مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

العقيدة في المعراج عند الأشاعرة

المعراج لغة:

(عرج) العين والراء والجيم ثلاثة أصول: الأوّل يدلُّ على ميْل ومَيَل، والآخر على عَدَد، والآخِر على سُموّ وارتقاء،[1] و«عرَج» في الدرجة والسلم يعرُج بالضم «عروجا ومعرجا» بالفتح «ارتقى» وعرج في الشيء وعليه يعرج بالكسر ويعرج بالضم عروجا أيضا: رقي . وعرج الشيء فهو عريج: ارتفع وعلا،[2]
والمعراج: السلم؛ ومنه ليلة المعراج؛ …والمعارج: المصاعد. والعرج: غيبوبة الشمس، ويقال انعراجها نحو المغرب. وأنشد أبو عمرو: حتى إذا ما الشمس همت بعرج[3]، قال ابن فارس: فأمَّا قول القائل: حتَّى إذا ما الشَّمس هَمَّتْ بعَرَجْ ؛ فقالوا: أراد غيبوبةَ الشَّمس. وهذا وإن كان صحيحاً فهو غير ملخّص في التَّفسير، وإنَّما المعنى أنَّها لمَّا غابت فكأنَّها عَرَجت إلى السَّماء، أي صَعِدت. وممَّا يؤيد هذا قولُ الآخَر: وعَرّج اللَّيلَ بُرُوجُ الشَّمسِ؛  فهذا هو القياسُ الصحيح[4]. والعارج: الغائب[5]، والمعراج شبه سلم تعرج عليه الأرواح وقيل هو حيث تصعد أعمال بني آدم،  وعرج بالروح والعمل صعد بهما[6]، والتَّعرِيجُ: أن يحبِسَ المطي مقيما لأمر …[7]، والمعرج والمصعد والمرقى كلها بمعنى والجمع المعارج والمعراج[8].

حقيقة المعراج:

المعراج: «السلم والمصعد؛ صعود النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السموات العلا ليلة الإسراء»[9]، وقيل: «هو عروجه صلى الله عليه وسلم في اليقظة بشخصه إلى السماء ثم ما شاء من العلى، والإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أو هما واحد»[10].
 إذن: «المعراج ما عرج عليه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، فهو إسم آلة بمعنى “آلة الصعود»[11].
قال الرازي في التفسير:«والمعراج على قسمين: أولهما: المعراج من عالم الشهادة إلى عالم الغيب، والثاني: المعراج من عالم الغيب إلى عالم غيب الغيب»[12].
قال ابن حجر: «فأما العروج ففي غير هذه الرواية من الأخبار أنه لم يكن على البراق، بل رقي المعراج وهو السلم كما وقع مصرحا به في حديث أبي سعيد عند بن إسحاق والبيهقي في الدلائل، ولفظه (فإذا أنا بدابة كالبغل مضطرب الأذنين يقال له البراق، وكانت الأنبياء تركبه قبلي فركبته) فذكر الحديث، قال: (ثم دخلت أنا وجبريل بيت المقدس فصليت ثم أتيت بالمعراج) وفي رواية بن إسحاق، سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (لما فرغت مما كان في بيت المقدس أتي بالمعراج فلم أر قط شيئا كان أحسن منه وهو الذي يمد إليه الميت عينيه إذا حضر فأصعدني صاحبي فيه حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء) الحديث، وفي رواية كعب: (فوضعت له مرقاة من فضة ومرقاة من ذهب حتى عرج هو وجبريل) وفي رواية لأبي سعيد في شرف المصطفى: (أنه أتي بالمعراج من جنة الفردوس وأنه منضد باللؤلؤ وعن يمينه ملائكة وعن يساره ملائكة)»[13].

الإيمان بالمعراج:

قال ابن عساكر: «وحين كثرت المبتدعة في هذه الأمة، وتركوا ظاهر الكتاب والسنة، وأنكروا ما ورد به من صفات الله عزوجل، نحو الحياة، والقدرة، والعلم، والمشيئة، والسمع، والبصر، والكلام، وجحدوا مادلا عليه من المعراج، وعذاب القبر، والميزان، وأن الجنة والنار مخلوقتان، وأن أهل الإيمان يخرجون من النيران، وما لنبينا صلى الله عليه و سلم من الحوض، والشفاعة، وما لأهل الجنة من الرؤية، وأن الخلفاء الأربعة كانوا محقين فيما قاموا به من الولاية، وزعموا أن شيئا من ذلك لا يستقيم على العقل ولا يصح في الرأي، أخرج الله عز وجل من نسل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، إماما قام بنصرة دين الله وجاهد بلسانه وبيانه من صد عن سبيل الله، وزاد في التبيين لأهل اليقين أن ما جاء به الكتاب والسنة وماكان عليه سلف هذه الأمة مستقيم على العقول الصحيحة، والآراء تصديقا لقوله، وتحقيقا لتخصيص رسوله صلى الله عليه و سلم قوم أبي موسى بقوله:( فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه).»[14]قال أبو الحسن الأشعري في: فصل في إبانة قول أهل الحق والسنة «….ونصدق بحديث المعراج وتصحيح كثير من الرؤيا في المنام ونقر أن لذلك تفسيرا»[15]
وقال في الإجماع الثاني والأربعون من رسالته إلى أهل الثغر: «وعلى أن الإيمان بما جاء من خبر الإسراء بالنبي إلى السموات واجب»[16]
وقال فخر الدين الرازي: «القول بالمعراج حق، أما من مكة إلى البيت المقدس فلقوله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الاسراء:1] وأما من المسجد الأقصى إلى ما فوق السموات فلقوله تعالى {لتركبن طبقا عن طبق}[الانشقاق:19][17] والحديث المشهور،أما استبعاد صعود شخص من البشر إلى ما فوق السموات فهو بعيد لوجوه شتى؛ الأول: أنه كما يبعد في العادة صعود الجسم الثقيل إلى الهواء العالي، فكذلك يبعد نزول الجسم الهوائي إلى الأرض، فلو صح استبعاد صعود محمد صلى الله عليه وسلم، لصح استبعاد نزول جبريل عليه السلام، وذلك يوجب إنكار النبوة.
والثاني: أنه لما لم يبعد انتقال إبليس في اللحظة الواحدة من المشرق إلى المغرب وبالضد، فيكف يستبعد ذلك من محمد صلى الله عليه وسلم.
الثالث: أنه قد صح في الهندسة أن الفرس في حال ركضه الشديد في الوقت الذي يرفع يده إلى أن يضعها يتحرك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف فرسخ، فثبت أن الحركة السريعة إلى هذا الحد ممكنة، والله تعالى قادر على جميع الممكنات فكانت الشبهة زائلة»[18].
«وقد اختلف العلماء فى الإسراء هل هو إسراء واحد فى ليلة واحدة؟ يقظة أو مناما؟ أو إسراآن كل واحد  في ليلة، مرة بروحه وبدنه يقظة، ومرة مناما، أو يقظة بروحه وجسده؟ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم مناما من المسجد الأقصى إلى العرش، أو هى أربع إسراآت؟»[19]«…فالحق: أنه إسراء واحد، بروحه وجسده يقظة، فى القصة كلها. إلى هذا ذهب الجمهور من علماء المحدثين والفقهاء والمتكلمين، وتواردت عليه ظواهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغى العدول عن ذلك، إذ ليس فى العقل ما يحيله. قال الرازى: قال أهل التحقيق: الذى يدل على أنه تعالى أسرى بروح محمد- صلى الله عليه وسلم- وجسده من مكة إلى المسجد الأقصى القرآن والخبر: أما القرآن فهو قوله تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}[الإسراء:1]، وتقرير الدليل: أن «العبد» اسم للجسد والروح، فوجب أن يكون الإسراء حاصلا بجميع الجسد والروح، ويدل عليه قوله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى  عَبْداً إِذا صَلَّى  ولا شك أن المراد هنا مجموع الروح والجسد، وأيضا: قال سبحانه وتعالى فى سورة الجن: {وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}[الجن:19]، والمراد: مجموع الروح والجسد وكذا هاهنا.»[20]

رؤية الله سبحانه وتعالى ليلة المعراج:

مذهب أبي الحسن الأشعري في رؤية الله تعالى ليلة المعراج، كما حكاه ابن فورك في مجرد المقالات عنه في المسائل المنثورة: «أن الأولى من اختلاف الصحابة في رؤية محمد صلى الله عليه وسلم ربه تعالى في الدنيا ما ذهب إليه ابن عباس من أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه في الدنيا، ويرى قوله أولى من قول عائشة رضي الله عنها لمساعدة الظاهر في قوله: (ولقد رآه نزلة أخرى) وفي قوله تعالى (ما كذب الفؤاد مارأى) وابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رأيت ربي)، وكانت عائشة تتناول ذلك وتحمل الآية في قوله تعالى:[ الأنعام: 103] على العموم اجتهادا منها ونظرا.
وكان يحمل قولها لما قالت رضي الله عنها: “من زعم أن محمدا عليه السلام رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله تعالى”، أن ذلك منها لا طريق إحالة الرؤية على الله تعالى بكل وجه، ولكن طريق ذلك إنكارها في الدنيا، ألا ترى أن لفظها خرج على لفظ الماضي؟ وهي أحد من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث الرؤية وأن المؤمنين يرون ربهم تعالى يوم القيامة.
وكان يقول: إن القول بالرؤية إجماع الصحابة لأن كثيرا من خيارهم وعلمائهم وأئمتهم رووا ذلك عن  النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرو أحد منهم إنكارها للمؤمنين في الآخرة وإنما أنكرت عائشة ذلك في الدنيا فنقل ما جرى بينهم من الإنكار على الوجه الذي جرى ولم ينقل عن أحد منهم إنكار في رؤية الآخرة.
وكان يقول: إن محمدًّا صلى الله عليه وسلم مخصوص بالرؤية في الدنيا، كما قال ابن عباس أن الرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم والخلة لإبراهيم والكلام لموسى عليه السلام وكان ذلك عندهم منتشرا.
وكان يجيب عن سؤال من يسأله في ذلك كيف يرى؟ أن هذا لا يخلو من أن يكون سؤالا عن كيفية الرؤية فإن شيئا من الأعراض لا كيفية لها بل الكيفية نوع من الأعراض وهي التركيب والهيئة.
وإن كان سؤالا عن كيفية المرئي فلا كيفية له لأنه ليس بأجزاء مركبة ويقول: هذا كما تحيلون أنتم ونحن كلام من يسأل فيقول كيف يعلم؟ والجواب لأنه يرى بلا كيفية له كما يعلم بلا كيفية له.
وكان يجيز أن يخلق الله في الجزء الواحد رؤية فيرى نفسه بها، ولا يكون في مكان، ولا في مقابلة نفسه لا ستحالة أن يقابل الشيء نفسه وهو في نفسه غير منقسم.
وقد أجاب في كثير من كتبه عند سؤالهم، إذا جاز أن يرى بالبصر فهل يجوز أن يشار إليه، حتى يقول الراؤون بعضهم لبعض هذا ربنا؟ بأن ذلك جائز والإشارة لا تقتضي للمشار إليه مكانا.
ألا ترى: أنه يجوز أن يخلق في الجزء الواحد إشارة له إلى نفسه حتى يكون مشيرا به إلى نفسه ولا يكون في مكان؟
وكذلك كان يجيب في سؤال من يسأل: هل يجوز أن يغض البصر دونه؟ بأن ذلك جائز، فلو وجدنا ذلك لكان غض البصر معنى في المبصر لا يؤثر في صفة المبصر المرئي.
وربما كان يجيب في المقابلة بمثل ذلك ويقول إن أردتم بقولكم إنه يقابل أي يدرك ويرى فعبرتم بالمقابلة عن إدراكه فالخلاف في العبارة، وإن أردتم أن يكون في حيز والرائي في حيز فذلك محال على كل حال.
وكان يذهب إلى أن الرؤية: لا تقتضي محلا مخصوصا ولا تركيبا لمحلها بل يجوز وجود الرؤية في كل جزء في حياة منفردا كان أو مجتمعا على أي هيئة كان من التركيب والتأليف.
وكان يذهب إلى أنه لا يمنع من رؤية ما يجوز أن يرى إلا وجود ضد رؤيته في محلها وكل ما لا يرى مما يجوز أن يرى فلأجل وجود ذلك المانع من رؤيته، وكان لا يرى أن شيئا سوى ذلك مما يمنع من الرؤية كنحو ما يدعيه المعتزلة وغيرهم من الحجب الساترة والبعد واللطافة والرقة والصغر وكان يرى جواز رؤية كل ذلك على هذه الأحوال إذا فقد من محل الرؤية المنع ووجدت الرؤية بدله.»[21]أما القاضي أبو بكر الباقلاني فقال في “الانصاف”: «واختلف الصحابة في الرسول عليه السلام هل رآه [أي رأى ربه سبحانه وتعالى]ليلة المعراج بالقلب أو بعيني الرأس على قولين: فكانت الصديقة عائشة رضي الله عنها في جماعة من الصحابة يقولون: رآه بقلبه دون عيني رأسه، وكان ابن عباس رضي الله عنهما في جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يقولون: إنه صلى الله عليه وسلم رآه ليلة المعراج بعيني رأسه. ونحن نقول بقول ابن عباس رضي الله عنهما، فإذا تقرر هذا: فإن المعتزلة، والنجارية، والجهمية، والروافض. والخوارج: الكل منهم ينكرون الرؤية ولا يجوزونها بوجه، حتى قالوا: ولا يُرى ولا يَرى هو نفسه. وقد قدمنا الأدلة على صحة الرؤية وجوازها فيما تقدم، ولا بد أن نذكر ها هنا طرفاً من الأدلة أيضاً يؤكد ما تقدم ويقويه إن شاء الله، ودليل ذلك من الكتاب والسنة والإجماع ممن يعد إجماعه إجماعاً، ودليل العقل»[22]ويدل على صحة جواز الرؤية إجماع الصحابة على جوازها في الجملة، «وإنما اختلفوا هل عجلها لنبيه صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج أم لا، على قولين، ولو لم يقع الاتفاق منهم على جوازها، لما صح هذا الاختلاف، فلما وقع هذا الاختلاف قال بعضهم: عجل ذلك له في الدنيا قبل الآخرة، وقال البعض: لم يرد دليل على الجواز في الجملة وأنه متفق عليه، وإلا كان يقول لمن قال بأنها لم تعجل: فكيف تجوز الرؤية وهي مستحيلة عليه، فلما لم يقل ذلك أحد منهم دل على إجماعهم على جوازها. فاعلم ذلك.
ويدل على ذلك من جهة العقل: أنه تعالى موجود، والموجود لا يستحيل رؤيته، وإنما يستحيل رؤية المعدوم. وأيضاً فإنه تعالى يرى جميع المرئيات، وقد قال تعالى:{ألم يعلم بأن اللّه يرى}،[العلق:14] وقال:{الذي يراك }،[الشعراء:218] وكل راء يجوز أن يُرى؛ ولا يجوز أن تحمل الرؤية منه تعالى على العلم، لأنه تعالى فصل بين الأمرين، فلا حاجة بنا أن نحمل أحدهما على الآخر، ألا ترى أنه سمى نفسه عالماً، وسمى نفسه مريداً، ولا أن نحمل الإرادة على العلم، كذلك لا نحمل الرؤية على العلم. فاعلمه.»[23]وقال أيضا: «أن عائشة رضي الله عنها إنما خالفت فيما رأى به محمد ربه، فعندها رآه بالقلب دون العين، وعند غيرها من الصحابة رآه بالقلب والعين معاً، فقد وقع الإجماع منهم على جواز الرؤية عليه تعالى، وإنما اختلفوا فيما به رآه، لا أصل جواز الرؤية عليه، لأن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم رؤية حقيقية لا رؤية مجاز، بخلاف الواحد منا، لأن رؤيته بالقلب قد تكون حقيقة وقد تكون تخيلاً ومجازاً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: تنام عيناي، ولا ينام قلبي وقال عليه السلام: إني أراكم من وراء ظهري ورؤية الأنبياء عليهم السلام حقيقة بالقلب والعين.
دليله: قصة إبراهيم عليه السلام:{إني أرى في المنام أني أذبحك، قال يا أبت افعل ما تؤمر}[الصافات: 102] فصح أن الإجماع قد وقع من الصحابة رضي الله عنهم في جواز الرؤية على الله تعالى، وإن وقع الخلاف بما رآه الرسول عليه السلام ليلة الإسراء، فصار ذلك حجة على المخالف لا له.
جواب آخر: وهو أن عائشة رضي الله عنها إنما أنكرت رؤية الباري بأبصار العيون في دار الدنيا، لا على الإطلاق، ولهذا روى عن أبيها وعنها رضي الله عنها وعن جميع الصحابة أنهم فسروا قوله تعالى:{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة }[ يونس: 26]، قالوا: الزيادة النظر إلى الله تعالى في الجنة، وقد روى هذا مرفوعاً عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فصح مذهب أهل السنة والجماعة بحمد الله تعالى، وبطل شبه المخالف واندحض مكره. ولله المنة والحجة البالغة.»[24]
قال في “شرح المقاصد”: «…قد ثبت معراج النبي صلى الله عليه وسلم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، إلا أن الخلاف في أنه في المنام، أو في اليقظة، وبالروح فقط، أو بالجسد، وإلى المسجد الأقصى فقط، أو إلى السماء، والحق أنه في اليقظة، بالجسد إلى المسجد الأقصى، بشهادة الكتاب وإجماع القرن الثاني ومن بعدهم، ثم إلى السماء بالأحاديث المشهورة، والمنكر مبتدع، ثم إلى الجنة، أو العرش، أو طرف العالم على اختلاف الآراء بخبر الواحد، وقد اشتهر أنه نعت لقريش المسجد الأقصى على ما هو عليه، وأخبرهم بحال غيرهم، وكان على ما أخبر وبما رأى في السماء من العجائب وبما شاهد من أحوال الأنبياء على ما هو مذكور في كتب الأحاديث، لنا أنه أمر ممكن أخبر به الصادق، ودليل الإمكان إما تماثل الأجسام، فيجوز الخرق على السماء كالأرض، وعروج الإنسان كغيره، وإما عدم دليل الامتناع، وأنه لا يلزم من فرض وقوعه محال، وأيضا لو كان دعوى النبي صلى الله عليه وسلم المعراج في المنام، أو بالروح، لما أنكره الكفرة غاية الإنكار، ولم يرتد بعض من أسلم ترددا منه في صدق النبي عليه السلام، تمسك المخالف بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (والله ما فقدت جسد محمد رسول الله) وعن معاوية أنها كانت رؤيا صالحة، وأنت خبير بأنه على تقدير صحة روايته لا يصلح حجة في مقابلة ما ورد من الأحاديث، وأقوال كبار الصحابة وإجماع القرون اللاحقة.»[25]

الهوامش:

[1] معجم مقاييس اللغة لابن فارس (مادة: عرج) (4/ 302)
[2] لسان العرب مادة عرج (2/ 320)، وتاج العروس (ص: 1455)، و الصحاح  تاج اللغة وصحاح العربية – دار العلم للملايين (1/ 328)، و المحكم والمحيط الأعظم (1/ 312).
[3]الصحاح في اللغة (مادة: عرج) (1/ 456،)
[4] معجم مقاييس اللغة لابن فارس (4/ 304)
[5] القاموس المحيط، (مادة: عرج)  (ص: 253)
[6] المحكم والمحيط الأعظم، (مادة: عرج)  (1/ 313)
[7] المحيط في اللغة، (مادة: عرج)  (1/ 37)
[8] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، (مادة: عرج)  (6/ 93)
[9] معجم لغة الفقهاء مع كشاف انكليزي – عربي بالمصطلحات الواردة في المعجم، وضع، د محمد رواس قلعه جي /د . حامد صادق قنيبي دار النفائس، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى: 1405ه‍ – 1985م، (2/ 36)
[10] قواعد الفقه، محمد عميم الإحسان المجددي البركتي، الصدف ببلشرز، كراتشي 1407 – 1986م،
 (ص: 495)
[11] القاموس الإسلامي للناشئين والشباب (1) العقيدة إعداد محمد علي الهمشري والسيد أبو الفتوح وعلي إسماهيل موسى مكتبة العبيكان (ص: 46).
[12] مفاتيح الغيب/لفخر الدين الرازي/دار الكتب العلمية-بيروت- 1421هـ – 2000 م الطبعة: الأولى، (1/ 252)
[13] فتح الباري – ابن حجر (7/ 208)، و الإسراء والمعراج للسيوطي وهو (الآية الكبرى في شرح قصة الإسراء) (ص: 18)، و (ص: 42)
[14] تبيين كذب المفتري، للإمام أبي الحسن الأشعري، دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1404هـ، (ص: 104-105)
[15] الإبانة عن أصول الديانة علي بن إسماعيل بن أبي بشر الأشعري أبو الحسن تحقيق: د. فوقية حسين محمود دار الأنصار – القاهرة الطبعة الأولى، 1397م، (ص:20)
[16]رسالة إلى أهل الثغر، للإمام أبي الحسن الأشعري، تحقيق: عبدالله شاكر محمد الجنيدي، مكتبة العلوم والحكم  – دمشق، الطبعة الأولى، 1988م، (ص:291)
[17] قال التلمساني: واحتج قوم على صحة المعراج بجسده بقوله تعالى {ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى}[النجم:13-14] قيل رأى عليه السلام جبريل على صورته الحقيقية مرتين مرة في الأرض، ومرة في السماء آخذا ما بين الأفقين، وأما ما احتج به ( الفخر) على ذلك من قوله تعالى: {لتركبن طبقا عن طبق}[الإنشقاق:19] على قراءة الفتح فغير مسلم له وقد قيل الخطاب للإنسان وقيل في قراءة الضم: الخطاب للجنس والطبق ما طابقه غيره.قال المفسرون لتركبن حالا بعد حال في الشدة، والخطاب على هذا للكفار.» انظر: شرح معالم أصول الدين لابن التلمساني تحقيق عواد محمود عواد سالم ط1 المكتبة الأزهرية، 2011م،)ص: 617-618).
[18] شرح معالم أصول الدين لابن التلمساني تحقيق عواد محمود عواد سالم ط1 المكتبة الأزهرية، 2011م،)ص: 614-615).
[19] المواهب اللدنية بالمنح المحمدية،: المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، أبو العباسشهاب الدين القسطلاني القتيبي المصري، المكتبة التوفيقية، القاهرة- مصر، (2/ 426).
[20] المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 429).
[21]  مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري إمام أهل السنة، لمحمد بن الحسن بن فورك، تحقيق وضبط: أ/د: أحمد عبد الرحيم السايح/مكتبة الثقافة الدينية الطبعة الثانية،
 1427هـ/2006م.(ص: 82- 84).
[22] الإنصاف للباقلاني،المكتبة الأزهرية للتراث، ط2000م، (ص:68).
[23] الإنصاف، (ص:70)
[24] الإنصاف، (ص:73)
[25] شرح المقاصد في علم الكلام، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، الناشر دار المعارف النعمانية، باكستان 1401هـ – 1981م، (2/ 192- 193).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق