مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

بماذا عرّف أرباب السلوك الصوم؟

   فرض الله تبارك وتعالى الصيام على عباده جميعا، وحثهم عليه، ورغبهم في آدابه، وعدّد لهم أجْره وثوابه، كي يغنموا ويربحوا من خلال هذه العبادة الكونية، والرياضة السنوية، التي خصهم بها سبحانه، تهذيبا لسلوكهم، وتزكية لنفوسهم، ورقيا لأخلاقهم، غير أن الصوفية نظروا للصيام نظرتهم الخاصة، وعرّفوه تعريفات تختلف من صوفي لآخر، كلٌّ على حسب مقامه وحاله ودرجته في السلوك، غير أنهم يتفقون على أن شهر الصيام رمضان هو شهر مفاتحة الخطاب، شهر إنزال الكتاب، شهر حصول الثواب، شهر التقريب والإيجاب، شهر تخفيف الكلفة، شهر تحقيق الزلفة، شهر نزول الرحمة، شهر وفور النعمة، شهر النجاة، شهر المناجاة…

   وهذه بعض تعريفاتهم للصوم، وإن كانت كلها مردها إلى التخلق بأخلاق الله تعالى، والطمع في نيل أعلى الدرجات، وبلوغ أقصى الغايات:

● قال الشيخ أبو طالب المكي: “الصوم هو مفتاح الزهد في الدنيا، وباب العبادة للمولى، لأنه منع النفس عن ملاذها وشهواتها من الطعام والشراب، كما منعها الزاهد العابد بدخوله في الزهد وشغله بالعبادة”[1].

● وعنه يقول السراج الطوسي: “الصوم هو التخلق بالصمدية”[2].

● أما عبد الكريم الجيلي، فجعل الصوم “إشارة إلى الامتناع عن استعمال المقتضيات البشرية، ليتصف بصفات الصمدية، فعلى قدر ما يمتنع، أي يصوم عن مقتضيات البشرية تظهر آثار الحق فيه…”[3].

● والصوم عند الإمام الشعراني صفة صمدانية مطهرة من الشوائب النفسانية والشيطانية[4].

● ويقول الحكيم الترمذي: “الصوم، ثمرته تطهر النفس”[5].

● وفرّق الإمام القشيري بين الصوم لله والصوم بالله فقال: “من شهد الشهر صام لله، ومن شهد خالق الشهر صام بالله. فالصوم لله يوجب المثوبة، والصوم بالله يوجب القربة. الصوم لله تحقيق العبادة، والصوم بالله تصحيح الإرادة. الصوم لله صفة كل عابد، والصوم بالله نعت كل قاصد. الصوم لله قيام بالظواهر، والصوم بالله قيام بالضمائر. الصوم لله إمساك من حيث عبادات الشريعة، والصوم بالله إمساك بإشارات الحقيقة”[6].

● والصوم عند الإمام الجنيد  هو نصف الطريقة[7].

● والصائم عند أبي عبد الرحمن السلمي هو الممسك عن كل ما لا يرضاه الله تعالى[8].

● قال الإمام القشيري: الصوم على ضربين: صوم ظاهر وهو الإمساك عن المفطرات مصحوبا بالنية، وصوم باطن وهو صون القلب عن الآفات، ثم صوم الروح عن المساكنات، ثم صون السر عن الملاحظات.

● ويقول رحمه الله عن صوم العابدين: هو صوْن اللسان عن الغيبة، وصون الطرف عن النظر بالريبة[9].

إذن فالصوم عند أرباب السلوك صوم شريعة وحقيقة، صوم تزكية وترقية، صوم تهذيب وتقريب، صوم صيانة وحماية، صوم رياضة ومجاهدة، صوم قلب وجوارح، هو صوم أهل الطريق المحمدي، وأهل الحق والتحقيق…


[1] قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد، أبو طالب المكي، 218/1.

[2] موسوعة الكسنزان فيما اصطلح عليه أهل التصوف والعرفان، 469/13.  

[3] الإنسان الكامل في معرفة الأوائل والأواخر، عبد الكريم الجيلي، 204/2.

[4] موسوعة الكسنزان، 470/13.

[5] المصدر السابق، 472/13.

[6] تفسير القشيري المسمى لطائف الإشارات، 138/1.

[7] تاج العارفين، سعاد الحكيم، ص: 151.

[8] موسوعة الكسنزان، 479/13.

[9] لطائف الإشارات، 137/1.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق