مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

القاضي أبو بكر الباقلاني، البصري، ثم البغدادي،338هـ 403 هـ / 950م 1013م

 

اسمه ونسبه:

هو القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، المعروف بالباقلاني، وقيل ابن الباقلاني، البصري المتكلم المشهور، يلقب بشيخ السنة، ولسان الأمة[1]،  كان على مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، ومؤيدا اعتقاده وناصرا طريقته[2]، إمام وقته، من أهل البصرة، وسكن بغداد[3].

ولادته:

رغم شهرته، فإن المصادر التي ترجمت له لم تفدنا بشيء كثير ذي بال عن حياة الرجل، ومكانته، ونشاطه العلمي، وقد تناقله أصحاب تلك المصادر بعضهم عن بعض. لهذا فنحن نجهل كل شيء عن أصله  ونسبه وعن تاريخ ولادته.
ومن المتوقع أن ولادته حصلت في العقد الرابع من القرن الرابع للهجرة، أي في حدود سنة (338/949) بالبصرة[4].

مكانته العلمية:

اشتهر الباقلاني ـ رحمه الله ـ بالاقتدار على البحث والإفحام في المناظرة، ومناظرته مع ملك الروم مبسوطة في تراجمه.
وقد  كان ـ رحمه الله ـ في علمه أوحد زمانه، وانتهت إليه الرياسة في مذهبه، وكان موصوفا بجودة الاستنباط وسرعة الجواب[5].
قال عنه اليافعي: “الإمام الكبير الحبر الشهير، لسان المتكلمين، وموضح البراهين، وقامع المبتدعين، وقاطع المبطلين…، الأصولي، المتكلم المالكي الأشعري[6].
جمع بين العلم والزهد والعبادة والانتصار لأهل السنة، وكان إماما في الأصوليين، داريا فهما.
وما من متكلم ظهر إلا وهو عالة عليه فيما خلف وما ألف، وما أبان من مغلقات، وما قرر من مقولات. ولعل من أهم ما يبرز مكانة الرجل وعلو شأنه في الفضل والعلم، اضطلاعه بمهام خطة لها قيمتها، وهي خطة “قاضي القضاة”[7].

شيوخه:

من شيوخ الباقلاني من تلقى العلم عن الإمام أبي الحسن الأشعري، وبذلك يمكن اعتباره ضمن الطبقة الثانية من طبقات الأشاعرة[8].
ومن هؤلاء الشيوخ:
ابن مجاهد أبو عبد الله بن أحمد بن محمد البصري الطائي، والباهلي أبو الحسن البصري (ت:370/980)، والدارقطني علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الحافظ الكبير والمحدث الشهير (ت:375/995)، وأحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك القطيعي (ت:368/978)، وأبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري (ت:388/998)، وأبو سهل محمد بن سليمان الصعلوكي النيسابوري (ت:369/979)، وأبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي (ت:371/981)، وأبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري (ت:375/985)، وأبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (ت:386/996)، وغيرهم.

تلاميذه:

تكاد المصادر التي ترجمت للقاضي أبي بكر تجمع على أن من تتلمذوا على يديه وسمعوا عنه … عدد كبير وكبير جدا. معظمهم بالعراق، ومنهم من انتشر في الأصقاع الشرقية القريبة منها والقصية، ومنهم من انتقل جنوبا صوب بلاد الشام والحجاز، ومنهم من نقل مذهبه إلى بلاد المغرب بإفريقية وبالأندلس وسواهما[9].
ومن هؤلاء التلاميذ:
أبو ذر عبد بن أحمد الهروي المالكي الأشعري، أخذ طريقة الباقلاني وأدخلها إلى الحرم. وعنه أخذ أهل المغرب(ت: 434/1042)، والقاضي أبو محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادي المالكي(ت: 422/1030)، وأبو عبد الله الأزدي، الذي يرجع إليه الفضل في انتشار مذهب الباقلاني في المغرب، وأبو الطاهر الواعظ محمد بن علي المعروف بابن الأنباري، والذي يعد كذلك ممن يعود الفضل إليه في نشر مذهب الباقلاني بالمغرب، وأبو عمران الفاسي المعروف (ت:430/1038)، والصيرفي أبو القاسم عبيد الله بن أحمد(ت:435/1043)، وأبو الفضل عبيد الله بن أحمد المقري(ت: 451/1059)، وغيرهم.

مؤلفاته:

للقاضي أبي بكر الباقلاني تآليفُ عدةٌ، في علوم شتى، ولا سيما في رده على الجهمية، والخوارج، والكرامية، وغيرهم من أهل التحريف، ومن هذه المصنفات:
– “الملل والنحل”،
– و”التقريب والإرشاد”،
– و”هداية المسترشدين”،
– و”كيفية الاستشهاد في الرد على أهل الجحد والعناد”،
– و”مناقب الأئمة”،
– و”التبصرة”،
– و”نقض النقض”،
– و”الكسب”،
– و”الفرق بين معجزات الأنبياء وكرامات الصالحين”،
– و”دقائق الكلام”،
– و”تمهيد الدلائل وتلخيص الأوائل”،
– و”إعجاز القرآن”،
– و”الإنصاف”، وغيرها كثير.

آراؤه العقدية:

“إن المتتبع للآثار الباقية للباقلاني يستطيع أن يلمس إيغاله في العقليات وإمعانه في تحليل الأنظار والمسائل العقدية إلى حد بعيد، فعلى يديه انتقل الحجاج مع المخالفين إلى ميدان العقل النظري، بعد أن كان من سبقه يستند إلى النصوص بسبب نقص التكوين الفلسفي، وقلة الإحكام للمنطق، أو الغوص على الأصول العقلية. فكانت القيمة الكبرى لعمله تتمثل في التنهيج لمذهب الأشاعرة الكلامي، وفي بنائه بناء منظما، لا من حيث الطريقةُ الجدليةُ المنطقيةُ فحسب، بل في وضعه لمقدمات تنبني عليها الأدلة، وفي ترتيب بعضها بعد بعض على نحو يدل على امتلاك ناصية الجدل… ثم تكوينه لبناء كلامي يوازي ما يعرف في تاريخ الفلسفة الأوروبية بالفلسفة المدرسية[10].
وله عمل مشكور في التدليل على المسائل، بأوضح الدلائل، وقد ابتكر في المذهب بعض آراء نظرية، عدها مبرهنة، ويعدها غيره غير مبرهنة، وهي لا تكون في عداد مسائل المذهب، بل تعزى إليه مباشرة، كاستحالة بقاء العرض زمانين، وقوله في الحال، وقوله في صفة البقاء، وإثبات الجزء الفرد، ومصادر تلك الآراء معروفة، (وبعضها من ابتكاره)[11] وما يبنى على قواعد غير مبرهنة يبقى تحت النظر عند من لا يراها مبرهنة، من غير أن يمس بمقامه السامي[12].
ـ رأيه في قضية خلق القرآن:
قال أبو بكر: “والذي يدل على نفي خلق القرآن من القرآن، قوله تعالى: “إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون” (النحل الآية 40). فلو كان القرآن مخلوقا، لكان مخلوقا بقول آخر. وذلك يوجب ألا يوجد من الله تعالى فعل أصلا، إذا كان لابد أن يوجد قبله أفعال هي أقاويل لا غاية لها. وذلك محال باتفاق منا ومنهم[13]”. ثم أتى بأدلة أخرى.
ويرى أن الحروف والأصوات  ليست من كلام الله تعالى وإنما هي من صفات قراءة القارئ، فيقول: “وأما الدليل على أن الحروف والأصوات من صفات قراءة القارئ، لا أنها من كلام الباري سبحانه وتعالى من الأخبار فكثير جدا[14]”، ثم  سرد بعض الأدلة على ذلك.
ـ رأيه في مسألة إثبات حدث العالم:
لا يخرج القاضي الباقلاني في استشهاده على حدوث العالم عما قاله الأشاعرة، حيث يقول: “جميع العالم العلوي والسفلي لا يخرج عن هذين الجنسين، أعني الجواهر والأعراض، وهو محدث بأسره والدليل على حدثه ما قدمناه من إثبات الأعراض.
والأعراض  حوادث، والدليل على حدوثها، بطلان الحركة عند مجيء السكون، لأنها لو لم تبطل عند مجيء السكون لكانا موجودين في الجسم معا، ولوجب لذلك أن يكون متحركا ساكنا معا، وذلك مما يعلم فساده ضرورة[15]”.
ـ كلامه في إثبات الباري سبحانه:
يقول الباقلاني: “ولابد لهذا العالم المحَدث المصور من محدِث مصوِر، والدليل على ذلك أن الكتابة لابد لها من كاتب، ولابد للصورة من مصوِر، وللبناء من بان، وأنا لا نشك في جهل من خبرنا بكتابة حصلت لا من كاتب، وصياغة لا من صائغ، فوجب أن تكون صور العالم وحركات الفلك متعلقة بصانع صنعها، إذ كانت ألطف وأعجب صنعا من سائر ما يتعذر وجوده لا من صانع من الحركات والتصويرات[16]…”

وفاته:

استقر القاضي رحمه الله في أخريات أيامه  في بغداد بعد طول الترحال، وكانت وفاة يوم السبت لسبع بقين من ذي القعدة سنة ثلاث وأربعمائة[17]. بهذه المدينة[18].

 

الهوامش:

1 الديباج المذهب، ص:179.
2 وفيات الأعيان 4/269.
3 الدباج المذهب ص: 179.
4 القاضي أبو بكر الباقلاني، وآراؤه الكلامية والفلسفية ص: 36.
5 وفيات الأعيان ص: 269.
6 القاضي أبو بكر… مرجع سابق ص: 44.
7 نفسه ص:46
8 نفسه ص:36.
9 المرجع السابق ص:41.
10 التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة… (أ)، المقدمة: 26.والقاضي أبو بكر الباقلاني وآراؤه الكلامية والفلسفية ص:171.
11 مابين قوسين مأخوذ من “القااضي الباقلاني…،مصدر سابق ص:118
12 كلام الكوثري في تقديمه للإنصاف، ص:10.
13 تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل، ص:268
14 الانصاف ص: 84.
15 انظر تمهيد الأوائل ص:41
16 نفسه، ص: 43.
17 الدباج المذهب ص:179.
18 القاضي أبو بكر….مرجع سابق ص:36.

مصادر هذه الترجمة:

ـ “الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب” لابن فرحون المالكي، ط: مكتبة دار التراث، القاهرة،ط،2/2005، تح:محمد الأحمدي أبو النور.
ـ “القاضي أبو بكر الباقلاني وآراؤه الكلامية والفلسفية”، لعبد العزيز المجدوب،ط، دار سحنون، بتونس، ودار ابن حزم بلبنان، الطبعة 1/2009م.
ـ “وفيات الأعيان وأنباء ابناء الزمان، ابن خلكان”، دار صادر بيروت، تح: إحسان عباس.
ـ “التمهيد في الرد على الملحدة المعطلة والرافضة والخوارج والمعتزلة”، أبو بكر الباقلاني، دار الفكر العربي، 1978، تح: محمد محمود الخضيري، ومحمد عبد الهادي أبو ريدة.
ـ “الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به”. أبو بكر الباقلاني، المكتبة الأزهرية للتراث، 2000م، تح: محمد زاهد الكوثري.
وتوجد ترجمته كذلك في تارخ بغداد، 5/379، وترتيب المدارك، 4/585، وتبيين كذب المفتري، ص:271، والوافي، 3/177، والمنتظم، 7/265، وعبر الذهبي، 3/86، والشذرات، 3/168.
 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق