مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةقراءة في كتاب

الفلاحة الأندلسية

كتاب الفلاحة الأندلسية لابن العوام الإشبيلي 

الموسوعة العلمية التي ترجمت لعدة لغات منذ قرنين

تخرج نشرتها العربية المحققة أخيرا

منشورات مجمع اللغة الأردني

تحقيق: أنور أبو سويلم وسامي الدروبي وعلي ارشيد محاسنة

مطبعة الجامعة الأردنية ،الطبعة الأولى، عمان، الأردن، 1433ه/ 2012م

الترجمة الإسبانية مع المتن العربي جوزيف أنطونيو بانكيري J. A. BABQUER سنة 1802م

علم الفلاحة واحد من العلوم التراثية المنسية في كليات الزراعة والبيطرة في جامعاتنا العربية وفي أغلب مراكز البحث العلمي على قلتها القليلة. ولقد اشتغل ثلة من المستشرقين بنشر التراث العلمي في علم النبات والفلاحة والحيوان وغيرها لحاجات علمية أحيانا وتنموية أحيانا كثيرة، نظرا لما يحويه هذا التراث من تجارب علمية مفيدة في التطبيقات الزراعية المعاصرة، ومن تأسيس نظري ومنهجي لهذه العلوم، يتضمن أصولا علمية وقواعد عملية وقوانين تجريبية أثرت بشكل مباشر على النهضة الغربية في بلاد الغرب. فنشروا كتبا مهمة وترجموها إلى لغاتهم، بينما بقيت مجهولة بين القوم الذين أنتجوها ابتداء. ومن ابرز هذه الكتب كتاب (الفلاحة الأندلسية) لأبي زكريا يحيى بن محمد بن أحمد بن العوام الإشبيلي (ت 580 ه/ 1184م)، الذي يعتبر موسوعة علمية ضخمة في مجال علم الفلاحة، نشره مع ترجمة إلى الإسبانية ومقدمة علمية سنة 1802م جوزيف أنطونيو بانكيري J. A. BANQUERI ، وترجمه إلى الفرنسية ترجمة ناقصة كليمون مولي J. J. Clément-Mullet في الفترة بين عامي 1864 و 1867، وكان قد ترجم قبل ذلك إلى اللغة التركية عام 1590 من قبل محمد بن مصطفى، ويوجد نسخة من هذه الترجمة في المكتبة العامة باستانبول في قسم ولي الدين تحت رقم 2534 ، ونسخة أخرى في مكتبة بورصا العامة في تركيا حسب ما يفيد بروكلمان. كما ترجم إلى لغات أخرى كالإيطالية والانجليزية والأردية. ولم ينشر الأصل العربي محققا إلا سنة 2012، وهي هذه النشرة التي نعرضها.

ومما ينبئك عن أهمية هذا الكتاب في تاريخ العلوم إطراء كثير من المشتغلين بتاريخ العلوم له، وأبرزهم المستشرقون، كقول ماكس مايرهوف بأنه كتاب ينبغي أن يعد أحسن الكتب العربية في العلوم الطبيعية عامة، وعلم النبات خاصة. وقول المستشرق الفرنسي لوسيان لوكلير إن ابن العوام كان عملاقاً في حقل الفلاحة، فقد قدم للإنسانية من المعارف التطبيقية ما تحتاج إليه، وقول خوليا كاربازا أستاذة الدراسات العربية بإسبانيا عن كتاب الفلاحة بأنه: أحد العلامات البارزة ي تاريخ الفلاحة الأندلسية والكتب المهمة في تاريخ الفلاحة الأندلسية، وبأن أثره امتد في الأندلس والبحر المتوسط والعالم العربي، ولم يقتصر الأمر على العصور الوسطى بل امتد بعد ذلك لقرون. ومما نشر لابن العوام رسالة في “تربية الكروم”، نشرها المستشرق منكادا في استوكهولم سنة 1889م.

أما نشرة كتاب الفلاحة الأندلسية التي نعرضها الآن فهي عمل علمي يدخل ضمن الأعمال التحقيقية لمجمع اللغة العربية الأردني، قام به ثلاثة من المحققين الأكفاء، وهم أنور أبو سويلم وسمير الدروبي وعلي ارشيد محاسنة، وصدر في سبع مجلدات عام 1433ه/2012م. تضمن العدد الأول منها دراسة مستفيضة في ستة فصول:

أولها : عن لفظ الفلاحة بين دلالتها اللغوية ودلالالتها الاصطلاحية، تتبع فيها المحققون تطور دلالات اللفظ في كتب المعاجم اللغوية، وكتب تصنيف العلوم، وكتب الفلاحة.

والثاني: يقدم دراسة عن ابن العوام ومؤلفاته، مستعرضا آراء المؤرخين والدارسين في تاريخ وفاته، ومحققا في ما نسب إليه من الكتب.

والثالث: في مصادر الكتاب، التي تتنوع بين المصادر القديمة كالفلاحة النبطية لابن وحشية الكلداني، وغيرها من كتب الفلاحة اليونانية والرومانية، فضلا عن كتب الفلاحة الأندلسية، وكتب البيطرة والنبات والأدوية والأغذية والأنواء والأدب واللغة والروايات الشفوية عن الفلاحين وتجاربه التطبيقية في منطقة (الشرف) [أو الجرف حسب تسمية الإسبان] المطلة على إشبيليا التي اتخذها حقلا لتجاربه العلمية التطبيقية.

والرابع: في أهمية الكتاب وقيمته العلمية. والتي تتمثل حسب الباحثين في:

•  تخليص علم الفلاحة العربية من الفكر الميثولوجي الأسطوري والنظر إليها على أنها صناعة لها اصولها ومناهجها وأهدافها.

•  الدعوة إلى الاقتصاد في استعمال الماء وترشيد استهلاكه ومواصلة البحث عن مصادر جديدة للري. ولهذا اخترع طريقة (الري بالجرار) التي استعملت لأول مرة في تاريخ الزراعة تقنية (الري بالتنقيط).

•  إضاءة جوانب مهمة من الحياة الاقتصادية بالأندلس.

•  مواصلة التجارب الزراعية لاستصلاح الأرض الجديدة القابلة للزراعة أو نقل أنواع جديدة من النباتات لم تعهدها من قبل . وابتكار طرق عديدة للإنتاج المبكر للمزروعات مثل استعمال” المشارق المكنة” و”البيوت المكنة” التي تعتبر صورة مبكرة لما يعرف اليوم بالبيوت البلاستيكية.

•  الإفادة من كثير من المخلفات والبقايا الطبيعية والبشرية والنباتية والصناعية في الفلاحة زراعة وإخصابا وعلاجا وسمادا.

•  تطوير وسائل مكافحة الأمراض النباتية وما يعرض للأشجار من الحشرات والديدان والقوارض والزواحف بالمواد الكيماوية والعضوية المركبة.

•  خدمة المصطلح الزراعي بما أورده من الألفاظ المعربة والدخيلة والعامية.

•  خدمة التوثيق العلمي، مثل كشفه معلومات مفيدة تتعلق بشخصية ابي الخير الإشبيلي والكتاب المنسوب إليه في الفلاحة.

•  الطرق البارعة في حفظ المحاصيل والثمار من العفونة وغيرها من المهلكات.

•  تسمية الأدوات الزراعية المستخدمة في الأندلس.

والسادس: في تحقيق نسبة الكتاب لابن العوام، وفي نسخه الخطية، ومنهجية عملهم في التحقيق.

أما الكتاب فينقسم إلى قسمين:

الأول يتكون من 16 بابا، فصولها الأولى تعالج موضوعات عامة عن الأرض والمياه والسماء والطبيعة،. ليجعلها قاعدة نظرية يبني عبيها قوله العلمي في مسائل علم التسميد غرس الأشجار وزراعة بعض المحاصيل وطرائق الري والتقليم والتطعيم (التلقيح) وغيرها من العمليات الزراعية.

والقسم الثاني: يقع في 19 بابا مدارها على إصلاح الأرض والزرع، وعلم محاصيل الحقول، والخضر، والبستنة، والزينة، ووقاية المزروعات من الآفات، وعقد أيضا فصولا مهمة عن علم الحيوان والبيطرة وجني العسل. وذلك أن تربية المواشي والدواجن والطيور والنحل، والكلام عن الفصول الموافقة للتلاقح والأعلاف ومعالجة الأمراض التي تصيبها، وغير ذلك مما يدخل تحت علم البيطرة، كل ذلك ضروري للعالم بالفلاحة.

وقد بذل المحققون جهدا كبيرا في توثيق المعلومات والنقولات، والإشارات والأخبار والكتب والرسائل، والأعلام والبلدان… من مظانها الأصلية، وفي ضبط المصطلحات الفنية والأسماء المختلفة، وشرح الغريب من الألفاظ، وضبط النص بالتشكيل، وتصحيح ما حقه التصحيح، وعنونة الفصول … وغير ذلك من مقتضيات التحقيق والضبط.

ثم خصصوا للفهارس المستوعبة مجلدا كاملا هو المجلد السابع، تضمن بضعة عشرا فهرسا.

لقد قدم المحققون للمكتبة العربية إضافة نوعية تقتضي من المشتغلين بتاريخ العلوم عامة، وتاريخ العلوم العربية الإسلامية خاصة أن يُتْبِعُوها بما تستحقه من دراسات تبرز أسسها وخصائصها وقيمتها الابستمولوجية بالنظر إلى عقلانيتها الخاصة، وإلى تطور الفكر العلمي عامة.  

Science

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق