وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

تطوان مدينة مغربية أندلسية: دراسة في التاريخ والمعمار

جمال بامي

مدير وحدة العلم والعمران بالمغرب

مقدمة:

لا يوجد مسافر زار بتطوان ولم يبد إعجابه بها، إذ تنبعث الصور البيضاء من أول نظرة للمدينة القابعة وسط الجبال.

ففي سنة 1717 كتب دبلوماسي إنجليزي يدعى برايت وايت مذكرة عن زيارته للمغرب صحبة السفير الإنجليزي (مستر جان روسل) قال فيها بخصوص مدينة تطوان بأنه وجدها (أفضل بكثير من جميع المدن الخرى التي شاهدوها في رحلتهم، ويؤيد فضلها جمال الراضي التي تحيط بها. وبها تجارة شعب من أقوى الشعوب روحانية، وأكثرها تمدنا في الإمبراطورية المغربية) وقد ترجم كتابه إلى الفرنسية بعنوان histoire des révolutions de l’empire du Maroc  وطبع سنة في استردام وقد أثبت ذلك الأستاذ محمد داود في (تاريخ تطوان) وهذه شهادة ديبلوماسية لها قيمتها التاريخية والحضارية[1] ويقول زائر آخر من العصر الحاضر عن تطوان: “وهي مدينة جميلة، والجمال لا يصور حقيقتها بنيت فوق تل درسة إزاء جبال بني حزمار وأحيطت ببساتين يسقيها وادي مارتيل، وإذا كنت مقبلا عليها نهارا بدت لك من بعيد بعماراتها وبيوتها وكأنها مجموعة من الزهر الأبيض، نسقتها الطبيعة تنسيقا يستهوي العين ويسعد الخاطر، ويأخذ بمجامع القلوب، فإذا كان الليل رأيتها هيفاء يغلبها الحياء فتتستر وراء جبل مختفية عن عينيك ويملؤها الزهو فتخرج من مكمنها سافرة تعرض عليك مفاتنها في ثوب شفاف من الضوء يظهر جمالها ويضاعف بهاءها، ويتكرر السفور والحجاب فتنعم بدلالها وتقر عيناك بمرآها وإذا استقام لك الطريق هفت نفسك إليها حين تراها ترحب بك، وأريج حدائقها يدعوك، حتى إذا ما وصلت إلى حرمها ضمك صدرها فتشعر بالراحة ويسري إلى نفسك الاطمئنان، يرى فيها زائرها فتاة جميلة المحيا باسمة الثغر لا يمل المقيم فيها بمرور الأيام لها عشرة، ولا يسأم لطول العهد فيها بقاء”[2]  .

أما  Roberto Arlt فخاطب تطوان قائلا:

” تطوان يا تطوان ! عندما أذكر اسمك تتمزق روحي، أنت أجمل مدينة في العالم، المدينة التي لا يعرفها أحد، ولا يذكرها أحد مدينة شوارعها سراديب سرمدية خرجت من كل المدن وأنا فرح جذلان ولكن عندما خرجت من تطوان، كان عليّ أن أعض على شفتي حتى لا تنهمر الدموع”[3]

هاهي تطوان جالسة على الضفاف المزهرة لنهر مارتيل ليس بعيدا عن البحر الأبيض المتوسط قبالة الأندلس التي صنعت مجدها، ممتدة فوق سريرها المزهر المليء بالوراق والأشجار لؤلؤة المغرب، الصامتة، المجهولة، الحالمة في قلبها الدروب القاتمة، الضيقة، المتسخة وخارج الأسوار رونق الحدائق ومجد البساتين.

هذه المشاهدات تذكرنا بأندلس الحلم في “واقع مغربي قاتم” كما تبرز التناقضات الثابتة: الحدائق المضيئة والضلال الخفيفة، حرارة السماء ورطوبة الماء، بياض الجدران العارية والتشبيكات الزهرية المعقدة فوق الفسيفساء المتعددة الألوان…

وتحت كل هذه المشاهد الطبيعية والمستحدثة نستشف مسارا مفعما بالتأمل والأمل.

إن النظام المغلق والصارم لتطوان يكبح جماح الأحلام والخيالات. وإن القصور والمعالم الدينية المنطوية على نفسها غالبا ما لا تقع عليها أعين الرحالة والمسافرين.

إن هذا اللعب المتعمد بالأطروحات الأدبية وأضدادها مع مناسبته للمقام الذي نشتغل عليه ليذكرنا بحق بخاصيتين متضادتين سيكشف عنهما البحث التاريخي والآثاري العميق للمدينة وهما: تفتحها الاقتصادي والتجاري وعلاقاتها الخارجية الواسعة وتمردها الدائم وفي الوقت نفسه إنطواؤها ومحافظتها على التقاليد العريقة ونسقها “المغلق”.

ولأجل الوصول على قلبها ينبغي تجاوز كل الدوائر التي تحميها: الجبال، الحقول والحدائق والأسوار وهذه القشرات المتتالية تذكرنا بالمدينة الأم (غرناطة) كما تذكرنا بالرمانة التي غناها [4] (La miougrano entre dubarto) Aubanel.

إن تطوان ترتبط بقوة بالعنصر الأندلسي بزهوه وبكوارثه.

لاشك أنه منذ 710م وخلال القرون التالية ظهرت للوجود مدينة صغيرة تسمى تطوان ذكرتها المصادر العربية والأوربية خلال فترات متفرقة من تاريخ طويل، ويذهب البعض – خصوصا الأوربيين- إلى وجود إرهاصات نشاط بحري قديم في تطوان لم يصمد كثيرا أمام تفوق موانئ سبتة والقصر الصغير[5] .

وإذا كانت تامودا الرومانية تقوم فوق السهل فإن تطوان ولدت فوق سفح جبل درسة البعيد نسبيا عن البحر.  وبعد تحصين المدينة في القرن 14 ستشهد تطوان تدميرا سنة 1399 – 1400 أو سنة 1437 على اختلاف بين العلماء، كما عجل باندثارها خنقها من طرف المدن المجاورة الأكثر نشاطا.

نحن إزاء قرن غامض (القرن14) تبقى لنا منه ارتسام مفاده التخلي والحطام، إنه على أقل تقدير قرن النسيان.

لقد شكلت مشاكل مملكة غرناطة ثم سقوطها سنة 1492 بداية ميلاد تطوان الأندلسية، إذ كانت نهاية مملكة بني نصر إيذانا بانبعاث تطوان الأندلسية بمسيرتها التاريخية الحافلة وإنجازاتها الحضارية الكبيرة، إنها مدينة في بداياتها الأولى بكل شيء تقريبا للفردوس المفقود أو الموعود إذا أردنا استعارة تعبير المؤرخ الكبير حسين مؤنس.

ولقد أخذت تطوان على عاتقها لعب دور القلب المفعم بذكريات الغرناطيين والموريسكيين من بعدهم.

ألا يمكن اعتبار ميلاد حضارة أندلسية عميقة في أرض مغربية مليئة بالتناقضات هو الذي طبع تاريخ المنطقة بالصراعات والثورات والمقاومات مع ما خلفته تلك الحضارة من عوامل الرقة والحضارة والإعمار؟

وإنه لمن الصعب بمكان تلخيص تاريخ مدينة غنية ومعقدة ولُغْزية كتطوان، إذ على الرغم مما كتبه السكيرج والرهوني وداود وابن عبود وما دبجه الأوربيون –الباحثون منهم الرحالة، وما نظم حولها من ندوات وملتقيات فإننا نجدها تقدم نفسها بسخاء متجدد لمن أراد أن يركب الصعب ويمارس عملية “الحفر الأركيولوجي” من أجل استنطاق جوانب لازالت غامضة من تاريخ هذه المدينة المغربية الأندلسية الفريدة من نوعها.

إن الثروة الأركيوليوجية للمدينة، وجمال موقعها ومحيطها وتاريخها السياسي الحافل، ووفرة نشاطها الاقتصادي، وتميز إسهامها الثقافي والفكري وانفتاحها واحتكاكها على ومع تقاليد وثقافات متعددة، كلها عوامل اجتمعت لتعطي لتطوان طابعها المميز[6].

ونظرا لصغر حجم المدينة العتيقة نستطيع أن نستعيد تاريخ خمسة قرون في يوم واحد.

خمسة قرون من التاريخ ابتدأت من إعادة بناء تطوان في نهاية القرن 15 على يد سيدي المنظري ومجموعة من المهاجرين الغرناطيين وطبعت رموز المدينة بطابعها المتجلي بوضوح في الأشياء والنفوس والأرواح، وذكرياتها لازالت مطمورة في ذاكرة  التطوانيين كما أنها لازالت تطبع حياتهم اليوم. والكثير من الأجانب لا يفهمون أهل تطوان لأنهم، بكل بساطة، يجهلون تاريخهم وتاريخ مدينتهم.

وتكمن أهمية التاريخ لا في معرفة الماضي فحسب ولكن لفهم الحاضر واستشراف المستقبل. وتبقى روح تطوان الحالية شاهدة على مجد تليد. وبعد فهدفنا من هذا البحث المتواضع هو النبش في الذاكرة التاريخية والمعمارية لتطوان منذ إعادة بنائها على المنظري وأصحابه إلى بداية القرن العشرين.

 وقد آثرنا أن لا نفصل في مقاربتنا هذه بين التاريخ والآثار وذلك لارتباطها العضوي في الميدان مع إيماننا بأن أي فصل بينهما سيؤدي إلى تجميدهما معا.

والمدينة التي ندرسها تعتبر مدينة غير “سلطانية” بخلاف مدن أخرى كفاس ومراكش ومكناس ورباط الفتح مما يكسبها خاصية الانفلات من الترسيم ويمكننا بالتالي استنطاقها للكشف عن الكثير من الطموحات الشعبية والأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والمعمارية التي أنتجت في فضاء ثقافي مفعم بروح الاستقلال.

وينقسم هذا البحث إلى مقدمة وستة فصول وخاتمة.

أما الفصل الأول فمخصص للحديث عن اسم تطوان وموقعها ومميزاتها الطبيعية، والفصل الثاني خصصته للحديث عن تطوان في القديم، والفصل الثالث حول التأسيس الأندلسي لتطوان والفصل الرابع يتحدث عن الفترة الموريسكية والفصل الخامس عن حكم آل الريفي ومرحلة الأوج والفصل السادس مخصص لبداية أفول مدينة تطوان أما الفصل السابع والأخير فيتحدث عن تطوان في بداية القرن العشرين.

الفصل الأول: حول اسم تطوان وموقعها ومميزاتها الطبيعية

1. الاســــم:

واسم تطوان تضاربت حوله آراء المؤرخين فمنهم من ينطقه تطوان ومنهم من ينطقه تطاوين أو تطاون.

ومعلوم أن المغرب بلد أمازيغي قديم، وعلى الرغم من تعريب الكثير من أجزائه فإن معظم مناطقه الجغرافية لازالت تختزن مدلولات أمازيغية. واستنطاق أسماء المناطق المغربية لابد أن يمر عبر المنهج اللغوي الأثري الذي يقتضي الكشف عن هوية الموقع باستعمال المعنى الأمازيغي للألفاظ.

وتوظيف هذا المنهج بخصوص اسم تطوان يؤدي إلى أن أصل الكلمة طاوين كما ينطقها معظم سكان المنطقة، ومعناه العيون، لأن “تيط” بالأمازيغية تعني العين و “وين” صيغة الجمع،  وهذا المعنى ينسجم مع وفرة عيون الماء بتطوان لدرجة أن حومة مشهورة لازالت تسمى العيون.

وهذا الرأي قال به الفقيه الرهوني في “عمدة الراوين” إذ يقول “وهذا الإسم على هذا الوجه، (تطاوين) هو الموجود الآن، وحتى الآن، وفي ألسنة أهل البلدة وجيرانها الباقين على أصل الفطرة، المتلقين لذلك عن أسلافهم، حسبما هو معلوم بالاستقراء، ولا ينطق بتطوان، أو يكتبها، إلا من يروم التفصح والتشرف، لولوع الناس بالجديد، ومخالفة الأصل السديد… وأيضا لازال برابرة الريف يعبرون عن العيون بتطاوين حسبما هو مشاهد في ألسنتهم”[7].

وينقل أحمد الرهوني كلاما لأبي علي  الحسن اليوسي يقول فيه: “لفظ تطاوين”، وجدنا أهلها وجميع نواحيها ينطقون به بتشديد الطاء، فلا موجب لتحويلها للبربر فوجدناها موافقة لما يقولون وما ذاك إلا لكونهم يتلقونها عن الباء والأجداد وهي في تلك جمع تيط، بمعنى العين الجارية أو الباهرة.

والبربر منهم من يجمعها على هذا الجمع، سواء كانت باصرة أو جارية، فيقولون: “تيطاوين” في لغتهم إلى الآن: فنظرنا في تلك المدينة فوجدناها ذات عيون من الماء، فعلمنا أن ذلك هو المراد بلا إشكال. وأما تطوان فلا معنى له في لغة العرب ولا العجم والله الموفق”[8] وتبنى الأستاذ محمد داود نفس الموقف في كتابه تاريخ تطوان إذ يقول: “واسمها غير عربي لأنه لا معنى له في اللغة العربية، بل هو بربري لأن له معنى واستعمالا في لغة البربر الذين كانوا منذ العصر الجاهلي ومازالو حتى الآن يسكنون عدة جهات في شمال إفريقيا وخصوصا في بلاد المغرب… وأن معناه له علاقة بالعيون، إما العيون الجارية بالماء وإما العيون المبصرة”[9].

2. الموقع:

ومدينة تطوان تقع في الشمال الغربي من بلاد المغرب وشاطئ البحر الأبيض المتوسط يقع شرقيها ويبعد عنها بنحو عشر كيلومترات.

ومدينة سبتة “المغربية الأصل” المشرفة على بوغاز جبل طارق، تقع شمالي تطوان وتبعد عنها بنحو أربعين كيلومترا. ومدينة طنجة الواقعة على المحيط الأطلسي تقع غربي تطوان وتبعد عنها بنحو ستين كيلومترا ومدينة شفشاون تقع جنوبيها وتبعد عنها بنحو ستين كيلومتران. ومدينة مليلية “المغربية الأصل أيضا” تقع في الجهة الشرقية منها وتبعد عنها بنحو 430 كيلومترا ومدينة أصيلا الواقعة على المحيط الأطلسي تقع في الجهة الغربية منها وتبعد عنها  بنحو ثمانين كيلومترا. ومدينة العرائش كذلك وتبعد عنها بنحو مائة كيلومترا، ومدينة القصر الكبير تقع جنوبي تطوان وتبعد عنها بنحو مائة وأربعين كيلومترا. وكذلك مدينة وزان، وتبعد عنها تطوان بنحو مائة وأربعين كيلومترا عن طريق الشاون وبين مدينتي تطوان وفاس عن طريق القصر الكبير 300 كيلومترا.

ومدينة تطوان حسب اصطلاح الجغرافيين القدماء واقعة في الإقليم الرابع الذي يصفه ابن خلدون بأنه اعدل العمران، ويصف سكانه بأنهم أعدل أجساما وألوانا وأخلاقا”[10].

3. المميزات الطبيعية:

يقول الفقيه الرهوني عن الموقع الطبيعي لتطوان:

“اعلم أن موقع هذه المدينة في سفح الجبل المسمى جبل ذي أرسى، أحد جبال قبيلة الحوزية، المنسوبة لحوز البحر الأبيض المتوسط، المسمى في القديم بالبحر الرومي، وقد دارت بسفحه من المغرب إلى الشمال، على شكل ثلاثة أرباع دائرة، ثم نزلت منه إلى البسيط المنحدر إلى الوادي الفاصل بين الجبل المذكور، وبين جبال بني حزمر.. وغالبها مبني على أحجار تحتها كهوف عميقة، ربما تقتضي بمن يسير فيها إلى مسافة بعيدة خارجة عن المدينة.

وبها عيون كثيرة، ذات مياه غزيرة، قد أجريت إلى دورها ورياضها بقواديس فخارية مقسومة على رباعها بالسوية، ما بين نوع جار في سواقي وفساقي، ونوع يسمى كأس عدل…

وفي عدة دور منها آبار ذات مياه كثيرة، غير أن ماء تلك الآبار في الغالب غير عذب بل فيه ملوحة ويسمى في العرف العام بلفظ “شلوق” بضم الشين واللام المخففة والقاف، أي غير حلو أما ماء العيون، ففي غاية العذوبة، لولا أن فيه ثقلا لا يحصل معه هضم الأطعمة على الوجه النافع للأبدان…

وبالجملة، فأهل هذه المدينة، متمتعون بالمياه الجارية والراكدة، تمتعا كبيرا يقاربون به تمتع أهل فاس بوادي جواهرهم وعيونهم”[11] فالمدينة القديمة زاخرة بالعيون المائية التي تجري في قنوات فخارية وضعت لهذه الغاية لتصل إلى المساجد والبيوت القديمة، وهذه المياه ثقيلة في الجملة وإن كانت عذبة صافية، وكانت تسمى بماء (السكوندو) ولعل هذا الاسم أطلق لعيها بعد “الحماية” الإسبانية لأن كلمة “سكوندو” بالإسبانية يراد بها الثاني فعرف هذا الماء بالماء الثاني بعد عثور الإسبانيين على عيون أخرى في ضاحية (سيدي طلحة) نسبة إلى الشيخ الصالح أبي يعلى سيدي طلحة الدريج”[12].

وللأستاذة اللوه رأي آخر في ماء سكوندو إذ تقول:

“ومن المعالم الباقية إلى اليوم، سبكة توزيع الماء بالمدينة والمسمى ماء سكوندو، وهذه الكلمة تحريف لكلمة Segundo الإسبانية، وهو اسم عائلة أندلسية موريسكية مزحت إلى تطوان…

وأحسن ما في هذا الماء هو نظام توزيعه.. ومنبعه يوجد في جبل درسة، وقد نقل إلى المدينة عبر قناة ضخمة تم إيصالها إلى المنطقة التي توجد فيها زنقة القائد أحمد، ومن هناك تم توزيع الماء توزيعا مدهشا على المدينة، وقد تمت مقارنة نظام توزيع ماء سكوندو مع نظام توزيع الماء ببلنسية فظهر أنه نظام واحد وبهندسة واحدة… وفي كل دار بتطوان كان يوجد نبع متدفق بماء سكوندو.

حاليا أبطل استعمال هذا الماء لأسباب.. والذي يهمنا هنا هو ذلك النظام المدهش لعملية توزيع الماء الذي أخذ اسمه من مخططه ومهندسه سكوندو  Segundo”[13].

وبخصوص جو تطوان وهوائها يقول الفقيه الرهوني في “عمدة الراوين” أن هواء هذه المدينة بالطبع جيدا موافقا للصحة وهو كذلك لولا العارض.

والعارض الذي يؤثر في جودة هوائها، جريان المياه الغزيرة، سواء كانت مطلقة أو مضافا تحت أبنيتها، مع ما أضيف إلى ذلك من وجود البحر في جهتها الشرقية، وجبال بني حزمار الشاهقة في جهتها الجنوبية، وجبل أرسى الشامخ في جهتها الغربية، فتصعد من تلك المياه أبخرة كثيرة تؤثر في سكانها، بل وفي نباتها، رطوبة كبيرة تكاد تقضي على حياة الجميع. وتقوى تلك الرطوبة الرياح الشرقية، إذ تأتيها حاملة تيارات بحرية، فتصير المدينة بين رطوبة أرضية، وأخرى سماوية، تكون منها  سبح ربما أمطرت مطرا كثيرا، وربما أمطرت مطرا يسيرا يسمى لغة وعرفا بالندى وناهيك بهذه الرطوبة تأثيرا في الصحة.

ووجود الجبال في ناحيتي الجنوب والغروب، يصد هبوب الريح التي تذهب بتلك الرطوبات، يرد أشعة الشمس على الأرض، فيعين على قوة رطوبة تلك الأبخرة المتصاعدة، وأحسن الرياح الموافقة لصحة سكن البلد، الريح الشمالية، لأنها، وإن كانت تهب من ناحية بحر سبتة، فإنها لمرورها على الجبال والأراضي الصحيحة الحجرية، تكتسب صحة وجودة تفيض على السكان من بركتها، فتنشف الرطوبة الحاصلة في المدينة، وتؤثر في الصحة تأثيرا جيدا”[14].

الفصل الثاني: تطوان في القديم

عنون الأستاذ الكبير محمد داود فصلا من كتابه “تاريخ تطوان” (بتطوان القديمة) قال فيه:

“نعني بتطوان القديمة، تلك المدينة التي كانت موجودة قبل البناء الأندلسي الأخير، أي غير تطوان الموجودة الآن، لأن مدينة تطوان الحالية بتقسيماتها وشوارعها ودروبها ومعاهدها، ليس قديمة، لأنها إنما بنيت في أواخر القرن التاسع للهجرة، الموافقة لأواخر القرن الخامس عشر للميلاد، أي قبل تاريخنا هذا بما يقرب من خمسمائة عام، وذلك أنه لما نزلت الكارثة العظمى بالأندلس كارثة اضمحلال آخر دولة إسلامية بذلك الفردوس المفقود، هاجر كثير من المسلمين إلى مختلف الأقطار الإسلامية، وكانت من بينهم جماعة من سكان غرناطة ونواحيها، فالتحقت هذه الجماعة بجماعة أندلسية أخرى كانت قد سبقتها إلى هذه الناحية من بلاد المغرب، وجدد الجميع بناء مدينة تطوان التي كانت في ذلك العهد مخربة غير عامرة ولا مسكونة، وهذا البناء الأندلسي هو الذي عمرت به هذه المدينة عمارتها المدينة عمارتها الجديدة، ولم يطرأ عليها خراب بعد ذلك إلى الآن والحمد لله… والواقع أن التاريخ الصحيح المحقق لتطوان، أنما يبتدئ نم تاريخ هذا البناء الأندلسي، أما ما قبل ذلك فالمعلومات عنه إنما هي شذرات متقطعة”[15].

تشير الأبحاث التاريخية والأركيولوجية التي قام بها الباحثون الأجانب من أمثال بياري وتيسو – في تطوان وناحيتها إلى وجود آثار عمارة ما قبل إسلامية متمثلة خصوصا في آثار “تمودة” التي عثروا فيها على شوارع وآثار ومقابر وأواني ونقود وغير ذلك.

والتواريخ الرومانية تحكي أن مدينة تمودة كانت عاصمة مطرانية، مما يدل أنها كانت مدينة كبيرة ذات أهمية والعالم الإسباني الأثاري “بيلايو كينطيرو” المدير السابق لمتحف تطوان قد استنتج من أبحاثه أن هذه المدينة المكتشفة رومانية، وأنه كان بها معسكر روماني، ويستدل على ذلك بالآثار والنقود التي عثر عليها، ويرى أن هذه المدينة قد أحرقت، لأنهم عثروا على ديار محترقة ومتهدمة، وأن أهلها تركوها وانتقلوا إلى المكان الذي توجد به تطوان الآن.[16]

ونعثر عند الجغرافي اليوناني بطولومي على ذكر لمدينة بين المكانين المعروفين الآن براس الطرف ورأس وادلو، وهما رأسان معروفان أحدهما في الشمال الشرقي لتطوان، والآخر في جنوبها الشرقي، وربما تكون تلك المدينة هي تطوان.

ويأتي ليون الافريقي ليقول عن تطوان في كتابه وصف إفريقيا ما ترجمته:

” تطاوين (Tetteguin) مدينة صغيرة بناها الافريقيون القدامى على بعد 18 ميل من المضيق وعلى بعد 6 أميال تقريبا من البحر، واستولى عليها “المحمديون” في الوقت الذي افتكوا فيه سبتة من أيدي القوط”[17].

أما خلال العصر الإسلامي فنجد اسم تطوان مذكورا في كتاب “روض القرطاس” لابن أبي زرع حيث تحدث عن دولة الأمير محمد بن إدريس بن إدريس فقال:

“لما ولي قسم المغرب بين إخوته، وذلك برأي جدته كنزة أم أبيه، ولى أخاه القاسم مدينة طنجة وسبتة وقلعة حجر النسر ومدينة تطوان وبلاد مصمودة وما إلى ذلك من القبائل”[18].

وابن أبي زرع هو أقدم مؤرخ ذكر ولاية القاسم بن إدريس لمدينة تطوان، وهو من أهل القرن الثامن، وبينه وبين القرن الثالث نحو خمسة قرون.

وذكر بعضهم أنه عام 334هـ، أراد أحد الأدارسة تجديد بناء تطوان الخربة فأرسل الناصر الأموي لعامليه على سبتة وتيكساس أن يمنعاه من ذلك[19].

ونقل الرهوني عن أبي عبيد البكري صاحب المسالك والممالك قوله “ولما دخلت سنة 338هـ أجمع بنو محمد بن القاسم بن إدريس على هدم مدينة تطاوين، وهدموها ثم أرادوا بنيانها فضج أهل مدينة سبتة من ذلك، وزعموا أنها تضر بسبتة وتقطع مرافقها، فأعجل عبد الرحمن الناصر إخراج الجيش إليهم سنة 341هـ، فتخلى بنو إدريس عن تطاوين وارتحلوا إلى قرطبة مقر الخلافة”[20].

وذكر الناصري في الاستقصا أنه خلال زحف بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي صاحب إفريقية بعد العبيديين إلى المغرب الأقصى… صعد جبال تطوان وتسنم هضابها..

وقد كانت تطوان موجودة أيام تأليف البكري كتاب المسالك والممالك وهو عام 460هـ وسماها تطاون التي بسفح جبل إيشقار، أي جبل درسة وتقع أسفل واد راس وهي قاعدة بني سكين. ولعل الزمان أرخى عليها بعد ذلك ذيول الخمول ولذلك كانت زمن قدوم سيدي عبد القادر التبين إليها قرى صغار[21] وورد ذكر تطوان ووصفها في جغرافية الشريف الإدريسي المتوفى سنة 560هـ فقد جاء في كتابه “نزهة المشتاق في اختراق الآفاق”: “ومن مدينة سبتة السابق ذكرها بين جنوب وشرق

إلى حصن تطاون مسافة صغيرة وهو حصن في بسيط الأرض.. وتسكنه قبيلة من البربر تسمى مجكسة”.

والادريسي من أهل سبتة القريبة من تطوان، وقد جاب الآفاق ووصفها، يقول عن تطوان بأنها حصن تسكنه قبيلة من البربر[22].

وذكر صاحب كتاب “الاستبصار” وهو مؤلف مجهول من القرن السادس مدينة تيطاوين وقال عنها أنها مدينة قديمة كثيرة العيون والفواكه وطيبة الهواء والماء.

وينقل الأستاذ داود عن صاحب الاستقصا ذكره لغزو الموحدين لتطوان في عهد عبد المؤمن بن علي كما ينقل عن البيدق نزول الموحدين إلى تيطاوين وقتلهم 800 شخص بها [23] تم تذكر المصادر أن أمير المؤمنين أبو يعقوب يوسف بن عبد الحق المريني بني قصبة تطوان سنة 685هـ. ثم شرع في بنائها حفيده أبو ثابت عامر بن عبد الله بن يوسف المريني سنة وفاته وهي  708 لكونه أراد أن يخطها لعسكره للأخذ بمخنق سبتة كما في القرطاس وابن خلدون والاستقصا… تم خربها الاصبنيول سنة 803هـ وذلك في مدة الأمير عثمان بن أحمد المريني أو سنة 807هـ على ما ذكره صاحب الاستقصا، وبقيت خربة نحو 90 سنة إلى أن جدد بناؤها على يد الرئيس أبي الحسن، على المنظري الغرناطي[24] وببناء المنظري لتطوان الجديدة بعث مدينة أندلسية من الخرائب ووسعها وجعها المكان الحلم لمنفى الآلاف من الإسبان المسلمين أو لا، والمريسكوس بعد ذلك”[25]

الفصل الثالث: التأسيس الأندلسي لتطوان

لا يمكن الحديث عن تجديد تطوان من طرف المنظري وأصحابه بقدر ما يمكن الحديث عن إعادة بناء.

بعد سقوط سبتة في يد البرتغاليين سنة 1415هـ وسقوط القصر الصغير سنة 1458هـ وطنجة وأصيلا سنة 1471هـ، في يد الإسبان بدا حوض نهر مارتيل[26] معزولا، وشكلت شفشاون المدينة –الدولة عصب المقاومة المغربية للغزو الإيبري… في حين كانت ضيعة تطوان تحتل موقعا دفاعيا محميا بحواجز طبيعية ممثلة في جبلي درسة وغرغيز كما ترتمي في أحضان البحر الأبيض المتوسط عبر سهول بني مطهر ومرتيل ويحفها من جهة الجنوب الغربي مرتفعات جبالة[27].

ومؤسس المدينة، أبو الحسن علي المنظري هو “أحد قادة جيوش أبي عبد الله الملقب بالملك الصغير (El rey chico)، كان قائدا لحصن بينار Pinar القريب من غرناطة، وهناك أخبار متضاربة حول خروجه من الحصن. والبحاثة Don Guillermo Goza Lbies Bueto  في كتابه (المنظري الغرناطي مؤسس مدينة تطوان) يقول:

“إن القائد المنظري غادر قيادته وأرضه نهائيا، شهورا قبل سقوط حصن “بينار Pinar” ويضيف: “المنظري كان ينتمي لطائفة أبي عبد الله الصغير، ومن هناك يفهم أنه ترك الحصن عندما شعر بالعزلة، وبأنه محاط من لدن قوات الزغل…”

فالشعور بالهزيمة الذي زاد فيه أسر ملكه أبي عبد الله من قبل النصارى، حمل المنظري وجماعته من المحاربين الغرناطيين على الهجرة إلى الديار الإسلامية الإفريقية، وكونوا في المنفى جماعة لن تنفصل، ومع الزمان ارتفع عددهم بوصول مهاجرين آخرين”[28] وتذكر الروايات –البرتغالية خصوصا- مواجهات المنظري الحربية مع الإسبان والبرتغال وأن كرهه للملوك الكاتوليك كان كبيرا، زاد من حدته إحتلال مدينته الأصلية (المنزر) أي المنظر الجميل وهو ما يسمى اليوم بيدمار Bedmar. لقد شكلت هذه الهجرة الغرناطية إلى تطوان نقطة بداية جديدة وعامل استمرار وازدهار حضاري. وأصبحت غرناطة حاضرة باستمرار في الذاكرة التطوانية حضورا تاريخيا وحضورا أسطوريا أيضا.

وتضفي بعض المصادر البرتغالية طابعا أسطوريا على حياة المنظري من ذلك قصة زوجته الأولى فاطمة – من عائلة الملك أبي عبد الله الصغير- التي وقعت أسيرة في يد الكونت دي تنديلا، تقول أمينة اللوه بهذا الصدد:

“فعندما كانت متوجهة من مدينتها غرناطة إلى تطوان للزواج من المنظري، أسرتها جيوشEl Conde de tendilla  ويأمر من هذا، ذهبوا بها إلى قلعة Alcala la Real وتبعد عن غرناطة بخمسين كلم.. إلا أن الاتصالات تمت في شأنها مع الكوندي، ومنها رسالة من الملك لأبي عبد الله الصغير إلى الكوندي يطلب فيها إطلاق سراح قريبته فاطمة، ويقدم مبالغ من ثروته لافتدائها.. وأمام هذا الاهتمام الصادر من الملك أبي عبد الله وبعض الشخصيات الغرناطية حرر الكوندي فاطمة بدون أن يتقبل أي افتداء، بل إنه من أجل إظهار العناية بالأسيرة، أهدي العروس حليا ثمينة وهدايا أخرى”[29] ونعثر كذلك على نص برتغالي عجيب يصعب تصديقه  ويبدو بعيدا عن المنطق، يقول النص أن “أبو الحسن المنظري طلب من ملك البرتغال نقله رفقة المهاجرين الغرناطيين إلى تونس مقابل التخلي عن تطوان وناحيتها لصالح ملك البرتغال”[30] لقد اختلطت في شخصية المنظري الأبعاد التاريخية والأسطورية، مما يضفي عليه بعدا لغزيا… وقبره وقبور المجاهدين الغرناطيين لا تزال قائمة في المقبرة الإسلامية بالمدينة.

وباستثناء قبره الذي نصبت فوقه قبة حفيلة فإن قبور مرافقيه الغرناطيين يطالها الإهمال والنسيان.

وهناك اختلافات في تاريخ بناء مدينة تطوان، فعبد السلام السكيرج في مخطوطه “نزهة الإخوان” يذكر أنها بنيت سنة 888هـ، وفي “المخطوط التطواني” يذكر صاحبه سنة 889هـ (نقلا عن محمد داود ص 95) وليون الإفريقي يذكر أن البناء تم بعد سقوط غرناطة وإلى هذا الرأي يميل محمد داود اعتمادا على تقييد للعربي الفاسي صاحب كتاب (مرآة المحاسن) إذ ذكر مانصه: “إن هذا البناء الأخير كان على يد جماعة من الأندلسيين قدموا إلى هذه العدوة حين استولى الكفرة – دمرهم الله- على الجزيرة أعادها الله للإسلام، وذلك في شعبان لسبع خلت من عام 89هـ) (أورده داود، ص95 – 69).

ويرىG.G.Bustoأن البناء تم سنة 1484م اعتمادا على عدة حجج أوردها في كتابه (المنظري الغرناطي مؤسس مدينة تطوان)، وعلى كل فمن المرجح أن تكون المدينة قد بنيت على مراحل مما خلق معه هذا الاضطراب في التواريخ.[31]

ولئن سبقت الهجرة تأسيس تطوان مرتبط بقوة، بسقوط غرناطة في يد إيزابيلا وفردناند. لقد شجع الاستقبال الحميمي الذي خصص للمهاجرين الأوائل سواء من طرف محمد الشيخ الوطاسي، الذي أذن للمنظري بتجديد تطوان، أو من طرف مولاي علي بن راشد بشفشاون- على جلب أفواج أخرى من المهاجرين الذين اندمجوا في المجتمع التطواني الجديد، الذي عرف ازدهارا كبيرا يرجع الفضل الكبير فيه إلى طبيعة العنصر البشري الأندلسي.

ولم تكن الهجرة الغرناطية على تطوان حدثا منقطع النظير، إذ تثبت المصادر التاريخية هجرات أندلسية، غرناطية وغيرها، إلى بلدان إسلامية وأوروبية خصوصا دول المغرب العربي[32] وبعكس الهجرة الأندلسية إلى الإيالات التركية (تونس خصوصا) التي كانت بإيعاز وتشجيع من السلطات التركية، فإن المهاجرين الأندلسيين إلى المغرب تحملوا كل تبعات استقرارهم في العدوة المغربية، نظرا للفراغ السياسي الذي عاشه المغرب بعد سقوط الحكم الوطاسي. [33]

ويبدو التأثير الغرناطي واضحا في تطوان سواء في العمارة العسكرية أو الدينية أو المدنية، إلا أن طابع القلعة  كان يطغى على الخصائص الأخرى.. ويبدو سور القصبة المنظرية شاهدا على غلبة الطابع العسكري لمدينة تطوان خلال نهاية القرن 15 نظرا لسمكه وعلوه وأبراجه الصغيرة، مما يجعلنا  نستنتج أن الطابع المعماري الأصلي لتطوان صيغ بطريقة تحمي المهاجرين الغرناطيين الأوائل ضد الغزو الخارجي والداخلي على السواء.

لكن الغوص داخل المدينة المنظرية يجعلنا نكتشف أن حرص الغرناطيين المؤسسين، المسكونين بهاجس الدفاع عن مدينتهم لم يحل دول وضع اللبنات الحضارية الأساسية لازدهار كبير سيبلغ حده الأقصى خلال القرن 18.

وبعد عمر ناهز 85 سنة مات أبو الحسن المنظري عام 1511، وضريحه يوجد بمقبرة المدينة القديمة بتطوان على تل مشرف على سهول تطوان الممتدة إلى مرتيل، ودفن بجواره المجاهد الوطني عبد الخالق الطريس.

خلف المنظري الحفيد جده المتوفى وتزوج بالسيدة الحرة – ابنة قائد الشاون مولاي علي بن راشد – التي ستحكم المدينة بدورها بين 1537 و 1542.

والست الحرة سيدة حظيت بشهرة واسعة النطاق في الشمال الغربي من إفريقيا الشمالية، وهي ممن اعتنى المؤرخون الأجانب بالحديث عنها والتعرض بالذكر لأيام حكمها بتطوان، ولعل شهرة هذه السيدة قامت على عدة اعتبارات: فهي ابنة أمير شفشاون علي بن راشد، وهي في الوقت نفسها الأخت الشقيقة للوزير أبي سالم إبراهيم بن راشد، أمها (لالا الزهراء) ذات الأصل الإسباني الأندلسي وهي كذلك زوجة قائد تطوان محمد المنظري، وهي حاكمة تطوان في فترة معروفة من تاريخ المغرب.

وهي بعد كل هذا وذاك، زوجة السلطان أحمد الوطاسي (932-956) ابن السلطان محمد الشيخ (البرتغالي) (919-932) الذي اعتبر زواجه منها في ذلك الوقت شبيها بزواج الملكين الكاثوليكيين فرديناند (1452-1516) وإيزابيلا (1451-1504) مكلي إسبانيا في أواخر القرن 15 وأوائل 16″[34].

ويمكن القول أن عصر آل المنظري محكوم بتأثير واضح للحضارة الأندلسية وبعلاقات عدائية مع الآخر الأوروبي وبحنين شديد إلى الوطن الأم، كما نستشف ضعف الولاء للسلطة المركزية، وهي خاصية ستميز تاريخ تطوان طوال خمسة قرون.

بعد آل المنظري، سيحكم تطوان آل النقسيس، ومن بعدهم آل الريفي تم آل أشعاش كل هذه الأسر حكمت لأكثر من جيلين وطبعت تطوان بميسمها الخاص، وتشهد العديد من الآثار المعمارية الباقية على اليوم على إنجازات هذه الأسر، واستمرت الهجرات الأندلسية في اتجاه العدوة المغربية تترى، مستقدمة خبرات جديدة وأنماطا في العيش جديدة، واندمجت الجاليات الحديثة مع سابقاتها، مشكلة مجتمعا متعدد الأبعاد، يربط بين عناصره وحدة الأصل مع وجود تمايز اجتماعي واقتصادي وفكري سينعكس على نمط العيش وعلى المجال والمعمار.

والمتتبع لأخبار الأندلسيين بالمغرب يلمس اختلافا دقيقا بين أندلسيي تطوان وشفشاون من جهة وأندلسيي المدن المغربية الأخرى، ويكمن هذا الفرق في كون الأوائل حافظوا على علاقاتهم مع الوطن الأم، وكالوا ضربات قاسية للإسبانيين والبرتغاليين، ومارسوا “القرصنة” بضراوة، بينما أندلسيو الداخل احتفظوا بالأندلس ! فقط في ذاكرتهم.

ونظرا لقلة المصادر المكتوبة، واختلاط الكثير من المصادر الشفوية بالروايات الأسطورية، وصعوبة الوصول إلى المخطوطات الخاصة، ونظرا لضعف معرفتنا بالنشاط الاقتصادي والبحري لتطوان، وكذا ندرة الأبحاث الأركيولوجية، كلها عوامل تظافرت لتجعل من القرن 16 بداية القرن 17 فترة تاريخية غامضة. ومع ذلك يمكن تسجيل ازدهار “القرصنة: ما بين 1550 و1570، والهجومات الإسبانية سنة 1565، وصراعات تطوان مع القبائل سنوات 1570 – 1580 كمحطات تاريخية مفتاحية في هذه الفترة الغامضة.[35]

آثار المدينة المنظرية

    1.    الأبواب والقصبة

يمكن تحديد موقع المدينة الأصلية في الحي المعروف الآن بحومة البلاد، ولأسم “البلاد” دلالة قوية على التجمع السكاني الأول.

تقول الباحثة آمنة اللوه: “من بين الآثار المعمارية الباقية على اليوم نجد ما أسسه المنظري هو (حومة البلاد) ولعل عبارة “ولد البلاد” الشهيرة بين التطوانيين مصدرها “حومة البلاد” هذه… في “حي البلاد” بنى الغرناطيون في السنوات الأولى، منازلهم، وفيه توجد الدار التي بناها المنظري لنفسه وكانت تسمى “دار السكة”، وتقع في درب جامع القصبة، وما تزال قائمة في مكانها، وهي مفتوحة تكرما من مالكها لكل من يرغب في زيارتها للدراسة والاستفادة”.[36]

ويمكن اليوم أن نشاهد بقايا المدينة المنظرية في السور الخارجي للقصبة القديمة، وثلاثة أبراج على طول ما يسمى اليوم:  سوق الحوت، الغرسة الكبيرة وزنقة القزدارية. كما نجد بقايا أخرى في الجزء الشمالي للمدينة بجوار باب المقابر الحالية تتجلى في بقايا سور المدينة الأصلية، ويشكل هذا السور اليوم جزءا من دار الدباغ.

بالإضافة إلى القصة، هناك “حمام المنظري وفران المنظري وباب الشريعة، سمي بذلك لأنه كان يفضي إلى محكمة الشريعة التي كانت قائمة إلى حدود سنة 1935” [37].

ويمكننا البحث في دلالات الألفاظ (الطوبونيميا) من التعرف على بقايا احتمالية للسور الأصلي. يدل اسم زنقة “أحفير” مثلا على موقع الخندق خارج السور الأصلي في اتجاه فاس، أما اسم الغرسة الطبيرة فيشير إلى احتمال كونه حديقة خارج الأسوار.[38]

لم يبقى أي أثر للأبواب الثلاثة الأصلية التي تحدث عنها مؤلف فاسي من القرن 17 وقال عن المدينة المنظرية أنها محصنة ومحاطة بسور مزدوج، محاط بدوره بخندق وبه ثلاثة أبواب. فباب مقابر تغيرت ملامحها الأصلية بصفة كاملة كما يحتمل أن يكون موقع الباب الثاني عند إلتواء قريب من سلوقية سيدي الصعيدي، بينما لا نملك أي مؤشر على موقع الباب الثالث.[39]

وتوجد باب مصانة تربط القصبة بالمدينة – بأتم معنى الكلمة- وتحمل اسم باب المشور نظرا لقربها من مشور القرن 16الذي يختلف عن المشور اللاحق الذي يقع في موقعه المعروف اليوم.

وتتميز باب المشور بقباب تقوم فوق أقواس بيها مثلثات كروية (pendentifs)، والواجهة الخارجية مزخرفة، وعقود القباب مبنية بالآجر.

نعود إلى قصبة  المنظري ونقول أن شكل البرجين الخارجيين مستطيل، بينما يبدو البرج الأوسط متعدد الزوايا. والأبراج كلها مبنية من الدبش والآجر بالتناوب، وتعلوها فتحات وشرافات، وينفرد البرج الأوسط بأقواس “عمياء” من الآجر على شكل هلال.[40]

وداخل القصبة بنى المنظري جامع القصبة، الذي لازال يعرف بهذا الاسم إلى اليوم وقد أعيد بناؤه في القرنين 17 و18.

وعلى الرغم من اندثار معظم معالم دار الإمارة “دار السكنى” فإن موقعها بمحاذاة الجامع من جهة الجنوب، يذكرنا بتقليد معماري إسلامي عام في تاريخ العمارة الإسلامية، يرجع أصله إلى العصر الأموي بدمشق. والعنصر الوحيد الذي حافظ على شكله الأصلي في “القصر المنظري” هو الحمام الصغير الذي يقع في الجهة الغربية ويتوفر على قبتين تعلوان أقواس مروحية الشكل [41]  ويمكننا من خلال دراسة الأبعاد المعمارية لحومة البلاد الحالية، ودلالات ألفاظ دروبها وأزقتها ومعالمها، أن نقترب من فهم التصميم الأصلي لتطوان القرن 16.

وإذا كان الباحث الشهير جورج مارسيه في كتابه الضخم حول “عمارة الغرب الإسلامي”، يصرح بغياب بقايا آثار تعود للفترة الممتدة بين 1335 و 1557، أي المراحل الأخيرة للدولة المرينية وفترة الحكم الوطاسي، فإن بقايا المدينة المنظرية بتطوان تمكن من ملأ هذا الفراغ الآثاري[42] وقد كانت مدينة تطوان خلال القرن 16 تتوفر على ملاح يأوي يهود المدينة القادمين جلهم من الأندلس، وتجمع المصادر أن عددهم كان مهما.

وكان الملاح يقع في الزاوية الشمالية الغربية للمدينة، ويدل اسم الملاح البالي – قرب الجامع الكبير- على المكان المحتمل للملاح القديم، هذا مع العلم أن الملاح الحالي يعود تاريخ بنائه إلى فترة حكم المولى سليمان (1792-1822) ويؤيد ما ذهبنا إلى ما ذكره الناصري في الاستقصا حين كان بصدد تعداد المنجزات المعمارية للمولى سليمان إذ يقول:

“وبنى مسجد وزان ومسجد تطوان وأخرج أهل الذمة من جواره وبنى لهم حارة بطريق المدينة”[43].

أما من حيث العمارة الدينية، فتتميز مساجد هذه الفترة ببساطتها وصغر صوامعها المبنية بالآجر والمطلية بالجير البيض، وينفرد مسجد ارزيني الذي يقع بدرب ارزيني، في زنقة الصفار –قرب باب العقلة- بحفاظه على طابعه المعماري الأصلي ويعود تاريخ بنائه إلى سنة 1590[44]، أما الحمام العمومي الذي ينسب إلى عصر أبي الحسن المنظري، فلا زال يستعمل على اليوم وهو ذو طابع أندلسي، ويتكون من  أربعة أجزاء: قاعة الاستراحة، والقاعة الباردة، والقاعة الدافئة والقاعة الساخنة، وهو نمط روماني قديم تشهد عليه بوضوح، الحمامات المكتشفة على طول الامبراطورية الرومانية القديمة.

ويمكن اعتبار مواقع دار الدباغة وسوق الخرازين كمؤشرات على الخريطة الحرفية لتطوان في هذا العصر، وخصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدباغة وصناعة الجلد شكلتا عصب الحياة الصناعية بتطوان القرن 16 [45]. ويدل موقعها في الزاوية الشمالية الغربية للمدينة على تقليد معماري إسلامي يتجلى في إقامة الصناعات غير الأنيقة بعيدا عن المسجد الجامع وقرب الأسوار [46].

وتكشف أسماء الدروب والأزقة الحالية عن مهن أخرى كانت مزدهرة في ذلك العصر، كالصياغين والنجارين والعطارين، أو تكشف عن نشاط اجتماعي، كزنقة المرسطان (المارستان) وغيرها…[47]

     الزنازن : Les cachots

بنيت تطوان من الناحية الجيولوجية فوق تربة كلسية، مخترقة بالعديد من الفجوات التي تشكل شبكة ممرات تحت –أرضية تقطع المدينة من الغرب إلى الشرق، وتعرف هذه الحفر بالمطامر وتوجد تحت الحومة المعروفة “بحومة لمطامر”، وللإسم دلالته الواضحة على طبيعة الموقع.

وتروي  المصادر ان الثلاثة آلاف أسير الذين ساهموا في بناء “المدينة المنظرية” كانوا يحبسون ليلا داخل هذه المطامير[48] ولازالت هذه الزنازن موجودة تحت “حومة لمطامر” بحي البلاد، وكان يوجد بها مدخلان تحت دراستهما علميا سنة 1921، لكنها أغلقت نهائيا بعد هذا التاريخ.

ولقد هيئت بهذه  المطامير سجن فصل بين غرفاتها بجدران من الآجر وأهم غرفة بهذا السجن كانت تمثل الكنيسة التي بنيت على هيئة ثلاثية الفصوص. وكان الآباء القادمون من أوربا لافتداء الأسرى يقيمون القداس بالكنيسة داخل الزنازن.

وبقيت المطامر مستعملة خلال القرنين 17و، ويحكي Emmanuel d’arante، الذي كان مسجونا فيها أواسط القرن17، أن الزنازن كانت تأوي 170 أسيرا من إسبانيا والبرتغال كانوا ينتظرون افتداءهم، ويصف ظروف السجن بأنها سيئة للغاية.[49]

أما  Germain Mouette الذي يعرف “المطامير” جيدا، فيقول عنها أنها بمثابة القبور بالنسبة للأسرى.[50]

وتوجد نماذج من الزليج (Azulejos) التي كانت تزين كنيسة الزنازن، بالمتحف الأثنوغرافي بباب العقلة.

معالم الثقافة الأندلسية في هذا العصر

لقد احتضنت مدينة تطوان “الحضارة الأندلسية بكل حرارة واستفادت منها استفادة تامة في جميع المظاهر العمرانية والعادات والأعراف الاجتماعية والثقافية الأصلية، وهي بذلك اكتسبت شخصية مرموقة متميزة عن المدن المغربية الأخرى بالتزامها لطابعها الأندلسي العريق، سواء في هندسة البيوت والمساجد وفي زراعة البساتين والحدائق وفي كثير من أنماط الصناعات التقليدية والفنون الجميلة”.[51]

ويبدو أن الولع بالطبيعة وحب البساتين والمنتزهات من أهم خصائص الغرناطيين المهاجرين على تطوان، إذ أنشأوا الحدائق خارج وداخل الأسوار، ومن أشهرها منتزهات كيتان التي خلد الشاعر المغربي إبراهيم الإلغي ذكرها في إحدى تواشيحه التي تتغنى بمسارح الجمال في تطوان: يقول مطلع الموشح:

بأبي منظر اراه *** في صباحي وفي المساء

لوحة خطها الإلاه *** بتهاويل من سماء

إلى أن يقول:

مرج كيتان جنة *** زخرفتها يد القدر

نمنمتها بسندس *** ودمقس من الزهر

والسؤال هو: ماذا بقي من منتزهات كيتان؟

إن الهجوم الشنيع للاسفلت والإسمنت، وأمام إغراءات البيع، تخلى الناس عن منتزهات كيتان وغير كيتان، فباعوها لتحل محلها العمارات العشوائية التي أساءت إلى نظهر المدينة بكيفية مروعة”.[52]

ونلمس آثار الثقافة الأندلسية بوضوح في الموسيقى والمطبخ والصناعة التقليدية. ولقد ساهمت العزلة الثقافية النسبية لتطوان في فترة ما قبل الاستعمار على حفظ الكثير من العادات والتقاليد التي تميز العنصر البشري التطواني عن غيره في المناطق الأخرى… فلا يمكننا إنكار التميز التطواني على مستوى اللهجة واللكنة واللباس والمراسيم الاحتفالية. ولازال نساء جبالة يرتدين المعطف القصير واللفافة والقبعات العريضة كامتداد للبابس المرأة الغرناطية. كما نعثر على الرسومات ذات الأصل النصري، المنقوشة على الحلي والطرز.

وتنفرد تطوان في كل شمال إفريقيا بكونها الوحيدة التي صمدت فيها الرسومات النصرية والمدجنة في الطرز.[53]

“ويبقى الإرث الأكبر الذي ورثته تطوان عن غرناطة، المتجلي في أصالة أهلها، وعلو أخلاقهم، وحسهم الحضاري في السلوك والعادات وتذوق الجمال والفنون، وأسلوب الحياة بصفة عامة… وستبقى دائما ذلك الخيط المتين الذي يشدنا إلى ذلك الماضي البعيد المبهر، ليذكرنا بالحضارة الغرناطية النصرية المرهفة التي ازدهرت وعاشت والحكم العربي بالأندلس يلفظ أنفاسه الأخيرة”.[54]

الفصل الرابع: الفترة الموريسكية

من المعلوم أن أهم جالية أندلسية قدمت إلى المغرب هي التي تلت قرار طرد الموريسكيين من الأندلس من طرف فيليب الثالث سنة 1609.

والقادمين الجدد، أتوا ليس فقط من الأندلس، ولكن من مناطق إسبانية أخرى، خصوصا من قشتالة وأراغون.

وما يميز الموريسكيين عن مهاجري القرنين 15 و16، وهو صعوبة اندماجهم في المجتمع المغربي المسلم. ونستطيع أن نتفهم ذلك إذا عرفنا أن الموريسكيين عاشوا في إسبانيا بعد سقوط غرناطة، وفقدوا بفعل الزمن والاضطهاد الكثير من عناصر هويتهم العربية الإسلامية.

فإذا كان المسيحيون يعيبون على الموريسكيين تشبتهم بالإسلام، فإن المغاربة يعيبون عليهم تأثرهم بالمسيحية ! ونستطيع أن نقرر بكل اطمئنان، أن حظ موريسكي تطوان وشفشاون من صعوبة الاندماج كان اقل بكثير من حظ موريسكي المدن المغربية الأخرى، ويرجع سبب ذلك، أساسا، إلى المكون البشري والحضاري الأندلسي في تطوان وشفشاون الذي استوعب إيجابيا الموريسكيين دون كبير عناء، في حين كان على موريسكيي المدن المغربية الأخرى أن يواجهوا عنصرا بشريا محليا وذا حساسية مفرطة – عموما- تجاه العنصر الأندلسي الوافد.

ولقد كان حظ تطوان كبيرا من هجرة الموريسكيين، ونظرا لوجود أندلسيي القرنين 15 و16 ، فإن استيعاب أفواج الموريسكيين لم يحدث خللا اجتماعيا أو ثقافيا في تطوان.

وخلال الثلث الأول من القرن 17 بدا المجتمع التطواني متنوعا ومندمجا في آن واحد. فبالإضافة إلى الأندلسيين الأوائل نجد الموريسكيين الذي تصفهم المصادر الأوروبية بأنهم “جميلو الخلقة، ومتحضرون ومتسامحون مع المسيحيين”، ونجد أيضا أهل الضواحي المتمدنين، وأخيرا اليهود، الذين يبدو أن عددهم كان كبيرا، إذ يقدر مصدر يهودي يعود إلى سنة 1610-1613- مستند على رسوم الضرائب – بعشر سكان تطوان.[55]

وإلى يومنا هذا، تصمد أسماء عائلات تطوانية تشير إلى أصلها الأندلسي – الإسباني، كلوقاش (du lucas)، وراميراز (Ramirez)، وغارسيا (Garsia) وموراريش (Morales) وراغون (Aragon).

وقد نشر الأستاذ محمد رزوق في كتابه حول الهجرات الأندلسية إلى المغرب خلال القرنين 16 و17، معتمدا على كل من الفقيه الرهوني والأستاذ داود، أسماء البيوتات الأندلسية بتطوان على الشكل التالي:[56]

ملاحظات

ملاحظات

اسم العائلة ملاحظات اسم العائلة ملاحظات اسم العائلة
مازالت موجودة

مازالت موجودة

مازالت موجودة

انقرضت

ما زالت موجودة

مازالت موجودة

مازالت موجودة

الدليرو

راغون

الركاينة

الرثوث

الرويز

الرفاعي

الراندو

الرينة

الغرناطي

غيلان

الفخار

الفقاي

القرطبي

قشتيلو

قبريرة

مدينة

الموفق

القطان

القيسي

قريش

السراج

اسوردو

السكيرج

مازالت موجودة

مازالت موجودة

مازالت موجودة

الركيك

ارزيني

الرندي

زكري

الطريس

طنانة

الكندير

الكراس

كرازو

لوقاش

اللب

اللبادي

مراريش

مولينا

الحضري

الخطيب

داود

مولاطو

نصر

صالاس

العطار

غارسية

مازالت موجودة

مازالت موجودة

لازالت موجودة

لازالت موجودة

مازالت موجودة

ابن طلحة

ابن الأحمر

أجزول

أشعاش

الأندلسي

البركة

بوخرص

بايص

البانزي

بركاش

البروبي

بورطو

البوطي

التبين

مندوصة

مارتيل

مرينو

المنظري

لقد تزامن دخول الموريسكيين إلى المغرب مع الحروب الأهلية التي كانت تشهدها البلاد في إطار الصراع على السلطة بين الأمراء السعديين المتأخرين، وقد خلق هذا الصراع فراغا سياسيا في المنطقة الشمالية، كما أن بداية انهيار الدولة السعدية أدت إلى ظهور زعامات سياسية جديدة، تجلت على الخصوص وفي نفوذ الزوايا الصوفية، ونذكر بالخصوص والزاوية الدلائية التي هيمنت على الأطلس المتوسط وشمال المغرب ووصل تأثيرها بقوة إلى تطوان.

في ظل هذا الجو المضطرب بدا ظهور أسرة “آل النقسيس” على مسرح الأحداث السياسية بتطوان أمرا طبيعيا.

وتعتبر سيطرة آل النقسيس على المجال التطواني، إضافة إلى نفوذ المجاهد العياشي في منطقة سلا ونفوذ الخضر غيلان في منطقة “الهبط”، بمثابة حزام الأمان الذي يقي البلاد من الهجمات الايبيرية التي نشطت خلال مرحلة ضعف السلطة المركزية.[57]

وأصل أولاد النقسيس من النقاقسة بني يدر وقد تولوا الحكم بتطوان من سنة 1597 إلى سنة 1672.

بعد محمد النقسيس سيخلفه المقدم أحمد النقسيس (1608-1622)، وبعده ابنه أحمد (1628-1639) وأخيرا إخوة هذا الأخير محمد وعبد الكريم (1640-1653) و(1953-1967). وما بين 1667 و1672 أدت الاضطرابات السياسية بشمال المغرب وهجومات السلطان العلوي مولاي اسماعيل إلى اختفاء آل النقسيس من الساحة السياسية.

وعلى العموم فإن المراحل التاريخية للوجود الموريسكي بتطوان تبرز في ثلاثة مظاهر أساسية:

الصراعات الداخلية.

الجهاد البحري.

العلاقة بالأوربيين.[58]

1 – الصراعات الداخلية:

وصل الأندلسيون المتأخرون إلى تطوان في عهد المقدم أحمد بن عيسى النقسيس (1608-1622) والتقت رغبة المقدم المذكور مع هؤلاء المهاجرين في عدة نقط منها:

تحفز النقسيس للانقضاض على سبتة، وهي رغبة المهاجرين الجدد للانتقام من الإسبان.

القضاء على محمد الشيخ المأمون المعاون مع الإسبان، والذي سلم لهم العرائش.

وعلى كل، فإن فترة أحمد بن عيسى النقسيس كانت فترة جهاد مشترك ضد الإسبان ولم تبرز فيها الصراعات السياسية بحدة، لكن بمجرد موته ستتضح الأمور…، وهكذا ففي عهد عيسى وإخوته ظهر هذا الصراع بكل وضوح، إذ عبر الأندلسيون بصراحة عن طموحهم السياسي، وعدم رغبتهم في الخضوع لأولاد النقسيس (البرابرة الجبليين).[59]

واستمر الصراع بين آل النقسيس والأندلسيين على أشده، وقام بوعلي –زعيم الأندلسيين- بانقلاب ضد النقسيس، لكنه باء بالفشل. كما حاول المجاهد العياشي –زعيم سلا- الاستيلاء على تطوان، ودبر مؤامرة للدخول إلى تطوان فر على إثرها عبد الله النقسيس إلى بلاد غمارة، وانتقل بعد ذلك على سبتة لاجئا عند الإسبان.[60]

وسيواجه أولاد النقسيس “أندلسيا آخر، لم يخف هو أيضا امتعاضه من سيطرة (البرابرة الجبليين) على تطوان، إنه الخضر غيلان، فقد كان يهاجم تطوان باستمرار خاصة أيام المقدم عبد الكريم النقسيس (1653-1659).[61]

وظل الأمر كذلك إلى أن قبض مولاي رشيد العلوي على رئيسها أحمد النقسيس.[62]

وقد اثبت الأستاذ محمد داود في تاريخه رسم شهادة بجماعة من أهل تطوان بتظلم أولاد النقسيس وطغيانهم:

“ولم يزالوا (أولاد النقسيس) في البلاد التطوانية يضربون نار الحروب ويثيرون المحن الكروب، والأهواء تلعب بهم، والأغواء تسوسهم حتى طلبوا الإمارة، كما سولت لهم نفوسهم الإمارة، وصالوا واستطالوا مع أشياعهم زمن الفترة من الملك في الفتن، واستغاثتهم وتغلبهم على ما هو معروف لبيت مال الله وقهر الضعفاء والمساكين من عباد الله، وخاضوا فيما يلوح لهم من المال المستحق لبيت مال المسلمين برا وبحرا، وعمارة وقفرا، من كل ما يتعين لله، واستعان به على إقامة دين الله ووثبوا على بيد وليهم من متروك من انقطع، ويتحكمون فيمن أبى وامتنع، إلى أن غرسوا بذلك وبنوا، واشتروا العقار والأصول والأمتعة واستغنوا وصاروا بسبب ذلك مستغرقين الذمم مما ذكر”.[63]

“وقام جماعة من الأندلسيين بعد ذلك بشراء أملاك أولاد النقسيس، وقد حاولوا –بتخالف مع غيلان- أن ينهضوا من جديد، لكن السلطان مولاي إسماعيل تمكن من القضاء لعيهم، فقتل الخضر غيلان وفر أولاد النقسيس الأربعة من تطوان، إلى سبتة، وعين السلطان القائد أحمد بن حدو لمواصلة الجهاد، وذكر الشيخ داود –نقلا عن أبي محمد السكيرج- أن هذا القائد هو الذي تنسب إليه الزنقة المعروفة في حومة الطرنكات (وهي حومة أندلسية) بزنقة القائد أحمد، لأنه كان يسكن بها –واختياره لهذا الموقع يحمل دليلا قاطعا على أن الجالية الأندلسية بتطوان حمته ورعته وساعدته خاصة أنه سوف يستخدمها لمهاجمة عدد من الثغور”.[64]

2 – الجهاد البحري:

كان الأندلسيون يتعرضون باستمرار لعمليات القرصنة من جانب السفن الأوروبية، ففي رسالة John Duppa الإنجليزي إلى Walter Aston المؤرخة في 7 يناير 1622 يشير إلى وصول عدد من الأندلسيين المأسورين: “وقصة هؤلاء الأندلسيين أنهم كانوا من سكان الجبال القريبة من تطوان إلى أن جاءهم ذات يوم قريب لهم من الجزائر، فبحث عن هؤلاء الذين كان أغلبهم ينتمي إلى عائلة واحدة، من أقربائه، ولما اجتمع بهم زين لهم أن يبيعوا كل ما يمتلكون من عقار وماشية، وأن ينتقلوا بأموالهم إلى الجزائر، فعمل هؤلاء المساكين بنصيحته فنزلوا إلى تطوان وصادف الأمر أن كان هناك مسافرين فحملوهم إلى الجزائر، فلما توسطوا معهم البحر أسروا جميعا بواسطة أسطولنا الإنجليزي الذي انتهب في الحال أموالهم وبضائعهم التي كانت معهم ولم يكونوا قد تركوا خلفهم في تطوان أموالهم أو أحدا من أقاربهم يمكنه أن يخلصهم أو يساعدهم”[65].

وسجل الأب دان أهمية تطوان كمركز من مراكز الجهاد البحري في شمال إفريقيا لكنه سجل في الوقت نفسه أن تطوان في عهده (1640) لم تكن لها إلا فركاطات (Frigates) صغيرة تصل أحيانا إلى السواحل الإسبانية، ولا تبعد عنها إلا قليلا. كما سجل أن الأسرى الإسبان والبرتغال بتطوان كانوا أكثر عددا من  أسرى سلا والجزائر كما سجل في الوقت نفسه أن مجاهدي تطوان كانوا يتعاملون غالبا بصدق وأمانة.[66]

وآل النقسيس يعرفون أولا بكونهم “أبطال الجهاد الوطني”، فحصارهم لسبتة وهجوماتهم البحرية على كبريات السفن الأوروبية بواسطة سفنهم الصغيرة، السريعة والفعالة، وكانت خطورة “قراصنة” تطوان تكمن في قدرتهم على الانفلات، داخل مياه نهر مارتيل، من قبضة مطار ديهم الأوربيين.

    3.   العلاقات مع أوروبا:

منذ القرن 16، لعبت تطوان دور الوسيط التجاري بين أوربا وفاس، وإذا كانت تطوان قد استقبلت مبكرا “مهاجرين فاسيين” فإن السبب الرئيسي لذلك يكمن في كون تطوان، وقتها، باب أوربا الوحيد.[67]

واستفادت التجارة التطوانية، كثيرا، من موقعها الاستراتيجي بين إفريقيا وأوربا، وبين بحرين –الأطلسي والمتوسط، وكذا قربها من مضيق جبل طارق.

وأدى الاحتلال البرتغالي لأهم المدن الساحلية المغربية إلى تبوأ تطوان مكانة استراتيجية مهمة باعتبارها ممرا بحريا اضطراريا، خلال مبادلات الشمال بالجنوب، بين الأطراف الصحراوية وحوض المتوسط كما كانت تطوان المدينة الوحيدة المرتبطة مباشرة بالقبائل الريفية. وكانت التجارة التطوانية ذات صبغة عالمية وتمتد من الشرق الأوسط إلى الدنمارك[68] كما لا ينبغي إغفال دور تطوان في التجارة الداخلية والجهوية خصوصا مع شفشاون والقبائل المجاورة كبني يدر وغمارة.

وساهمت “القرصنة البحرية” في تدعيم تجارة العبيد من خلال عمليات الفداء، وشهدت تطوان قدوم بعثات الفداء المكونة أساسا من الإسبان والبرتغال.

وقد ساهمت هذه المبادلات التجارية في تمتين علاقات تطوان –السياسية والثقافية- مع الدول الأوروبية، بحيث نجد آل النقسيس يقيمون علاقات مباشرة مع القوى الأوروبية، بمعزل عن السلطة المركزية. وانتعشت الصناعة التقليدية، خصوصا الجلد والنسيج والخزف وصناعة الحرير.

وأدى ازدهار التجارة إلى خلق علاقات دبلوماسية مع الخارج، إذا استقبل آل النقسيس قنصلا انجليزيا سنة 1657 ومن قبله نائبا للقنصل الفرنسي.[69]

مدينة تطوان خلال الفترة الموريسكية

تقدر المصادر عدد الموريسكيين المستقرين بتطوان بعشرة آلاف نسمة، بالإضافة إلى 40 ألف نسمة بالمناطق المجاورة.. وقد بلغ العدد الإجمالي في أواسط القرن 17 من 22 إلى 26 ألف نسمة، وهو عدد هائل بالنسبة لظروف المرحلة التي نتحدث عنها، وبقي هذا العدد مستقرا نسبيا إلى حدود الانفجار الديموغرافي للقرن 20[70].

ونتج عن هجرة القرن 17 إضافة أحياء جديدة شرق وغرب المدينة الأصلية (المسماة حاليا: حومة البلاد). وأهم هذه الأحياء حومة العيون التي كانت تسمى بربض الأندلس، وحي الطرنكات. وبدت ملامح مدينة جديدة في التشكل نظرا للإضافات المعمارية النوعية التي أدخلها الموريسكيون، انطلاقا من فلسفة عملية جديدة إعداد المجال، وأصبحت تطوان تتوفر على أ؛ياء خاصة لتجمع الصناع التقليديين المتخصصين في حرفة معينة. وكانت تطوان القرن 17 مفتوحة على المحيط الخارجي لافتقارها إلى الأسوار، ولن تتم حمايتها بأسوار جديدة إلا خلال القرن 18  على يد القائد محمد تميم.[71]

ويمكن أن نتصور تطوان القرن 17 بمثابة شفشاون الحالية، وإذا كانت بعض الملامح المعمارية الأصلية قد انقرضت، خصوصا السقوف القرميدية، فإن المساجد تقف كشواهد على التأثير الموريسكي في تطوان، إذ تحتفظ بعض مساجد القرن 17 بالطابع الموريسكي الموجود بشفشاون وتستور (تونس).

وأبرز الأمثلة على ذلك جامع المصيمدي، بحومة العيون، المبني سنة 1611 (جدد سنة 1958)، وجامع الجديدة المبني سنة 1640، وجامع العيون، الذي بني سنة 1620 وتشترك هذه المساجد في بساطة صوامعها التي تخلو من الزخرفة، ما عدا شرائط من الآجر “وأقواس عمياء” نادرة.

وتلتقي منازل ومساجد القرن 17 في خلوها –عموما- من الزخرفة والمساحات المزينة. فلا نجد الجص المنقوش، ولا الخشب المنقوش أو المصبوغ ونادرا ما نجد القرميد المبرنق(18). ويبدو قصر عائلة (النقسيس) كنموذج للبنايات الأكثر صمودا من الناحية المعمارية في هذه الفترة. ويوجد هذا القصر غرب المدينة الأصلية (البلاد)، قريبا من ساحة الفدان، في ممر يحمل اسم زنقة المقدم النقسيس.

ومن آثار هذا العصر، المقبرة الإسلامية التي توضحت معالمها خلال القرن 17، وتوجد فوق سفح جبل درسة، ويقع قبر المقدم أحمد النقسيس في أعلى المقبرة إلى جوار شخصيات أخرى، وبنيت فوق بعض القبور بيوت مربعة تعلوها قباب، وتوجد بالمتحف الأركيولوجي بتطوان نماذج من شواهد

القبور تعود  إلى القرن 7.

ويبدو التأثير الإسباني واضحا في الفن الموريسكي التطواني ويظهر هذا التأثير في الملبس والكرز والحي والزخرفة المعمارية، يقول الأستاذ محمد قشتيليو عن تأثير الفن المدجن (Mudejar) في الفن الأندلسي المغربي:

“إن الفن المدجن في الحقيقة خدم المسيحيين والمسلمين على السواء، فهو أدى خدمة جليلة للفن الإسلامي الأندلسي على العموم، وكان له الفضل أيضا على الفن المغربي والذي نقله أهله إلى المغرب وسجلوه في قصوره وحصونه ومساجده، ومازالت آثاره لحد الآن بادية ويتداولها الخلف عن السلف، وإنما تؤديه يد الصانع المغربي الآن إلا ثمرة من ثمرات أولئك المهاجرين الأندلسيين، وإن جدي ووالدي رحمة الله علهما كانا من صناع فن النقش على الخشب توارثاه عن أجدادهما الذين هاجروا من ديارهم الأندلسية إلى تطوان، ومازالت صناعة الخشب بادية في المقصورة الخاصة لصلاة النساء بالجامع الأعظم بتطوان”[72] .

الفصل الخامس: حكم آل الريفي ومرحلة الأوج

بعد إزاحة أسرة “آل النقسيس” عن حكم تطوان من طرف السلطان العلوي المولى اسماعيل، طفت على السطح من جديد إشكالية علاقة أندلسي تطوان بالسلطة المركزية.

ومعلوم أن للمهاجرين الأندلسيين باع كبير في مجال “فقه العلاقات المصلحية”، وأن فكرة “البيعة الشرعية” لم تكن لتغيب عن أذهانهم.

هل يمكن الحديث عن تطوان المستقلة؟ أم أنها فقط مفعمة بميولات استقلالية، تؤمن بالبيعة عن بعد، ويتطور الأحداث صارت هذه البيعة شيئا نظريا لا مصداقية له على أرض الواقع؟ وعلى كل حال، فقوة السلطان العلوي المولى إسماعيل أدت إلى “تقليم أظافر” هذا النزوع الاستقلالي دون القضاء عليه نهائيا، فعلى الرغم من تعيين السلطان لحاكم تطوان فإن الأخير احتفظ لنفسه بسلطات واسعة، منها توريثه السلطة لأبنائه، وتمثل أسرة “آل الريفي” نموذجا بارزا في هذا السياق. ويعد مؤسس الأسرة عبد الله الريفي من قواد الجيوش البربرية التي ساهمت في تحرير الثغور المغربية من الغزو المسيحي، بقيادة السلطان المولى إسماعيل.[73]

عين السلطان المولى اسماعيل عمر بن حدو كحاكم على أصيلا وتطوان والقصر الكبير، وبعد مشاركة هذا الأخير في عملية تحرير المعمورة يوم 30 ابريل سنة 1681 مات بالطاعون وخلفه علي بن عبد الله الحمامي الريفي كنائب للسلطان في منطقة الغرب.

وكان هذا الأخير يعيش بعد سنة 1684 متنقلا بين طنجة وتطوان تاركا في هذه الأخيرة نائبا عنه هو الحاج محمد تميم، ثم الحاج لوقاش من بعده.

ثم كلف علي بن عبد الله الريفي، من طرف المولى إسماعيل بمهمة قائد الجيوش المحاصرة لسبتة المحتلة، وظل معاصرا لها من سنة 1694 إلى أن مات سنة 1713، وقد خلف بجوار سبتة قصرا ومسجدا. ولم يكتفي القائد الريفي بالجهاد بل مارس التجارة أيضا واحتكر تجارة الشمع والجلد بتطوان، كما كان يستخدم مفاوضين يهود لربط علاقات تجارية مع ليفورن وامستردام ولوندرة.[74] ومات القائد لعي بن عبد الله الريفي مفعما بالسلطة والثروة يوم 29 غشت سنة 1713، وخلفه ابنه الأكبر دون مشاكل.

حكم الباشا أحمد بني علي بن عبد الله الريفي من سنة 1713 إلى سنة 1727، واستفاد من طريقة والده في التسيير والتدبير، ويعتبر من ابرز الشخصيات على الإطلاق، التي عرفتها الحاضرة التطوانية طيلة تاريخها.

وفي يوم 6 ماي1721، وصلت إلى تطوان بعثة إنجليزية – منطرف الملك جورج الأول- يرأسها شارل ستيوارت Charles Stewart وقد كان من بين أعضاء هذه البعثة، المدعو جون وندوس (Windus) ، وقد سجل وندوس هذا مشاهدته وانطباعاته عن هذه المهمة ويقول واصفا الباشا أحمد بن علي الريفي:

“يتراوح عمر الباشا الحالي، أحمد بن علي بن عبد الله، بين الربعين والخمسين سنة، ذو بنية قوية، يميل إلى السمنة، نشيط ويتميز بالفطنة والضبط خلاللا تسديد رمحه، مهاب الهيئة له أنف روماني وعينان جميلتان ووجه مليح لونه يميل إلى السمرة مما يكسبه مظهرا رجوليا، ويعتبر شخصا شديد التكبر غير أنه كان محتقرا بما فيه الكفاية بمكناس”[75].

ويضيف الفقيه الرهوني في عمدة الراوين نقلا عن السفير روسل: “كانت حركاته شريفة (أي الباشا أحمد)، لطيفا هشا بشا، له ولوع بالخيل، مهذبا مطلعا على العادات الأوروبية كلها…”[76]

أما عن امتداد إيالة الباشا الريفي فيضيف وندوس: “يحكم الباشا المناطق الممتدة من وهران على البحر المتوسط… إلى المعمورة التي تقع ساحل المحيط وتخضع لحاكم سلا. كما تمتد منطقة حكمه من المتوسط إلى نهر سبو على مساحة تعادل مساحة مملكة البرتغال، ومدنها الرئيسية هي تطوان وطنجة وأصيلا والعرائش والقصر”[77].

وخلال الصراع بين أبناء المولى إسماعيل على الحكم بعد موت هذا الأخير سنة 1727، ظهرت للوجود أسرة يقودها الحاج أبو حفص عمر لوقاش الذي ثار ضد الحاكم أحمد الريفي، وهنا تبدأ مرحلة غامضة من تاريخ تطوان… ولن نستطيع الإمساك من جديد بخيط الأحداث إلا بعد معركة “عيطات السبت” التي انهزم فيها القائد الريفي وأخوه وفي سنة1734 سيعود الباشا أحمد الريفي على تطوان على رأس 8000 رجل، لينتقم من الحاج عمر لوقاش الثائر عليه، وسيقوم أحمد الريفي بنفي لوقاش إلى تارودانت والذي مكث في منفاه إلى أن توفي.

ثم حاول الباشا أحمد الريفي أن يحتل فاس، لكنه قتل في معركة ضد السلطان مولاي عبد الله بن إسماعيل سنة 1734.

بعد ذلك عين الحاج محمد تميم حاكما على تطوان سنة 1743، ولم يلبث أن قتل من طرف السكان سنة 1750. وخلفه محمد بن عمر لوقاش، إلا أن وصول السلطان محمد بن عبد الله إلى الحكم اضطر محمد لوقاش إلى الفرار إلى الجبال المجاورة لمولاي عبد السلام بن مشيش إلى أن مات هناك[78]  وبذلك تستعيد تطوان ارتباطها المباشر بالسلطة المركزية، ولكنه ارتباط يخفف من حدته البعد الجغرافي والعقلية المتمردة للتطوانيين وتحركات الأعيان.

بلغ عدد سكان تطوان خلال القرن 18 من 20 إلى 25 ألف نسمة، وتشكل المجتمع التطواني خلال هذه الفترة من العنصر القبلي المحلي.

ويبدو أن العلاقة بين تطوان وباديتها علاقة قاتمة،  ولكن رغبة أندلسي تطوان في التميز عن الريفيين والجبليين مسألة لا يمكن إنكارها، ولو أن حدتها تناقصت مع مرور الزمن، أما يهود تطوان خلال القرن 18،فيبدو اندماجهم خصوصا في المجال التجاري. وكان التسامح الديني بين اليهود والمسلمين سمة بارزة في تطوان، ورغم انتظام اليهود في إطار الملاح، فإن مشاركتهم في الحياة الاقتصادية كانت فعالة. وقد اشتغلوا في أعمال “القرصنة”، وساهموا في تطوير الصناعة التقليدية، ولكن إسهامهم الكبير يبقى في مجال التجارة   الدولية، خصوصا وأنهم كانوا على علاقة بالجاليات اليهودية في أوربا والمغرب العربي والشرق الأوسط.[79]

وعن علاقة تطوان بأوروبا خلال القرن 18 نقول أنها كانت مشوبة بالكثير من الحذر، لأن الأوروبيين مثلوا دائما في شعور ولا شعور التطوانيين العدو الذي اغتصب أرضهم وأخرجهم من ديارهم وحط من كرامتهم، ومع ذلك لم يعتبروا أعداء فعليين إلا في ساحات المعارك وخلال أعمال “القرصنة”، وقد أدى تطور العلاقات إلى إحداث هيئة دبلوماسية بتطوان، وكان أول قنصل بتطوان فرنسيا من مرسيليا يدعى André Prat تم تعيينه سنة 1629، أما القنصلية الإنجليزية المستحدثة سنة 1657-1658 فلم تكتسب الأهمية إلا في بداية القرن18، ونستطيع إحصاء أكثر من 60 تاجرا أوربيا كبيرا بتطوان ما بين 1682 و1727.[80]

ويخبرنا Georg Host في كتابه حول السلطان محمد الثالث أنه في سنة 1767 كان بتطوان سفير من البندقية[81] وبدراسة كتاب Georg Host نستطيع أن نستشف الرواج الاقتصادي والتجاري الكبير الذي عرفته تطوان خلال القرن 18 وإذا كانت تطوان خلال القرن 16 مدينة الصناعة التقليدية بامتياز، فإنها أصبحت في القرن 18 مدينة التجارة والمفاوضات.

ومنذ سنة 1740 أصبحت تطوان الميناء المغربي الوحيد المرتبط مباشرة بأوربا بواسطة رحلة أسبوعية عبر جبل طارق… واعتبرت تطوان في أواسط القرن 18 المدينة الوحيدة في المغرب التي توجد بها السلع القادمة من الشرق[82] ويعتبر عهد محمد بن عبد الله (1757-1790) امتدادا للازدهار التي تحقق في عهد آل الريفي…

وقد أولى هذا السلطان عناية فائقة لمدينة تطوان، تجلى ذلك خصوصا في المنجزات العمرانية فقد قام بإصلاح مصنع السلاح الذي بناه جده المولى إسماعيل، ولازال هذا المصنع –المعروف بدار البومبة- موجودا بحي العيون. وأسس السلطان محمد الثالث دارا للسكة ويشهد المثقال الفضي لسنة 1195هـ على الأهمية الاقتصادية التي اكتساها هذا الانجاز. كما قام بتجديد مراكز صناعة السفن خصوصا سنة 1770، وقام بتحصين أسوار تطوان والصقالتين بتطوان ومارتيل… ولإنجاز هذه المشاريع اكتمل الوجه المعماري لتطوان القرن18.[83]

المدينة خلال القرن18

يشهد رسم يعود إلى سنة 1721 أن تطوان كانت مكتملة الأسوار وقصبتها الجديدة مكتملة البناء.

ويمكن نسبة بداية الأسوار إلى السلطان المولى إسماعيل وإلى حكومة عبد الله الريفي.

وقد نشر Fernando valderrama martinez في مجلة Tamuda نقشا على لوحة من الرخام يعود إلى سنة 1745، وجد في الواجهة الجنوبية الغربية للقصبة الجديدة، وينسب بناء هذه الأخيرة إلى الحاكم محمد تميم تطبيقا لأمر السلطان مولاي عبد الله.

وقد نشر نفس الكاتب في نفس المقال أبياتا شعرية منقوشة على جدران القصبة نذكر منها:

فـــــائق الجـــــو للزمــــان ربيع *** ولكــل الأنـــــام حصن أمان

وأميــــن العبــــاد فـــي كـل أمـر *** وأمير الجهاد يـــــوم الطعان

اشكروا الصنع منه جودا وفضلا *** فجــــزاء الصنـــع بالشكران

قـل هـــو الله نـــاصري ومجيري *** ومعيني على العدو والمعاني[84]

وفي المرحلة ما بين 1750 و 1757 تم إكمال أسوار المدينة من طرف الحاكم محمد بن عمر لوقاش.

ويبلغ طول سور تطوان 5 كلمترات، وعلوه يتراوح بين 5 و6 أمتار، وعمقه يبلغ 80 سنتمتر.

وتخترق السور سبعة أبواب هي:

    باب المقابر.
باب “الجياف”، لخروج الجيف منه.
باب السعيدة، لدفن سيدي السعيدي إزاءها.
باب الرموز.
باب العقلة.
باب النوادر.
باب التوت.[85]

ومن آثار هذا العصر مدرسة لوقاش، وهي الوحيدة من نوعها المتبقية بتطوان، وتختص ببساطة زخرفتها المستقاة من الطابع المحلي، وينسب بناؤها إلى محمد بن عمر لوقاش الذي حكم المدينة من سنة 1750 إلى 1757.

وينسب إليه ايضا بناؤه للسقايتين العموميتين بكل من باب العقلة وباب التوت، وعلى قنا باب العقلة كتابة منقوشة اشامل على أبيات شعرية تنسب للأديب عيسى الجزائري، صديق القائد لوقاش، ومادحه ببديعيته المشعورة، وبعض هذه الكتابة[86] بتصرف:

ورد عذب صرف سقايتي فهو الشفا ***  والبـــرء للمتعطش الظمـــآن

فــإذا وردت هنـــي ورد ســــــــائغ        *** وإذا صدرت سلكت بالشكران.

وتلاصق مدرسة لوقاش مسجد لوقاش، وكانت تتوفر على إقامة للطلبة مكونة من 54 غرفة.

أما جامع الباشا فبني بأمر الباشا أحمد الريفي سنة 1737-1738 كجزء من مركب قصر المشور ويعتبر هذا المسجد إضافة نوعية إلى المجال المعماري التطواني، بحيث نجد به نمطين في العمارة وهما:

أولا القباب التي تغطي بيت الصلاة وعددها 25 عوض نمط السقوف القرميدية المعروفة بالمغرب. وثانيا المنارة المثمنة الزوايا. ويرجع أصل هاتين الإضافتين

إلى استامبول التركية ودخلتا المغرب عبر الجزائر العثمانية.

وللباشا أحمد الريفي صومعتين أخريين من نفس طراز جامع الباشا بتطوان، وهما صومعة مسجد القصبة بطنجة وصومعة الجامع الكبير بشفشاون، وهو ما يجعلنا نستشف إصرار الباشا أحمد الريفي على التمييز بطراز معماري معين محاكاة لسلوك سلطاني سائد بالمغرب.

ومن أهم الانجازات العمرانية خلال القرن 18 قصر الباشا أحمد الريفي بالمنشور.

ويتميز هذا القصر ببهو داخلي تحيط به أقواس من جهاته الأربع، وفي كل جهة ثلاثة أقواس: قوس أوسط كبير محاط بقوسين صغيرين، وتتخذ الأقواس شكل حذوة الفرس، ونجد في الكثير من قصور العائلات التطوانية الكبرى (اللبادي، مدينة، بريشة..) نفس تخطيط الساحة الداخلية لقصر المشور.[87]

الفصل السادس: بداية الأفول

شكل قرار السلطان محمد بن عبد الله، القاضي بإبعاد القناصل والتجار الأوروبيين عن تطوان بداية التدهور الاقتصادي للمدينة، وبذلك فقدت تطوان دورها الدبلوماسي الريادي لصالح غريمتها التي بدت أكثر ملاءمة للاضطلاع بهذا الدور الحيوي.

ويعد قرار السلطان محمد بن عبد الله ببناء ميناء الصويرة (1764-1772) ضربة قاسية للاقتصاد التطواني، خصوصا وأن السلطان فرض على بعض التجار التطوانيين الإقامة بالصويرة، مما أدى إلى انتعاشها على حساب تطوان[88].

لقد انتقلت تطوان من حيث أهمية مينائها من المرتبة الأولى خلال سنوات 1760 إلى المرتبة الثانية خلال سنوات 1780، إلى المرتبة الثالثة خلال العشريات الأولى للقرن19. ومع ذلك بقيت تطوان منتعشة من حيث الصناعة، بالإضافة إلى الدور الحيوي الذي لعبته لتزويد المجاهد الجزائري الأمير عب القادر بالسلاح والذخيرة، وبتعميم السفن البخارية بدت الموانئ الأطلسية أكثر تفوقا، وانتقل ميناء تطوان إلى الرتبة الخامسة سنة 1850.[89]

وبحلول حرب تطوان سنة 1859 – 1860 كانت الظروف الذاتية والموضوعية ملائمة للإعلان الرسمي عن أفول مدينة قاومت أسباب ضعفها بضراوة قبل أن تستسلم نهائيا تحت ضربات الجيوش الإسبانبة.

وإذا كانت الأسر الثلاثة الأولى التي حكمت تطوان: آل المنظري وآل النقسيس وآل الريفي قد اكتفت ببيعة شكلية للسلطان مع الاحتفاظ بسلطات واسعة، فإن الأسرة الرابعة المتمثلة في آل أشعاش ستدشن بداية علاقة من نوع آخر، بدأت بالحد من السلطات وانتهت بالإخضاع النهائي.

ظهر مؤسس أسرة أشعاش عبد الرحمن بن عبد الخالق أشعاش خلال فترة الاضطراب السياسي التي عاشها المغرب إبان حكم المولى اليزيد (1790-1792).

وفور وصول المولى سليمان إلى الحكم عزل أشعاش من منصبه، ثم أعيد إليه سنة 1794-1795، وأزيح مرة أخرى بعد ذلك، وتقلد عدة مناصب بالرباط قبل عودته إلى منصب حاكم تطوان، وأعفي مرة أخرى سنة 1808 ليعود سنوات بعد ذلك.

وخلف محمد بن عبد الرحمن أشعاش والده سنة 1824، ووجد أمامه وضعا مزريا وبنية اقتصادية واجتماعية هشة، ووفاء لنهجها المعارض للسلطة المركزية قامت تطوان في أواخر حكم المولى سليمان بمولاة الثائر مولاي سعيد، وهو ما أدى إلى شل الحركة الاقتصادية بالمدينة بحرا وبرا وانتهت الثورة بإخضاع مهين لتطوان من طرف المخزن[90] وقد استطاع محمد أشعاش، رغم الصعاب، أن يحكم قبضته على المدينة إلى أن توفي سنة 1845، وخلفه ابنه الذي عزل أكثر من مرة، كانت آخرها سنة 1864.

وعلى الرغم من التدهور الاقتصادي الذي عرفته تطوان خلال القرن19، فإن الفترة عرفت بعض الانجازات العمرانية، من ذلك ترميم الأسوار من طرف المولى سليمان، وأعطى خلفه عبد الرحمن بن هشام أمره لأشعاش لبناء باب العقلة والبرج المجاور لها سنة 1830.

وفي عهد الحاكم الحاج أحمد الحداد (1851-1859) سيتم بناء برج آخر يعرف بالبرج الجديد، يوقع بين باب المقابر والقصبة الجديدة.

وفي هذه الفترة بنى السلطان المولى سلميان الملاح الجديد بعدما هدم الملاح القديم من طرف جيوش المولى اليزيد.

ويذكر صاحب الاستقصا أن بناء الملاح الجديد في موقعه الحالي أملته رغبة المولاي سليمان في إبعاد أهل الذمة عن ساحة الجامع الأعظم.

والجامع الكبير من بناء السلطان المولى سليمان، ويمكن مقارنة منارته بمنارة جامع الرصيف بفاس.

وفي هذه الفترة بنيت الزاوية الريسونية من طرف ابن مولاي عبد السلام بن ريسون، وتصر منارة الزاوية الريسونية أن تحاكي منارة جامع الباشا بشكلها المثمن الزوايا.

وعبد السلام بن ريسون كان “عالما صوفيا، وفنانا موسيقيا محافظا ومبدعا في الآلات الموسيقية، وطبيبا وكانت له دالة عند السلطان، لا يرد له طلب، كما كانت له اتصالات وعلاقة مع السفراء وغيرهم…”[91]

كما أبدع عبد السلام بن ريسون آلات موسيقية كثيرة، وزاد في بعضها، منها: محسن النغم وصنع عودا صغيرا من قطعة واحدة محفورة في الخشب ومن وترين، كما أن هناك أنغاما جديدة أخرى أدخلها في الغناء الأندلسي.[92]

وقد خصص الباحث الإيطالي Attilio Gaudio في كتابه: Maroc du Nord فصلا عن تطور الموسيقى الأندلسية بتطوان[93]. وقد شكل الجامع الكبير بضخامته “مركزا” استوحت منه العمارة المدينة أبعادها. فبدت وكأنها تحاكي المسجد في عظمته وبهائه. ولقد أدى هدم الملاح القديم، إلى بناء منازل فسيحة بحدائقها وملحقاتها، ونذكر منها دار ارزيني ودار غارسيا ودار بريشة.

وتتميز العمارة المدنية خلال القرن 19 بوفرة استعمال الزليج في الأرض وعلى الجدران.[94]

وقد عرفت فترة حكم المولى سليمان ازدهار الصناعة التقليدية، خصوصا صناعة الجلد بالإضافة إلى الطرز والنقش.

لكن هذه الصناعات المبدعة لم تستطع الصمود –إلا بصعوبة كبيرة- أمام غزو المواد الأجنبية، ولم يكن هذا التصدع الصناعي إلا امتدادا لمثيله في المجال السياسي والثقافي. وبدا وشيكا، بعد حرب 1859-1860 أن عالما تطوانيا تقليديا يودع بأحلامه الأندلسية ليحل محله واقع جديد يئن تحت ضربات الغازي الأجنبي.

تطوان خلال 1860

لقد كانت حرب تطوان ساعة حقيقة، يوم تحركت الجيوش الإسبانية يوم 13 دجنبر 1859 من سبتة في اتجاه تطوان.

وكان ذلك حدثا كبيرا في حياة أهل تطوان، بحيث استيقظت فيهم ذكريات “حروب الاسترداد” وذكريات محن الطرد والتهجير، أما في إسبانيا فكان الحماس كبيرا ورياح الغزو تذكرهم بالعدو التقليدي الذي قهر أجدادهم.

وقد وقف التهامي الوزاني في حواشيه على تاريخ تطوان لداود وقفة خاصة مع حرب تطوان، وأهم ما رد إليه هزيمة الجيش المغربي في المعركة:

ضعف القيادات المغربية وسوء تدبيرها وتخطيطها.

عدم تكافؤ أعداد الجنود والمتطوعين مع المخططات الحربية المرسومة.

ضعف الميزانية المخصصة للإنفاق على الجيوش.

ندرة الأسلحة والعتاد وفساد بعضه.

قلة الذخيرة الحربية.

تفشي أعمال الفوضى بين السكان من سلب ونهب وقتل واختطاف.

يقول التهامي الوزاني:

كان الجيش الإسباني جيشا كامل العدة، يصحبه الجغرافيون والرسامون والصحفيون وسائر ما تحتاجه حملات الاحتلال المنظم، كما تدل على ذلك الخرائط الدقيقة التي لا تزال موجودة مما وضعته الحملة، وكذلك الصور الفوتوغرافية، فإنها بلغت من الدقة غاية لا مزيد عليها”[95].

واستمرت سيطرة الإسبانيين على تطوان 27 شهرا إلى 2 ماي 1826… وأحدثوا منشآت جديدة بتطوان وابتدعوا مخططا لتعمير المدينة.

وطافت على السطح من جديد ثنائية بدو – حضر بحيث كيلت تهم عديدة من قبيل الخيانة ومساندة العدو للتطوانيين المدينيين، وبقي هذا الجرح كامنا ليندلع في هجومات قبائل جبالة على تطوان سنوات 1903 – 1904، وهي السنة التي كتب فيها René Leclerc عن تطوان ضمن كتابه: المغرب الشمالي ولنا عودة لهذا الكاتب في الفصل الأخير من هذا البحث.

 ———–

[1]  – محمد العربي الشاوش: إشارات حول الإشعاع الفكري والحضاري لمدينة تطوان مجلة دعوة الحق ع 227 – مارس 1983.

[2]  – عبد المنعم سيد عبد العال “لهجة شمال المغرب – تطوان وما حولها” طبعة وزارة الثقافة المصرية سنة 1968 ذكره محمد العربي الشاوش في المقال السابق.

[3]  – Roberto Arlt شاعر أرجنتيني ولد في Buenos Aires عاش في المغرب خلال سنة 1935 قارئ كبير للقرآن له عدة كتب توفي وعمره 42 سنة، ذكرته أمينة اللوه في مقالها صور من تطوان الغرناطية، مجلة الأكاديمية ع15

[4] – jean-Louis Miége, M’hammad Benaboud et Nadia Erzini : Tétouan ville andalouse marocaine, CNRS, 1996p.8

[5] – المرجع نفسه، ص:9.

[6] –  المرجع نفسه، ص 10.

[7]  – أبو العباس أحمد الرهوني: عمدة الراوين في تاريخ تطاوين ج 1. ص 72.

[8]  – نفس المرجع والصفحة.

[9]  – محمد داود: تاريخ تطوان ج 1 ص 37.

[10]  – نفس المرجع ص 36..

[11] – أحمد الرهوني: مرجع سابق ص 197-198.

[12] – محمد العربي الشاوش: إشارات حول الإشعاع الفكري والحضاري لمدينة تطوان، مجلة دعوة الحق، ع227 مارس 1983 ص 221.
[13]  – أمينة اللوة: صور من تطوان الغرناطية، مجلة الأكاديمية ع15 ص 225.
[14]  – احمد الرهوني، مرجع سابق ص 200.

[15]  – محمد داود: تاريخ تطوان، ج1 ص 61.

[16]  – محمد داود: تاريخ تطوان، ج1 ص 63

[17]  – jean-léon l’africain : description de l’afrique 1956.Vol Ip.267-268.

[18]  – ابن أبي زرع: الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس. ج1 ص70-71. طبعة الرباط 1936.

[19]  – أحمد الرهوني: عمدة الراوين في تاريخ تطاوين. ج1 ص 150.

[20]  – نفس المرجع ص 150 – 151.

[21]  – نفس المرجع ص 152، ومحمد داود، مرجع سابق ص 68.

[22]  – محمد داود، مرجع سابق ص 70.

[23]  – نفس المرجع ص 71.

[24]  – أحمد الرهوني مرجع سابق ص 153.

[25]  – أمينة اللوه: سور من تطوان الغرناطية، مجلة الأكاديمية ع 15 ص 212.

[26]  – هذا النهر ليس له اسم واحد عام يطلق على جميعه مثل نهر سبو، ونهر درعة ونهر لكوس اله، بل إن كل قطعة منه لها اسم خاص، فقطعة منه تسمى بوصفيحة، وأخرى الصوير، وأخرى المطيربة، وأخرى العدوة، وأخرى مجاز الحجر، وأخرى كيتان، وأخرى المحنش، وأخرى مجاز الحمارة، وأخرى مجاز الشطبة، وأخرى واد مرتيل وهذه هي المتصلة بالبحر.(نقلا عن محمد داود ج1 ص62).

[27]  – بشأن الظروف الطبيعية لتطوان يرجع إلى ما كتبه بشأنها في archives marocaines لسنة 1905.

[28]  – أمينة اللوه: صور من تطوان الغرناطيين الأكاديمية ع15 ص211.

[29]  – نفس المرجع ص 212.

[30]  – jean-louis : M’hammed Benaboud et Nadia Erizini Tétouan vielle andalouse marocaines p.13

[31]  – محمد رزوق الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16- 17 ص 160.

[32] – تبقى أهم دراسة أنجزت حول الموضوع هي أطروحة محمد رزوق: الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب وخلال القرنين 16 – 17 إفريقيا الشرق 1998.
[33]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 13.

[34]  عبد القادر العافية: الحياة السياسية والاجتماعية والفكرية شفشاون وأحوازها خلال القرن العاشر الهجري (16م) 1982 ص 122.

[35]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 16.

[36]  – أمينة اللوه، مرجع سابق ص 214.

[37]  – نفس المرجع ص 215.

[38]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 17.

[39]  – نفس المرجع نفس الصفحة.

[40]  – نفس المرجع نفس الصفحة.
[41]  – نفس المرجع، ص 18.

[42]  –  نفس المرجع، ص 18.

[43]  – نقلا عن ثلاثة قرون وعشر سنوات من تاريخ الدولة العلوية وزارة الأنباء 1969

[44]  – امحمد بن عبود:. P177. tetouan , la culla di una civiltà,percorso

[45]  – مييج وآخرون مرجع سابق، ص 22.

[46]  – يراجع بهذا الصدد كتاب محمد عبد الستار عثمان: الإسلامية سلسلة عالم المعرفة.

[47]  – مييج وآخرون، مرجع سابق ص 24.

[48]  – امحمد بن عبود مرجع سابق ص 173.

[49]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 28.

[50]  – المرجع نفسه نفس الصفحة.

[51]  – محمد العربي الشاوش: إشارات حول الإشعاع الفكري والحضاري لمدينة تطوان، دعوة الحق ع 227 ص 225.
[52]  – أمينة اللوه مرجع سابق ص 222.

[53]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 28.

[54]  – أمينة اللوه: مرجع سابق ص 239.

[55]  – مييج وبنعبود وارزيني – مرجع سابق ص 30.

[56]  – محمد رزوق: الأندلسيون وهجراتهم إلى المغرب خلال القرنين 16 و17 ص 322-323.

[57]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 33.

[58]  – محمد رزوق مرجع سابق ص 250.

[59]  – المرجع نفسه ص 251.

[60]  – نفسه ص 252.

[61]  – نفسه ص 253.

[62]  – الناصري الاستقصا ج7 ص36.

[63]  – محمد داود تاريخ تطوان ج1 ص 238-239.

[64]  – محمد رزوق مرجع سابق ص 254.

[65]  – نقلا عن محمد رزوق مرجع سابق ص 256.

[66]  – المرجع نفسه ص 255-257. وينظر أيضا Le pere DAN : les illustres captifs. Revue africaines v.27.1883.

[67]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 33.

[68]  – نفسه ص 34.

[69]  – نفسه. ص34.

[70]  – نفسه. ص 35.

[71]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 37.

[72]  – محمد قشتيليو: تأثير الفن العربي المدجن في حياة الإسبان ص 55.

[73]  – جلال يحي. المولى إسماعيل وتحرير ثغور المغرب 1983.

[74]  – مييج وآخرون، مرجع سابق ص 47.

[75]  – جون وندوس، رحلة إلى مكناس ص 60.

[76]  – أحمد الرهوني، عمدة الراوين في تاريخ تطاوين ج1 ص 192.

[77]  – جون وندوس مرجع سابق نفس الصفحة.

[78]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 49 بتصرف

[79] –  المرجع نفسه ص 51 بتصرف

[80]  – نفسه ص 52.

[81]  – georg Host. Histoire de l’empreur du Maroc Mohamed ben abdallah.P.37.

[82]  – مييج وآخرون ، مرجع سابق ص 56.

[83]  – نفسه ص 57.

[84]  – Fernando valderrama martinez/ inscripions arabes en la alcazaba de tetuan. Tamuda AnosV 1957.

[85] – أحمد الرهوني، مرجع سابق ص 203.

[86]  – محمد داود تاريخ تطوان ج2 ص242.

[87]  –  Elarbi Erbati : Habitation Traditinnel à Tetouan – Maroc du XVIè au XVIII éme siecle.unive lyon2.1988.

[88]  – مييج وآخرون، مرجع سابق ص 74.

[89]  – نفس المرجع، نفس الصفحة.

[90]  – نفس المرجع ص 79.

[91]  – أمينة الله، صورة من تطوان الغرناطية الأكاديمية ع15 ص231.

[92]  – نفسه نفس الصفحة.

[93]  – Attilio Gaudio : Maroc du Nord Cités andalouses et montagnes berbéres

[94]  – مييج وآخرون مرجع سابق ص 85.

[95]  – أحمد زيادي حواشي التهامي الوزاني على تاريخ تطوان  مجلة المناهل ع 40 ص 15-16.

د. جمال بامي

  • رئيس مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية، ومركز علم وعمران بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق