مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

الخصال الصغير

تعدّ الثروة الفقهية التي أنتجها علماء المالكية مفخرة من المفاخر التي يحقّ لأمتنا الإسلامية التَّباهي بها بين باقي الأمم، ويعتبر الكتاب الذي بين أيدينا استمرارا لتاريخ متجدّر من التأليف على نفس النسق، فكتاب «الخصال الصّغير» ينسج فيه مؤلّفه أبو يعلى أحمد بن محمد العَبْدي المعروف بابن الصَّوَّاف المالكي (تـ489هـ)، على منوال كتاب الخصال الإمام أبي بكر محمد بن يبقى بن زَرْب القرطبي (تـ381هـ)، وهما شبيهان في اختصارهما ووضوح أسلوبهما برسالة ابن أبي زيد القيرواني، ومختصر علي بن عيسى الطّليطلي.

وابن الصَّوَّاف إمامٌ علاّمةٌ فقيه، شيخ المالكية في البصرة، ولد سنة (400هـ)، وتفقّه على أكبار أئمة بغداد والبصرة من أمثال  إبراهيم بن طلحة، وابن شاذان، والبرقاني، وغيرهم، وسمع منه القاضي أبو علي الصدفي، وأبو بكر بن عتيق، وغيرهما، وكان رحمه الله مشهورا بالتقدّم والإمامة والصلاح، وكان يملي كلّ جمعة في جامع البصرة وعلى رأسه مستمليان يُسمعان الناس بما يمليه، وبقي على حاله من الإقراء والتدريس إلى أن توفي ـ رحمه الله ـ سنة (489هـ).

وكتابه هذا  يُعدّ من أهم المصادر الفقهية المالكية على الطريقة العراقية التي لم تدم طويلا في الوجود، وهو بقيّة من البقايا التي قدم بها الإمام العلامة أبو بكر ابن العربي إلى الأندلس من المشرق بعد أن كادت تُدرس وتُنسى هناك، فعكف رحمه الله على تدريسها وتلقينها، والإسناد المثبت في النسخة الخطية الوحيدة يؤكّد لنا المسار التاريخي الذي مرّ به الكتاب؛ إذ تلقّاه الإمام ابن العربي المعافري عن شيخه أبي بكر الطرطوشي الذي أخذه هو الآخر عن المؤلّف. وقد جمع ابن الصّواف في كتابه هذا كلّ ما له صلة بالأحكام الفقهية من عبادات ومعاملات، مقتصراً على مشهور المذهب دون خوض في تفاصيل الخلاف وترجيحات الفقهاء، فقد استهل تصنيفه بالحمد والصلاة على النبي ﷺ دون ذكر منهجه أو سبب تأليفه ومصادره، وقسّم أغراضه إلى كتب، وجعل تحت كلّ كتاب أبواباً تفصيلية، وقد يفرّع عن بعض الأبواب فصولا إذا احتاجت المسألة إلى مزيد بيان أو تنبيه، ثم ختم كلّ ذلك بكتاب الجامع الذي ضمّنه متفرّقات تتعلّق ببعض الآداب الإسلامية، وهو في جميع ذلك يأتي إلى المسألة الفقهية فيعرّف اصطلاحاتها بشكل وجيز بيّن، ثمّ يمرّ على تقسيمات المسألة واحدة تلو الأخرى مُعَنْوِنا لها بعبارة «المسألة الأولى»، ثم التي تليها، إلى أن يُنهي القول فيها بأسلوب ظاهر خال من التكلّف والغموض.

وتضاعيف الكتاب لم تُظهر لنا نوعية المصادر التي اعتمدها المؤلّف في صياغة نصه، إلا أنها في الغالب لا تخرج عن أقوال أئمة المذهب من أمثال ابن القاسم، وأشهب، وعلي بن زياد، وابن عبد الحكم، وغيرهم. وقد يتساءل القارئ عن تسمية المؤلّف كتابَهُ ٍِ«الخصال الصّغير»، وهل يعني ذلك وجود تأليف كبير هو الأصل الذي اختُصر منه؟ والجواب واضح لمن سَبر أغوار الكتاب؛ إذ يشير أثناء كلامه عن مسألة «الوديعة» إلى طلب التوسّع في كتاب «الخصال الكبير».

ونظراً لما لقيه الكتاب من قبول لدى العلماء في المشرق والمغرب، فقد سالَت أقلام المصنّفين بالثناء على صاحبه، فقال عنه القاضي عياض  اليحصبي: «إمام المالكية بالبصرة، وصاحب تدريسهم، ومدار فتواهم، وذو التآليف في وقته مذهبا وخلافا»، وممن أثنى عليه من أهل المشرق الإمام السمعاني إذ قال: «كان مدرساً متزهّداً، خشن العيش، مُجدّاً في العبادة، ذا سَمْتٍ وَوَقَارٍ»، ومن كانت هذه أوصافه، فلا شكّ أنّ تصانيفه ستكون غاية في الإبداع والإمتاع كما هو شأن هذا الكتاب الذي اهتبل به العلماء واعتنوا به كما يظهر من خلال السماع المثبت في النسخة الخطيّة، وكذلك ما ذكره ابن الأبار من تتبع أبي الربيع سليمان بن حكم القرطبي(تـ618هـ) كتاب الخصال للعبدي وإنشائه لرجز على منواله، وفي هذه الإشارات وغيرها دلالات على العناية الكبيرة التي حظي بها الكتاب.

وقد اعتنى الأستاذ علي جلال الجهني بنشر نصّ الكتاب، ويكفيه ـ مشكورا ـ هذا السبق، وإن كان في حاجة لمزيد من الدراسة والتحقيق.

الكتابالخصال الصغير.
المؤلفأبو يعلى أحمد بن محمد العبدي المعروف بابن الصَّوَّاف المالكي (تـ489هـ).
مصادر ترجمتهترتيب المدارك: (8/99)، السير (19/156)، الديباج المذهب: (1/151).
دار النشردار البشائر الإسلامية ـ بيروت، الطبعة الأولى 1421هـ/2000م، بتحقيق جلال علي الجهاني.
الثناء على المؤلفقال القاضي عياض: «إمام المالكية بالبصرة، وصاحب تدريسهم، ومدار فتياهم، وذو التآليف في وقته مذهباً وخلافاً».

Science

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. هل بإستطاعتكم تزويدي بنسخ الكترونية من هذه الكتب القيمة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق