الرابطة المحمدية للعلماء

ترجمة جديدة بالألمانية لكتاب إدوارد سعيد “الاستشراق”

في الاحتفاء بأطروحة نقدية للصور النمطية عن الشرق في المخيال الغربي

لا زال أعمال المفكر الفلسطيني الأمريكي الراحل إدوارد سعيد تثير شهية الباحثين والمتتبعين لطبائع علاقة “الشرق” بـ”الغرب”، كما فككها بشكل رصين وقيّم في عمله المرجعي التي يحمل عنوان: “الاستشراق”، بما يُخول للمسؤولين عن موقع “قنطرة” الألماني، الإقرار بأن كتابات إدوارد سعيد، عن الاستشراق وأصوله تشكل حقا مادة غنية للمفكرين والباحثين، إذ تمت ترجمة أعماله، لاسيما كتاب “الاستشراق” إلى لغات متعددة ومنها الألمانية التي شهدت ترجمة جديدة لهذا الكتاب.

معلوم أن العمل صدر للمرة الأولى في العام 1978، حيث أصاب علوم الاستشراق الكلاسيكية بصدمة مهولة، وجاءت الترجمة الألمانية الأولى لكتاب في العام 1979 واعتُبرت غير دقيقة لكنها نفدت من الأسواق منذ زمن بعيد. أما ترجمة الكتاب الجديدة فتوفر الفرصة لمراجعة وفحص مقولات العمل على خلفية التطوُّرات التاريخية التي جرت في العقود الثلاثة الأخيرة، وهي الترجمة التي أتحفنا بالتعليق عليها الكاتب والإعلامي الألماني شتيفان فايدنر.

والكاتب، هو مؤلف كتاب “دليل صراع الحضارات: لماذا يشكل الإسلام تحديا؟”، وهو يشغل حاليا موقع أوغسطس فيلهلم فون شليجل بوصفه أستاذًا زائرًا في جامعة برلين الحرة.

يرى فايدنر أنه من شأن القارئ العادي الذي يتناول هذا الكتاب اليوم أن يستصعب فهم التوتر الذي أحدثه الكتاب في السابق، إذ بالكاد يوجد باحث جاد رصين ممن ما زالوا ينكرون اليوم تأثير مطامع الاستعمار البريطاني والفرنسي عند أعتاب القرن التاسع عشر على علوم الاستشراق، حيث تناول إدوارد سعيد بإسهاب دور سيلفستر دو ساسي Sylvestre de Sacy (1758 – 1838) وإدوارد لين Edward Lane (1801 – 1876)..

وعلوم أيضا، أنه لم تكن حال علوم الاستشراق في حينه أفضل منها في الفن والأدب، حيث إن كاتب الرواية الفرنسي فلوبير قد وجد أثناء رحلته إلى مصر كل الغرائب التي قرأ عنها في تقرير إدوارد لين بخصوص المصري “الحديث” في عام 1836، وقد اعتَبَر كلُّ من سافر إلى البلاد العربية أن رحلته الاستشراقية غير موفقة إن هو لم يجد تلك الصور النمطية في الشرق، لولا أن برهان إدوارد سعيد اللافت بشكل خاص، يضيف فايدنر، يكمن في إثباته أن علوم الاستشراق لاقت ترحيب السياسيين وصناع الرأي، إذ استخدموها لتبرير هجومهم على الشرق، من قبيل ترويج لائحة من المقولات العنصرية، منها مثلا، ما صدر يوما عن وليام موير (1819 – 1905) في مقولة تُعبِّر عن ذاتها: “إن سيف محمد والقرآن لهما ألد أعداء المدنية والحرية والحقيقة التي شهدها العالم على مر الزمان”، وقد رددها ممتنون سياسيون من طراز اللورد كرومرر؛ ويمكن مدّ خطٍ مستقيمٍ يبدأ بمقولاتٍ من هذا القبيل ويصل إلى مدونات الإنترنت الراهنة الناقدة للإسلام، كما يمكن لمراقبٍ شكاك أن يُجرب وضع خطاب الحبر الأعظم في ريغينزبورغ في سياق هذا التقليد.

أما اعتبار إدوارد سعيد موضع خلاف حتى إلى يومنا هذا، فيعود ذلك برأي شتيفان فايدنر، إلى الاستمرار المديد لتلك المواقف حيال الشرق التي وجدها سعيد لدى الكتاب الذين درسهم.

ويكمن ارتكاس (Reflex) مختال خلف التنوير الأصولي الراهن الذي لا يعرف خصمًا له سوى الإسلام والمدافعين عنه، وينبعث متخذًا شكل الحجج التبشيرية بالمدنية مجددًا من أجل الحرب في العراق وأفغانستان. وبخصوص السؤال الموروث عن إدوارد سعيد فيما إذا كان الكلام عن الشرق واردًا بعيدًا عن الصور النمطية الاستشراقية، وكيف يمكن لهذا الكلام أن يكون، فقد وجد الباحثون في العلوم الإسلامية من الشباب وبخاصةٍ في هذا البلد جوابًا مناسبًا عن هذا السؤال.

يقول الجواب بالتفكُّر بالبحوث التي يجريها الباحث وبمراجعتها، وبإعطاء المسلمين الفرصة الأكبر الممكنة ليقولوا قولهم، وبالتخلي عن المقولات التعميمية الجوهرانية من طراز “الإسلام هو كذا وكذا…” واستبدال ذلك بدراسة الإسلام على تنوعه، وبدراسة كل قراءة للإسلام على حدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق