وحدة الإحياءقراءة في كتاب

تأثير القلق في المخرجات المعرفية

تضمن العدد437 من سلسلة كتاب “عالم المعرفة” الشهرية، الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الكويتية، دراسة مترجمة إلى اللغة العربية لظاهرة “القلق” كما تناولها صاحبي المؤلف الأصلي “القلق 101″، موشي زيدنر وجيرالد ماثيوس، الصادر عن مؤسسة سبرينغر الأمريكية الشهيرة سنة 2011، ضمن كتب سلسلة علم النفس.

يتألف الكتاب (331 صفحة) من تقديم للمترجمين و تصدير للمؤلفين، وسبعة فصول؛ أولها جاء في صيغة مقدمة تأطيرية عامة، فيما الفصل الثاني حمل عنوان: ما أفضل الطرائق لتقييم القلق؟، والفصل الثالث: النظريات والنماذج المفسرة للقلق، والفصل الرابع: ما أصول ارتقاء القلق؟، والفصل الخامس: كيف يؤثر القلق في المخرجات المعرفية؟، والفصل السادس: هل يمكن للتدخل أن يجدي نفعا؟، والفصل السابع والأخير: التطلع إلى علم معرفي للقلق.

دعا القائمان على ترجمة المؤلف الصادرة شهر يونيو 2016، أ. د معتز سيد عبد الله وأ. د الحسين محمد عبد المنعم، إلى ضرورة الاهتمام بظاهرة الأمراض والاضطرابات النفسية، وخاصة القلق،  بالنظر إلى ما يترتب عليها من آثار سلبية خطيرة تنعكس على الأفراد والمجتمع، مشيرين إلى أن الكتاب قيد القراءة، هو كتاب حديث ضمن السلسلة، حاول مؤلفاه أن يكون مواكبا للتغيرات العلمية الجوهرية لمفهوم القلق ومظاهره، ونظرياته ونماذجه التفسيرية، وسبل الوقاية منه وعلاجه.

وأشار المترجمان في تقديمهما للكتاب إلى أن أهمية هذا الأخير، المليئ بالدراسات والاستبيانات المتعددة، والتي سبق واعتمدها مختصون ودارسون للظاهرة، تتجلى في كون ترجمته إلى العربية من شأنها إغناء الساحة العربية التي تعاني نذرة في هذه النوعية من المؤلفات، وتوفير المعلومات العلمية وخلاصة الدراسات النفسية والإكلينية الحديثة والطبية، بشكل مبسط للباحثين والعلماء المختصين في علم النفس، وكذا الأشخاص العاديين غير المختصين والطلاب الجامعيين في تخصصات علم النفس والاجتماع. إضافة إلى أن إدارة القلق، تعد ركنا أساسيا وجوهريا في البرامج التنموية التي تعنى بتطوير الذات، وتعزيز الثقة بالنفس والتقليل من القلق والمخاوف.

وضمن الفصول السبعة للكتاب، أثار الفصل الخامس موضوع “مدى تأثير القلق في المخرجات المعرفية”، وذلك بالاستناد إلى تجربة الطالبة “سو” وما عانته خلال تعاملها وورقة الامتحان النهائي لتوضيح مدى تأثير القلق على الأداء المعرفي، حيث اتضح أن تشتيت الانتباه الذي يعانيه الطالب القلق يتسبب في صعوبة فهم التعليمات والأسئلة البسيطة، والارتباك المصحوب بالخوف من الفشل، وبالتالي فإن النتيجة تكون عبارة عن أداء معرفي هزيل، تحصيل مدرسي ضعيف، انزعاج نفسي واعتلال في الصحة.

ولتوضيح هذه الأمور، حاولت الدراسة أن تقدم الأدلة على تأثير القلق في الأداء المعرفي في العديد من المجالات والمواقف، بما فيها الامتحانات الأكاديمية، والعمل مع الأرقام أو أجهزة الحاسوب، والتفاعل الاجتماعي، والرياضة، اعتمادا على العديد من الدراسات التي حاولت سبر أغوار العلاقة ما بين القلق والأداء المعرفي، لتخلص إلى إمكانية النظر إلى علاقة القلق بالأداء المعرفي باعتبارها علاقة دائرية في طبيعتها، باعتبار أن المستويات المرتفعة من القلق، تنتج أنماطا معينة منفرة من الدافعية والتعامل، واستراتيجيات المهمة التي تتداخل مع التعلم والأداء مع وجود بعض الاستثناءات.

ولتفسير آثار القلق في الأداء المعرفي، أي العملية السببية التي تصل بين القلق والأداء، اعتمد “موشي زيدنر” و”جيرالد ماثيوس”، ثلاث نظريات: نظرية نماذج معالجة المعلومات لفهم الطبيعة الدينامية للمعالجة، وكذا نظرية التحكم في الانتباه لمعرفة العمليات التنفيذية المنظمة للمعالجة، في حين أن نظرية التنظيم الذاتي للقلق تعتمد على أن الأداء المرتبط بالقلق هو نتيجة استراتيجية للمعالجة التنفيذية ذات المرجعية الذاتية.

وتخلص الدراسة إلى أن القلق يظل غامضا نوعا ما في كيفية تأثيره على المعرفة التي تمتد لفترات زمنية، مثل قضاء دورة طويلة لمدة فصل دراسي أو إتمام مشروع مهم في العمل، مع التنبيه على ضرورة البحث في مجال أشكال القصور المعرفية المرتبطة بالقلق.

ومن أجل “التطلع إلى علم معرفي للقلق” كما جاء في عنوان الفصل السابع والأخير من الكتاب، يرى المؤلفان أن النماذج السائدة المفسرة للأسس النفسية للقلق تعد نماذج نفسية معرفية. ولهذا تمت مناقشة مواضيع الفصل ارتكانا إلى تقديم تلخيص لحالة القلق من منظور علم النفس المعرفي كنموذج سائد في بحوث القلق المستقبلية، وأيضا بحث سبل وضع الأبحاث المعرفية للقلق ضمن نطاق أوسع وأشمل “العلوم المعرفية”، دون إغفال الخوض في بعض التحديات المحتملة التي قد تواجه النموذج المعرفي، المختص بالدراسات متعددة التخصصات التي تهتم بكيفية معالجة أنساق الذكاء بالمعنى الواسع للمعلومات، فضلا عن دراسة الظاهرة الإنسانية، بغية تحقيق نتائج مفيدة.

وقد استنتج “موشي زيدنر” و”جيرالد ماثيوس” أن فهم القلق كظاهرة ينبغي أن يكون على مستويات عديدة انطلاقا من نظرية شاملة للقلق تتكامل فيها نماذج معالجة المعلومات، مع علم الأعصاب، ومع المظاهر الدافعية للقلق، داعين إلى ضرورة التمييز بين ما هو معرفي أو اجتماعي، مع إيجاد وسائل دمج المستويات المختلفة من القلق .

ذة فاطمة الزهراء الحاتمي

باحثة مساعدة بالوحدة البحثية للإحياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق