مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

تأملات منهجية في تدريس النحو العربي (6)

 

د.عدنان أجانَة
6
وثمة آفات منهجية تعتري تدريس النحو، لعل من أهمها:  
أ‌- مزج النحو بغيره من العلوم؛  
فالنحو كغيره من ضروب المعرفة، له ألفاظه ومصطلحاته، ومنهجه وطرائق نظم مباحثه، وإدخال صناعة أخرى فيه، يقتضي إدخال مفاهيمها ومصطلحاتها وأدواتها النظرية، ومن أمثلة ذلك مزج النحو بالصناعة المنطقية، كما فعل العلامة أبو الحسن الرماني، في كتابه الحدود، قال الذهبي: “كان يمزج كلامه في النحو بالمنطق، حتى قال فيه أبو علي الفارسي: إن كان النحو ما يقوله الرماني فليس معناه منه شيء، وإن النحو ما نقوله، فليس معه منه شيء، وكان يقال: النحويون في زمانهم ثلاثة، واحد لا يفهم كلامه، وهو الرماني، وواحد يفهم بعض كلامه، وهو أبو علي، وواحد يفهم جميع كلامه، وهو أبو سعيد السيرافي.1
وكما كان يقول أبو حيان عن مقدمة ابن الجاجب: هذه نحو الفقهاء. ومعنى هذا أن النحو ينبغي أن يحتفظ بمصطلحاته ومفاهيمه ومنهجه، ضمانا لاستقلاله، وصونا لمسائله، أن تجتذبها معارف أخرى مصاقبة له.  
ب‌- الاجتزاء في قراءة مباحثه. 
النحو معرفة مبنية على مسائل مفردة، وهذا يقتضي من دارسه أن يقف على مسائله على الوفاء ليعرف أبوابها ونسقها، ولا يتم له هذا إلا باستيفاء هذه المسائل، ولا يستوفيها إلا إذا قرأها في كتاب جامع من كتب النحو، لذلك ارتبطت دراسة النحو قديما بالكتب، ثم ضمنت هذه الكتب في مجموعة من المنظومات، من أشهرها ألفية ابن مالك، وذلك تيسيرا لحفظ المعرفة النحوية، وتسهيلا لاستحضار مسائله وقضاياه. 
أما الاقتصار على بعض مباحثه، فهذا لا يرسم صورة كاملة عن طبيعة هذه المادة ولا عن مجالها وامتدادها، مما يولد عند المتلقي لها تصورا ناقصا وصورة مبهمة عن النحو.   
ج-  فصل النحو عن القرآن الكريم؛ 
النحو من العلوم التي نشأت في رحاب القرآن الكريم، فهو خادم للكتاب، ومدخل إليه، وهذه النشأة تقتضي أن يبقى النحو مرتبطا بالقرآن الكريم، ارتباط الفرع بأصله، والناظر في بعض الكتب النحوية يجد الشواهد القرآنية فيها تحضر حضورا متواضعا، وهذا الفصل بين النحو والقرآن الكريم، هو فصل بين المعرفة وثمرتها، لأن النحو غايته البعيدة، الوقوف على أوضاع التراكيب القرآنية وما ينبني عليها من دلالات ومعان، وتعريف الطالب لهذه المعرفة، على ما تسعفه به من ثمار، وما توقفه عليه من أسرار، وعدم استحضار هذه الغاية في التمثيل النحوي، يجعل المتلقي يتساءل عن جدوى دراسته لهذا الفن، والثمرة المرجوة منه.
د- فصل النحو عن المجال التداولي.
وذلك أن النحو ينبغي أن يدرس باستحضار البعد التداولي له، من خلال الأمثلة والشواهد، ومن خلال ظواهر تطبيقية تنتمي إلى ثقافة المخاطب وزمانه، حتى يكون أكثر استيعابا له.
هـ- عدم حفظ مرتبة النحو.
مرتبة النحو إذا ما قيس بغيره من المعارف، تندرج ضمن علوم الآلة، وكون النحو من علوم الآلة يقتضي من الناظر فيه مراعاة أمور ثلاثة: أولها: أن النحو هو مدخل لغيره من المعرفة، وثانيها: أن هذه المرتبة تقتضي البدء به لأن تجويد الآلة سابق على استعمالها، وثالثها: معرفة ثمرتها التي من أجلها تستعمل ولها تدرس. وقد نبه ابن خلدون على هذا حين ذكر بأن عدم مراعاة مرتبة النحو وحفظها، مضرة بالمتعلمين على الإطلاق، لأن المتعلمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة أكثر من اهتمامهم بهذه الآلات والوسائل. فإذا قطعوا العمر في تحصيل الوسائل، فمتى يظفرون بالمقاصد، فلهذا يجب على المعلمين لهذه العلوم الآلية أن لا يستبحروا في شأنها ولا يستكثروا من مسائلها وينبهوا المتعلم على الغرض منها ويقفوا به عنده. فمن نزعت به همته بعد ذلك إلى شيء من التوغل، ورأى من نفسه قياماً بذلك وكفاية به فليختر لنفسه ما شاء من المراقي صعباً أو سهلاً. وكل ميسر لما خلق له..2
ـــــــــــــــــــــ
1) تاريخ الإسلام للذهبي 27/83
2) ينظر مقدمة ابن خلدون

د.عدنان أجانَة

وثمة آفات منهجية تعتري تدريس النحو، لعل من أهمها:

 أ‌- مزج النحو بغيره من العلوم؛

 فالنحو كغيره من ضروب المعرفة، له ألفاظه ومصطلحاته، ومنهجه وطرائق نظم مباحثه، وإدخال صناعة أخرى فيه، يقتضي إدخال مفاهيمها ومصطلحاتها وأدواتها النظرية، ومن أمثلة ذلك مزج النحو بالصناعة المنطقية، كما فعل العلامة أبو الحسن الرماني، في كتابه الحدود، قال الذهبي: “كان يمزج كلامه في النحو بالمنطق، حتى قال فيه أبو علي الفارسي: إن كان النحو ما يقوله الرماني فليس معناه منه شيء، وإن النحو ما نقوله، فليس معه منه شيء، وكان يقال: النحويون في زمانهم ثلاثة، واحد لا يفهم كلامه، وهو الرماني، وواحد يفهم بعض كلامه، وهو أبو علي، وواحد يفهم جميع كلامه، وهو أبو سعيد السيرافي.1

وكما كان يقول أبو حيان عن مقدمة ابن الجاجب: هذه نحو الفقهاء. ومعنى هذا أن النحو ينبغي أن يحتفظ بمصطلحاته ومفاهيمه ومنهجه، ضمانا لاستقلاله، وصونا لمسائله، أن تجتذبها معارف أخرى مصاقبة له.

 ب‌- الاجتزاء في قراءة مباحثه. 

النحو معرفة مبنية على مسائل مفردة، وهذا يقتضي من دارسه أن يقف على مسائله على الوفاء ليعرف أبوابها ونسقها، ولا يتم له هذا إلا باستيفاء هذه المسائل، ولا يستوفيها إلا إذا قرأها في كتاب جامع من كتب النحو، لذلك ارتبطت دراسة النحو قديما بالكتب، ثم ضمنت هذه الكتب في مجموعة من المنظومات، من أشهرها ألفية ابن مالك، وذلك تيسيرا لحفظ المعرفة النحوية، وتسهيلا لاستحضار مسائله وقضاياه. 

أما الاقتصار على بعض مباحثه، فهذا لا يرسم صورة كاملة عن طبيعة هذه المادة ولا عن مجالها وامتدادها، مما يولد عند المتلقي لها تصورا ناقصا وصورة مبهمة عن النحو.

  ج-  فصل النحو عن القرآن الكريم؛ 

النحو من العلوم التي نشأت في رحاب القرآن الكريم، فهو خادم للكتاب، ومدخل إليه، وهذه النشأة تقتضي أن يبقى النحو مرتبطا بالقرآن الكريم، ارتباط الفرع بأصله، والناظر في بعض الكتب النحوية يجد الشواهد القرآنية فيها تحضر حضورا متواضعا، وهذا الفصل بين النحو والقرآن الكريم، هو فصل بين المعرفة وثمرتها، لأن النحو غايته البعيدة، الوقوف على أوضاع التراكيب القرآنية وما ينبني عليها من دلالات ومعان، وتعريف الطالب لهذه المعرفة، على ما تسعفه به من ثمار، وما توقفه عليه من أسرار، وعدم استحضار هذه الغاية في التمثيل النحوي، يجعل المتلقي يتساءل عن جدوى دراسته لهذا الفن، والثمرة المرجوة منه.

د- فصل النحو عن المجال التداولي.

وذلك أن النحو ينبغي أن يدرس باستحضار البعد التداولي له، من خلال الأمثلة والشواهد، ومن خلال ظواهر تطبيقية تنتمي إلى ثقافة المخاطب وزمانه، حتى يكون أكثر استيعابا له.

هـ- عدم حفظ مرتبة النحو.

مرتبة النحو إذا ما قيس بغيره من المعارف، تندرج ضمن علوم الآلة، وكون النحو من علوم الآلة يقتضي من الناظر فيه مراعاة أمور ثلاثة: أولها: أن النحو هو مدخل لغيره من المعرفة، وثانيها: أن هذه المرتبة تقتضي البدء به لأن تجويد الآلة سابق على استعمالها، وثالثها: معرفة ثمرتها التي من أجلها تستعمل ولها تدرس. وقد نبه ابن خلدون على هذا حين ذكر بأن عدم مراعاة مرتبة النحو وحفظها، مضرة بالمتعلمين على الإطلاق، لأن المتعلمين اهتمامهم بالعلوم المقصودة أكثر من اهتمامهم بهذه الآلات والوسائل. فإذا قطعوا العمر في تحصيل الوسائل، فمتى يظفرون بالمقاصد، فلهذا يجب على المعلمين لهذه العلوم الآلية أن لا يستبحروا في شأنها ولا يستكثروا من مسائلها وينبهوا المتعلم على الغرض منها ويقفوا به عنده. فمن نزعت به همته بعد ذلك إلى شيء من التوغل، ورأى من نفسه قياماً بذلك وكفاية به فليختر لنفسه ما شاء من المراقي صعباً أو سهلاً. وكل ميسر لما خلق له..2

ـــــــــــــــــــــ

1) تاريخ الإسلام للذهبي 27/83

2) ينظر مقدمة ابن خلدون

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق