مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة 8

محمد كرماط

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

إذا كانت أفعال العباد مخلوقة لله وغير مقدورة لهم سقط استحقاق الحكم عليها بالحسن والقبح وبالتالي المدح والذم، لأن ذلك ليس من صنعه ولا اختيار له فيه، ومن كان في هذا الموضع فهو في حكم المضطر الملجأ إلى فعله “والاضطرار مع التكليف لا يصح[1][2]اهـ كلامه.

ولا شك أن للمعتزلة أدلة غير ما جاء مضمنا في الكلام السالف، نوردها إجمالا:

من النقل:

1-قول الله تعالى: ﴿والله لا يحب الفساد﴾[3] ،وقوله تعالى: ﴿ولا يرضى لعباده الكفر﴾[4]

قال القاضي عبد الجبار: تدل الآيتان على أن الله تعالى غير مريد للكفر والفساد من أعمال العباد، بدليل أنه لا يحب ذلك و لايرضى به[5].

2- قول الله تعالى: ﴿ إن الله لا يأمر بالفحشاء ﴾[6] و قوله تعالى : ﴿ وينهى عن الفحشاء والمنكر  والبغي    ﴾[7].

قالوا: لا يجوز أن يكون الله مريدا للمعاصي والفواحش، لأنه نهى عنها ولو كان مريدا لها لأمر بها[8].

3- قول الله تعالى: ﴿ سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء﴾[9]

ووجه الاستدلال: أنها دلت على تكذيب المشركين في قولهم الذي قالوه بغير علم، واتباعا للظن، ثم عاقبهم الله بشركهم. فدل على أن شركهم ومعصيتهم لم تكن بإرادة الله ومشيئته، ولو كانت من الله لما عاقبهم عليها[10].

4-قوله تعالى: ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾[11]، إذ قوى بها الزمخشري مذهبه في “الكشاف” بأن قوله تعالى:”وما تعملون” ترجمة عن قوله قبلها:”ما تنحتون” و “ما” في قوله:”ما تنحتون” موصولة اتفاقا، فلا يعدل بـ”ما” التي بعدها عن أختها، وأطال في تقرير ذلك، ومن جملته :”فإن قلت : لم أنكرت أن تكون “ما” مصدرية والمعنى: خلقكم وخلق عملكم كما يقول المجبرة-يعني أهل السنة-؟ قلت:”أقرب ما يبطل به أن معنى الآية يأباه إباء جليا، لأن الله احتج عليهم بأن العابد والمعبود جميعا خلق الله. فكيف يعبد المخلوق مع أن العابد هو الذي عمل صورة المعبود ولولاه لما قدر أن يشكل نفسه، فلو كان التقدير خلقكم وخلق عملكم لم يكن فيه حجة عليهم.

ثم قال:”فإن قلت :”هي موصولة لكن التقدير: والله خلقكم وما تعملونه من أعمالكم”،قلت: ولو كان كذلك لم يكن حجة على المشركين”[12]

وقال ابن الوزير اليماني[13] في “إيثار الحق”:”واعلم أن من لم يتأمل هذا توهم أن الآية من النصوص على خلق الأفعال ولذلك يستروح كثير من القائلين بذلك إليها ويستأنسون بها ولو أنصفوا ما استحلوا ذلك (كذا !!)..ولا خلاف أن في الآية إجمالا واشتراكا بالنظر إلى لفظة (ما تعملون) فإنها محتملة أن تكون بمعنى (الذي تعملون) كقوله تعالى في سورة “يس” : ﴿لياكلوا من ثمره ومما عملته أيديهم ﴾ فجعل ما عملته أيديهم مأكولا، وكل مأكول مخلوق لله وحده لا عمل للعبد فيه البتة[14] وقد سماه معمولا لأيديهم لمباشرتهم له. وأن تكون مصدرية بمعنى (وعملكم)، ولما كان ذلك كذلك لم يحل أن يتقول على الله تعالى إلا بوجه صحيح وإلا وجب الوقف ورد ذلك إلى الله لقوله تعالى: ﴿ولا تقف ما ليس لك به علم ﴾. لكن هنا وجوها ترجح أنها بمعنى (الذي تعملون) وهو : الأصنام التي خلقها الله تعالى حجارة وعملوها أصناما فهي معمولة مصنوعة حقيقة وقد سمي المعمول عملا مجازا وحقيقة عرفية ولا حاجة بنا إلى ذلك، فكونها معمولة كاف في ذلك..فالآية تحتمل بالنظر إلى لفظها ثلاثة أشياء:أحدها أنه تعالى خلق جميع أفعال العباد على العموم كما قال المخالف؛ الثاني:أنه خلق الأصنام التي هي معمولات العباد ومصنوعاتهم لما فيها من أثر تصويرهم وتشكيلهم؛ الثالث: يكون التقدير وما تعملون فيه. والثاني من الاحتمالات هو الراجح بوجوه[15].”[16]اهـ المراد.

من العقل:

1-               قالوا: إذا كان الله تعالى أمر بالطاعات ورغب فيها ووعد عليها بالثواب العظيم ونهى عن المعاصي و القبائح. وتوعد عليها بالعقاب الأليم. فيجب –على هذا- أن يكون مريدا لما أمر به؛ غير مريد لما نهى عنه[17].

2-               قالوا : الرضا بقضاء الله تعالى واجب بالإجماع، فلو كان الكفر بقضاء الله تعالى لوجب الرضا به. وهذا باطل بإجماع، لأن الرضا بالكفر كفر[18].

3-               قالوا: لو أراد الله من الكافر الكفر ومن العاصي المعصية لم يمكنهما الخروج عن إرادته ومشيئته فيصيران مجبورين في الكفر والمعصية، فبعد ذلك إما أن يعذرا على فعلهما وفيه إبطال الوعيد وإما أن يعاقبا عليه وفيه نسبة الجور والظلم إلى الله تعالى وتكليف ما ليس في الوسع أنه خارج عن قضية الحكمة[19].

 

 


[1] – عبد الجبار “المغني”(8/208)

[2] – سميح الدغيم ‘فلسفة القدر في فكر المعتزلة”ص:249

[3] – سورة البقرة، الآية:205

[4] – سورة الزمر، الآية :07

[5] – القاضي “شرح الأصول الخمسة”ص:460

[6] – سورة الأعراف،الآية 28:

[7] -سورة النحل،الآية:90

[8] – القاضي”شرح الأصول الخمسة”ص:463 و 467

[9] -سورة الأنعام، الآية 148:

[10] – عبد الجبار “شرح الأصول الخمسة”ص:476 و”المغني”(6/246-247)

[11] – سورة الصافات، الآية:96

[12] محمود بن عمر الزمخشرى “الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل “(4/50-51)

[13] – وابن الوزير ليس معتزليا بل هو من الشيعة الزيدية وأصول الزيدية هي أصول المعتزلة وقد أرجع الشهرستاني في “الملل والنحل”(1/180) هذا الارتباط إلى تلمذة زيد بن علي على يد واصل بن عطاء فاقتبس منه الاعتزال ,. ومثل ابن الوزير صالح المَقبلي صاحب “العلم الشامخ” وكذا  الصنعاني ثم الشوكاني مع  بعض التأثر بأهل السنة في مسائل في أصول الدين، أما في الفروع فإن  بعض أهل السنة في العصور المتأخرة تأثروا بكتاباتهم مما نتج عنه الدعوة إلى نبذ المذاهب الأربعة وانتحال مذهب سموه :(مذهب أهل الحديث) فكانت الفوضى العارمة  تجتاح مسائل الفقه  دفعت  العلماء إلى التصدي لها ،و على رأس أولئك: العلامة زاهد الكوثري في مقالة  “اللامذهبية قنطرة اللادينية” و”الإشفاق على أحكام الطلاق” وغيرها، وسلامة القضاعي في “البراهين الساطعة”، والشيخ المحدث ابن ما يأبى الجكني في “قمع أهل الزيغ والإلحاد”، ويوسف الدجوي في “مقالاته”، ومحمد الحامد في”لزوم اتباع المذاهب حسما للفوضى الدينية” ، وسعيد حوى في”جولات في الفقهين الكبير والأكبر”، والتهانوي في”إعلاء السنن” ، والكيرانوي في”قواعد في علوم الفقه” ، والبوطي في”اللامذهبية أخطر بدعة  تهدد الشريعة الإسلامية” ،ووهبي غاوجي في “سهام طائشة عن الفقه الإسلامي” .

[14] -فيه نظر ظاهر

[15] -ثم عدد وجوه الرجحان في صفحات طويلة، ومناسبات بعيدة وحاصلها بالنظر إلى ظاهرها أن الآية على الاحتمال الراجح في تفسيرها إنما تقوم حجة في كون معمولات العباد مخلوقة لله تعالى، لكن النزاع بين المعتزلة و أهل السنة الأشاعرة في أفعال العباد وأعمالهم لا في معمولاتهم ومفعولاتهم !!

[16] – ابن الوزير اليماني “إيثار الحق على الخلق”ص:318 وما بعدها

[17] – القاضي”شرح الأصول”ص:457-459

[18] – القاضي”شرح الأصول الخمسة”ص:771

[19] – الهرري”إظهار العقيدة السنية”ص:289

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق