مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام

الناشطة النسائية زيبا مير حسيني: من إيران إلى المملكة المتحدة

إعداد: بشرى لغزالي 

بدأت مجموعة كبيرة من النساء الفاعلات في الحركة النسائية الإسلامية مسيرتهن الفكرية من الغرب، حيث سطع نجمهن هناك قبل أن يتسنى للقارئ العربي المسلم التعرف عليهن وعلى كتاباتهن. وتعد زيبا مير حسيني من بين أبرز الناشطات في الحركة النسائية الإسلامية. دفعها اهتمامها بوضع قريناتها من الإيرانيات إلى خوض غمار البحث في هذا المجال، حيث تعتبر نفسها باحثة أكاديمية تقوم بالتفكير في قضية النوع في الإسلام انطلاقا من قناعاتها وإيمانها كمسلمة. فمن تكون زيبا مير حسيني؟ وما هي الأفكار التي تدعو إليها؟

سيرتها:

السيدة زيبا مير حسيني هي عالمة أنثروبولوجيا إيرانية تعيش في المملكة المتحدة، وباحثة متخصصة في الفقه الإسلامي والنوع والتنمية. حصلت على الإجازة في علم الاجتماع من جامعة طهران سنة 1974، ثم على الدكتوراه في علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة كامبردج سنة 1980. عملت أستاذة باحثة مشاركة بجامعة لندن وأستاذة زائرة، كما شغلت منصب مستشارة في قضايا النوع والتنمية. بعد إعلان الثورة الإيرانية سنة 1979، أجرت بحثا ميدانيا في محاكم الأسرة بطهران، وتابعت التطورات التي عرفتها قضايا النوع في الجمهورية الإسلامية من خلال تتبع النقاشات التي تناولت قانون الأسرة، وواصلت إنجاز بحوث ميدانية بشكل مكثف في محاكم الأسرة في كل من إيران والمغرب ما بين عامي 1985 و1989، وهو ما مهد لصدور كتابها الأول: Marriage  on Trial: A study of Islamic Family Law in Iran and Morocco. كما تُعتبر من المؤسسين لحركة مساواة[1] العالمية التي تسعى إلى تحقيق العدل والمساواة داخل الأسرة المسلمة، إذ رأت هذه الحركة النور سنة 2009 عقب اجتماع عُقد بكوالالمبور عرف حضور ما يفوق 250 مشارك ومشاركة من بلدان مختلفة.

إصداراتها:

نشرت الباحثة زيبا حسيني عدة مقالات[2] وأصدرت مجموعة من الكتب باللغة الإنجليزية. صدر أول مؤلف لها سنة 1993 بعنوان: Marriage on Trial: A study of Islamic Family Law in Iran and Morocco (الزواج قيد الاختبار: دراسة لقانون الأسرة الإسلامي في إيران والمغرب). وقد أوحى هذا الكتاب للمخرج Kim Longinotto بفكرة أن تشاركه زيبا في إخراج فيلم وثائقي عُرض بالفعل سنة 1998 بعنوان Divorce Iranian Style (الطلاق على الطريقة الإيرانية)[3]، حيث صور حالات واقعية لنساء لجأن إلى القضاء من أجل الطلاق لأسباب مختلفة كان مآلها مختلفا أيضا. كما شاركته في إخراج فيلم وثائقي ثان عُرض سنة 2001 كان يحمل عنوان Runaway (الهاربات)، حيث صور قصص مجموعة من الفتيات الهاربات في طهران. وقد حصد هذان الفيلمان العديد من الجوائز في مهرجانات دولية.

صدر كتابها الثاني سنة 1999 بعنوان Islam and Gender: The religious debate in contemporary Iran (الإسلام والنوع: النقاش الديني في إيران المعاصرة)، ثم تلاه كتاب ثالث صدر سنة 2006 بعنوان: Islam and Democracy in Iran: Eshkevari and the Quest for Reform (الإسلام والديمقراطية في إيران:  إشكيفاري والبحث عن الإصلاح). وكان آخر إصدار لها بعنوان: Control and sexuality: the Revival of Zina Laws in Muslim contexts (السيطرة والجنسانية: تجديد قوانين الزنا في السياق الإسلامي).

فكرها:

تُعرَف زيبا مير حسيني الحركة النسائية باعتبارها حالة من الوعي تدرك فيها النساء التمييز الذي يتعرضن له بسبب جنسهن، وتقمن بفعل شيء لتدارك ذلك. وتختلف أشكال هذا الوعي باختلاف السياق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو ما ترتب عنه ظهور عدة أنواع من الحركة النسائية منها الحركة النسائية الإسلامية. وتعتبر زيبا هذه الحركة “الابن غير المرغوب فيه” للإسلام السياسي حيث أدت الهوة التي تفصل هذا الأخير عن حقوق الإنسان إلى ظهور الحركة النسائية الإسلامية. وقد انتقدت هذه الحركة الفتية المناصرين للإسلام السياسي لأنهم يخلطون بين الشريعة والنظام الذكوري ويسعون إلى فرض قوانين باسم الإسلام من خلال اعتماد نصوص فقهية تقليدية، كما يقومون بتسييس قضية النوع أو الجندر وحقوق المرأة المسلمة. وكنتيجة لهذا الوضع، دعت الناشطات في الحركة النسائية الإسلامية إلى تحقيق العدل والمساواة كما جاء بها الإسلام معتمدات على أدلة دينية، كما اقترحن فهما بديلا للنصوص الدينية ورؤية جديدة للإسلام.

ترى الباحثة زيبا أن الحركة النسائية الإسلامية تواجه مجموعة من الخطابات من مواقع مختلفة، حيث تواجه خطاب الإسلام السياسي الذي يدعو إلى العودة إلى النصوص الذكورية وإقامة دولة إسلامية؛ والخطاب التقليدي الإسلامي الذي يعتبر الفقه نصا مقدسا لا يجب الخوض فيه؛ والخطاب الأصولي العلماني الذي يرى الدين غير عادل ويستبعد إمكانية إنجاز قراءة تحررية أو نسائية للدين؛ والخطاب الغربي الذي ينتقد الإسلام؛ وخطاب الحركة النسائية الغربية المهيمنة الذي يرى ضرورة علمانية المناصرين لها.

وتواجه النساء في نظر زيبا تحديين أساسيين يتمثل أولاهما في تشابك الأبعاد السياسية والدينية للهوية في المجتمعات الإسلامية، وثانيهما في التفسير التقليدي الذكوري الذي يعتمده الفقهاء المسلمون التقليديون للنصوص الدينية، والقوانين المترتبة عنها.

ويمكن أن تساهم الحركة النسائية الإسلامية، حسب رأي زيبا، في تحسين وضع المرأة من خلال فتح المجال لإعادة النظر في القوانين المعتمدة في إطار احترام مبدأ المساواة اعتمادا على المراجع الدينية. فالحركة النسائية الإسلامية مشروع معرفي يدرس بعين ناقدة الإنتاج المعرفي ويضع تساؤلات جديدة من وجهة نظر نسائية بخصوص السياق الذي نزلت فيه النصوص الدينية والهدف منها.

والحركة النسائية الإسلامية في نظر زيبا حسيني لا تقتصر على النساء فحسب، بل يمكن للرجال أيضا الانخراط فيها لأن النظام الذكوري يؤثر سلبا على الرجال والنساء معا باعتباره أصل جميع أنواع الاستبداد. فالرجال أيضا معنيون بالسعي لتحقيق مجتمع عادل، رغم أن النساء يتجرعن الظلم بشكل مختلف.

وختاما، يمكن القول بأن وعي زيبا مير حسيني بقضية النساء في الإسلام نابع من محيطها ووضع الإيرانيات والقوانين التي يخضعن لها باسم الإسلام، إلا أن وجود هذا الواقع في مجتمعات أخرى جعل كتاباتها تلقى إقبالا واسعا وصدى كبيرا لأنها موجهة لكل النساء المضطهدات باسم الدين.


[1]  موقع الحركة: www.musawah.org

[2]  كتبت إحدى المقالات بعنوان: “كيف فُتح باب الاجتهاد وأُغلق:تحليل ومقارنة إصلاحات قانون الأسرة الأخيرة في إيران والمغرب” حيث بينت فيه كيف أن باب الاجتهاد فُتح في الإصلاح الذي عرفه قانون الأسرة في المغرب سنة 2004، وأُغلق في إيران.

[3]  يمكن مشاهدة هذا الفيلم الوثائقي المصحوب بترجمة باللغة الإنجليزية على الموقع الإلكتروني الخاص بالباحثة زيبا حسيني: http://www.zibamirhosseini.com/films/


نشر بتاريخ: 12/11/2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق