مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةشذور

العـقـيـدة الفـهـريـة لأبي جعفر أحمد بن يوسف بن علي الفهري اللبلي: ت.691هـ

 

من أهم الفهارس-أو برامج المرويات والسماعات- المتداولة اليوم بين أيدي الباحثين المهتمين بهذا الفن – الذي يعتبر المغاربة أول من أدخلوه في مسمى التأليف-، فهرسة الإمام المقرئ اللغوي النحوي المحدث الراوية “أبي جعفر أحمد بن يوسف بن علي الفهري اللبلي” (ت691هـ) نسبة إلى لبلة بالأندلس – الملقب بـ”أفضل الدين” و”شهاب الدين” و”صدر الدين”-. ويعد هذا البرنامج من أهم برامج المرويات والسماعات خلال القرن السابع الهجري، وقد ذكر ابن رشيد السبتي أنه ضم أسانيد مشرقية لا يوجد أكثرها بالبلاد المغربية، ومن ثم عدّ من أهم هذه البرامج وأعلاها رواية، لأن صاحبه استقى علومه من معينها، وتتبع عوالي أسانيدها، ونوَّع أسمعته في مختلف العلوم الشرعية واللغوية بفضل رحلاته العلمية المشرقية والمغربية.
 وقد قام بتحقيقه ودراسته “نور الدين شوبد” وصدر عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث التابع للرابطة المحمدية للعلماء، مذيل بنص “العقيدة الفهرية” عقيدة أبي جعفر اللبلي، بعد تخريج أصلها من كتاب “ابن رشيد الفهري السبتي” الموسوم بـ “ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة”، والتي قال عنها الغبريني: (وله عقيدة في علم الكلام)، وسمعها عليه تلميذه “ابن جابر الوادي آشي” حيث قال فيها: (ومن تواليفه: عقيدة صغيرة في أصول الدين).
يقول “ابن رشيد”: (وممن تجدَّد لنا لقاؤه بحضرة تونس، الفقيه الأستاذ النحوي المتفنن أبو العباس أحمد بن أبي الحجاج يوسف الفهري اللبلي. كان يتردد كثيرا إلى شيخنا القاضي أبي العباس ابن الغماز فأجالسه عنده، وألقاه أيضا في أيام الجمع بالجامع الجامع المعروف بجا       مع الزيتونة.. فلقيته يوما بالجامع الأعظم، وذلك في أوائل شهر ربيع الآخر من عام ستة وثمانين وستمائة، فأسمعني من لفظه وحفظه العقيدة التي سماها:”العقيدة الفهرية في الاعتقادات السنية”، وهي- ونقلتها من خطه-: 
(بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما، يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن يوسف الفهري اللبلي لطف الله به: 
اعلموا – وفقنا الله وإياكم لتوحيده، وأعاننا على لزوم تمجيده، – أنه يجب على كل عاقل بالغ أن يعلم أن لا إله إلا الله سبحانه وتعالى، وأنه واحد لا شريك له، قديم لا أول له، دائم لا آخر له، ليس له ضد ولا نظير، ولا معين ولا وزير، لا تماثله الموجودات ولا يماثلها، ولا تحويه الأزمان والجهات ولا يحل فيها، فلا يحتاج إلى مكان، ولا يفتقر إلى زمان، هو الله سبحانه الآن من التنزيه والتمجيد والتقديس والتعظيم ما كان.
موصوف بصفاته الأزلية ونعوته الجليلة الأبدية، فهو سبحانه حي، عالم بجميع المعلومات، قادر على جميع الممكنات، مريد لجميع الكائنات، سميع لجميع المسموعات، مبصر لجميع المرئيات، مدرك لجميع المدركات، متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحروف ولا أصوات، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا يتكون موجود إلا بمشيئته وقدرته، فلا يقع في ملكه إلا ما أراد، ولا يجري في خلقه إلا ما قدر، لا يشذ عن قدرته مقدور، ولا يعزب عن علمه خفيات الأمور، لا تحصى مقدوراته، ولا تتناهى مراداته ولا معلوماته، أنشأ الموجودات كلها، وخلق أفعالهم بأسرها، وقدَّر أقواتهم وآجالهم بجملتها، فلا يزيد ولا ينقص، ولا يتقدم ولا يتأخر شيء على شيء منها، فهي جارية على ما رتبها وقدرها في سابق علمه ووفق إرادته.
منزه عن صفات الخلق، مبرأ من سمات الحدوث والنقص، فلا تشبه صفاته العلية صفاتهم، كما لا تشبه ذاته المقدسة ذواتهم، فلا يتجدد عليه علم بمعلوم، ولا تحدث له إرادة لم تمن، ولا يعتريه عجز ولا قصور، ولا يأخذه سهو ولا فتور، ولا يغفل سبحانه لحظة عن أمر من الأمور، ولا يفعل بآلة، ولا يستعين بجارحة؛ فلا يسمع بأذن، ولا يبصر بحدقة وجفن، ولا يبطش بيد، ولا يوصف بكون، ولا يعلم بقلب، ولا يدبر بفكر، ولا يتكلم بلسان، ولا هو عرض ولا جوهر ولا جثمان، هو الله سبحانه العظيم الشان.
فله الصفات العلى والأسماء الحسنى، أرسل الرسل بالبينات وأيدهم وقواهم بالمعجزات، وجعل آخرهم وخاتمهم خير أهل الأرض والسماوات، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الأمي، العربي القرشي، المكي المدني صلى الله عليه وسلّم وشرّف وكرّم، أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا إلى جميع الخلق كافة، أسودهم وأحمرهم، عربهم وعجمهم، إنسهم وجنهم، فبلّغ الرسالة، وأدّى – صلى الله عليه وسلم- الأمانة، ونصب الأدلة على صدقه، والبراهين الساطعة على صحة قوله، فكل ما أخبر به عن الله سبحانه فهو حق، وجميع ما قاله فهو لا محالة صدق.
فمما أخبر به – صلى الله عليه وسلم- أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، وأنه يبعثهم وجميع الخلق بعد الموت ويحشرهم للحساب والثواب والعقاب.
وأن الجنة والنار، والحوض والميزان، والصراط والشفاعة، وسؤال الملكين الملقبين بمنكر ونكير الميتَ في قبره عن معبوده ونبيّه ودينه، كل هذا حق صحيح ثابت جاءت به الآثار، وورد به الصحيح من الأخبار.
هذا اعتقاد أهل السنة وعلماء الأمة، والحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وآله وعلى جميع النبيين والمرسلين، والملائكة المقربين، عدد معلوماتك يا رب العالمين. وغفر الله لمؤلفها ومعلمها ومتعلمها وقارئها وكاتبها وكاسبها والمستمع لها، ولوالديهم وإخوانهم وأهليهم، ولجميع المؤمنين، إنه جواد كريم غفور رحيم..
تمت العقيدة بحمد الله وحسن عونه).
[فهرسة أبي جعفر أحمد بن يوسف الفهري اللبلي (ت.691هـ)- دراسة وتحقيق: نور الدين شوبد- سلسلة كتب التراجم والفهارس والبرامج والرحلات/مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث-الرابطة المحمدية للعلماء- الطبعة الأولى:1434/2013- ص: 129-131].
إعداد: منتصر الخطيب

من أهم الفهارس-أو برامج المرويات والسماعات- المتداولة اليوم بين أيدي الباحثين المهتمين بهذا الفن – الذي يعتبر المغاربة أول من أدخلوه في مسمى التأليف-، فهرسة الإمام المقرئ اللغوي النحوي المحدث الراوية “أبي جعفر أحمد بن يوسف بن علي الفهري اللبلي” (ت691هـ) نسبة إلى لبلة بالأندلس – الملقب بـ”أفضل الدين” و”شهاب الدين” و”صدر الدين”-. ويعد هذا البرنامج من أهم برامج المرويات والسماعات خلال القرن السابع الهجري، وقد ذكر ابن رشيد السبتي أنه ضم أسانيد مشرقية لا يوجد أكثرها بالبلاد المغربية، ومن ثم عدّ من أهم هذه البرامج وأعلاها رواية، لأن صاحبه استقى علومه من معينها، وتتبع عوالي أسانيدها، ونوَّع أسمعته في مختلف العلوم الشرعية واللغوية بفضل رحلاته العلمية المشرقية والمغربية.

 وقد قام بتحقيقه ودراسته “نور الدين شوبد” وصدر عن مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث التابع للرابطة المحمدية للعلماء، مذيل بنص “العقيدة الفهرية” عقيدة أبي جعفر اللبلي، بعد تخريج أصلها من كتاب “ابن رشيد الفهري السبتي” الموسوم بـ “ملء العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة”، والتي قال عنها الغبريني: (وله عقيدة في علم الكلام)، وسمعها عليه تلميذه “ابن جابر الوادي آشي” حيث قال فيها: (ومن تواليفه: عقيدة صغيرة في أصول الدين).

يقول “ابن رشيد”: (وممن تجدَّد لنا لقاؤه بحضرة تونس، الفقيه الأستاذ النحوي المتفنن أبو العباس أحمد بن أبي الحجاج يوسف الفهري اللبلي. كان يتردد كثيرا إلى شيخنا القاضي أبي العباس ابن الغماز فأجالسه عنده، وألقاه أيضا في أيام الجمع بالجامع الجامع المعروف بجا       مع الزيتونة.. فلقيته يوما بالجامع الأعظم، وذلك في أوائل شهر ربيع الآخر من عام ستة وثمانين وستمائة، فأسمعني من لفظه وحفظه العقيدة التي سماها:”العقيدة الفهرية في الاعتقادات السنية”، وهي- ونقلتها من خطه-: 

(بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما، يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن يوسف الفهري اللبلي لطف الله به: 

اعلموا – وفقنا الله وإياكم لتوحيده، وأعاننا على لزوم تمجيده، – أنه يجب على كل عاقل بالغ أن يعلم أن لا إله إلا الله سبحانه وتعالى، وأنه واحد لا شريك له، قديم لا أول له، دائم لا آخر له، ليس له ضد ولا نظير، ولا معين ولا وزير، لا تماثله الموجودات ولا يماثلها، ولا تحويه الأزمان والجهات ولا يحل فيها، فلا يحتاج إلى مكان، ولا يفتقر إلى زمان، هو الله سبحانه الآن من التنزيه والتمجيد والتقديس والتعظيم ما كان.

موصوف بصفاته الأزلية ونعوته الجليلة الأبدية، فهو سبحانه حي، عالم بجميع المعلومات، قادر على جميع الممكنات، مريد لجميع الكائنات، سميع لجميع المسموعات، مبصر لجميع المرئيات، مدرك لجميع المدركات، متكلم بكلام قديم أزلي ليس بحروف ولا أصوات، لا تتحرك ذرة إلا بإذنه، ولا يتكون موجود إلا بمشيئته وقدرته، فلا يقع في ملكه إلا ما أراد، ولا يجري في خلقه إلا ما قدر، لا يشذ عن قدرته مقدور، ولا يعزب عن علمه خفيات الأمور، لا تحصى مقدوراته، ولا تتناهى مراداته ولا معلوماته، أنشأ الموجودات كلها، وخلق أفعالهم بأسرها، وقدَّر أقواتهم وآجالهم بجملتها، فلا يزيد ولا ينقص، ولا يتقدم ولا يتأخر شيء على شيء منها، فهي جارية على ما رتبها وقدرها في سابق علمه ووفق إرادته.

منزه عن صفات الخلق، مبرأ من سمات الحدوث والنقص، فلا تشبه صفاته العلية صفاتهم، كما لا تشبه ذاته المقدسة ذواتهم، فلا يتجدد عليه علم بمعلوم، ولا تحدث له إرادة لم تمن، ولا يعتريه عجز ولا قصور، ولا يأخذه سهو ولا فتور، ولا يغفل سبحانه لحظة عن أمر من الأمور، ولا يفعل بآلة، ولا يستعين بجارحة؛ فلا يسمع بأذن، ولا يبصر بحدقة وجفن، ولا يبطش بيد، ولا يوصف بكون، ولا يعلم بقلب، ولا يدبر بفكر، ولا يتكلم بلسان، ولا هو عرض ولا جوهر ولا جثمان، هو الله سبحانه العظيم الشان.

فله الصفات العلى والأسماء الحسنى، أرسل الرسل بالبينات وأيدهم وقواهم بالمعجزات، وجعل آخرهم وخاتمهم خير أهل الأرض والسماوات، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الأمي، العربي القرشي، المكي المدني صلى الله عليه وسلّم وشرّف وكرّم، أرسله بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا إلى جميع الخلق كافة، أسودهم وأحمرهم، عربهم وعجمهم، إنسهم وجنهم، فبلّغ الرسالة، وأدّى – صلى الله عليه وسلم- الأمانة، ونصب الأدلة على صدقه، والبراهين الساطعة على صحة قوله، فكل ما أخبر به عن الله سبحانه فهو حق، وجميع ما قاله فهو لا محالة صدق.

فمما أخبر به – صلى الله عليه وسلم- أن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم، وأنه يبعثهم وجميع الخلق بعد الموت ويحشرهم للحساب والثواب والعقاب.

وأن الجنة والنار، والحوض والميزان، والصراط والشفاعة، وسؤال الملكين الملقبين بمنكر ونكير الميتَ في قبره عن معبوده ونبيّه ودينه، كل هذا حق صحيح ثابت جاءت به الآثار، وورد به الصحيح من الأخبار.

هذا اعتقاد أهل السنة وعلماء الأمة، والحمد لله رب العالمين، وصلواته وسلامه على سيدنا محمد وآله وعلى جميع النبيين والمرسلين، والملائكة المقربين، عدد معلوماتك يا رب العالمين. وغفر الله لمؤلفها ومعلمها ومتعلمها وقارئها وكاتبها وكاسبها والمستمع لها، ولوالديهم وإخوانهم وأهليهم، ولجميع المؤمنين، إنه جواد كريم غفور رحيم..

تمت العقيدة بحمد الله وحسن عونه).

[فهرسة أبي جعفر أحمد بن يوسف الفهري اللبلي (ت.691هـ)- دراسة وتحقيق: نور الدين شوبد- سلسلة كتب التراجم والفهارس والبرامج والرحلات/مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث-الرابطة المحمدية للعلماء- الطبعة الأولى:1434/2013- ص: 129-131].

 

                                                            إعداد الباحث: منتصر الخطيب

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق