تعلق القصد والنية بأعمال المكلف وضرورة موافقتها لقصد الشارع(1)
دة. أمينة مزيغة باحثة بمركز دراس بن إسماعيل
لما كانت مقاصد الشارع معروفة وواضحة للجميع، ومن السهل التعرف عليها لوجود المسالك الموصلة إليها، وكانت قد حظيت باهتمام العلماء، فإن مقاصد المكلف على العكس من ذلك- تبقى غير واضحة، فليس في وسع أي كان الحكم على قصد أي إنسان بالموافقة لقصد الشارع أو المخالفة، ذلك أن النوايا لا يعلمها إلا الله، و القصود يستأثر صاحبها بعلمها ، فهو الوحيد الذي يحدد نيته وتوجهها، ويعلم ما الذي قصده بعمله هل وجه الله أو شيئا آخر، فالنية والقصد شيء خاص ولصيق بالمكلف ومن الصعب معرفته والكشف عنه، والعمل التابع لهذه النوايا و القصود إما أن يوافق الشرع وإما أن يخالفه، ومن تم فإن الجزاء والثواب يكون تبعا للعمل المسبوق بالنية الصحيحة.
فما معنى كل من النية والقصد؟ هل يؤديان نفس المعنى، أم أنهما من قبيل الألفاظ التي إذا اجتمعت يكون لها معنيان مختلفان، وإذا افترقت كان لها نفس المعنى؟ ثم كيف يؤثر القصد في عمل المكلف فيجعله صحيحا أو فاسدا؟ وماهي الضوابط التي جعلها العلماء للكشف عن مقاصد المكلف ؟
النية والقصد في اللغة والاصطلاح:
أولا: النية:
أ- النية لغة: "النية والنوى الوجه الذي ينويه المسافر من قرب أو بعد ... والنية مخففة، معناها القصد لبلد غير البلد الذي أنت فيه مقيم. وفلان ينوي وجه كذا أي يقصده من سفر او عمل، والنّوى الوجه الذي تقصده ... وفي الحديث: "النية خير من العمل"، قال: وليس هذا بمخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نوى حسنة فلم يعملها كتبت له حسنة، ومن عملها كتبت له عشرا"، والمعنى في قوله:" نية المؤمن خير من عمله" أنه ينوي الايمان ما بقي ، وإنما يخلده الله في الجنة بهذه النية لا بعمله ... فالنية عمل القلب، وهي تنفع الناوي وإن لم يعمل الأعمال، وأداؤها لا ينفعه دونها، فهذا معنى قوله: نية الرجل خير من عمله....قال الجوهري: نويت نية، ونواة : أي عزمت"[1].
قال صحاب جامع العلوم والحكم: " واعلم أن النية في اللغة نوع من القصد و الارادة ..."[2]، وهي الفكر قبل الفعل، والخطة قبل التنفيذ، والارادة قبل القدرة ورؤية الهدف وعلم الطريق واختيار الوسيلة الموصلة إلى الهدف وهي العزيمة على الوصول قبل بدء الاقلاع"[3]
ب- النية اصطلاحا:
يقول الغزالي:"النية عبارة عن الصفة المتوسطة وهي الارادة المتوسطة وهي الارادة وانبعاث النفس بحكم الرغبة والميل إلى ما هو موافق للغرض، إما في الحال أو في المآل فالمحرك الأول هو الغرض المطلوب وهو الباعث، والغرض الباعث هو القصد المنوي والانبعاث هو القصد و النية، و انتهاض القدرة لخدمة الارادة بتحريك الأعضاء هو العمل"[4]، فمن خلال قول الإمام الغزالي يتبين أن "النية والإرادة والقصد عبارات متواردة على معنى واحد وهو حالة وصفة القلب"[5]، وقد ذهب ابن حزم إلى أن النية واجبة في جميع الأعمال قال: "فالنفس هي المأمورة بالأعمال وان الجسد آلة لها، فإن نوت النفس بالعمل الذي تصرف فيه الجسد وجها ما فليس لها غيره، وصح أن الله تعالى لا يقبل إلا ما أمر به، وقد أمر بالإخلاص له، فكل عمل لم يقصد به الوجه الذي أمر الله تعالى فليس يتوب عما أمر الله تعالى به... وقد أخبر الله تعالى على لسان نبيه عليه السلام أنه لا ينظر إلى الصور، فإذا لم ينظر إلى الصور فقد بطل أن يجزي عمل الصورة المنفرد عن عمل القلب الذي هو النية، وصح أنه تعالى إنما ينظر إلى القلب وما قصد به فقط"[6] ، قال الامام الغزالي:" النية عزم لا ينعطف على الماضي"[7].
يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام:"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" الحديث إخبار عن الأعمال الاختيارية أنها لا تقع إلا عن قصد من العامل، هو سبب عملها ووجوبها ويكون قوله: (إنما لكل امرئ ما نوى) إخبارا عن حكم الشرع، وهو أن حظ العامل من عمله نيته فإن كانت صالحة فعمله صالح فله أجره، وإن كانت فاسدة فعمله فاسد فعليه وزره... فإن الجملة الأولى دلت أن صلاح العمل وفساده بحسب نيته الصالحة وأن عقابه عليه بحسب نيته الفاسدة."[8]
"كل هذا يؤكد ما يعتقده المسلم في خطر النية، وعظم شأنها وكبير أهميتها لذا فهو يبني سائر أعماله على صالح النيات، كما يبذل جهده في أن لا يعمل عملا بدون نية أو نية غير صالحة إذ النية روح العمل و قوامه، صحته من صحتها وفساده من فسادها، والعمل بدون نية صاحبه مُراء متكلف ممقوت ، وكما يعتقد المسلم أن النية ركن الأعمال و شرطها، فإنه يرى أن النية ليست مجرد لفظ باللسان (اللهم إني نويت كذا) ولا هي حديث نفس فحسب بل هي انبعاث القلب نحو العمل الموافق لغرض صحيح من جلب نفع، أو دفع ضر حالا أو مآلا، كما هي الارادة المتوجهة تجاه الفعل لابتغاء رضا الله، أو امتثال أمره"[9]
[1] - لسان العرب : مادة (نوى).
[2] - جامع العلوم والحكم لابن رجب، 10.
[3] - الاجتهاد المقاصدي حجيته ... ضوابطه .... مجالاته ، نور الدين الخادمي (كتاب الأمة)1/10
[4] - إحياء علوم الدين 4/365.
[5] - إحياء علوم الدين 4/365.
[6] - الإحكام في اصول الأحكام 5/142.
[7] - المستصفى 2/357.
[8] - جامع العلوم والحكم 9.
[9] - منهاج المسلم، أبو بكر الجزائري 80.