وهي طبقة عبد الرحمن بن دينار القرطبي (ت201ﻫ)، وعيسى بن دينار القرطبي (ت212ﻫ)، ويحيى بن يحيى الليثي (ت334ﻫ)، وسعيد بن حسان الصائغ (ت236ﻫ)، وعبد الملك بن حبيب الأندلسي (ت238ﻫ).
1-عبد الرحمن بن دينار القرطبي (ت201ﻫ)
اسمه ونسبه:
هو عبد الرحمن بن دينار بن واقد أبو زيد الغافقي القرطبي الأندلسي
شيوخه:
أخذ عن جملة من العلماء منهم: محمد بن يحيى السماني، وابن الصغير، ومحمد بن إبراهيم بن دينار المدني، وغيرهم.
تلاميذه:
أخذ عنه أخوه عيسى الذي سمع منه المدنية.
مكانته في الوثائق والأحكام:
كان عبد الرحمن بن دينار هو المبتدئ بتأليف المدنية التي هي من مصادر المذهب المعتمدة في الفتوى والأحكام [التي أكمها أخوه عيسى]، ورغم أن المنية اخترمته، فإنه تولى الشورى بقرطبة. قال في المدارك: «كان فقيها عالما حافظا... شوور بقرطبة، وهو الذي أدخل الكتب المعروفة بالمدنية... وبنو دينار معروفون بالعلم».
وفاته:
توفي يوم الجمعة لسبع خلون من المحرم سنة (ت201ﻫ).
مصادر الترجمة:
تاريخ ابن الفرضي (1/299)، المدارك (4/104-105)، جذوة المقتبس (ص: 272) (596)، الديباج (1/473).
2-عيسى بن دينار القرطبي (ت212ﻫ)
اسمه ونسبه:
هو عيسى بن دينار بن واقد الغافقي أبو محمد القرطبي، أخو عبد الرحمن بن دينار.
شيوخه:
أخذ عيسى بن دينار عن ابن القاسم، وعن أخيه عبد الرحمن بن دينار [أخذ عنه المدنية].
تلاميذه في الوثائق والأحكام:
من تلاميذ ابن دينار الذين تبرزوا في الوثائق والأحكام: أحمد بن الوليد بن عبد الخالق الباهلي [من قضاة طليطلة]، وحزم بن غالب الرعيني [ولي الصلاة، وأحكام القضاء]، وهارون بن سالم [كان يحفظ المسائل حفظا حسنا]، ويحيى بن إبراهيم بن مزين [كان مشاورا مع العتبي]، ومحمد بن سعيد السبائي [كان ابن بشير القاضي يشاوره في قضائه].
مكانته في الوثائق والأحكام:
رحل عيسى بن دينار إلى ابن القاسم، فلازمه مدة، كان خلال هذه المدة «ابن القاسم يعظمه ويجله، ويصفه بالفقه والورع»، ولما رجع إلى الأندلس، كانت «الفتيا تدور عليه لا يتقدمه في وقته أحد، وكانت له بها رئاسة»، «وولي قضاء طليطلة للحكم والشورى بقرطبة».
وعند ابن الفرضي: قال محمد بن عبد الملك بن أيمن: «كان عيسى بن دينار علما متفننا مفتقا، وهو الذي علم المسائل أهل مصرنا وفتقها، وكان أفقه من يحيى بن يحيى على جلالة قدر يحيى بن يحيى وعظمه»، لذلك صار عمدة من جاء بعده، فقد نقل عنه: ابن أبي زمنين في المقرب ورمز له بـ(ر)، وفي منتخب الأحكام، وابن فرحون في التبصرة، وميارة في شرحه على التحفة المسمى بالإتقان والإحكام في شرح تحفة الحكام، والتسولي في البهجة في شرح التحفة، وغيرهم من المؤلفين في الوثائق والأحكام، أما كتب الفقه فلا يكاد يخلو كتاب رواياته وآراءه، سواء منها الفقهية، أو ما كان له صلة بالوثائق والأحكام.
بعض النقول عنه في الوثائق والأحكام:
-«قال عيسى بن دينار: لو أن لرجل على رجل وثيقة بذكر حق فضاعت وأنكره المطلوب، فصالحه ببعض حقه ثم وجد الوثيقة، حلف ويرجع بما بقي عليه من حقه». تبصرة الحكام (2/56).
-قال عيسى بن دينار في من له: «حق على رجل فمات الذي هو عليه، فاقتسم ورثته ماله وهو حاضر ينظر، ثم قام بعد ذلك يذكر الحق فقال: لا شيء له، إلا أن يكون له عذر في ترك القيام أو يكون لهم سلطان يتقوم به، ونحو ذلك مما يعذر به فيكون على حقه، وإن طال زمانه». تبصرة الحكام (2/92).
وفاته:
توفي عيسى بن دينار بطليطلة سنة (212ﻫ)، ودفن بها.
مصادر الترجمة:
-تاريخ ابن الفرضي (1/373)، ترتيب المدارك (4/105)، جذوة المقتبس (ص: 298) (678)، الديباج المذهب (2/64)، الفكر السامي (2/112)، شجرة النور (ص: 64) (47).
******************
3-يحيى بن يحيى الليثي (ت334ﻫ)
اسمه ونسبه:
هو يحيى بن يحيى بن كثير الليثي، أبو محمد الأندلسي القرطبي الفقيه.
شيوخه:
أخذ يحيى بن يحيى العلم عن مالك فسمع منه [الموطأ، غير أبواب في كتاب الاعتكاف]، وابن القاسم وبه تفقه، وسمع منه مسائل، وحمل عنه عشرة كتب، وأخذ أيضا عن ابن وهب [موطأة وجامعه]، والليث بن سعد، وزياد بن عبد الرحمن، وعبد الله بن نافع.
تلاميذه:
من تلاميذ يحيى بن يحيى ابناه: إسحاق، وعبيد الله الذي روى عنه الموطأ، وإسحاق بن جابر [كان فقيها في أيام الأمير عبد الرحمن بن الحكم، وبقى إلى أيام الأمير محمد]، وإسحاق بن عبد ربه [كان مشهورا بالعلم والفضل، وقد ولى الصلاة في موضعه] وغيرهم.
مكانته في الوثائق والأحكام:
ظهرت نجابة يحيى في بداية طلبه للعلم على يد زياد بن عبد الرحمن، فلما رأى زياد منه ذلك، وأن أكابر العلماء في تناقص، خشي على يحيى عدم سماعه منهم أشار عليه بالرحلة، فرحل إلى المدينة أولا، فسمع من مالك الموطأ غير أبواب من الاعتكاف [شك فيها يحيى، فكان يرويها عن زياد]، ثم رحل ثانيا فسمع من تلاميذ مالك، ثم قدم «الأندلس بعلم كثير فعادت فتيا الأندلس بعد عيسى بن دينار إلى رأيه... وإليه انتهت الرياسة في العلم بالأندلس»، و«كان يفتي برأي مالك، لا يدع ذلك إلا في مسائل».
أما عنايته بالوثائق والأحكام، فله آراء كثيرة نقلت عنه في الباب، وقد لزم الشورى زمن بني أمية، فكان «مستشارهم في تعيين القضاة»، «ولا يولى قاض هناك إلا بإشارة يحيى بن يحيى الليثي الذي كان رأس علماء الأندلس»، وفي المدارك للقاضي عياض «كان الأمير عبد الرحمان بن الحكم يبجله، بتبجيله الأدب، ولا يرجع عن قوله، ويستشيره في جميع أمره، وفيمن يوليه ويعزله، فلذلك كثر القضاة في مدته، وكان يفضل بالعقل على علمه، وألح عليه الأمير عبد الرحمان في ولايته القضاء، فأبى عليه، فوكل عليه من يقعده في الجامع، وقال للناس: هذا قاضيكم، فأبى على الحكم، فقال له يحيى: إن المكان الذي أنا فيه أنفع وخير لكم مما تريدون». وله أيضا كتاب في الوثائق.
مؤلفاته في الوثائق والأحكام:
ألف يحيى ابن يحيى الليثي كتابا في الوثائق، نقل عنه وتداوله العلماء بعده، فهذا ابن مغيث (ت459ﻫ)، قد اطلع عليه، فقال في مقدمة كتابه «المقنع في علم الشروط»: «أما بعد: فإني تصفحت كتب وثائق المتقدمين، ليحيى بن يحيى، وابن حبيب، وسحنون، وابن مزين... وغيرهم ممن يطول الكتاب بذكرهم، الذين طما علمهم ولا ينكر فضلهم...». (المقنع في علم الشروط ص: 7)،
بعض آراءه في الوثائق والأحكام:
-من آراء يحيى أنه لم ير القضاء باليمين مع الشاهد، وخالف في ذلك مالكا، وأخذ بقول الليث. قال ابن فرحون: «أن جماعة من المالكية كيحيى بن يحيى الليثي وابنه ومن تبعهما من شيوخ الأندلسيين، لا يجيزون الحكم بالشاهد واليمين مع اتصاف الشاهد بالعدالة، فالمنع مع الاتصاف بالفسق أحرى». تبصرة الحكام (2/11).
وفاته:
توفي يحيى بن يحيى الليثي سنة (334ﻫ).
مصادر الترجمة:
-ترتيب المدارك (3/379-394)، الديباج المذهب (2/352-354)، الفكر السامي (2/115-116).
****************
4-سعيد بن حسان الصائغ (ت236ﻫ)
اسمه ونسبه:
هو سعيد بن حسان الصائغ مولى الأمير الحكم بن هشام أبو عثمان القرطبي.
شيوخه:
أخذ سعيد بن حسان عن جملة من الشيوخ منهم: عبد الله بن نافع، وعبد الله بن عبد الحكم، وأشهب بن عبد العزيز.
تلاميذه:
أخذ عن ابن حسان هذا جماعة منهم: إبراهيم بن محمد بن باز القزاز [كان مقدما في الفتيا] [حافظا للمذهب متقنا له]، ومحمد بن أحمد العتبي [كان حافظا للمسائل جامعا لها، عالما بالنوازل]، وأحمد بن مروان الرصافي [كثير الجمع للحديث والرأي؛ حافظا لما روى من ذلك، وقيل إنه هو الذي ألف المستخرجة للعتبي]، وإبراهيم بن خالد الإلبيري، وإبراهيم بن إسحاق بن جابر، وإبراهيم بن لبيب المعروف بابن الحائك، وغيرهم.
مكانته في الوثائق والأحكام:
سعيد بن حسان أحد العلماء القرطبيين المبرزين، وقد عرف بالحفظ حتى صار «الأغلب عليه حفظ رأي أشهب عن مالك، وفقه أشهب كان قد انفرد بروايته»، ولم يقتصر على هذا فقط بل اعتنى أيضا بعلم الوثائق، حتى وصفه ابن الفرضي وعياض، بأنه «كان... فقيها في المسائل، حافظا»، ولزم الشورى أيضا مع يحيى بن يحيى، وقاسم بن هلال، وعبد الملك بن حبيب.
وفاته:
توفي سعيد بن حسان سنة (236ﻫ)، بعد يحيى بن يحيى بعامين.
مصادر الترجمة:
تاريخ ابن الفرضي (1/161)، ترتيب المدارك (4/112)، جذوة المقتبس (ص: 229) (468).
*****************
5-عبد الملك بن حبيب الأندلسي (ت238ﻫ)
اسمه ونسبه:
هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون بن جاهمة بن عباس بن مرداس أبو مروان السلمي القرطبي.
شيوخه:
لابن حبيب شيوخ كثر منهم: عبد الملك بن الماجشون، ومطرف بن عبد الله، وعبد الله بن نافع الأصغر، وإبراهيم بن المنذر الجذامي، وأصبغ بن الفرج، وأسد بن موسى، والغازي بن قيس.
تلاميذه في الوثائق والأحكام:
أخذ عن ابن حبيب خلق كبير منهم: خالد بن المثنى بن خالد بن المثنى المري [ولي قضاء بلده] و[قضاء تدمير]، وإبراهيم بن يزيد بن قلزم [كان علمه المسائل والشروط، وكان مشاورا]، وعبد الله بن الفرج النمري [كان حافظا للمسائل، وكان الأمير محمد رحمه الله قد ولاه الصلاة بقرطبة]، وفضل بن الفضل بن عميرة العتقي [ولى القضاء ببلده]، وقرعوس بن العباس الثقفي [كان علمه المسائل على مذهب مالك وأصحابه]، ومحمد بن الحارث بن أبي سعيد [ولاه الإمام عبد الرحمن بن الحكم أحكام الشرطة الصغرى التي كانت بيد أبيه، ثم مات عبد الرحمن بن الحكم، وولي الأمير محمد فأقره على الشرطة وولاه السوق، فلم يزل عليها إلى أن مات]، ويحيى بن راشد [كان معتنيا بالعلم، جامعا له، حافظا للمسائل، عاقدا للوثائق].
مكانته في الوثائق والأحكام:
أجمعت كتب التراجم على جلالة وقدر هذا الإمام، ووصفته بأوصاف جليلة، تدل على مكانته العلمية، فقد كان «حافظا للفقه على مذهب مالك، نبيها فيه»، «جمع علما عظيما»، حتى أصبح «فقيه الأندلس»، ولما «نزل بلدة إلبيرة، وقد انتشر علمه وروايته، فنقله الأمير عبد الرحمن بن الحكم إلى قرطبة ورتبه في طبقة المفتيين بها»، «فانفرد عبد الملك وحده بالرئاسة مديدة»، وله تآليف عديدة من أشهرها كتاب الواضحة، وكلها تدل على سعة علمه، قال العتبي لما ذكر الواضحة: «رحم الله عبد الملك، ما أعلم أحدا ألف على مذهب أهل المدينة تأليفه، ولا لطالب أنفع من كتبه ولا أحسن من اختياره». أما صلته بالوثائق والأحكام فقد «كان مشاورا مع يحيى بن يحيى، وسعيد بن حسان»، إضافة إلى تأليف كتابا في الوثائق، وله آراء عديدة في الباب، وعنه نقول كثيرة مبثوثة في كتب الوثائق والأحكام، منها جملة وافرة في كتاب تبصرة الحكام لابن فرحون.
مؤلفاته في الوثائق والأحكام:
ألف ابن حبيب كتابا في الوثائق، وإن كانت كتب التراجم قد أغفلت ذكره، إلا أنه تداولته أيدي العلماء، فهذا ابن مغيث (ت459ﻫ)، قد اطلع عليه، وذكر ذلك في مقدمة كتاب المقنع، فقال: «أما بعد: فإني تصفحت كتب وثائق المتقدمين، ليحيى بن يحيى، وابن حبيب، وسحنون، وابن مزين... وغيرهم ممن يطول الكتاب بذكرهم، الذين طما علمهم ولا ينكر فضلهم...». (المقنع في علم الشروط ص: 7)، وله أيضا كتاب في السياسة الشرعية، «كتاب السلطان، وسيرة الإمام في الملحدين ثمانية كتب».
بعض النقول عنه في الوثائق والأحكام:
نقلت عن ابن حبيب آراء كثيرة في الوثائق والأحكام منها:
-ما ذكره ابن الطلاء عند ذكر شروط القاضي، فقال:«...كان مالك رحمه الله يقول في الخصال التي لا يصلح القضاء إلا بها: لا أراها تجتمع اليوم في أحد، فإذا اجتمع منها في الرجل خصلتان رأيت أن يولّى: العلم والورع. قال عبد الملك بن حبيب ـ رحمه الله تعالى ـ: فإن لم يكن فعقل وورع، فبالعقل يسأل وبه تصلح خصال الخير كلها، وبالورع يعف. وإن طلب العلم وجده، وإن طلب العقل إذا لم يكن فيه لم يجده». أقضية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (ص: 7).
-ومن آراءه أنه كان لا يثبت قضاء القاضي بشاهد ويمين، قال ابن فرحون في التبصرة «ومنع ابن القاسم وعبد الملك بن الماجشون وابن حبيب ثبوت الحكم بشاهد ويمين». (1/449).
ومنها أيضا ما نقله ابن فرحون في فصل فيما وقع في باب النكاح وتوابعه من التبصرة، فقال: «مسألة: إذا دخل الرجل بزوجته قبل الإشهاد على النكاح فسخ النكاح بطلقة بائنة. وقال ابن حبيب: يحد إن ثبت الوطء عالمين كانا أو جاهلين، ما لم يكن أمرهما فاشيا، قال ابن حبيب: ولم أجد من يقول ذلك». (2/195).
-ومما نقل عنه أيضا في مسألة التعامل مع الحربيين أنه قال: «لا يباع منهم السلاح في هدنة ولا في غير هدنة، وأما الطعام ففي الهدنة يجوز قاله عبد الملك بن الماجشون، وأما على قول ابن القاسم فإن بيع منهم الطعام فإنه يباع عليهم من مسلم، وقيل: يفسخ». تبصرة الحكام لابن فرحون (2/202).
-وفي إقامة الحدود قال ابن فرحون في التبصرة: «قال عبد الملك وابن حبيب: ينبغي أن يكون إقامة الحد علانية وغير سر؛ ليتناهى الناس عما حرم الله عليهم، والعمل في قول مالك وأهل المدينة أن يرفع يده بالسوط، وأن يضرب الضرب الوجيع ولا يضرب إلا الظهر فقط». (2/265)، وفيها أيضا قال: «ابن حبيب والضرب في الحدود كلها سواء في الإيجاع، إلا أن الضرب في الخمر أشد ذلك كله». (2/265).
وفاته:
توفي ابن حبيب سنة (238ﻫ)، وقد بلغ ستا وخمسين سنة، وصلى عليه ابنه يحيى، وقبره بقرطبة.
مصادر الترجمة:
-تاريخ ابن الفرضي (1/312) (816)، ترتيب المدارك (4/122)، الديباج (ص: 254) (327)، التعريف (ص: 236)، الفكر السامي (2/116).
بقلم: ذ عبد الرحيم اللاوي
.معلومات مركزة، نحن في انتظار المزيد