مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (17)

 

ذ. عبد الرحيم السوني.

باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.      

د ــ الأخبار الإسرائيلية:

ما يقال عن الحديث و القراءات يقال أيضا عن الأخبار الإسرائيلية، فالقشيري نادرا ما نجده يستشهد بها في تفسيره. ومن ذلك الخبر الذي أورده في معنى قوله تعالى : ﴿ولقد فتنا سليمان و ألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب﴾[1] «وقيل كان سبب بلائه أن امرأة كانت أحب نسائه إليه، و كان إذا أراد دخول الخلاء نزع خاتمه و دفعه إليها، وهي على باب الخلاء، فإذا خرج استرده. وجاء يوما شيطان يقال له “صخر” على صورة سليمان وقال لامرأته: ادفعي إلي الخاتم فدفعته، ولبسه، وقعد على كرسيه يمشي أمره ــ إلا التصرف في نسائه ــ فقد منعه الله عن ذلك. فلما خرج سليمان طالب المرأة بالخاتم، فقالت: الساعة دفعته إليك. فظن أنه فتن، وكان إذا أخبر الناس أنه سليمان لا يصدقونه، فخرج هاربا إلى ساحل البحر، وأصابته شدائد، وحمل سمك الصيادين بأجرة حتى يجد قوتا. ولما اتهم بنو إسرائيل الشيطان واستنكروا حكمه، نشروا التوراة بين يديه، ففر ورمى بالخاتم في البحر، وطار في الهواء. ولما أذن الله رد ملك سليمان إليه، ابتلعت سمكة خاتمه، ووقعت في حبال الصيادين، و دفعوها إلى سليمان  في أجرته، فلما شق بطنها ورأى خاتمه لبسه، وسجد له الملاحون، وعاد إلى سرير ملكه»[2]، فمثل هذه الأخبار يوردها القشيري بين الفينة والأخرى من غير أن يعقب عليها.

هـ ــ الأحكام الفقهية:

رغم أن القشيري لا يهتم باستنباط الأحكام الشرعية واستخراجها من القرآن الكريم؛ إذ ليست هي المقصودة في هذا التفسير، إلا أننا نجده بين الفينة والأخرى يعمد إلى توضيح بعض الآيات باستخراج ما فيها من أحكام فقهية ــ و إن كان ذلك في مواضع قليلة ــ ومنها الإشارة السريعة إلى حكم العزاء في تفسيره لقوله عز وجل: ﴿إنك ميت و إنهم ميتون﴾[3]، حيث يقول: «لا تعزية في العادة بعد ثلاث»[4]، ومن ذلك أيضا تعليقه على حكم الأسرى في قوله تعالى: ﴿حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها﴾، حيث يقول: «إذا حصل الظفر بالعدو فالعفو عنهم وترك المبالغة في التشديد عليهم للندم موجب، وللفرصة تضييع، بل الواجب إزهاق نفوسهم و استئصال أصولهم، واقتلاع شجرهم من أصله»[5]. وأيضا قوله في حكم الظهار في الآية: ﴿الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهماتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور﴾[6]، حيث يقول: «قول الذين يقولون لنسائهم ــ جريا على عادة أهل الشرك ــ أنتِ عليّ كظهر أمي .. هذا شيء لم يحكم الله به، ولا هذا الكلام في نفسه صدق، ولم يثبت فيه شرع، وإنما هو زور محض وكذب صرف. فعلم الكافة أن الحقائق بالتلبيس لا تعزز، والسبب إذا لم يكن صحيحا فبالمعاودة لا يثبت، فالمرأة لما سمعت من رسول الله صلى الله وسلم قوله: «بنت عنه» كان واجبا عليها السكون والصبر، ولكن الضرورة أنطقتها وحملتها على المعاودة، وحصلت من ذلك مسألة: وهي أن كثيرا من الأشياء يحكم فيها ظاهر العلم بشيء، ثم تغير الضرورة ذلك الحكم لصاحبها»[7]. فمثل هذه التعليقات الفقهية قليلة في تفسير القشيري.

 


[1] ـ سورة ص، الآية: 33.

[2] ـ اللطائف، ج5، ص: 255ـ256.

[3] ـ سورة الزمر، الآية: 30.

[4] ـ اللطائف، ج5، ص: 280.

[5] ـ اللطائف، ج5، ص: 404.

[6] ـ سورة المجادلة، الآية: 2.

[7] ـ اللطائف، ج 6، ص: 117.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق