“تاريخ علوم الحديث الشريف في المشرق والمغرب”
في إصدار يُمثل عناية بتحقيق المصنفات الحديثية المعتمدة عصراً بعد عصر
صدر ضمن مطبوعات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ، كتاب جديد باللغة العربية للباحث العلامة الدكتور محمد المختار ولد ابّاه، بعنوان: "تاريخ علوم الحديث الشريف في المشرق والمغرب ".
وكتب الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، تقديماً لهذا الكتاب الذي يقع في 745 صفحة من القطاع الكبير، جاء فيه: "لقد تميّزت العقود الأخيرة من القرن الماضي، بتزايد الاهتمام بدراسة علوم الحديث في الكليات الجامعية والمعاهد الدينية والمدارس العليا المتخصصة وفق المناهج التعليمية والأكاديمية الحديثة، على نحو غير معهود من قبل. ولا يزال هذا الاهتمام بعلوم الحديث متواصلاً إلى اليوم، مؤكداً على إحدى الحقائق التي سطعت في هذا العصر، وهي انتشار العلوم الشرعية وترسيخها والإقبال على دراستها والتفقه فيها في المجتمعات الإسلامية، خاصة علوم القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وتنامي الوعي بقيمة الثقافة الإسلامية وبعناصرها المؤثرة في حركة بناء الفكر وصياغة الثقافة وتربية الفرد والجماعة على القيم الإسلامية المثلى المستمدة أساساً من المنبعين الأصليين معاً: كتاب الله العزيز وحديث رسوله؟، مضيفا أن هذا الاهتمام المتزايد بدراسة علوم الحديث تأسَّس على قاعدة من العناية الفائقة بتحقيق المصنفات الحديثية وأمهات الكتب في هذه العلوم المعتمدة عصراً بعد عصر، ونشرها على نطاق واسع، والتي بدأت طلائعها تظهر بدءاً من الثلث الأول من القرن التاسع عشر، من خلال الكتب المهمة من التراث الإسلامي التي صدرت عن المطبعة الأميرية المعروفة بمطبعة بولاق في القاهرة، وتلك التي صدرت عن مطبعة دائرة المعارف العثمانية في حيدر آباد في الهند، والكتب التي صدرت في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، خاصة في استانبول وبغداد وفاس وطهران وبيروت، وفي عدد من العواصم الغربية التي اهتمَّ فيها المستشرقون بتحقيق طائفة من الكتب الإسلامية المشتهرة ونشرها هناك منذ وقت مبكر".
ومعلوم أن حركة تحقيق التراث الإسلامي في حقل علوم الحديث ونشره تميزت بفورة مشهودة في النصف الأول من القرن العشرين، حتى أصبحت المكتبة الإسلامية المعاصرة زاخرة بأمهات كتب الحديث النبوي، سواء منها الكتب الصحاح، أو المسانيد والمجاميع، أو الكتب التي صُنفت في شرح الصحاح، وفي الاِستدراك، وفي العلل، وفي الجرح والتعديل، وفي طبقات المحدثين، أو الموسوعات الحديثية المتخصّصة التي قدمت خدمة جليلة للباحثين والدارسين ولعموم القراء ممن لهم شغف بالقراءة والاطلاع في هذا الحقل العلمي الزاخر بأعظم العطاءات، والاقتطاف من هذه الشجرة الزكية المباركة المثقلة بأينع الثمرات.
وقد بلغ الاهتمام بعلوم الحديث في هذا العصر، من حيث التوثيق والفهرسة والدراسة والبحث والتحقيق والنشر، حداًّ لم يبلغه في أي عصر من العصور. وتلك ظاهرة جديرة بالتأمل، تؤكد بشكل قاطع، أن اللَّه سبحانه وتعالى يسّر لحديث رسوله الكريم محمد بن عبد الله، عليه الصلاة والسلام، من أسباب الذيوع والانتشار ومن وسائل التمكين والتحقيق، ما ثبَّت به الرسالة الإسلامية الخالدة، ونصر به دينه القيم، وأعزَّ الإٌسلام والمسلمين. فعلى الرغم من مظاهر التجنّي على هذا الدين الحنيف، والطعن في صحة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتشكيك في الكتب الصحاح المعتمدة، خاصة صحيح البخاري وصحيح مسلم، وعلى الرغم من الحرب المعلنة ضد الإسلام عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وأمة، من خلال أساليب ومناهج ظاهرها العلم والمعرفة والبحث عن الحقائق وباطنها التحريف والتزييف والتضليل والدس والاِفتراء، فإن علوم القرآن وعلوم الحديث تنمو وتزدهر بصورة مطردة".