج حاسمة فهي على الأقل ستقدم فرضيات جديدة تعيد النظر فيما سبق بحثه .
وختاما ، أود أن أجدد شكري العميق إلى جميع أساتذتي، وفي مقدمتهم أستاذي المشرف السيد العميد الفاضل الدكتور عبد الإله بنمليح الذي أفاض علي بعلمه ومنحني فكرة العمل، وزودني بمنهج علمي رصين ذلل الصعاب أمامي، وكان لي شرف العمل في ظل توجيهاته السديدة، فكان بحق مثال التواضع العلمي وحسن المعاملة، منحني الثقة وغرس في نفسي قوة العزيمة، لم يبخل علي بشيء من وقته الثمين فكان صبورا محتملا لي طيلة فترة البحث. أبقاه الله ذخراً لطلبة العلم وجعل ذلك في ميزان حسناته. كما أحمد الله الكريم على المثول بين يدي أعضاء هذه اللجنة العلمية الكريمة المكونة من ثلة من الأساتذة الأفاضل المتمكنين، ممن تمرسوا في البحث العلمي الأكاديمي الرصين، وأسهموا في إرساء دعائمه بالجامعة المغربية.كما لم يكن لهذا العمل أن ينجز بهذه الصورة، لولا مساندة ومساعدة أناس كثيرين، أرشدوني بعلمهم الواسع في مجال اللغة والمنهج والتصور وغمروني بدعمهم المعنوي وتشجيعهم، لذلك أغتنم هذه المناسبة لأعبر لكل من أعانني بالقليل أو الكثير من قريب أو بعيد عن عظيم شكري وعميق امتناني.
رحم الله الصلحاء والأولياء، وجازاهم عن مدينة فاس والمغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه.
[1] محمد المبكر، "تقرير عن ورشة الوَلاية والصلاح بفاس"، ضمن فاس والمجالات الحضرية التاريخ والتراث والمجتمع، أشغال الأيام الوطنية السادسة عشر للجمعية المغربية للبحث التاريخي 29-30-31 أكتوبر و01 نونبر 2008، تنسيق عبد الإله بنمليح ومحمد اليزيدي، ط1، مطبعة الرباط نت، 2013، ص81.
[2] المرجع السابق، ص 77.
[3] ابن قنفذ القسنطيني، أنس الفقير وعز الحقير، تحقيق أبي سهل نجاح عوض صيام، تقديم علي جمعة، ط1، دار المقطم للنشر والتوزيع، القاهرة، 2002 ، ص106.
[4] أحمد الأزمي، "الكلمة التقديمية لورشة الوَلاية والصلاح"، ضمن فاس والمجالات الحضرية ...، م.س، ص74.