الرابطة المحمدية للعلماء

الرحلة العيَّاشية للبقاع الحجازية

عملت على نقل صورة ضافية عن الحياة الاجتماعية في البقاع الحجازية

عرف المغاربة عبر تاريخهم العريق بتعلقهم الشديد بقيمهم الدينية والحضارية، وبانفتاحهم على العالم من حولهم. إذ لييس غريبا أن ينجب هذا البلد الأمين عظام رحالة الدنيا وجغرافييهم ومؤرخيهم وفلاسفتهم، وفقهائهم؛ كابن بطوطة، والشريف الإدريسي، وابن خلدون، وابن رشد، والشاطبي، وابن حزم..

وقد استعاد المهتمون بأدب الرحلات في بلاد المشرق تجربة الرحالة المغربي الإمام أبو سالم العياشي التي دارت مجرياتها على امتداد القرن السابع عشر. ووصفوه بأنه “رحالة كبير جاب الأصقاع العربية والإسلامية، حباً في السفر.. والتأريخ لما يراه من معالم ومشاهد وآثار، وكان للحج النصيب الأوفى في كتاباته وتدوينه..”

ويروي الجبرتي أن الرحالة أبو سالم العياشي تلقى علوم الدين في الفقه والأصول والحديث عن شيوخ مغاربة في مقدمتهم أخوه الأكبر عبد الكريم بن محمد، والعلامة أبو بكر بن يوسف السكتاني، وإمام المغرب السيد عبد القادر الفاسي، والعلامة أحمد ابن موسى، ورحل إلى الشرق، فتلقى في مصر على النور الأجهوري والشهابي الخفاجي، وجاور في الحرمين سنين عدة، فأخذ عن زين العابدين الطبري، وعبد الله سعد بافشير، وأجازه، ورجع إلى بلاده وأقام بها.

كما قام بثلاث رحلات إلى المشرق بنية الحج، صور فيها انطباعاته وآراءه عن مجمل ما صادفه من وقائع ومواقف في رحلته الغنية، حيث يعد مخطوط “الرحلة العياشية” من أروع وأمتع المخطوطات عن مكة والمدينة وحواضرها وبواديها وبيئاتها، وما يحفها من تضاريس، كما يتميز بغنى مادته في وصف أقاليم الغرب الإسلامي.
وكانت رحلته المشرقية الحجازية الأولى عام (1059 هـ-1649م) والثانية في عام (1064 هـ-1653م) والثالثة في عام (1072 هـ-1661م).

وقد وسم رحلته الثانية بـ “ماء الوائد” لتجد طريقها، بعد ذلك، للنشر على يد خليل بن صالح الحسني عام 1898، ثم أعاد نشرها محمد حجي في عام 1977 بمصر، كما ورد في كتاب “إمارة الحج في مصر العثمانية” للباحثة سميرة فهمي.

وتعكس المخطوطة مدى نباهة العياشي وسعة اطلاعه، ووصفه الدقيق لبلاد سجلماسة في الجزائر، وتونس ومدنها، وطرابلس وبرقة في ليبيا، والقاهرة، وغزة والقدس، والديار الحجازية؛ حيث عاش بمكة المكرمة، والمدينة المنورة وعمل على نقل صورة ضافية عن الحياة الاجتماعية في كل من المدينتين بأسلوب مقارن أبرز عناصر التشابه والاختلاف على مستوى العادات والتقاليد والأعراف..

وكما عنيت رحلة العياشي بتسجيل أخبار قافلة الحج المغربي، وقافلة الحج المصري، كما نقلت صور معبرة عن التقاء المحمل المغربي مع غيره من محامل الحج الجزائرية والتونسية،والطرابلسية والمصرية.. ».

وجدير بالذكر أن مخطوط “الرحلة العياشية” يوجد بمكتبة البلدية في مدينة الإسكندرية بمصر تحت رقم (3437ج) في جزأين، بخط مغربي جميل، كما أن هناك نسخة منه في مكتبة استانبول برقم (2415 ).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق