مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

اليَوَاقِيتُ في أَحَكَامِ الـمَوَاقِيتِ (لأبي العباس أحمد بن إدريس القرافي(ت684هـ

يُعْتبرُ كتابُ: «اليَوَاقِيتُ في أَحَكَامِ الـمَوَاقِيتِ»، لأبي العبَّاس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي(ت684هـ)، من الـمؤلَّفات المعدودة التي اعتنت بدارسة أَزْمِنة العبادات وبيان ما يتعلق بها من أحكام فقهية ونُكت أصولية، وعلى الرغم من وَجَازته واخْتِصَاره فقد حَوى بين دفَّتيه فوائدَ غزيرة، ودرر نفيسة، تدلُّ على شُمُوليته وإحاطته، ويأتي تأليفه لهذا السِّفر العجيب إجابة عن بعض الأسئلة الـمُشْكلة، وتحرير بعض المسائل التي تناقش فيها رحمه الله مع  جُـمُوع من الفضلاء والأعيان وما شاكلهم من معاصريه، وقد صرح بذلك في صدر كتابه قائلا: « … فإنه قد وقع لي من جماعة من فُضلاء الزَّمان والصُّدور والأعيان أسئلة جليلة، ومباحث جميلة، تتعلق بأزمنة العبادات، وأوقات الصلوات، فآثرت أن أجمعها في كتاب، ليصل إليها طالبوها، وينتفع بها مُطَالعوها، ويظهر رونقها بانتظام شملها، ويعظم وقعها باتضاح سبلها، مُرصعا لها بقواعدها الأصولية، وفوائدها الفقهية، وأسرارها العقلية، وعللها النقلية»، وحتى يتحقق هذا الذي أشار إليه، فإنه عمد إلى تقسيم كتابه إلى مقدمة ومجموعة من المباحث، خصص أولها لبيان سبب نزول قوله تعالى: (يسألونك عن الأهلة)، والثاني: في معنى لفظها، والثالث: في الفرق بين المواقيت الواردة في الآية، والوقوت والأزمنة التي قالها مالك في أول موطئه، والرابع: في تحقيق المبتدأ والخبر في قوله تعالى: (هي مواقيت)، والمبحث الخامس: في قوله تعالى: ( يسألونك عن الأهلة)، فإنه فعل مضارع والمراد به الماضي والحالة المستمرة، والمبحث السادس: في الآية أن الأهلة جمع وقد قوبل بالجمع، المبحث السابع: فيما يتعلق بهذه الأهلة من الأسماء، وهي أسماء الشهور وما يتعلق بها، وقد انضوى تحت هذه المباحث زُمرة من القواعد الفقهية والأصولية، وجملة من المسائل.

وبنى القرافي تأليفه على منهج مُـحكم، تميز بسلاسة الأسلوب، ودقة التعبير، وحسن انتقاء العبارات والمصطلحات الدالة على المقصود، بدون تكلف أو شطط في الكلام، مع الاستدلال على كل ما يذكر بأدلة من الكتاب والسنة وأقوال أصحاب المذاهب الأربعة، ونظرائهم من الأصوليين، وأهل اللغة، مع الترجيح وإبداء رأيه دون تعصب أوتجريح، وهذا ليس بغريب من هذا العالم الجليل الذي عُرف رحمه الله بعبقريته ونبوغه في مختلف العلوم، وقديما قيل: إذا عرف السبب بطل العجب.

أما مادة كتابه فإنه جمعها من عشرين مصدرا تقريبا؛ يأتي في مقدمتها: الموطأ للإمام مالك(ت179هـ)، وصحيح البخاري(ت256هـ)، وصحيح مسلم(ت261هـ)، والتمهيد والاستذكار لابن عبد البر(ت463هـ)، ، والبرهان لأبي المعالي الجويني(ت487هـ)، المستصفى لأبي حامد الغزالي(ت505هـ)، والكشاف للزمخشري(ت538هـ)، والمنتقى لأبي الوليد الباجي(ت474هـ).

وكما استفاد القرافي من سابقيه فإن الذين جاؤوا من بعده قد اغترفوا من معين كتابه هذا في مسائل عدة، منهم: أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي(ت914هـ) في المنهج الفائق والمنهل الرائق والمعنى اللائق بآداب الموثق وأحكام الوثائق، وأبو عبد الله محمد بن محمد الحطاب(ت954هـ) في مواهب الجليل في شرح مختصر الشيخ خليل، وأبو عبد الله محمد بن أحمد عليش(ت 1299هـ) في فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب مالك.

 طبع الكتاب بتحقيق جراح نايف الفضلي، تقديم عبد العزيز خليفة القصار، نشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى(1432هـ/ 2011م).

الكتاب: اليَوَاقِيت في أحكام الـمَوَاقيت

المؤلف: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي(ت684هـ).

مصادر ترجمته: الديباج المذهب: ( 1/205-208)، شجرة النور الزكية: (188- 189).

دار النشر: مؤسسة الرسالة، دراسة وتحقيق جراح نايف الفضلي.

قال محمد مخلوف في حق المُؤَلِّف : الإمام العلامة، الحافظ الفهامة، شيخ الشيوخ، وعمدة أهل التحقيق والرسوخ، ومصنفاته شاهدة له بالبراعة والفضل واليراعة.

إعداد: ذ.رشيد قباظ.

Science

الدكتور رشيد قباظ

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق