مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

النوع والمساواة في قانون الأسرة المسلمة(ج.2)

 

بشرى لغزالي

 

 

 


يرصد هذا الجزء الأول المعنون “رؤية على الواقع” من هذا الكتاب الجماعي، تجارب مختلفة مرتبطة بالقوانين التي تؤطر الحياة الأسرية في مصر وماليزيا والمغرب، ويعرض التحديات التي تواجهها النساء المطالبات بتغييرها وإصلاحها، والتفاوت الحاصل بين هذه القوانين والواقع المعيش.

تفتتح الباحثة ملكي الشرماني هذا الجزء بمقالها: “طاعة الزوجة: بين النصوص القانونية والممارسات القضائية وواقع الحياة الزوجية”، حيث تعرض فيه كيفية إرساء القوامة في قوانين الأسرة المصرية وتطبيقها على مستوى الممارسات القضائية من خلال دراسة أجرتها على دعاوى الطاعة القضائية. وقد سمحت لها هذه الدراسة بالتعرف على طرق تأثير هذا المفهوم القانوني على حقوق المرأة المتزوجة وقضاياها المعروضة على أنظار المحكمة. كما ذكرتنا ملكي في هذا المقال بعمل الناشطات المصريات المتواصل الذي ترجع بداياته إلى فترة وضع قانون الأسرة المبني على الفقه الإسلامي في مصر سنة 1920، إذ عبرن عن تعارضه مع مصالح النساء المصريات وانخرطن في المطالبة بإصلاحه.

وعرضت بعض مقتضيات قانون الأسرة المصري التي تعرض المرأة للتمييز، مثل المادة 11 التي تنص على أن نشوز المرأة يؤدي إلى حرمانها من النفقة، والنشوز -حسب هذه المادة دائما- يعني امتناع الزوجة عن العودة إلى بيت الزوجية، وهو ما تشير الكاتبة إلى أنه كان يتم بالقوة والإجبار في حال تقدم الزوج بطلب رجوعها. وأوضحت المراحل التي تمر بها مسطرة الطاعة، مبينة بأن النفقة تسقط عنها عندما يثبت الزوج نشوزها. وفي هذا السياق، قدمت الكاتبة أربعة أمثلة لقضايا مرفوعة أمام المحكمة بخصوص نقض الزوجة حكم الطاعة حيث استنتجت الكاتبة بأن السبب المشترك وراء رفض الامتثال لحكم الطاعة في هذه الحالات هو غياب الدعم المادي والحماية. ثم شرحت ظروف طعن النساء في حكم الطاعة، وأشارت إلى أن ربح النساء دعوى الاعتراض على إنذار الطاعة يرجع بالأساس إلى تقديمهن هذه الدعوى مرفوقة بطلب الخلع لأنها الطريقة الأسرع والأقل تكلفة والأضمن.

وختمت ملكي مقالها مستدلة بنتيجة خلُصت إليها جميع الدراسات التي أُجريت في بلدان أخرى، تتمثل في وجود هوة كبيرة بين نموذج الزواج الإسلامي في قوانين الأسرة والممارسات الفعلية في مؤسسة الزواج. كما تعكس قضايا النشوز في نظرها الحاجة إلى تجديد قوانين الأسرة في مصر. ودعت إلى ضرورة الانتقال لإجراءات عملية وفعلية وعدم الاكتفاء بالخطابات، بغية مراجعة قانون الأحوال الشخصية المصري ليواكب الوضع المعاصر للأسر. كما أن مصر لا تشكل في نظرها استثناء لأن عدة دول إسلامية أخرى رفضت تجديد قوانينها التي تنظم الأسرة المسلمة. فرغم أن المرأة تمكنت من تحقيق تقدم كبير على مستوى الفضاء العام، فإن الفضاء الخاص يبقى في نظرها مُغيبا على مستوى المطالب. وترى أن وضع النساء القانوني سيبقى سيئا ما دامت المساواة غائبة عن الفضاءين العام والخاص.

وتشارك أيضا في هذا الجزء من الكتاب مروة شرف الدين بمقال يحمل عنوان “المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق النساء المصريات: إصلاح قانون الأحوال الشخصية بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي لحقوق الإنسان”، إذ قدمت فيه دراستها الميدانية التي شملت مجموعة من المنظمات المصرية غير الحكومية المعنية بحقوق المصريات، التي تدعو إلى إصلاح قانون الأسرة بالاعتماد على المرجعية الدينية والحقوقية. وترصد هذه الدراسة الصعوبات التي تواجهها هذه المنظمات ومرجعيتها المعتمدة والحافر الذي دفعها إلى إدراج الدين في مطالبها الإصلاحية.

صرحت المُستجوَبات من هذه المنظمات بأن انتقاد قانون الأحوال الشخصية بغية إصلاحه يُعد من وجهة نظر البعض انتقادا للدين الإسلامي لأنه مستمد من الفقه. وتُذكر الكاتبة بأن مقاومة المجتمع لأي إصلاح يرجع إلى علاقة القانون بالفقه الإسلامي الذي استُمد منه مجموعة من المفاهيم كالقوامة والولاية اللذين تنبني عليهما مجموعة من القوانين. كما أشارت إلى أهمية تحديد المنظمات مرجعياتها المعتمدة لأنها ستؤثر في مطالبها الإصلاحية وتدعمها، إذ تعتمد في عملها على الواقع المعيش للمصريات اللواتي يتضررن من هذا القانون، وخطاب فقهي متنور، ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية.

وأقرت بعض الحقوقيات المستجوبات بأن رسالة الإسلام الداعية للمساواة والعدل والكرامة سمحت لهن برفض قانون الأحوال الشخصية المُعتمد والدعوة إلى إصلاحه، بالإضافة إلى عدم فاعلية قوانين حقوق الإنسان لوحدها لتحقيق هذا الإصلاح. ويؤدي الجمع بين الخطابات الدينية والحقوقية التي توجهها الحاجيات المطروحة على أرض الواقع في مصر، إلى وضع مفاهيم جديدة تتمنى هذه المنظمات أن تنعكس على القوانين.

ولاحظت الكاتبة في الختام أن مطالب بعض المنظمات تعكس مجموعة من التناقضات، وأنها لا توحد جهودها، وأن التوافق يغيب أحيانا بين أعضاء نفس المنظمة.

أما السيدة عائشة الحجامي، فقد قدمت في مقالها المُعنون “الحجج الدينية في النقاش بشأن إصلاح مدونة الأسرة المغربية”، التسلسل التاريخي الذي مر به إصلاح مدونة الأسرة المغربية منذ إرسائها بعد استقلال المغرب، حيث عين الملك محمد الخامس لجنة من العلماء تضم علال الفاسي الذي كان يدعو إلى إصلاحات جريئة تخص حقوق المرأة كمنع التعدد وسن تعويض للمطلقة بغض النظر عن أسباب الطلاق، لكن أفكاره لقيت معارضة أعضاء آخرين باللجنة. بيد أن مدونة الأسرة التي وُضعت سنة 1958 لم تكن تلائم وتواكب واقع المغرب في القرن 20، بل فاقمت مجموعة من المشاكل الأسرية، مما أدى إلى انتقاد اللامساواة فيها والمطالبة بالتغيير. وكثفت الحركات النسائية هذه المطالب انطلاقا من نهاية السبعينيات، رغم وجود جو من الشك اتجاهها.

وفي عام 1993، خضعت هذه المدونة لإصلاح أعدته لجنة ملكية من العلماء والفقهاء. فرغم أن الحركات النسائية اعتبرته غير كاف، إلا أنه تميز بإزالة طابع القدسية على مقتضيات كانت تعتبرها شريحة كبيرة من المجتمع المغربي غير قابلة للمس أو التغيير. وفي مارس 1999، قدم الوزير الأول مسودة برنامج عمل وطني من أجل إدماج المرأة في التنمية أثارت جدلا واسعا بسبب مقترحاته التي تضمنت منع التعدد، وإلغاء وجوب الولي في الزواج، ورفع سن الزواج بالنسبة للفتيات، وتقسيم الممتلكات الزوجية بعد الطلاق. وبعد أن قدم الوزير الأول طلب تحكيم ملكي، عين الملك محمد السادس لجنة استشارية تتكون من علماء وخبراء في العلوم الإنسانية لإعداد مسودة القانون.

وأشارت إلى أن الملك في خطابه أمام البرلمان في 10 أكتوبر 2003، قدم مسودة قانون الأسرة، مستدلا في كل مقتضى بدليل من القرآن أو السنة. ثم أُخرجت إلى الوجود بعد أن صادق عليها البرلمان في 2004 تحت اسم “مدونة الأسرة”. وأوردت الكاتبة في مقالها المقتضيات الجديدة للمدونة التي احتدم حولها النقاش، وقارنتها بالمقتضيات القديمة لتوضح الفرق بينهما، واستدلت بحجج بعض المؤيدين والمعارضين لها. كما أشارت إلى أن مفهوم القوامة استعمل كمبرر لرفض مجموعة من المطالب لم تكن تتعارض مع القيم الدينية.

لكن رغم تحقيق تقدم على المستوى القانوني، تُظهر التحديات على أرض الواقع في نظرها الحاجة إلى مقاربة شمولية تعالج العوائق المطروحة على المستوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي.

وتختم الدكتورة زينة أنور هذا الجزء من الكتاب بمقالها “من المحلي إلى العالمية: أخوات في الإسلام وتأسيس “مساواة”: حركة عالمة من أجل المساواة داخل الأسرة المسلمة”، الذي عرضت فيه سبب وظروف إنشاء منظمة أخوات في الإسلام سنة 1987 التي انبثقت عنها سنة 2007 حركة مساواة. وأُحدثت هذه المنظمة على يد ثمان نساء من كوالالامبور بغية الإجابة على سؤال حيرهن لسنوات، وهو: “إن الله عادل والإسلام عادل، لكن أين هو العدل في حياة النساء؟”. وبذلك أعدوا إطار عمل ومنهجية لإسماع أصوات النساء اللواتي سعين إلى تفسير النصوص الدينية. فرغم الانتقادات التي واجهنها واتهامهن بأن عملهن مخالف للدين الإسلامي، واصلت “الأخوات” القيام بمهمتهن في التواصل مع العامة ونشر كُتيبات مبسطة تجيب عن مجموعة من التساؤلات التي تُطرح عن المرأة والإسلام. كما أقر العديد من الأشخاص بأن هذه المبادرة مكنتهم لأول مرة من معرفة حقيقة إنصاف الإسلام للمرأة.

وفي الفترة التي شهد العالم صعود الإسلام السياسي في الثمانينيات والتسعينيات كما هو الحال في ماليزيا، برز عمل المجموعات النسائية كأخوات في الإسلام التي نظمت ندوات وقدمت مذكرات للحكومة اعتمدت على مقاربة ذات بعد ديني وقانوني وحقوقي واجتماعي وتاريخي، في الوقت الذي اكتفت فيه منظمات نسائية أخرى بالجانب الحقوقي تاركة بذلك المجال للمحافظين للهيمنة على النقاش الديني وتحديد مواصفات المرأة المسلمة. وفي سنة 2006، ظهرت فكرة حركة عالمية تدعو إلى تحقيق العدالة والمساواة في الأسرة المسلمة بالاعتماد على الدين وعمل الحركة النسائية، وهو ما سمح للنساء بالجمع بين إيمانهن ونشاطهن النسائي في آن واحد، ثم تجسدت هذه الفكرة على أرض الواقع سنة 2007. تقر السيدة أنور بأن حركة مساواة تعطي حلولا بناءة من أجل مستقبل أفضل بدل الاكتفاء بانتقاد الظلم الذي تتعرض له النساء، عبر تنظيمها دورات تكوينية بهدف تزويد المشاركين فيها بالمعرفة الضرورية للتحدث عن الإسلام وحقوق النساء، والوصول إلى المجتمعات التي لم تحصل فيها النساء بعد على حقوقهن بالاعتماد على الإسلام.

يتبين إذن من خلال هذه النماذج بأن قوانين الأسرة المسلمة في جميع البلدان المذكورة لا تواكب الواقع المعاصر، وهو ما دفع إلى تقديم مطالب نسائية تدعو إلى إصلاحها. كما أن اعتماد هؤلاء النساء على المرجعية الدينية والانطلاق من الواقع المعيش للأزواج والتواصل مع العامة-أول المعنيين بالقوانين- أمر داعم لمطالبهن يساعدهن دون شك على وضع اقتراحات قانونية تلامس واقع الأسر.

 

 

نشر بتاريخ: 01 / 04 / 2014

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق