الرابطة المحمدية للعلماء

المجلس العلمي الأعلى يصدر العدد الأول من مجلة “الجذوة”

أصدر المجلس العلمي الأعلى بالمملكة المغربية، أخيرا، العدد الأول من مجلة الجذوة، محتويا بالإضافة إلى كلمة العدد على مجموعة من المقالات والأبحاث التي تنظر في مختلف العلوم الإسلامية.

وتحدثت كلمة العدد التي حملت عنوان “الإعلام رسالة وأمانة”، عن أصول وقواعد ومناهج وأهداف الإعلام، مبينة أن هذا الأخير أيا كان جنسه، هدفه حمل رسالة ما إلى من يهمه الأمر، أو من يراد له أن يصبح معنيا، وفق منهج وأسلوب لائقين بالمضمون، ينتجان أثره، ويحققان غايته ومراده.

وأضافت أن الإعلام بهذا المعنى، علم له أصول وقواعد ومناهج مثل سائر العلوم التي، مهما تباينت موضوعاتها، تجمعها تلك المبادئ أو المقولات العشر التي يبدأ بها المدرسون عند شروعهم في تدريس أي علم، مشيرة إلى أن الذي لا يختلف فيه اثنان هو أن الإعلام يصنف ضمن العلوم التي تسمى، وسائل، على اعتبار أن العلم في مفهوم علماء الإسلام صنفان: وسائل ومقاصد.

وأوضحت كلمة العدد، أن الضابط في ذلك أن علوم الوسائل ليست مقصودة لذاتها، بل لأنها جسر للعبور نحو علوم المقاصد، التي هي المبتغى، ومثلت لذلك بعلوم اللغة العربية من نحو ولغة وصرف وبلاغة وبيانا وما إليها، والتي تعتبر جميعها مجرد آلة لفهم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم اللذين هما المقصود والغاية في نهاية المطاف، مؤكدة أن ذلك لا ينقص من قيمة الوسيلة أبدا، إذ لولاها ما تحقق إدراك الغاية، واعتبارا لذلك أعطى العلماء الوسائل حكم المقاصد وسووا بينهما في الاعتبار والأهمية.

واستهل الدكتور محمد يسف، الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، والمدير المسؤول للمجلة، باقة الأبحاث والمقالات التي تضمنها العدد، ببحث يحمل عنوان “مع ركب المصطفى في رحلة الإسراء والمعراج”، استعرض من خلاله المحن والابتلاءات التي واجهت مسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم الدعوية، مبرزا أن الرسول الكريم والذين آمنوا معه واجهوا على مدى 13 سنة، مختلف أنواع الاضطهاد والتنكيل والقمع والطغيان والجبروت، بدءا من مصادرة حق التعبير عن الرأي والاعتقاد، ومرورا بكل أشكال الإيذاء بما فيها التعذيب البدني الذي بلغ حد التصفية الجسدية، والمقاطعة الاقتصادية والاجتماعية والحصار الشامل، وانتهاء بالنفي والتهجير الذي انتهى بالهجرة الكبرى.

وأضاف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى أن هذا الاضطهاد الذي ابتلي به الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، ازداد بعد وفاة نصيرين كبيرين وسندين قويين لهم وهما عمه أبو طالب، وزوجه خديجة أم المؤمنين، غير أن ذلك، لم ينل من عزمه، ولا صرفه قيد أنملة عن وجهته، فلم يضيع دقيقة واحدة من وقته إلا باحثا عن التماس المسلك الذي ينساب منه النور ليضيء أعماق الإنسان ويشع على الكون كله.

وذكر الدكتور محمد يسف أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان على الرغم من ذلك، موقنا من نصرة من يملك النصر وحده، وأن غيبة سندين مخلصين في وقت واحد لابد أن تكون ورائها حكمة ربانية، ذلك أن الشدة يعقبها الفرج، وأن العسر يتلوه يسر محقق، واشتداد الأزمات موذن بانفراجها مصداقا لقول الحق سبحانه وتعالى في محكم كتابه “فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا” الآية، وقول صاحب المنفرجة “اشتدي أزمة تنفرجي”.

وتحت عنوان “قاعدة اجتماع الحلال والحرام.. حقيقتها وأدلتها وتطبيقاتها”، انبرى الدكتور محمد الروكي، عضو المجلس العلمي الأعلى، إلى فك خيوط هذه القاعدة الفقهية، التي كثر ورودها عند الفقهاء، ولاسيما في مجال العادات والمعاملات، كما كثر الاستشهاد بها عند الناس في عدة مواطن، وأحيانا قد يكون الاستشهاد والاستدلال بها في غير محلها، أو ينأى بها عن حدود معناها الفقهي الذي سار عليه الفقهاء، أو يغفل عن قيودها وضوابط أعمالها في مجالها، في العبادات، والعادات والمعاملات، مشيرا إلى أن تبيان حقيقة وأدلة وتطبيقات هذه القاعدة سيكون من خلال عدد من العناصر من بينها، نص القاعدة، صيغها الأخرى، قواعد ذات علاقة بها، شرح القاعدة، وأدلتها الشرعية.

وذكر الدكتور الروكي، أن معنى هذه القاعدة، هو أن الحلال والحرام إذا اجتمعا معا –أي اختلطا- أخذ الجميع حكم الحرام، موضحا أن اجتماعهما له صورتان، الأولى أن يجتمعا في شيء واحد، ككونه حلالا باعتبار حراما باعتبار آخر، ومن صيغ القاعدة ما يعبر عن هذه الصورة كقولهم، “إذا اجتمع الحل والحرمة في المحل يترجح جانب الحرمة في الابتداء والانتهاء، وهذا يدخل فيما سمي على لسان الشرع بالمشبهات، بمعنى، أن تغليب الحرام على الحلال في هذه الصورة مقيد بوجود الاشتباه، والصورة الثانية، لاجتماع الحلال والحرام، يضيف عضو المجلس العلمي الأعلى، أن يجتمعا في شيئين، بأن يختلط شيء حرام بشيء حلال، كاختلاط لحم مذكاة بلحم ميتة، فتغلب الحرمة على الحل أيضا خشية الوقوع في الحرام، مبينا أن التغليب في هذه الصورة مقيد بثلاثة قيود.

أما فضيلة الدكتور عبدالهادي حميتو، عضو المكتب التنفيذي للرابطة المحمدية للعلماء، فقد اختار في هذا العدد الحديث عن القراءة الجماعية والحزب الراتب في المغرب، وقال في هذا الصدد “للشعوب، كما للأفراد، في العمران البشري خصائص وسمات، منها ماهو جبلي، وماهو مكتسب، فكما يتميز كل شعب عن غيره من الشعوب، يتميز أفراده عن أبناء الجنس المماثل كل بسماته الشخصية، وصفاته الخلقية والخلقية، حتى ينعدم التطابق التام بين شعب وشعب، وبين شخص وغيره في تكوين الفوارق الملحوظة بين الأجناس وبين الأفراد”، مضيفا أن ذلك يعكس بجلاء بدائع القدرة الإلهية في خلق هذا التنوع الذي يطبع أجناس الموجودات، ويشكل القاعدة التي لا تنخرم مهما تكن درجات التقارب، حتى بين التوائم أو أبناء البيت الواحد أو الشعب الواحد.

وخلص الدكتور عبدالهادي حميتو إلى أن الشعب المغربي وساكنته، ليس خارجا عن هذا القانون العمراني في خصوصيته وكينونته، وملامح شخصيته وهويته، وخضوعه للعوامل البيئية والمنظومة القيمية التي آمنت بها ورسمت خط سيرها في هذا الركن القصي من العالم المعمور، مبرزا أن العلامة ابن خلدون، وهو نتاج هذه الآفاق، الذي جال في أرجائها واستبطن أحوال أهلها، وسبر أغوار ساكنتها، وقف على مجموعة من هذه الخصائص، أهمها تلك المتعلقة بمحورية القرآن الكريم في حياتهم الدينية ونظمهم التعليمية.

ويزخر العدد بعدد آخر من البحوث والمقالات، خطها مجموعة من الأساتذة الأفاضل  والعلماء الأجلاء من بينها، التأصيل لاختصاص الدولة بتنظيم الشأن الديني، و”معالم المنهج النقدي عند الإمام مالك”، و”في الحاجة إلى استئناف التجديد في العلوم الإسلامية، و”الرحلات العلمية بين القيروان وفاس، و”أبو الحسن الأشعري إمام الغرب الإسلامي في العقيدة”، و”منهج الأشعري في قراءة النص”، و”سيرة الإمام الأشعري بين الأوهام والحقيقة”.

أحمد زياد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق