وحدة الإحياءدراسات عامة

الفلك العربي/الإسلامي.. الطريق نحو الحداثة

 لقد استطاع مؤرخ علم الفلك الإسلامي “ادوارد كنيدي” الذي كان يعمل (في خمسينيات القرن العشرين) أستاذا في الجامعة الأمريكية ببيروت، العثور على عمل لابن الشاطر الدمشقي (1305/1375) بعنوان “نهاية السؤال في تصحيح الأصول” فقدمه لصديقه “أوتو نويغبور” الذي كان حينها منكبا على دراسة علم الفلك الرياضي عند “كوبيرنيك”.

 بحيث لم يحتج هذا الأخير إلى كثير ذكاء كي يكتشف التشابه، بل التطابق الكامل بين هيئة ابن الشاطر لحركات القمر مع هيئة كوبيرنيك، فكان الحدث خطيرا تم تتويجه بنشر مقال حرره فكتور روبرتوس الذي كان تلميذا لكنيدي آنذاك بعنوان “نظرية ابن الشاطر لحركات الشمس والقمر: هيئة كوبيرنيكية سابقة لكوبيرنيك[1].”

وهو ما كان داعيا لإنتاج أبحاث أخرى؛ حيث تمكن الباحث “ويلي هارتنر” سنة 1973 من أن يكتشف أمرا شبيها ولكن هذه المرة مع “نصير الدين الطوسي” الذي وضع نظرية تسمى “مزدوجة الطوسي” وهي النظرة التي لا نجد لها أثرا لدى اليونان ونجدها كاملة لدى كوبيرنيك، وهي هيئة تحمل حتى الأصوات الأبجدية نفسها بالنسبة إلى النقاط الهندسية الأساسية مما دفع بـ”ويتلي هارتنر” ليعلن أن كوبيرنيك قد تعرف لا محالة على أعمال الطوسي إبان تواجده بايطاليا.

إضافة إلى ذلك، اهتدى “جورج صليبا “إلى كتاب الهيئة “لمؤيد الدين العرضي” الذي تضمن نظرية تسمى “مقدمة العرضي” كان قد استخدمها كوبيرنيك أيضا[2].”

إننا، إذن، أمام اكتشافات جديدة ومدوية أبطالها رواد مرصد مراغة*. بدليل أن كوبيرنيك “في دوران الأجرام السماوية” سنة 1543 يضم هيئات رياضية أنضجتها الحضارة العربية/الإسلامية وهو الأمر الذي خلق ارتباكا في الوسط الأكاديمي؛ لأن علوم عصر النهضة الأوروبية كان ينظر إليها باعتبارها ابتكارا أوروبيا قائما بذاته وكأن هذه العلوم أحدثت من العدم، ومن كان يريد العودة إلى الوراء يتجه صوب التراث اليوناني[3].

أما الآن فقد بدأت تتجلى الأمور وبدأ الوعي المعاصر يدرك أن المخاض الحقيقي لانبثاق الكوبيرنيكية كان عربيا/إسلاميا، وهو ما سماه جورج صليبا بثورة مراغة[4].

غير أن التساؤل يتعين علينا طرحه الآن هو: ما المغزى الذي سوف يتحقق؟ وما الربح الذي سنجنيه من إيجاد هذه العلاقة بين الفلك العربي/الإسلامي والفلك الأوروبي في عصر النهضة؟ المسألة تستحق وقفة متأنية؛ لسبب بسيط هو أن هذه الثورة الكوبيرنيكية ليست ثورة فلكية تكتسي أبعادا تقنية  فقط، بل هي ثورة خرجت عن إطارها الأصلي لتشكل بؤرة لانطلاق  نظرة جديدة للعالم وتحول نحو الباراديغم  المسمى حداثي.

تعد جهود كوبيرنيك  العلمية (1473/1543)، بحق،  فاتحة الأزمنة الحديثة، فقد ارتبط اسمه بالثورة الفلكية التي فصلت العالم القديم عن العالم الحديث، ويرجع له الفضل في وضع اللبنات الأولى  للكوسمولوجيا الجديدة  القائمة على مركزية الشمس عوض مركزية الأرض..، فالأرض الثابتة، مركز الكون، أصبحت تدور معلقة في السماء، وغادرت مكانها السافل إلى الأبد نحو الأعلى، وهو ما غير نظرتنا للكون، بشكل مربك، فلم يعد العالم مقسم إلى قسمين؛ عالم سفلي حيث النقص والرذيلة، وعالم علوي حيث الكمال والثبات، كما ترسخ مع الفلك اليوناني. بل أصبح العالم موحدا.

لقد مهد تصدع الكوسمولوجيا التراتبية القديمة الطريق إلى تكسير التراتب الاجتماعي، وإلى ثورة سياسية في عصر الأنوار، تمثلت في  جعل القاعدة (عموم الشعب) تصعد إلى قمة التأثير التاريخي لتصبح لها الكلمة الأولى. لكن الأهم من كل ذلك هو ما  أحدثته الكوبيرنيكية  من انقلاب على مستوى المنهج في رؤية العالم. فالعالم كما نراه أصبح لا يقدم الحقيقة، فهو ينتقل إلى حواسنا بشكل مزيف حيث تخدعنا الشمس كل يوم، كما أن الأرض التي تبدو للعين ثابتة  هي في حقيقة الأمر لا تكف عن الحركة، وهكذا نبهتنا الكوبيرنيكية إلى أن حواسنا التي عادة ما نتخذها نوافذ للإطلالة على العالم ومعرفته تضللنا، الأمر الذي جعل من الشك مطلبا ضروريا؛ لأن الحقيقة أصبحت مهددة.

 لقد تنبه العقل الإنساني، مع بروز الكوبيرنيكية، إلى أنه يستقبل معطيات العالم بشكل مضلل. وهو ما بات يدعو إلى إعادة النظر ومسح الطاولة والبناء من جديد؛ كما يدعو إلى خروج العقل من سذاجته وتسليمه بالحقائق دون تمحيص أو تدقيق. بعبارة أدق، لقد أمسى من المتعين على العقل بفعل هذا الفتح العلمي أن يتحرك وهو حذر ويقظ ومسلح بالمنهج الذي يحضه ويعصمه من الانخداع. وهذا هو المشروع الضخم لمؤسس الأزمنة الحديثة؛ ديكارت الذي ما هو في حقيقة الأمر إلا الوجه الفلسفي لكوبيرنيك. فشك ديكارت المشهور لم يكن نزوة، بل كان من إملاء التغير الكوبيرنيكي، وهو القائل بصريح العبارة في رسالة متم نونبر 1633م إلى الأب مرسين: “وإني لأعترف بأنها إذا كانت فكرة حركة الأرض خاطئة، فإن جميع أسس فلسفتي ستكون باطلة[5].” 

وما الحداثة، في نهاية المطاف، إلا تمحيص، وتدقيق، ومنهج، ورسم للحدود، علميا وسياسيا وأخلاقيا… لأن الحقيقة ليست جاهزة، وإنما تصنع ولا يمكن لها أن تخرج إلا من رحم الشك المنهجي، والشك ليس هزيمة للعقل، بل محرك دائم له كي لا يتقاعس. 

وإذا بات من المؤكد أن كوبيرنيك لم ينجز ثورته فجأة بفعل حدس إشراقي خاطف، وإنما من خلال مخاض عسير ومحاولات ومراجعات أنجزتها ثورة مراغة العربية/الإسلامية وإذا سلمنا أن الباراديغم الحداثي يجد جذره الأول لدى كوبيرنيك، فإننا نستنتج أن ما يسمى الحداثة ليست نتاج الغرب فقط، بل هي نتاج لكسب إنساني كوني، للعرب والمسلمين إسهام بارز فيه، وبذلك أسهموا في تشكيل صورة العالم الجديدة، فالحداثة تلزمنا ونحن أحد صناعها وليس من حقنا التخلي عن شيء كان لنا إسهام في إنجازه، الأمر الذي يفرض علينا معاودة النظر في علاقة الذات بالآخر. 

وحتى نتمكن  من الحديث  عن علاقة الحضارة العربية الإسلامية  بالحداثة انطلاقا من هذا الإسهام. سنحاول تتبع  مسار التاريخ الفلكي الذي  أدى إلى ظهور الكوبيرنيكية، فما هي، إذن، مساهمتنا  التاريخية  في إحداث هذا  الانقلاب الكوسمولوجي الكوبيرنيكي؟ وكيف يمكن أن نموقع أنفسنا بالضبط في تاريخ علم الفلك؟

 الطريق إلى كوبيرنيك (الحداثة)

1. مسألة انقاد الظواهر عند أفلاطون

لقد كان من المعروف عند الفلكيين، منذ العصور القديمة أن هناك اضطرابات تحصل في حركات الكواكب السيارة (الزهرة، المريخ، المشتري، زحل، عطارد)؛ فأثناء دورانها في السماء تأتي عليها لحظات تتوقف فيها لتعود القهقرى في حركة تراجعية، ثم تستأنف مسيرها من جديد كأنها تائهة وحائرة من أمرها.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى كانت تبدو هذه  الكواكب مضيئة تارة مما يعني أنها قريبة، وتارة أخرى خافتة مما يعني أنها بعيدة. هذه الظواهر وغيرها لم يكن علماء الفلك الإغريق ليقبلوها؛ لأنهم كانوا يعتبرون أن الأجرام السماوية إلهية ومقدسة ولابد من أن تكون حركاتها دائرية باعتبار الدائرة أكمل الأشكال الهندسية[6]،” فكل ما هو سماوي فهو إلهي[7]“؛ فالسماء هي مجال الكمال والثبات لا الكون والفساد.

هذا الأمر دفع أفلاطون (توفي 347 ق. م) إلى إعلان دعوته المشهورة “إنقاذ الظواهر[8]” التي تنص على ضرورة البحث عن طريقة رياضية تجعل السماء أكثر نظاما وأكثر تناغما؛ أي على الرياضيين أن يلقوا على عاتقهم مسؤولية وضع نموذج من خلاله تتم تبرئة السماء من الفوضى البارزة للعيان، وانقاد الظواهر الناجمة عن الكواكب التائهة والحائرة بحيث يصبح دورانها دائريا ومنظما وبسرعة ثابتة. بعبارة أخرى؛ على الفلكيين وضع نموذج ذهني مثالي، يعبر عن الكمال ويتجاوز النقص والاضطراب الظاهر للحواس ويعطي تفسيرا لعدم الانتظام الملحوظ في السماء. 

لقد حاول أفلاطون أن يرى العالم كما يجب أن يكون لا كما هو فعلا في الواقع، فالواقع المرئي فوضوي يجب تصويبه عقلا، فالفلك الحقيقي ليس تحركات الأجرام السماوية المحسوسة وإنما الفلك الحقيقي هو تناول التحركات المثالية للنقط الرياضية في سماء ليست هي سماء الإدراك الحسي[9]؛ فظواهر السماء منظور إليها كما هي تخفي وراءها النظام، وهو ما لا يمكن أن يفهم إلا بالتعديل والتصويب الرياضي بحيث تحتفظ السماء بحركاتها الدائرية الخالدة والأزلية.

يرجع الفضل، إذن، لأفلاطون في صياغة المسألة الفلكية، حيث شكلت عبارة “إنقاذ الظواهر”  مسلمة مهمة عند علماء الفلك كانت بمثابة سقف وأفق الاشتغال الفلكي والبرنامج الطموح الذي شغل الباحثين لما يناهز الألفين سنة سعيا وراء المعقولية التي توجد خلف الفوضى، وهو العمل الذي سينطلق مع أرسطو وبعده بطليموس فالعرب (خاصة مع ثورة مراغة) والذي سيتوج كما سنرى بلحظة كوبيرنيك في القرن السادس عشر.

ـ النموذج الأرسطي: المحاولة الأولى لإنقاذ الظواهر 

إن القضية التي طرحها أفلاطون استحثت جهود تلميذه الرياضي الفلكي “أودكس” (390-       337 ق. م) الذي وضع نظام الكرات المشتركة المركز[10] لتفسير حركات الكواكب. وتقضي نظريته بأن الكون مؤلف من مجموعة كرات متداخلة بعضها في البعض الآخر، تدور حول كرة الأرض التي تشكل مركز العالم. وهو الاقتراح الذي تبناه  وطوره “أرسطو”( 384-323 ق. م) ليصبح العالم معه مكون من قسمين: عالم ما تحت القمر وعالم ما فوق القمر؛ أي عالمنا وعالم النجوم والكواكب:

 الأول؛ أرضي يتركب من عناصر أربعة مختلفة متراتبة وحركاتها مستقيمية (أسفل/أعلى) بحسب الثقل والخفة وتسمى الأسطقسات (التراب، الماء، الهواء، النار) وهي الأساس الذي تتولد منه باقي الأشياء. إنه عالم التغير والتوالد والتحلل، باختصار: هو عالم الكون والفساد. أما الثاني؛ فسماوي ويتكون من مادة الأثير والتي ما هي  بالثقيلة ولا بالخفيفة، لها  حركة دائرية أزلية، كما أن لكل جسم سماوي روح أو نفس، إنه عالم غير قابل للتوالد أو الهدم فلا مجال فيه إلا  للكمال والثبات.

إن الطرح  الأرسطي يتصور العالم على أنه كرة محدودة. فالكون كروي؛ لأن الكرة هي أكمل الأشياء، ومحدود لأن له مركز هو الأرض[11].

نخلص مع أرسطو إلى  نموذج للكون متكامل دائري ومحدود بأرض هي مركزه. وقمر يفصل هذا الكون إلى مرتبتين سفلى حيث التغير والفناء وعلوي حيث الكمال والثبات. إن النسق الذي وضعه أرسطو ظل مسيطرا لمدة عشرين قرنا، فكان بمثابة الباراديغم الموجه للتفكير. واستخدم هنا  مفهوم الباراديغم كما روجه العالم الأمريكي “توماس كون” في كتابه “بنية الانقلابات العلمية” والتي يقصد به النموذج الموجه؛ أي الإطار النظري والأساس الذي يسمح بطرح المشكلات وطرق حلها عند متحد علمي ما[12].

 بعبارة أخرى، فالباراديغم يعني مجموع القواعد والمسلمات والمفاهيم والأدوات التي يتحرك من داخلها العلماء، فالعلماء ينظرون للواقع بعين الباراديغم. فهو بمثابة الخلفية التي تسمح برؤية دون أخرى. وإذا كنا نريد تحديد مسلمات الباراديغم الأرسطي بوضوح  فهي: أولا؛ العالم كرة محدودة، ثانيا؛ الأرض مركزها، ثالثا؛ الدوران في السماء دائري، رابعا؛ العالم قسمان فالذين جاؤوا من بعد أرسطو كانوا شارحين ومعدلين ومصوبين ومنقحين لكن يسبحون كلهم في فلكه، ويشتغلون بمسلماته، بما فيهم بطليموس الذي سنتطرق إليه الآن.

ـ النموذج البطليمي: المحاولة الثانية لإنقاذ الظواهر

إن اقتراح أدوكس والنموذج الأرسطي القائم عليه لإنقاذ الظواهر، كان يعاني من علة دون حل، فهو يجعل الكواكب على مسافات متساوية وثابتة من الأرض، الأمر الذي تكذبه نظرة متفحصة بالعين المجردة، فالزهرة والمريخ يظهران أكثر لمعانا في بعض الأحيان، وهو ما يفسر كونهما قريبان من الأرض، بل حتى القمر نفسه لا يوجد على مسافات واحدة من الأرض. وهو ما أربك الفلكيين. 

ولتجاوز هفوات نظام الكرات المشتركة المركز لأدوكس وأرسطو سيظهر نظام جديد هو نظام فلك التدوير الذي سيبدأ مع أبولونيوس وهيبارخوس[13] لينتهي مع بطليموس (90- 168م) الذي يعد خلاصة الفلك القديم[14] والنموذج المسيطرمند القرن الثاني الميلادي في الإسكندرية بكتاب عنوانه “syntaxe mathematique”؛ (بمعنى مقال أو رسالة أو كتاب في الرياضيات) سيسميه العرب؛  “المجسطي” وتعني “العظيم” احتراما وتقديرا له[15].

 إن بطليموس سيعمل على إنقاذ الظواهر بعبقرية رياضية فذة؛ حيث سيقدم نظرية بارعة هي “أفلاك التدوير” التي ستأخذ بعين الاعتبار مسألة تغير مسافة الكواكب من الأرض. وذلك برسم خريطة كبرى  تدور فيها  الكواكب في دائرة هي فلك التدوير، هذا الأخير يدور بدوره كخاتم  في فلك حامل أو ما يسمى دائرة الإسناد، هذا الفلك الحامل يدور بدوره حول الأرض، بعبارة أخرى أصبح الكوكب ينظر إليه على أنه ليس مثبتا عند نقطة معينة على فلكه الرئيسي كما جاء مع أدوكس وأرسطو، بل هو واقع على محيط فلك أدنى ويكون هذا الفلك مثبتا على نقطة معينة من الفلك الرئيسي ويدور حوله[16].

 إن  النموذج “بأفلاك التدوير” له إيجابيات، حيث يتلاءم وافتراض أفلاطون، فلا يوجد فيه غير الحركات الدائرية المنتظمة، كما أنه يضع في حسبانه حركة الكواكب المتحيرة التي تبدو بصريا متذبذبة ما بين التقدم إلى الإمام و العودة إلى القهقرى، فبطليموس لم يكن يطمح إلى تفسير واقع العالم الطبيعي بل اكتفى بما سمي إنقاذ الظواهر، فالمهم هو إيجاد حلول تجعل التوقع ممكنا قصد توظيفه لأغراض عملية[17].        

لكن ورغم  سحر النموذج الرياضي هذا، بقي الواقع يعاند، فأحيانا تظهر الكواكب في تراجع أكبر مما يحدده نظام أفلاك التدوير، الأمر الذي دفع بطليموس- لحل المشكلة إلى إزاحة الأرض عن مكانها وجعل الكون يدور حول نقطة افتراضية، خيالية لا توجد واقعيا تدعى “معدل المسير” Equant”[18] لكنها تحقق  ضبطا أكثر في الحسابات..

 بعبارة أخرى اضطر بطليموس إلى ترك الراصد في نقطة مركز العالم (الأرض) لكن الدوران يتم حول نقطة أخرى خيالية وهي حيلة ذكية تسمح بوفاق أفضل بين الهيئة النظرية والأرصاد[19]، وهو الأمر الذي يتناقض مع المسلمة الأرسطية القائلة بأن  الأرض هي مركز الكون، وهو ما سيتنبه له الفلك العربي خاصة مع  ابن الهيثم الذي سيوجه نقدا لبطليموس في كتابه “الشكوك على بطليموس”.  محاولا فتح ورش ترميم النموذج البطليمي ليصبح أكثر أرسطية وهو ما سنلقي عليه نظرة عند الحديث عن الفلك العربي وبالضبط مع ثورة مراغة.

 لقد أقام بطليموس نظامه على نظام أرسطو مع محاولة ترميمه وجعله أكثر مرونة وانطباقا على الواقع[20]. لكن ظل نموذجا وإن سمح بضبط الحسابات والتنبؤ ببعض ظواهر السماء معيبا لسببين: الأول؛ تناقضاته التي سيعالجها العرب، والثاني؛ طابعه المعقد والمزعج حيث يحتوي على سبعة دوائر كبيرة وثمانين دائرة صغيرة[21] إلى درجة أنه يحكى عن ألفونص العاشر ملك قشتالة في إسبانية خلال القرن 13، كان رجل علم، شكك في النموذج البطليمي متهكما بقوله: لو أن الباري تعالى استشارني قبل أن يشرع في خلق العالم لأشرت عليه بنظام فلكي أكثر بساطة[22].”

لقد خرج بطليموس في الحقيقة عن الإرث الأفلاطوني القائل ببساطة الطبيعة. الأمر الذي سيجعل من نموذج كوبيرنيك مستقبلا هو الأفضل؛ لأنه الأبسط كما سنرى لاحقا. لكن هناك قبل كوبيرنيك لحظة عربية هامة سنحاول إلقاء نظرة عليها الآن.

ـ الفلك العربي: المحاولة الثالثة لإنقاذ الظواهر

مر الفلك العربي بثلاث مراحل وهي الجمع والرصد فالشك. وسنلقي نظرة على كل مرحلة كي نجيب عن سؤال: ماذا قدم العرب للفلك العالمي؟

أ. مرحلة جمع المصادر من الثقافات الأخرى

أخذ علم الفلك العربي منحاه العلمي عندما اطلع العرب على واحد من أشهر المصادر الهندية وهو “كتاب السند هند” الذي تم ترجمته إلى العربية من طرف إبراهيم الفزاري في القرن الثامن الميلادي[23]، وهو الكتاب الذي سيعمل على تنقيحه وتصويبه محمد بن موسى الخوارزمي تحت اسم “زيج السند هند” وكلمة زيج المستخدمة في الفلك العربي على نطاق واسع ذات أصول فارسية (زيك) وتعني تلك الجداول الرياضية التي تحدد حركات الكواكب السيارة وتسمح بحساب أماكنها في وقت زمني محدد[24]. إن هذا الكتاب يعد أول كتاب فلكي وافد من الحضارات القديمة وساهم في تطوير المعارف في حركات النجوم والكواكب وحساباتها[25].

إضافة للتأثير الهندي ظهر مصدر أخر ساساني (فارسي)، جُمع وتُرجم في جداول سميت “زيج الشاه” أو “الشهريار” وقد لاقى انتشارا في أوساط المجتمع الإسلامي في المراحل الأولى من تطور علم الفلك العربي، وهو زيج قد أشار إليه البيروني وكان أحد مصادر أبي معشر الفلكي[26] بعد اكتشاف الأزياج الهندية سينفتح العرب على المصادر اليونانية وأبرزها كتاب المجسطي لبطليموس الذي سيلعب دور كتاب الأصول لإقليدس في الرياضيات[27]؛ حيث تعرض كتابه لمجموعة من الترجمات بدأت غامضة وغير مرضية لكن مع التنقيح والضبط أصبحت واضحة، فكان الكتاب بمثابة الأساس الذي سيساعد على تطور علم الفلك عند العرب.

 فالنموذج البطليمي اكتسب مكانته في العالم الإسلامي حيث زود العلماء بالنظرية والمفاهيم ومناهج البحث[28]. وقد عبر عالم الفلك “البتاني” (توفي 929م)، عند ملتقى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين، عن توجه علماء الفلك في عصره وذلك بقبولهم للنموذج البطليمي كمحدد أساسي لكافة الأنشطة الفلكية، عندما أشار إلى المنهج الذي اتبعه في صياغة زيجه المشهور المسمى “الزيج الصابئ” وهو الزيج الذي أثر في فلك عصر النهضة الأوروبي بقوله: “أجريت في تصحيح ذلك وإحكامه على مذهب بطليموس في الكتاب المعروف بالمجسطي بعد إنعام النظر وطول الفكر والرؤية مقتفيا أثره متبعا ما رسمه؛ إذ كان قد تقصى ذلك من وجوهه ودل على العلل والأسباب العارضة فيه بالبرهان الهندسي والعددي الذي لا  ُتدفع صحته ولا  ُيشك في حقيقته.”

لقد صاغ بطليموس صورة الحياة العلمية عند علماء الفلك المسلمين، فمند القرن التاسع للميلاد ظهرت مجموعة من الأبحاث لعرض نتائج المجسطي بطريقة مبسطة وتربوية تسمح بتداوله ونشر مضمونه على نطاق واسع يتجاوز الدائرة الضيقة لعلماء الفلك المتخصصين[29]؛ فكتاب الفرغاني، مثلا، حوالي 850م المسمى “جوامع علم النجوم والحركات السماوية[30]” ما هو إلا ملخص معدل ومصوب للمجسطي.

لقد كان كتاب المجسطي من أهم المصادر الوافدة على العالم الإسلامي، حيث كان  محط إعجاب وتقدير معظم الفلكيين المسلمين، الذين اشتغلوا في ظله وفي إطار ثوابته الأرسطية (مركزية الأرض، والدوران الدائري للكواكب، ووجود عالمان مختلفان) إلى عهد آخر فلكي مسلم هو ابن الشاطر كما سنرى لاحقا.

ب. مرحلة الرصد الميداني وتدقيق حسابات بطليموس

بعد أن نقل المسلمون المؤلفات الفلكية للأمم التي سبقتهم صححوا بعضها ونقحوا الآخر وزادوا عليها. بل خرجوا إلى الميدان والرصد قصد التأكد من دقة الحسابات وكان لهم في ذلك شأن عظيم، ولعل أهم ما يبرز ذلك ظهور المرصد كمؤسسة علمية للفلك العربي الإسلامي. ونذكر هنا عهد الخليفة العباسي المأمون الذي كان له الدور الكبير في إنشاء مراصد فلكية هامة، أحدها كان في حي الشماسية في بغداد، والآخر في ضواحي دمشق على قمة جبل قاسيون، حيث تجمع على نفقة الخليفة أكبر علماء الفلك وكانوا مكلفين بإعداد برنامج دقيق للتحقق من معطيات المجسطي وبرصد خاص للشمس والقمر خلال سنة كاملة..

 وهذا ما أوصلهم إلى وضع أهم الأزياج العربية المسمى “الزيج الممتحن[31]“؛ وهو عبارة عن جدول فلكي لمواقع النجوم والتغيرات التي تطرأ عليه، وهو الزيج الذي أثنى عليه كل من “البيروني” و”البتاني”، فقد مكن من تصحيح بعض حسابات بطليموس[32]. كما ظهر مرصد آخر بزعامة الفلكي “عبد الرحمان بن عمر الصوفي” في القرن العاشر للميلاد وبدعم من الحاكم البويهي عضد الدولة، وهو مرصد اشتغل على ملف الكواكب المتحيرة، وقام بقياس ميل فلك البروج في شيراز. وأتم المهمة ابن عضد الدولة “شرف الدولة” ببناء مرصد له في حديقة قصره[33]

ولكي نبرز العمل الجبار للفلكيين في الحضارة العربية الإسلامية فيما يخص الرصد نستحضر شخصية بارزة في التاريخ الفلكي هو “البتاني” فهذا الرجل قد أثر على فلك القرون الوسطى وفلك النهضة الغربية حيث يذكره كوبيرنيك بالاسم عدة مرات (بعزاتي ص107) في كتابه “في دوران الأجرام السماوية”. وشهرته ليست نابعة من كونه وضع نظريات بقدر ما كان دقيق الرصد، فهو قام بتتبع النجوم لأكثر من ثلاثين عاما في مرصد “الرقة” في شمال سوريا حاليا خلال القرن التاسع الميلادي، وحصل على حسابات شابهت إلى حد بعيد الحسابات الحديثة. وتوج عمله بكتاب ذائع الصيت يدعى “الزيج الصابئ” الذي ترجم في القرن الثاني عشر إلى اللاتينية[34].

 وما دمنا نتحدث عن الرصد العربي للسماء فلابد من الإشارة إلى مرصد آخر بالغ الشهرة وله صدى عالمي يتعلق الأمر بمرصد مراغة، الذي تأسس في عام 1259م في إيران والذي كان بمثابة ارتقاء جديد في علم الفلك في الإسلام، بل في العالم كله وذلك بزعامة نصير الدين الطوسي (توفي 1274) وقد تم تزويده بالفلكيين والمهندسين والرياضيين ومكتبة ضخمة كانت تضم أربعمائة ألف  كتاب… وكل هذا بهدف تدقيق وتصحيح الأزياج. كما أنه المرصد الذي أسهم في إضافات جديدة لنماذج الأجرام بمجهودات جماعة المرصد: الطوسي والأزدي والشيرازي… وهي الإضافات  التي انتقلت إلى دمشق فطورها ابن الشاطر (ميقاتي الجامع الأموي) ليكررها كوبيرنيك في القرن السادس عشر[35].

إن كثرة المراصد في العالم العربي/الإسلامي باعتبارها مؤسسات علمية  قائمة الأركان؛ أي لها جوانب تنظيمية (إدارة، دعم مالي…) وجوانب قيمية (معايير وقواعد الاشتغال…) لأحسن معبر عن  هاجس الدقة والصرامة الذي وسم الفلك العربي، فجماعة الفلكيين المنضوين تحت مرصد واحد لم تكن النتائج العائمة والتقريبية لترضيهم وإنما أصروا على إقامة نتائجهم على أدق المعطيات الرصدية التي يمكن الوصول إليها[36].

هذا التدقيق والتصويب للفلك سيظهر أيضا في كثرة الأزياج، كما  يظهر حتى في العناوين المختارة للكتب مثلا “الزيج الممتحن” الذي سبق ذكره و”إصلاح المجسطي” لأبي محمد جابر بن الافلح[37] و”الشكوك على بطليموس” لابن الهيثم الذي سنتطرق إليه في المرحلة الأخيرة من تاريخ الفلك في الحضارة الإسلامية. فكلمة إصلاح وامتحان وشك… تتردد كثيرا في الكتابات الفلكية الإسلامية، وهي تدل على مجهود رصدي هائل لضبط حركات السماء لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية.    

ج. مرحلة الشك والمطالبة بترميم نموذج بطليموس 

نصل الآن إلى المرحلة الختامية من العمل الفلكي العربي-الإسلامي وهي مرحلة النقد، فبعد الجمع والتنقيح والإصلاح بدأت مرحلة الشك ومحاولة ترميم هفوات نموذج بطليموس المنطقية، حيث ظهرت موجة نقدية قوية في العلوم التي تبلورت في كنف الحضارة الإسلامية عموما وعلم الهيئة خصوصا، فتشكل ما يمكن تسميته بعصر الشك في المنظومة الموروثة عن اليونان.

فبدأ الاهتمام بنقد الهيئة البطليمية، لكن هذه المرة ليس فقط من ناحية ضبط الأرصاد، بل النقد كان في الجوانب النظرية، وقد تجلى ذلك في كتاب ابن الهيثم “الشكوك على بطليموس”؛ إذ أصبحت مسألة الشك طاغية على المجمع العلمي آنذاك، ومن الأمثلة الأخرى البارزة التي تظهر هذه الموجة كتاب الرازي في الطب “الشكوك على جالينوس” وكذلك كتاب “الحكمة الشرقية” لابن سينا الذي يعد بمثابة عصارة ما كشفه من خلاف مع أرسطو، إلى درجة يمكن أن نطلق عليه تسمية “الشكوك على أرسطو[38]“. هذا التوجه النقدي العام لعب دورا في كشف النقص في أعمدة العلم اليوناني الثلاثة: جالينوس، بطليموس وأرسطو[39]. والتزاما بما يهمنا نحن في هذه الدراسة سنتوقف عند المشروع النقدي في علم الهيئة فقط.

لقد قلنا سلفا أن بطليموس قد أخد بثوابت أرسطو ومسلماته (الكون كرة محدودة، الأرض مركز هذه الكرة، حركات الأجرام السماوية دائرية لا تغير فيها ولا فساد) لكن ولدواعي “إنقاذ الظواهر” وضبط الحسابات، اضطر إلى التخلي عن مركزية الأرض في نموذجه الذهني ليضع نقطة خيالية، افتراضية سميت “معدل المسير” Equant.

 بعبارة أخرى أصبح لدينا مركز طبيعي هو الأرض ومركز آخر ذهني هو معدل المسير. وهذا تناقض صارخ؛ إذ لا يمكن للجسم أن يدور حول الأرض وهذه النقطة الخيالية في الآن نفسه. لقد كان بطليموس يعرف أنه يرتكب خطأ وينافي المنطق لكن ليس لديه أي بديل آخر أفضل لإنقاذ الظواهر. وهو الأمر الذي جعل علماء الهيئة المسلمون يوجهون نقدا له؛ فقد وضع لمشروعه مسلمات لكنه تخلى عنها في آخر المطاف، وذلك بحدس لهيئة رياضية تتعارض مع المعطيات الأرسطية التي أخذ بها كأوليات، فقد انتقل من وصف كرة العالم الطبيعية إلى وصف كرة خيالية لا علاقة لها بالطبيعة، مكتفيا بالذهني، مهملا التطابق مع الواقع، وهو خلط أثار الفلكيين المسلمين اللذين بدؤوا ينشدون الانسجام ما بين النظرية والواقع؛ أي خلق التوافق بين النماذج الذهنية والطبيعة[40].    

بعدما انتهى علماء الفلك في الحضارة العربية الإسلامية من الجمع وضبط الحسابات عن طريق مشروع رصد هائل  كما سبق أن رأينا، لم يعد من الممكن المزيد من التغاضي عن تناقضات بطليموس، فانطلق مشروع إقامة هيئة رياضية كفيلة بوصف الظواهر الفلكية كما نراها من الأرض؛ أي ضرورة العودة إلى مسلمة مركزية الأرض ومنها تتم صياغة نموذج ذهني يعبر بتطابق عما يجري في المعطيات الطبيعية. وفي هذا السياق يعد ابن الهيثم أول من فتح هذا الباب، فهو من أظهر تناقض بطليموس بشكل صريح ومنظم[41]، فجعل نسقه في حرج منطقي واضح. فعلى الرغم من أن  بطليموس، كانت له سلطة قوية على الفلك العربي الإسلامي، حيث كان نصه المجسطي مؤطرا لكل النشاط الفلكي، فهو يعد آنذاك بمثابة (الباراديغم) الموجه لمؤسسة الفلك. إلا أن ذلك لم يمنع ابن الهيثم من توجيه سهام النقد له؛ في الحضارة الإسلامية، فبعد أن ذكر مجموعة من التناقضات في كتابه “الشكوك على بطليموس” والتي من أهمها مسألة معدل المسير قال ابن الهيثم: “فهذه المواضع المتناقضة التي وجدناها في كتاب المجسطي. ومنها ما هو معذور فيه، ومنها ما ليس فيه عذر. وذلك أن منها مواضع تجري مجرى السهو الذي لا يعرى البشر منه، فهو معذور فيه. ومنها مواضع ارتكبها بالقصد، وهي الهيئات التي قررها للكواكب الخمسة، فليس له فيها عذر[42].”

وتجدر الإشارة إلى أن هناك عالما فلكيا آخر قد ذكر الشكوك نفسها وهو “أبو عبيد الجوزجاني” تلميذ ابن سينا ومعاصر ابن الهيثم، في كتابه “تركيب الأفلاك[43]” والذي عالج فيه “قضية معدل المسير” أيضا  لكنه لم يكتف فقط بإشارة الشكوك كما فعل ابن الهيثم بل تعدى ذلك إلى اقتراح هيئة بديلة مصححة.

إن مأزق النسق البطليمي الذي آثاره ابن الهيثم والجوزجاني، ولد حالة من “التمرد على بطليموس” ومحاولة تصحيحه. وبعد مرور قرن على ابن الهيثم ستتم تلبية نداء التمرد هذا من طرف فلكيي الأندلس سيصل مداه عند  البتروجي بتطويره لنماذج رياضية جديدة وإن كانت النتائج في الحقيقة فاشلة[44]. لكن من ناحية أخرى ستنجح محاولات مدرسة مراغة في غرب إيران والتي يعد نصير الدين الطوسي ومؤيد الدين العرضي وابن الشاطر من أبرز وجوهها تأثيرا حتى على كوبرنيك نفسه.

 فإذا أخدنا  نصير الدين الطوسي، مثلا، فإنه سيعمل على تحرير كتاب المجسطي ووضع مادته منقحة وإنقاد نسق بطليموس وذلك  كالتالي: فبدل الدوران حول نقطة عشوائية في الفضاء ابتكر الطوسي سلسلة من دائرتين متداخلتين تدوران حول بعضهما بشكل يلغي وجود نقطة”معدل المسير” Equant”. وأصبحت الدائرتان المتداخلتان معروفتين باسم مزدوجة الطوسي. وهي المزدوجة التي اشتمل عليها النموذج الكوبيرنيكي بتشابه حتى في الحروف[45] وهو ما يطرح افتراض كون كوبيرنيك قد اطلع على مخطوطة الطوسي  لكن المسألة تحتاج إلى دليل[46]

إن مجهودات مدرسة مراغة سعيا لضبط النماذج الرياضية مع المسلمات الأرسطية اكتملت مع الفلكي الدمشقي ابن الشاطر (القرن الرابع عشر)، حيث استطاع هذا الفلكي أن يستفيد من النظريات التي ابتكرها سابقوه، ليضع نموذجا فلكيا يحل إشكالات بطليموس، وأهمها طرد معدل المسير والاحتفاظ فقط بالأرض كمركز للدوران المفروض[47]. وللذكر فإن الباحث “إدوارد كندي” قد عثر على مخطوط لابن الشاطر عنوانه ” نهاية السؤال لتصحيح الأصول” والذي تبين فيه هيئة مخالفة تماما لبطليموس، بل إن ما جاء به موجود طبق الأصل عند كوبيرنيك[48] فأصبح ابن الشاطر صاحب الطريقة الكوبيرنيكية قبل كوبيرنيك[49]. كما  اهتدى “جورج صلييا”  إلى “كتاب الهيئة” لمؤيد الدين العرضي الذي تضمن نظرية  أخرى تسمى مقدمة العرضي  كان قد استخدمها كوبيرنيك أيضا.  

بهذا يكون كل من الطوسي ومؤيد الدين العرضي وابن الشاطر هم الرواد الذين توصلوا إلى ابتكار هيئة كوبيرنيكية سابقة على كوبيرنيك[50]. إلى درجة يمكن أن تعتبر معها أن كوبيرنيك هو أحد أتباع مدرسة مراغة[51]، أو آخر عالم فلك في مرصد مراغة[52]، مع فارق بسيط ولكن قوي، يتمثل في مركزية الشمس عوض مركزية الأرض. لم يعد  الكثير من الباحثين يتساءلون “عما إذا كان” كوبيرنيك تعلم نظرية مراغة، فالمسألة أصبحت محسومة، وإنما “متى وأين[53]” وبأي شكل استطاع كوبيرنيك الحصول على هذه الأعمال[54]. الجواب عن هذه الأسئلة سيغير للأبد طبيعة العلاقة بين أوروبا والعالم الإسلامي، فالأبحاث ما تزال جارية حول طرق الاحتكاك المحتملة لكوبيرنيك بمنجزات الحضارة الإسلامية، فهناك من يرى أن كوبيرنيك كان يعرف العربية وهناك من يقول احتمال وجود شخص شرح له نصوص العرب، وهناك من يرى أن كوبيرنيك درس في ظروف انتشرت فيها الكتابات المتأثرة بالمسلمين والداعية لإصلاح فلك بطليموس[55]. إن الجواب عن هذه الأسئلة والحسم فيها سيغير طبيعة العلاقة التاريخية والحضارية بين أوروبا والعالم الإسلامي.

ـ الثورة الكوبيرنيكية: حل قفل مركزية الأرض، وخاتمة إنقاذ الظواهر

ما الذي أنجزه كوبيرنيك بالضبط؟ إنه استبصاره العميق بأن حركات الكواكب التي تشبه الانقلاب يمكن تفسيرها بطريقة أكثر تبسيطا مما فعله بطليموس وعلماء الفلك العرب والمسلمين. فلو افترضنا أن الكواكب تدور حول الشمس في الوقت الذي تدور فيه حول محورها يوميا، فإننا يمكن أن نستغني عن بعض أفلاك التدوير الصغيرة التي افترضها بطليموس، الأمر الذي أدى إلى تبسيط حسابات الفلك تبسيطا عظيما وهو ما أدى إلى تقليل عدد أفلاك التدوير من ثمانين إلى أربعة وثلاثين فقط، وبهذا التبسيط أصبح نظام كوبيرنيك أعلى وأسمى من نظام بطليموس. تماشيا مع القناعة التي كانت سائدة آنذاك التي مفادها أن الطبيعة يجب أن تكون بسيطة. فعمل كوبيرنيك يستجيب لدعوة أفلاطون لـ”إنقاذ الظواهر”.

إن كوبيرنيك لم يكتشف واقعة جديدة مفردة عن الكون، ولم يقدم ملاحظات عن الطبيعة أو حركات الأجرام السماوية لم  يلحظها أحد من قبل. فكل ما فعله، وثمة تكمن عبقريته، هو تنظيم الوقائع المعروفة في توليفة متناسقة وأكثر بساطة، فنظرية مركزية الشمس أكثر نفعا من سابقتها نظرية مركزية الأرض؛ فهي سهلة التناول وتخلصنا من بعض  الحسابات المعقدة للنظام القديم[56].  

لقد كان فلك بطليموس ومعه الفلك العربي الإسلامي أرسطيا؛ لأنه ظل يقبل بالعديد من مسلماته التي كانت بمثابة أقفال تمنع تطوره. والقفل الأول هو مركزية الأرض. ويشكل التقسيم الثنائي إلى عالمين: عالم ما فوق القمر وما تحت القمر القفل الثاني. أما القفل الثالث فهو القول بضرورة الحركة الدائرية، باعتبارها الحركة الوحيدة الممكنة للأجرام السماوية.

لقد استطاع كوبيرنيك أن يكسر بوضوح قفل مركزية الأرض، غير أننا لا نجده يعلن موقفه صراحة من التقسيم الثنائي للعالم، لكن المسألة تفهم بشكل ضمني، فما دامت الأرض تدور هي وقمرها التابع لها حول الشمس. فهذا يعني أن عالم الكون والفساد يخترق كل لحظة عالم الكمال والثبات. يبقى القفل الأخير فإنه سيسلم من التكسير وسينتظر عمل كبلر الكبير الذي سيثبت أن الدوران يتم بشكل إهليلجي وهو ما وجه صفعة موجعة لكمال العالم العلوي[57].    

لقد كان كوبيرنيك أفلاطونيا حتى النخاع، ورغبة منه في إنقاذ الظواهر، أعطى مصداقية لفرضية مركزية الشمس (التي قال بها أرسترخس) أكثر مما أعطى لنسق أرسطو. وإذا كان قد أهمل الكوسمولوجيا البطليمية فإنما فعل ذلك بهاجس الوفاء الأكبر لروحها؛ أي من أجل أن ينقد بصورة أبسط الظواهر البصرية[58]. لقد كان كوبيرنيك تقليديا، فأراد العودة بالفلك إلى جذره الأفلاطوني.  

إن نتائج كتاب كوبيرنيك المدوية لم تكن متوقعة من طرفه، فهو ألف على غرار كتاب المجسطي وكتب العرب وكان هدفه الأساس من قلبه موقع الأرض بالشمس هو حل مشكل الكواكب المتحيرة، وإصلاح التقويم الميلادي، وتسهيل التنبؤ بمواقع الكواكب، والحصول على نموذج  أبسط للطبيعة. فالغاية من مشروعه تقني رياضي، الأمر الذي يؤكد أن كوبيرنيك كان يريد أن يكون بطليميا أكثر من بطليموس، لكن زمام الأمر أفلت من يديه بعد موته، حيث تحول نظامه إلى ثورة حقيقية قام بها غاليليو وكبلر ونيوتن. وهي الثورة التي لم تكن في الحسبان  وسميت، فيما بعد بالحداثة.

فكتاب كوبيرنيك يؤكد باستثناء مقولة “تحريك الأرض”، يعد كتابا قديما في الفلك[59]، فحتى الحسابات والدقة الرياضية استلهمها من مدرسة مراغة كما رأينا. فكوبيرنيك لم يكن كوبيرنيكيا بعد[60]. فهو حث على التجديد وحرض عليه دون أن يكون مجددا، لقد جاء على مفترق اتجاهين: لحظة أوج التقليد القديم ولحظة بدأ معها تقليد جديد. فهو نهاية قديم وشرارة جديد. خلاصة وتتويج  للباراديغم (نموذج نظري موجه للعلماء في حقبة زمنية معينة) الأرسطي/البطليمي المعدل عربيا وإسلاميا. وفي نفس الآن منعطف وانقلاب ولمسة أولى نحو باراديغم جديد.   

 2. المنعطف العربي الإسلامي الكوبيرنيكي: لماذا لم يكن كوبيرنيك عربيا/إسلاميا؟

إن  السؤال الهام بالنسبة للعالم الإسلامي والذي طرحه الباحث “توبي أ. هاف” في كتابه “فجر العلم الحديث” وهو: لماذا لم يستطع فلكيو مراغة خاصة الطوسي وابن الشاطر، ومع كل التفوق التقني والرياضي من إحداث الوثبة الأخيرة نحو نظام مركزية الشمس؟ بعبارة أخرى لم يتابع المسلمون السير إلى الميل الأخير؟ حينما وصلنا إلى آخر المطاف وعجزنا عن وضع اللمسة الأخيرة التي كانت ستجعل الحداثة شأنا عربيا/إسلاميا؟ بصيغة أخرى: لماذا لم يتوج العمل الرياضي والتقني الهائل خاصة مع مدرسة مراغة إلى لمسة نظرية تعدل أحسن النماذج الفلكية؟ علما أن كوبيرنيك، كما سبق الذكر، ليس له أي إضافات ماعدا مسألة قلب موقع الأرض بالشمس، فنماذجه هي نماذج الطوسي ومؤيد الدين العرضي وابن الشاطر.

فمع أن كوبيرنيك قد أقام نسقه على أكتاف مدرسة مراغة الفضل إلا في وضع اللمسة الميتافيزيقية الجديدة التي ستغير مشهد الإنسانية إلى الأبد من حيث لم يكن يحتسب. فترك الفلكيين المسلمين في الباراديغم الأرسطي الذي مازال يلقي بظلاله على تفكيرنا حتى الآن، معلنا بداية باراديغم جديد سمي باسمه.

 إن مغامرة كوبيرنيك ليست بالأمر الهين كما يبدو للبعض، فهي تحتاج لكثير من الجرأة والخيال. فتحريك الأرض من مركزيتها كانت مجازفة حتى بالنسبة لكوبرنيك نفسه، فكتابه “في دوران الأجرام السماوية” لم يخرج للوجود إلا وهو على فراش الموت؛ حيث ظل محتفظا به لأزيد من ثلاثين سنة. ومن جهة أخرى تم وضع مقدمة للكتاب من طرف  صديقه “أوسياندر” الذي عمل على تبرير العمل وإيجاد مسوغات كافية تسمح بنشره، مؤكدا أن التمعن جيدا في الكتاب سيجعلنا نكتشف أن مؤلفه  لم ينجز شيئا يستحق التوبيخ مادام يعطينا حسابات دقيقة لحركات السماء، معلنا بعدها وبوضوح العبارة “لا يهم أن يكون الافتراض (مركزية الشمس) صحيحا أو خاطئا، شيء واحد يكفي هو أن يعطينا حسابات ملائمة مع الملاحظة[61]“. ويختتم مقدمته بقوله: “لنترك هذه الفرضيات الجديدة تظهر مع الفرضيات القديمة، ليس لأنها حقيقة، بل لأنها بسيطة وسهلة، وتعطي إمكانات هائلة للملاحظة الدقيقة[62].”

 وأكثر من ذلك فقد قام كوبيرنيك بإهداء الكتاب للبابا بولس الثالث. حيث حاول فيه تقديم دواعي وضع الشمس في مركز الكون؛ لأن المسألة قد يبدو فيها نوع من الحمق  والخروج على ما ألفه الناس[63]. لكن ثمرات هذا القلب كثيرة؛ منها إصلاح نموذج بطليموس المعقد وجعله أكثر بساطة وضبطا للتقويم… وقد بلغت درجة مخاوف كوبيرنيك؛ (لأنه يعرف تبعات مشروعه وهو الراهب) بأن ناشد البابا  كي يحميه، وأن لا يحكم على عمله إلا الرياضيون وإلا سوف يُساء فهمه[64].

 لكن، لماذا هذا التخوف الكبير والقول بأن المشروع مجرد افتراض رياضي مفيد حسابيا؟ لأن المسألة فيها تهديد للأمن العام، ويعلم كوبيرنيك قبل أي شخص آخر مدى خطورة التبعات. ولكي نفهم أكثر درجة المغامرة علينا تصور تداعيات الفكرة على الاعتقاد الديني (خاصة الشعبي منه)  ولربما كان ذلك هو العائق الذي منع بطليموس والفلكيون المسلمون من تحريك الأرض. فالأرض عالم الكون والفساد توجد في مرتبة سفلى، بينما السماء توجد في الأعلى حيث الكمال، حيث الله والجنة التي هبط منها آدم. فأن تعلن أن الأرض أصبحت سماوية، وتجعلها تغادر محلها لتسبح في السماء لهو الهرطقة عينها، فمن أين نزل آدم، إذن، إذا كانت الأرض والسماء سيان؟ وهل يمكن قبول أن الأرض وهي عالم الرذيلة، عالم جهنم تصعد دفعة واحدة لعالم الكمال، عالم الإله؟ إنها حقا لمغامرة ومجازفة أن تخطو هذه الخطوة وهو ما يسمح ربما بتفسير التأخر التاريخي للكوبرنيكيات حتى يصل العقل البشري إلى سن الرشد أو يوشك للكوبيرنيكية، فالبشرية كانت تحتاج لمزيد من النضج والاختمار والمخاض العسير كي تغامر مغامرتها الكوبيرنيكية، فلكل شيء مستقر ولكل شيء وقته وزمانه. فكل فكرة قبل أوانها ولحظة نضجها هي فكرة مجهضة من الأساس.  فاللحظة العربية الإسلامية لم تكن على موعد مع ولادة الكوبيرنيكية، ولكنها كانت هي لحظة المخاض الأخير. والمخاض أصعب من الولادة.   

خاتمة

انطلاقا مما قيل نصل إلى الاستنتاجات التالية:

1. إن انجاز كوبيرنيك كان نتاج الكسب الإنساني في بعده الكوني. حيث بدأ المشروع الفلكي العالمي مع أفلاطون بمسلمته “إنقاذ الظواهر”، فكان أول نموذج من وضع أرسطو الذي عدله وصوبه بطليموس. ثم شكك فيه الفلكيون المسلمون محاولين ترميمه وتجاوز تناقضاته، فوصلوا بالنموذج (الباراديغم) إلى أقصى إصلاح ممكن بحيث لم يعد بالإمكان إضافة الجديد، خاصة مع مدرسة مراغة، ليأتي أخيرا كوبيرنيك كآخر “منقذ للظواهر”.

 فمع أنه ظل أفلاطونيا إلى أبعد مدى، متشبثا بالحركة الدائرية كرمز للكمال العلوي، إلا أنه ولدواعي المزيد من الضبط في الحسابات وتبسيطا للنموذج الفلكي اضطر كوبيرنيك لوضع لمسة نظرية جديدة هي مركزية الشمس، فحدث الانقلاب المدوي في كل مناحي الحياة، وهو الانقلاب الذي لم  يكن متوقعا حتى من طرفه، فكوبيرنيك لم يكن كوبيرنيكيا بعد. فالكوبيرنيكي الأول كان هو غاليليو الذي عمل على  إبراز كون النموذج الكوبيرنيكي ليس مجرد افتراض رياضي فقط، بل هو حقيقة فيزيائية، فالنظريات تتبلور عبر تكوين مرحلي، فلا يحدث التجديد في لحظة مفاجئة أو في صيغة حدس إشراقي بل من خلال سلسلة من المحاولات والمراجعات.   

2. إذا كانت الحضارة العربية الإسلامية قد أسهمت في إنضاج عملية إنقاذ الظواهر حتى وصلت إلى الباب المسدود الذي لم يعد معه من حل ماعدا تحريك الأرض، وإذا كان كوبيرنيك أحد تلاميذ مرصد مراغة، كما رأينا، فهذا يعني أن الثورة الفلكية الجديدة تجد أصولها وأسبابها لدينا وليست غريبة عنا. نعم لم نضع اللمسة العلمية الجديدة، وظل قفل مركزية الأرض الأرسطي جاثما علينا، لكن لو لم ينضج هذا النموذج رياضيا ويكتمل خاصة مع ابن الشاطر، ما كان لينسف ويعلن نموذجا جديدا. فإذا لم يكتمل البارديغم القديم فلن ينطلق الباراديغم الجديد. إذا كانت الثورة الكوبيرنيكية تمثل الشرارة الأولى لعصر الحداثة، فإننا بإسهامنا في اكتمال الباراديغم القديم وفتحنا لآفاق الباراديغم الجديد، نكون قد أسهمنا في إرساء هذا الصرح الحضاري، وإن أخطأنا الوجهة لردح من الزمان! ويبدو أن تباشير عودة العرب والمسلمين للإسهام في صرح الحضارة الإنسانية الجديد قد لاحت في الأفق..

الهوامش


[1]. جورج صليبا، “العلوم الإسلامية وقيام النهضة الأوروبية”، ترجمة:  د. محمود حداد، مراجعة مركز التعريب والبرمجة، ط1 أبو ظبي للثقافة والتراث، كلمة 2011، ص319-320.

[2]. المرجع نفسه، ص327.

* مرصد مراغة أو مدرسة مراغة، من تأسيس نصير الدين الطوسي (1201/1274) في غرب إيران وذلك سنة 1259. فهو من وضع مشروع لإصلاح فلك بطليموس، فكون مكتبة مختصة واستقطب علماء مرموقين من مناطق أخرى للعمل المشترك كمؤيد الين العرضي، ويحيى المغربي، وقطب الدين الشيرازي، ونظام الدين النيسابوري… انظر بناصر البعزاتي “جذور الفلك الكوبرنكي” ضمن أعمال ندوة “التقليد والتجديد في الفكر العلمي” منشورات كلية الآداب بالرباط، ط1، 2003، ص110. 

[3].  د. جورج صليبا. م، س، ص320.

[4]. بناصر البعزاتي، م، س، ص111.

[5].  الرسالة من ترجمة الحسين سحبان، مجلة الجدل، مؤسسة بنشرة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، خريف 1985، ص54-55.

[6] ولتر ستيس، “الدين والعقل الحديث”، ترجمة: د. إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة مدبولي، ط1، 1998، ص74.

[7].  مصطفى النشار، فكرة الألوهية عند أفلاطون، مكتبة الأنجلو المصرية، ط3، 1997، ص128.

[8]. جان بيار فردي، “تاريخ علم الفلك القديم والكلاسيكي”، ترجمة: د. ريما بركة. المنظمة العربية للترجمة، توزيع مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 2009، ص55.

[9]. عبد الأمير المؤمن، “الفلك والفضاء من الخرافات والتنجيم إلى تلسكوب هابل”، الدار الثقافية للنشر، ط1، 2002، ص54.

[10]. جان بيار فردي، م، س، ص56.

[11]. عبده القادري، “مؤسسة علم الفلك العربي”، دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب 2009، ص65 -66.

[12] انظر تومس كون، “بنية الانقلابات العلمية” ترجمة سالم يفوت، دار الثقافة ط1، 2005، ص15.  

.[13] جان بيار فردي، “تاريخ علم الفلك القديم والكلاسيكي”، م، س، ص59 و66.

.[14] نفس المرجع نفسه، ص70.

[15]. أنطوان بطرس، “العصور العربية لعلم الفلك ما قبل وما بعد”، الشركة المصرية العالمية للنشر ط1، 2003، ص136.

[16]. ألفرد تايلور، “أرسطو”، ترجمة د. عزت قرني. بيروت: دار الطليعة، ط1 أبريل 1992، ص85.

[17]. بناصر البعزاتي، م، س، ص105.

[18]. عبده القادري، “مؤسسة الفلك العربي”، دمشق: الهيئة العامة السورية للكتاب 2009، ص69.

[19]. ريجيس مورلون، “مقدمة في علم الفلك”، ضمن موسوعة تاريخ العلوم العربية الجزء الأول -علم الفلك النظري والتطبيقي– إشراف: رشدي راشد، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية ط2، فبراير 2005، ص31.

[20]. سالم يفوت، “الفلسفة والعلم في العصر الكلاسيكي”، المركز الثقافي العربي، ط1، 1990، ص18.

[21]. ولتر ستيس، “الدين والعقل الحديث” مخ، س، ص73.

[22] . سالم يفوت، م، س، ص19.

[23]. أنطوان بطرس، “العصور العربية لعلم الفلك ما قبل وما بعد”، م، س، ص118. وانظر أيضا: جان بيار فردي، “تاريخ علم الفلك القديم والكلاسيكي” م، س، ص88.

[24]. أنطوان بطرس، م، س، ص132. وانظر: جان بيار فردي، م، س، ص88.

[25]. جان بيار فردي، “تاريخ علم الفلك القديم والكلاسيكي، م، س، ص88.

[26]. عبده القادري “مؤسسة علم الفلك العربي ” مرجع سابق  ص60.

[27]. انطوان بطرس، م، س، ص119.

[28]. عبده القادري، م، س، ص1570.

[29]. المرجع نفسه،  ص157.

[30]. جان بيار فردي، م، س، ص92.

[31]. عبده القادري،  م، س، ص138.

[32]. جان بيار فردي، م، س، ص93.

[33]. عبده القادري، م، س، ص147.

[34]. جان بيار فردي، م، س، ص96-97.

[35]. انظر، توبي أ. هاف، “فجر العلم الحديث” ترجمة د. أحمد محمود صبحي، الكويت: عالم المعرفة 1997، ص250-251.

[36]. عبده القادري، م، س، ص155.

[37]. عمر رضا كحالة ” العلوم البحثة”، مطبعة الترقي بدمشق 1972، ص168.

[38]. عبده القادري، م، س، ص186.

[39]. المرجع نفسه، ص187.

[40]. عبده القادري، م، س، ص161.

[41]. المرجع نفسه، ص190.

[42]. ابن الهيثم “الشكوك على بطليموس ” نقلا عن عبده القادري “مؤسسة علم الفلك العربي” م، س، ص195.

[43]. المرجع نفسه، ص186.

[44]. توبي أ. هاف، م، س، ص81.

[45]. المرجع نفسه، ص83.

[46]. المرجع نفسه.

[47]. عبده القادري، م، س، ص191.

[48]. انطوان بطرس، م، س، ص138.

[49]. أحمد عبد الحليم عطية، “دراسات في تاريخ العلوم عند العرب”، دار الثقافة للنشر والتوزيع 1991، ص347.

[50]. انطوان بطرس، م، س، ص138.

[51]. توبي أ. هاف، م، س، ص81.

[52]. جورج صليبا، م، س، ص337.

[53]. انطوان بطرس، م، س، ص150.

[54]. جورج صليبا، م، س، ص347.

[55]. انظر: “طرق الاحتكاك المحتملة بكوبيرك”، ص337. جورج صليبا، م، س.

[56]. انظر: ولترستيس، م، س، ص76. 

[57]. جان بيار فردي، م، س، ص109.

[58].جورج كانغيلام، “دراسات في تاريخ العلوم وفلسفتها”، ترجمة د. محمد بن ساسي، مركز دراسات الوحدة العربية ط1، 2007، ص63.

[59]. انظر: سالم يفوت، م، س، ص31-32.

[60]. المرجع نفسه، ص63.

[61] .Nicolas copernic.des revolutions des orbes celestes. Trad.par alexandre koyere. Paris  felix alcand 1934.p 28   

[62]. Ibide, p. 30.

[63]. Ibid,. p36.

[64]. Ibid, p. 46-47.

Science

د. محسن المحمدي

أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي/بني ملال

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. مقال ناضج, أسلوب كتابة وألفاظ واضحة مأنوسة, مسبوكة في تراكيب سهلة فصيحة هادئة تسلك سبيل الإقناع ,بعيدة كل البعد عن التعقيد لفظي , أوالغموض المعنوي ويدل على ان الكاتب متمرس , لكن موضوع المقال في نظري ظل يروي احداث علمية مفصلة دون اعطاء رؤية حداثية لكيفية استغلال الماضي لبناء الحاضرمن الناحية الاكاديمية والمرجعية زرع الرؤية العلمية في عقول الاجيال القادمة ( بحكم ان الكاتب ينتمي الى هيئة التدريس)

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق