مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة 7

محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

 

تقرير مذهب المعتزلة

ربما يجب في البداية أن ننبه إلى أن النقيض التام للجبرية ليسوا هم المعتزلة بل القدرية الأولى، والقدرية فرقة أخرى غير المعتزلة[1] وكانوا قبلهم في الزمان، وهم أصحاب معبد الجهني[2] (ت 80هـ) ، وغيلان الدمشقي (ت99هـ)، وقد قالوا بالقدر الخالص وأنكروا علم الله تعالى الأزلي بأفعال العباد، وقالوا مقولتهم المشهورة المعروفة: “لا قدر والأمر أُنُـف[3]، أي إن الله لا يعلم أفعال العباد إلا بعد حصولها، وبالتالي يستحيل أن يكون قد قدرها منذ الأزل .

وهذا المذهب مذهب مرذول مردود من قبل سائر الفرق الإسلامية، لأنه يعارض أموراً معلومة من الدين بالضرورة، ثم هو كمذهب الجبرية انقرض منذ القدم؛ يقول الإمام الشبرخيتي المالكي:” وهي تنكر-القدرية الأولى- ما ذكرناه من سبق العلم بالأشياء قبل وجودها وتزعم أن الله لم يقدر الأمور أزلا ولم يتقدم علمه بها وإنما يأتنفها علما حال وقوعها. وهؤلاء انقرضوا قبل الشافعي –رحمه الله-“[4]

أما مذهب المعتزلة فيبينه الشيخ عبد القادر المجاوي بقوله:” اعلم أنه ذهب المعتزلة[5] وهم أصحاب واصل بن عطاء إلى نفي القدر من الله تعالى وإثباته لأنفسهم. وزعموا أن أفعال العباد ليست مخلوقة لله الخالق و إنما من خلقهم و إبداعهم باختيارهم ومشيئتهم وأن المؤثر فيها قدرتهم فقط، وأنهم يأتون بالقبائح بإرادتهم وقدرتهم بدون مشيئة الله وإرادته بل على خلاف مراد الله”[6]اهـ

فالحاصل أنهم يرون خلق الإنسان لأفعاله، وأن مشيئة الله تعالى لا تتعلق إلا بما يحب ويرضى، وكذلك قضاؤه وقدره، وقالوا: لايريد الله من أفعال العباد إلا ما كان خيرا. وأما ما كان منها قبيحا فلا يريده ولا يشاؤه بل يكرهه ويسخطه[7]. فتكون المعاصي بذلك –عندهم- ليست بقضاء الله تعالى وقدره. ولم تكن بإرادته ومشيئته ولا هي من خلقه وفعله لأنها ليست محبوبة له وليست مرضية عنده[8].

يقول الدكتور سميح الدغيم مبينا ذلك:”فالإنسان ما وقع منه كان لا محالة فعله هو، حادث من جهته. ولا يمكن أن تنسب هذه الأفعال إلى الله لأن نسبتها إليه يلحق به أفعال النقص والعجز والشرور. كل هذا مما يقبح نسبته إلى الله تعالى ، فلا بد أن تكون هذه الأفعال من صنع الإنسان ومخلوقة له. وعندما نقول مخلوقة له أي مما يقع تحت قدرته، لأنها لو كانت مخلوقة لله “لصح أن يوجدها وإن لم يقدر العبد عليها”[9].

 

 

 

 

        

 

 

 


[1] – وهم القدرية الثانية، يقول الشبرخيتي”شرح الأربعين”ص:76-77:”وهم قدريتان..وقدرية ثانية:وهم مطبقون على أن الله تعالى عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم أن أفعال العباد مقدرة لهم واقعة منهم على جهة الاستقلال بواسطة الإقدار والتمكين”اهـ

[2] -قال الشيخ الكوثري في تعليقه على”النظامية”ص:47:”أول من نفى القدر هو “معبد بن خالد الجهني” حيث قال:”لا قدر والأمر أنف” يريد به الرد على من تعلل  في العصيان بالقدر من الجبرية، ببيان أنه ليس هناك قدر يعطل اختيار العبد في الأفعال التي كلف بها. لكن ضاقت عبارته فعمت كلمته فضللوه“اهـ

[3] – روى مسلم في صحيحه(1/36) عن يحيى بن يعمر قال : كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهني ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا : لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله    فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلا المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الأمر إلي فقلت : أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم ..وأنهم يزعمون ألا قدر وأن الأمر أنف ..” الحديث

[4] -إبراهيم الشبرخيتي “شرح الأربعين”ص:76

[5] – قد فصل إبراهيم الحلبي في “اللمعة” مذهب المعتزلة إلى أقوال ثلاثة : الأول: لأكثر مشايخ المعتزلة، الثاني:لأبي الحسين البصري، الثالث: للإمام الزمخشري.ص:52-53

[6] –  عبد القادر المجاوي”تحفة الاختيار”ص:6

[7] – القاضي عبد الجبار “شرح الأصول الخمسة”ص:457-459 و الجويني “الإرشاد إلى قواطع الأدلة” ص:212-213

[8] – القاضي “شرح الأصول الخمسة”ص:431 وما بعدها والأشعري “مقالات الإسلاميين”(1/298) وابن حجر “الفتح”(13/506-507)

[9] – عبد الجبار “المغني” (8/177)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق