التكافل الاجتماعي في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية
د. هاشمي: مأسسة العمل التضامني تروم الجودة والشمول والاستمرارية
كان موضوع التكافل الاجتماعي في ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية، محور ركن حوار حي الذي يبثه موقع الرابطة المحمدية للعلماء، في حلقته الأخيرة، زوال أمس الأربعاء 7 شتنبر الجاري من خلال استضافة الدكتور مصطفى هاشمي، أحد المختصين بمؤسسة التعاون الوطني بالمملكة المغربية، ومؤلف "التأهيل التربوي للمربين بالمؤسسات الاجتماعية التابعة للتعاون الوطني"، "التربية على النجومية الحقيقية"، و"هدايات دعوية من سورة نوح".
وبداية، يُقسّم الضيف الكريم المرتكزات والدعائم التي يقوم عليها صرح التكافل بين أفراد المجتمع الإسلامي إلى محورين كبيرين: الأول يمكن تسميته بالمرتكزات الإيمانية والتربوية، ذلك أن الإسلام حث على كل الأخلاق والتصرفات التي تقوي لُحمة الأخوة الإيمانية، وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية وحفظ حقوق الناس وخصوصا الضعفاء منهم، ومحاربة الأثرة والأنانية، وتأكيد معاني الإيثار ومحبة الخير للغير كما يحبه المرء لنفسه، والحض على التعاون وعلى فعل الخير عموما، وقول الله تعالى في سورة الحجرات :"إنّما المؤمنون إخوة" يلخص هذه المعاني كلها؛
أما المرتكز الثاني، فهو المرتكز المادي، المتعلق بوضع الأسس والضوابط للمعاملات المادية والمالية حتى لا تهدر الحقوق ويعان كل ذي حاجة داخل المجتمع، وعلى سبيل الذكر لا الحصر فرضت الزكاة وحددت مصارفها المعروفة، وشرع الله تعالى الميراث، وللفقهاء كلام كثير مفيد في الوصايا والنفقات الواجبة والصدقات، مؤكدا على أهمية ودور الوقف والحبُس في تكافل المجتمع الإسلامي، حتى أن الفقهاء القدامى والباحثون المعاصرون أماطوا اللثام عن وجوه الإنفاق الواجب والتطوعي وألفت كتب عدة ورسائل علمية ومقالات حول إنفاق العفو والإحسان الإلزامي.
وعن سبل تنزيل وتطبيق قيم التكافل في واقعنا المعاصر بكل تعقيداته، يرى الدكتور مصطفى هاشمي أن النصوص الواردة في القرآن والسنة الدالة على التكافل والتراحم والتعاون على الخير والبر أكثر من أن تحصى، منها ما هو عام في الحث على التكافل ومنها ما ورد خاصا بفئة محددة من أفراد المجتمع، وقد ذكر منها مثلا، قوله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى"، وقوله: "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون" وقوله:"وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب" وقوله: " فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة".
كما توقف الضيف الكريم عند بعض الأحاديث النبوية، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: "من نَفَّسَ عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة (...) والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "، وقوله أيضا صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر "، وأنه عليه الصلاة والسلام جمع بين السبابة والوسطى فقال :"أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، وبين عظم أجر الساعي على الأرملة وأنه كالصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر، وحث في كثير من الأحاديث على جميع أبواب البر كإغاثة الملهوف وإعانة الضعيف وإكرام الجار المحتاج وغير ذلك من وجوه البر الكثيرة التي جمعها بعض العلماء وذكروا منها ما يناهز الأربعين بابا.
وفيما يتعلق بتنزيل هذه النصوص وتطبيقها في واقعنا المعاصر بكل تعقيداته، يؤكد الدكتور مصطفى هاشمي أن العمل التضامني والتكافل بين الناس ينبغي أن يتخذ طابع العمل المؤسسي، وذلك لضمان الجودة والشمول والاستمرارية، كما ينبغي ترسيخ قيم التكافل في المجتمع، عبر وسائل الإعلام ومن خلال دروس الوعظ والإرشاد والخطابة وسائر الوسائل التروية المعروفة.
وتوقف الضيف أيضا عند محورية فريضة الزكاة، باعتبارها أولا الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، مضيفا أنه لا يخفى دورها الهام في تحقيق التكافل الاجتماعي، حيث فرضها الله على سبيل الأمر الواجب: "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ"، وهي تحقق جانبًا إيمانيا تعبديًا إذ هي قربة إلى الله تعالى، وطهارة لنفس المزكي من الشح والبخل كما أنها تحقق أيضًا جانبًا اقتصاديًا إذ يستفيد منها ثمانية أصناف المذكورة في مصارف الزكاة، وهي أيضا، حق مقدر بتقدير الشارع الحكيم في المال بشروط معينة، وتدل على معنى أخص من الصدقة. ولا تبرأ ذمة من وجبت عليه حتى يدفعها لمستحقيها.
وخُصّص آخر سؤال للاستفسار عن الموقف من الذي يستغل القيم النبيلة لتحقيق مصالح شخصي، حيث اعتبر الدكتور مصطفى هاشمي أن الأمر يتعلق بسلوك مشين وتصرف ينبذه الشرع الحكيم، ولقد ورد الوعيد الشديد في حق من يسلك هذا الطريق، حيث قال الله تعالى على سبيل المثال لا الحصر في حق آكل مال اليتيم: "إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا"، فهذا جزاء كل من يستغل حال الضعفاء ويجمع التبرعات والأموال باسمهم ويستعملها في شؤونه الخاصة.