تعلق القصد والنية بأعمال المكلف وضرورة موافقتها لقصد الشارع3
دة. أمينة مزيغة باحثة بمركز دراس بن إسماعيل
موقع النية والقصد من تصرفات المكلف
الحديث عن مقاصد الشارع و معرفتها، لا يحقق الهدف المقصود منه إلا إذا قابله حديث عن مقاصد المكلف، وقد أولى الإمام الشاطبي رحمه الله عناية خاصة بهذا القسم كاعتنائه بالقسم الأول، ذلك أن المكلف هو المقصود بالتشريع، وعلى وفقه يسير لتستقيم حياته، وتنتظم علاقته بخالقه، و علاقته بغيره؛ مع خالقه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ومع غيره بعدم إلحاق الضرر بهم أو إهدار حقوقهم، و بتمثين العلاقات الاجتماعية التي تضمن للفرد كرامته وللمجتمع سلامته.
إن موقع النية والقصد من تصرفات المكلف هي بمثابة الأساس من البناء، فلا بقاء لبناء دون أساس متين، ولا اعتبار لعمل دون نية أو قصد صحيح، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "الأعمال بالنيات والمقاصد معتبرة في التصرفات في العبادات والعادات..."[1]، فالقصد هو لب الأعمال حتى إن العمل لا يتعلق به حكم إلا بحسب القصد الذي كان باعثا عليه، يقول رحمه الله: "ويكفيك منها، أن المقاصد تفرق بين ما هو عادة، وما هو عبادة، وفي العبادات بين ما هو واجب، وما هو غير واجب، وفي العادات بين الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والمحرم، والصحيح، والفاسد، وغير ذلك من الأحكام"[2]، ويضيف الإمام الشاطبي مبينا علاقة النوايا بالأعمال، وما يتعلق بها من أحكام: "وأيضا فالعمل إذا تعلق به القصد تعلقت به الأحكام التكليفية، وإذا عري عن القصد لم يتعلق به شيء منها، كفعل النائم والغافل والمجنون"[3].
ضرورة موافقة قصد المكلف لقصد الشارع
بدأ الإمام الشاطبي حديثه عن هذه المسألة بقوله :" قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصده في التشريع"[4]، ذلك لأن الشريعة وضعت لمصالح العباد في العاجل والآجل، وإذا كان الأمر كذلك فالمكلف مطالب بأن يجعل قصده في العمل موافقا لقصد الشارع، وأن يمتثل لعبادة الله، وأن يقوم بما هو مسؤول عنه – باعتباره خليفة الله في الأرض – وللقيام بذلك على أكمل وجه ، من الواجب أن يصحح المكلف قصده ونيته حتى لا يصبح عمله ضربا من العبث الذي لا يحقق المعنى المقصود من خلافة العباد في الأرض، حتى ولو على نفسه وعلى أهله، وعلى من تعلقت له به مصلحة، فهو إذن مطالب بأن "يكون قائما مقام من استخلفه، يُجري أحكامه ومقاصده مجاريها" [5].
بطلان العمل الذي قصد به غير ما قصده الشارع
يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: "كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل، فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله في المناقضة باطل" ، ذلك أن الشرع قاصد لتحصيل العبد للمصالح ودرئه للمفاسد، فمن قصد بفعله وجه الله، فهو عين ما قصده الشرع، وإذا عمل على غير ذلك، فهو واقع في المناقضة لا محالة، لابتغائه ما لم توضع له الشريعة.
[1] - الموافقات في أصول الشريعة 2/246.
[2] - الموافقات 2/246.
[3] - الموافقات2/246 .
[4] - الموافقات 2/251.
[5] - الموافقات2/252.