مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

الشيخ علي حرازم برادة الفاسي (ت1214ھ)

يعتبر الشيخ علي حرازم بن العربي برادة الفاسي من خاصة أصحاب الشيخ أحمد التجاني، كان من العلماء الأجلاء العارفين بالله تعالى، زاهدا في الدنيا، مقبلا على الله تعالى في كل وقت وحين.

علمه وتصوفه:

حفظ الشيخ علي حرازم برادة كتاب الله، ونال الحظ الأوفر من تحسين الخط الذي تغبطه فيه الكتاب، وأخذ نصيبا من علوم الدين، ثم انتقل بعد ذلك إلى تعاطي التجارة في عز شبابه، فعمّر الأسواق، وانتقل من فاس إلى غيرها من البلدان، اقتناءا للأرباح بالبيع والشراء، فأقبلت الدنيا عليه، وألقت بزمامها إليه، وكان مجبولا على حب الخير مع ما هو عليه من الفطرة والنية الصالحة، فطِنٌ في أمور دينه، متغافل عن شؤون دنياه في غالب أحواله…

  وخلال تعاطيه للتجارة، وتنقله بين مختلف البلدان، كان مولعا بمطالعة كتب الصوفية، ونفسه ترتاح لسماع مآثرهم السنية، ويتشوف كل يوم لملاقاة من يأخذ بيده من القوم…، ومازال على تلك الحال حتى اجتمع بالسيد أحمد التجاني- رضي الله عنه- في مدينة وجدة، حين كان الشيخ قافلا من حضرة تلمسان قاصدا الحضرة الفاسية لزيارة الضريح الإدريسي.[1]

        ولازمه منذ ذلك الحين، وتوجه معه لحضرة فاس، ونال في مرافقته من بعد الوحشة كمال إيناس، وبها لقّنه الطريقة الخلوتية، وألقى إليه من الأسرار ما فيه بلوغ الأمنية، وبعد أيام لقنه الطريقة المحمدية التجانية.

مكانته:

تَرْجَمَ له أحمد بن العياشي سكيرج، فقال: “لم أقف على ترجمته إلا بعد كشف الحجاب، وهو أكبر سنا من أخيه المقدم السيد بوعزة، وقد كان ملحوظا عند الشيخ أحمد التجاني بعين الرضى، وعند والده بمكانة رفيعة لما له من البر به وصدق خدمة الشيخ…، وقفت على رسالة بخط الخليفة سيدي الحاج علي رحمه الله يخاطب فيها صاحب الترجمة وأخاه المذكور ويخبرهما بوصوله في توجهه للحج لحاضرة تونس وما صادفه في طريقه إليها وما قاساه من المرض الذي ألم به حتى ضعفت قواه، ومع ما هو عليه من السقم فقد انكب الناس عليه لتلقي الطريقة عنه والتبرك به…، وأنه ينتظر المركب الذي يسافر فيه مع الحجاج، مستوصيا لهما بأهله وبقية أولاده، ودعا لهم بما لفظه بعد كلام: “فنسأل الله لكم خير الدارين الذي يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعيذكم مما استعاذ منه صلى الله عليه وسلم، ويفيض عليكم بحور رضاه وفضله في الدارين إنه ولي ذلك والقادر عليه…الخ.[2]

تأليفه لكتاب: “”جواهر المعاني وبلوغ الأماني”:

في عام 1213ھ، شرع علي حرازم برادة في تأليف كتابه: “جواهر المعاني وبلوغ الأماني”، وقد ظهرت آثار الفتح عليه، فخاض لُجج المعارف، وتبلورت بعض عناصرها الظاهرة في كتابه المذكور الذي أشار إليه شيخه بجمعه ونظم فرائد فوائده، وترتيب فصوله، وتهذيب مسائله، وتأسيس قواعده، ومعظم ما انطوى عليه الكتاب من إملاءات الشيخ أحمد التجاني حول المفاهيم الصحيحة لآيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وقضايا عمّ بلواها فانبرى لتحليلها في منهج فذ جدير بكبار الأئمة، وقد عرف علي حرازم كيف يرتب ذلك في قواعد رائعة.

وبلغ من ثقة الشيخ أحمد التجاني بتلميذه، وإخلاصه له أنه قال عنه: كل ما قاله عني فأنا قلته. وفي رواية أخرى: لا يصل إلى أحد مني شيء إلا على يد سيدي الحاج علي حرازم، وقد أذن له شيخه في السفر إلى المشرق قصد الحج ثانية والدعوة إلى الطريقة ونشر مبادئها، فاستغل مروره ببلاد تونس ومصر وتلمسان وغيرها للقيام بهذا العمل، ومن أبرز الشخصيات التي تتلمذت عليه في هذه الرحلة: الشيخ إبراهيم الرياحي التونسي…[3]

فنال بذلك صاحب الترجمة الخصوصية، وتقدم على غيره بما اختص به من عظيم المزية، فلازم خدمة الشيخ- رضي الله عنه-، وظفر بما لم يظفر به سواه حين فتح له من حضرات المعرفة سائر الأبواب.

وفاته

توفي صاحب الترجمة في حياة السيد أحمد التجاني، إثر توجهه للحرم الشريف لأمر خصوصي نيابة عن السيد أحمد التجاني وذلك صحبة بعض الخاصة من الأصحاب، وكان من جملتهم الحاج عبد الوهاب بن الأحمر، أحد الخاصة من مريدي السيد أحمد التجاني، وحين وصوله قرب الحرم ذكر بعض الأسماء الخاصة فحصلت له غيبة من شدة الأنوار التي تجلت له، والأسرار التي فاضت عليه، فتوهم بعض المرافقين له أنه توفي فدفنوه مع الشهداء ببدر…، وقد أُخبر السيد أحمد التجاني بذلك بطريق المكاشفة، فقال لأصحابه: “إن سيدي الحاج علي حرازم برادة وقعت له غيبة فتخيله أصحابه أنه توفي فدفنوه حيا، فبقي في قبره حيا سبعة أيام، ولو لم يدفنوه لسمعوا منه علوما ومعارفا وأسرارا مما لا يخطر ببال ولا يجدونه في ديوان”.[4]

 وهكذا توفي مترجمنا في هذه الظروف الغامضة بالمدينة المنورة حوالي عام 1214ھ، ويحتوي مؤلفه “جواهر المعاني” على جملة من المعلومات المرتبطة بظروف اتصاله بشيخه عام 1191ھ، وكذلك جوانب من حياة وأطوار الشيخ، بعدها تفرغ لإثبات ما سمعه وأخذه عن شيخه وما جمعه من أقواله ومواعظه وأجوبته وأوراده وأذكاره، وقد كانت مدة صحبته للشيخ أحمد التجاني 27 عاما، وبذلك شكّل كتاب “جواهر المعاني” أول مادة تاريخية ومذهبية حول الطريقة والطائفة التجانية.[5]

الهوامش:

[1]– تيجان الغواني في شرح جواهر المعاني، أحمد بن العياشي سكيرج، تحقيق : محمد الراضي كنون الإدريسي الحسني، د.ط، د.ت، ص: 38.

[2]– رفع النقاب بعد كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، أحمد بن العياشي سكيرج، مطبعة الأمنية، الرباط (المغرب الأقصى)، ط1، 1390ھ-1971م، 3/63.

[3]– الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب، أحمد بوكاري، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1،  1427ھ-2006م، 2/61.

[4]– تيجان الغواني في شرح جواهر المعاني، أحمد بن العياشي سكيرج، ص: 40.

[5]– الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب، أحمد بوكاري، 2/61.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق