مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

السيدة رقية بنت محمد بن العربي الأدوزي (ت1342ھ):

حورية بن قادة باحثة مساعدة بمركز الإمام الجُنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة.

        هي رقية بنت محمد بن العربي بن إبراهيم بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن يعقوب، يقول المختار السوسي في حقها: "هذه والدتي، أذكرها لوصف تعليم القرآن، فقد كانت أول معلمة من النساء في "إلغ"، ومهذِّبة البنات في دار والدي، فبها انتشر ما انتشر من ذلك فيهن، أفيجمل بنا أن نتخطاها لأنها امرأة، ومتى عُهد منا احتقار المرأة إلى هذا الحد؟! أم يجمل أن أتنكّب ذكرها لئلا أسمع ما كان سمعه بعض أجلاء المؤلفين المعاصرين؟ وقد ذكر والدته في أثناء مؤلف له، من أنه إنما يريد أن يكون نتيجة صادقة لمقدمات صادقة، وأن له نسبا، كما أن له حسبا، فترك ما يستحقه التاريخ خصوصا تاريخ الأسر لأمثال هذه الأوهام، مما لا ينبغي أن يلتفت إليه عاقل!... هذا وأول ما أعلنه عن والدتي هذه، أنها هي التي سمعت منها بادئ ذي بدء تمجيد العلم وأهله، وإكبار تلك الوجهة، فكان كل مناها أن تراني يوما ما ممن تطلّعوا من تلك الثنية، وممن يداعبون الأقلام، ويناغون الدفاتر، فبذلك كانت تناغيني، وذلك هو محور دعواتها حولي، أفأكفر لها هذه النعمة اليوم؟!

كانت دَرَجَتْ بين يدي والدها علامة جزولة في عصره، فكان يهم أن يدفع بها إلى الدراسة الواسعة في ميدان العلوم بعد أن أتقنت حفظ كتاب الله، ولكن جاءت خطبة الوالد مسرعة، فحالت دون أمنية والدها، بل وأمنيتها هي أيضا، التي عَرَفَت من أبيها وبعض أخوالها وأعمامها وأجدادها كيف الشرف بالعلوم، فكانت تمنياتها تدور على ذلك، ولكن ذلك لم يسبق به القضاء، وما كل ما يتمنى المرء يُدرِكه.

وقد جاءت بلوحتها بين يديها يوم زفّت من دارها إلى دار زوجها في سحر يوم عاشوراء، أيقظتني يوما فناولتني كأسا مملوءة ماء، فقالت: إن هذا الماء ماء زمزم الذي هو لما شُرِبَ له، وهذا سحر يوم عظيم، وهو مظنة الاستجابة، فاشرب منه وانوِ في قلبك أن يرزقك الله العلم الذي أتمناه لك دائما. فأفرغت الماء في حلقي بنيتها هي التي تدري ما تطلب وما تنوي إذ ذاك، ثم استلقيت ثانيا في مضجعي وأنا حينذاك، ولا أكذب القارئ لا نية لي، ولا أقصد بشربي لما قدّمته لي بسرعة، إلا أن أرجع إلى الاستمتاع بنومي لا غير.

أخبرني أستاذها سيدي أحمد بن عبد الله الإيجلالني المجاطي، قال: استدعاني الأستاذ سيدي محمد بن العربي سنة 1310ھ، من المدرسة الأدوزية، فأمرني أن ألازم داره، وأن أعتكف فيها على تعليم بناته وأولاده، فخرجت إليَّ والدتك في دراعة سوداء، وفي رأس لوحتها: ﴿يوم يفر المرء﴾ [سورة عبس/34] الآية، وقد كانت تتعلم قبل أن أتصل بها عند غيري، ثم دأبت عندي حتى ختمت سبع ختمات، وجوّدت غاية التجويد، فعوّل والدها أن يدخل بها إلى طور العلوم، فإذا بتزويجها جاء بغتة، وذلك عند مراهقتها.

قال: فحين أرادت أن تركب البغلة، جاءت حتى قبّلت رأسي، وركبت ولوحتها معها كرمز لكونها لا تزال تتعلّم، وقد كان والدها ذكر ذلك لزوجها، ولكن لا يمكن ذلك له مع ما طُوّق به من إرشاد العباد ليل نهار، وقد رُزقت بولدها محمد المختار سنة 1318ھ، وتوفي زوجها الشيخ علي الدرقاوي عام 1328ھ، واعتكفت على تربية أولادها حتى توفيت سنة 1342ھ، رحمة الله الواسعة عليها.

الهوامش

يُنظر: المعسول، لمحمد المختار السوسي، 3/39.

وكتاب: الصالحات المتبرك بهن في سوس، الحسن العبادي، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ط1، 1425ھ-2004م، ص: 11-13.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق