مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

المعمرية: من المعتزلة

يقول البغدادي عنهم:
أصحاب معمر بن عباد السلمى وهو من أعظم القدرية فرية‏:‏ في تدقيق القول بنفي الصفات ونفي القدر خيره وشره من الله تعالى والتكفير والتضليل على ذلك‏.‏
وانفرد عن أصحابه بمسائل‏:‏ منها‏:‏ أنه قال‏:‏ إن الله تعالى لم يخلق شيئاً غير الأجسام فأما الأعراض فإنها من اختراعات الأجسام‏:‏ إما طبعاً كالنار التي تحدث الإحراق والشمس والحرارة والقمر التلوين وإما اختياراً كالحيوان يحدث الحركة والسكون والاجتماع والافتراق‏.‏
ومن العجب أن حدوث الجسم وفناءه عنده عرضان فكيف يقول‏:‏ إنها من فعل الأجسام وإذا لم يحدث الباري تعالى عرضاً فلم يحدث الجسم وفناءه فإن الحدوث عرض فيلزمه أن لا يكون لله تعالى فعل أصلاً‏.‏
ثم ألزم‏:‏ أن كلام الباري تعالى‏:‏ إما عرض أو جسم‏.‏
فإن قال‏:‏ هو عرض فقد أحدثه الباري تعالى فإن المتكلم على أصله هو من فعل الكلام أو ما يلزمه‏:‏ أن لا يكون لله تعالى كلام هو عرض وإن قال هو جسم فقد أبطل قوله‏:‏ إنه أحدثه في محل فإن الجسم لا يقوم بالجسم فإذا لم يقل هو بإثبات الأزلية ولا قال بخلق الأعراض فلا يكون لله تعالى كلام يتكلم به على مقتضى مذهبه‏.‏
وإذا لم يكن له كلام لم يكن له آمراً ناهياً وإذا لم يكن أمر ونهي لم تكن شريعة أصلاً فأدى واهبه إلى خزي عظيم‏.‏
ومنها‏:‏ أنه قال‏:‏ إن الأعراض لا تتناهى في كل نوع‏.‏
وقال كل عرض قام بمحل فإنما يقوم به لمعنى أوجب القيام وذلك يؤدي إلى التسلسل‏.‏
وعن هذه المسألة هو وأصحابه‏:‏ أصحاب المعاني‏.‏
وزاد على ذلك فقال‏:‏ الحركة إنما خالفت السكون لا بذاتها بل بمعنى أوجب المخالفة وكذلك مغايرة‏:‏ المثل ومماثلته وتضاد الضد الضد كل ذلك عنده بمعنى‏.‏
ومنها‏:‏ ما حكى الكعبي عنه‏:‏ أن الإرادة من الله تعالى للشيء غير الله وغير خلقه للشيء وغير‏:‏ الأمر والأخبار والحكم فأشار إلى أمر مجهول لا يعرف‏.‏
وقال‏:‏ ليس للإنسان فعل سوى الإرادة‏:‏ مباشرة كانت أو توليداً وأفعاله التكليفية‏:‏ من القيام والقعود والحركة والسكون في الخير والشر‏.‏
كلها مستندة إلى إرادته لا على طريق المباشرة ولا على طريق التوليد وهذا عجب غير أنه إنما بناه على مذهبه في حقيقة الإنسان‏.‏
وعنده‏:‏ الإنسان معنى أو جوهر غير الجسد وهو‏:‏ عالم قادر مختار حكيم ليس بمتحرك ولا ساكن ولا متكون ولا متمكن ولا يرى ولا يمس ولا يحس ولا يجس ولا يحل موضعاً دون موضع ولا يحويه مكان ولا يحصره زمان لكنه مدبر للجسد وعلاقته مع البدن علاقة التدبير والتصرف‏.‏
وإنما أخذ هذا القول من الفلاسفة حيث قضوا بإثبات النفس الإنسانية أمراً ما هو جوهر قائم بنفسه‏:‏ لا متحيز ولا متمكن وأثبتوا من جنس ذلك موجودات عقلية مثل العقول المفارقة‏.‏
ثم لما كان ميل معمر بن عباد إلى مذهب الفلاسفة ميز بين أفعال النفس التي سماها إنساناً وبين القالب الذي هو جسده فقال‏:‏ فعل النفس هو الإرادة فحسب النفس إنسان ففعل الإنسان هو لإرادة وما سوى ذلك‏:‏ من الحركات والسكنات والاعتمادات فهي من فعل الجسد‏.‏
ومنها‏:‏ أنه كان ينكر القول‏:‏ بأن الله تعالى قديم لأن قديم أخذ من قدم يقدم فهو قديم وهو فعل كقولك‏:‏ أخذ منه ما قدم وما حدث‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ هو يشعر بالتقادم الزماني ووجود الباري تعالى ليس زماني‏.‏
ويحكى عنه أيضاً‏:‏ أنه قال‏:‏ الخلق غير المخلوق والإحداث غير المحدث‏.‏
وحكى جعفر بن حرب عنه أنه قال‏:‏ إن الله تعالى محال أن يعرف نفسه لأنه يؤدي إلى أن لا يكون العالم والمعلوم واحداً ومحال أن يعلم غيره كما يقال‏:‏ محال أن يقدر على الموجود من حيث هو موجود‏.‏
ولعل هذا النقل فيه خلل فإن عاقلاً ما لا يتكلم بمثل هذا الكلام الغير المعقول‏.‏
لعمري‏!‏ لما كان الرجل يميل إلى الفلاسفة‏.‏
ومن مذهبهم‏:‏ أنه ليس علم الباري تعالى علماً انفعالياً أي تابعاً للمعلوم بل علمه علم فعلي فهو من حيث هو فاعل وعلمه هو الذي أوجب الفعل وإنما يتعلق بالموجود حال حدوثه لا محالة ولا يجوز تعلقه المعدوم على استمرار عدمه وانه علم وعقل وكونه‏:‏ عقلاً وعاقلاً ومعقولاً شيء واحد فقال ابن عباد‏:‏ لا يقال‏:‏ يعلم نفسه لأنه يؤدي إلى تمايز بين العالم والمعلوم ولا يعلم غيره لأنه يؤدي إلى كون علمه من غيره يحصل‏.‏
فإما لا يصح النقل وإما أن يحمل على مثل هذا المحمل‏.‏
ولسنا من رجال ابن عباد فنطلب لكلامه وجهاً‏.‏

المصدر: الملل والنحل للشهرستاني. ص:44. الطبعة الأولى: 1426 هـ- 2005م

  دار  ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع لبنان .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق