مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

القول المرجوح 2

د/ادريس غازي

باحث بمركز دراس بن اسماعيل

 

هذا عن الصنف الأول من صنفي القول المرجوح، أما الصنف الثاني فهو المسمى في عرف العلماء بالشاذ، والقول الشاذ هو”القول الذي لم يصدر من جماعة”[1]، أو هو القول الفقهي المرجوح بسبب قلة القائلين به، وهو بهذه الصفة يقابل القول المشهور، غير أن شذوذ القول لا يعني مرجوحيته من كل وجه، فقد يكون ذا مستند معتبر أو قوي، إلا أن ما قام به من وصف التفرد وعدم التأيد بالكثرة العددية جعله دون مقابله – وهو المشهور– في الاعتبار والعمل.

وبمقتضى ما ذكر فإن القول الشاذ –كالقول الضعيف– لا يجوز الإفتاء أو الحكم به لمن هو فاقد أهلية الترجيح، والمتعين فيه اتباع المشهور من أقوال المذهب، وهذا هو المعمول به عند الفقهاء. قال أبو القاسم البرزلي: “الذي جرى عليه العمل أن لا يحكم القاضي بغير مشهور مذهب مالك، وقد وقع ذلك في زمان السيوري ففسخ حكم القاضي، ووقع في زمن الشيخ أبي القاسم الغبريني، ففسخ حكم حاكم حكم بشاذ من القول، إذ لم يكن القاضي من أهل العلم والاجتهاد، لأن كل من كان مقلدا لا يعرف وجوه الترجيح لا يجوز له أن يحكم بالشاذ، وهو معزول عنه يفسخ حكمه، وإنما يحكم بغير المشهور من القضاة من ثبتت له وجوه الترجيح، وثبت عنده ترجيح غير المشهور”[2].

وقال العلامة السجلماسي عند قول سيدي عبد الرحمن الفاسي في عملياته:

حكم قضاة الوقت بالشذوذ

 

ينقض لا يتـم بالنفـوذ

“يريد أنه جرى العمل بنقض حكم من يحكم من قضاة الوقت بغير مشهور المذهب، لما علم من أن الحكم بالمشهور واجب، والعدول عنه إلى القول الشاذ لا يجوز إلا لمن كان مجتهد المذهب، وفيه أهلية ترجيح غير المشهور، وذلك مفقود في هذا الزمان، فلذلك تعين على أهله وهم المراد بالعوام القضاء بالمشهور، فمن حكم بغيره رد حكمه وإن وافق قولا من أقوال العلماء، ولا يلتفت إلى دعوى أنه اختاره لدليل خاص عنده، إذ لا اختيار لأحد اليوم مطلقا”[3].

ثم أشار إلى أن الحكم بالشاذ والعدول عن المشهور دون مراعاة ضوابط الترجيح ممنوع قبل وقوع الحكم منقوض بعده، إلا أن المتقدمين من الفقهاء يمضون من هذه الأحكام ما كان صادرا عن من توفرت فيه أهلية الترجيح.

وذكر المازري فيما نقله عنه السجلماسي أيضا ما نصه:

“سئل علي بن عثمان عن الخصم يأتي لقاضي موضعه بفتيا بعض الفقهاء في مسألة خصومته، هل يجب على القاضي المصير لقول المفتي لكونه أفقه منه مع تحققه أن المشهور غير ما أفتى به، أو يطرح الفتيا ويقف مع المشهور فأجاب، الواجب على القاضي الوقوف على المشهور والحكم به، ولا يلتفت إلى الفتيا المذكورة ما لم تكن الفتيا خالفت المشهور لأمر أوجب ذلك معتبر في الشرع غير ملغى”[4].

 


[1] – رفع العتاب والملام ص 20.

[2] – فتح الجليل الصمد في شرح التكميل والمعتمد، لأبي القاسم الفلالي السجلماسي ص 304، الطبعة الأولى 1290 هـ، مطبعة الدولة التونسية المحروسة.

[3] – شرح العمل الفاسي، للشيخ محمد بن أبي القاسم السجلماسي الرباطي 2/96، طبعة حجرية عام 1291 هـ.

[4] – نفسه 2/99.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق