مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم
التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (9)
ذ. عبد الرحيم السوني.
باحث بمركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك.
لطائف الإشارات:
يعد هذا الكتاب من أهم المؤلفات التي ألفها الإمام القشيري، وهو عبارة عن تفسير صوفي كامل للقرآن الكريم، طبع في مصر سنة 1969، بتحقيق الدكتور إبراهيم بسيوني في ست مجلدات، وطبع بعد ذلك عدة مرات، في ثلاث مجلدات ضخام (أزيد من2000صفحة). وقد أشار الأستاذ حسن عباس زكي في تقديمه إلى أن هذا الكتاب : «فريد في بابه، إذ إنه أول تفسير صوفي كامل للقرآن الكريم كله يعد للظهور، وهو فريد في بابه من حيث إنه أقرب إلى التناول في الفهم من كثير من التفاسير الصوفية الأخرى المفترى عليها لسمو مذاقاتها. وبهذا يعد تفسير القشيري لسهولة مأخذه عن غيره خير مناضل عن التفسير الصوفي بعامة لأنه يفتح نوافذ الفهوم على مذاقات القوم. وفي ذلك تذكير بأن ما عزب عن الأفهام دركه من أسرار التفاسير الصوفية الأخرى الدسمة لا يمسها بالعيب والطعن لقصور العقل عن النهوض باستشراف ما اطلع عليه أهلها من أسرار. و وأولى أن ترتد إلى العقل سهام العيب والطعن لقصورٍ، فكم من مذاقات تناولها بالعقل متناولوها فمسخوها، ووصلوا بأهلها إلى الحلول والاتحاد، وهم بعقائدهم النقية أبعد الناس عن ذلك، ومن الجور الفادح أن نلبسهم بذلك ثياب الملحدين ونرميهم في يسر بالكفر و الانحراف عن سواء السبيل»[1].
مميزات الكتاب:
يمكن أن نجملها في مجموعة من النقاط:
ــ أنه يكشف عن مشارب القوم و نهج الصوفية في استمدادهم من الحق تعالى في كل ما يأتون به.
ــ أنه تطبيق لمذهب أهل الإشارات في أنهم أمناء على نص كلام الله. كل لفظة لها أداؤها، وكل كلمة في موقع لها مدلول يختلف عن مدلولها في موقف آخر، فهم لا يعترفون بالتكرار دون حكمة جلية.
والإشارات في كتاب القشيري ليست و ليدة دراسة العقول، وإنما هي وليدة الإلهامات بعد فتح عيون القلوب. وهذا لا ينفي ما اتصف به الإمام فيما سبق من شهرة علمية و دينية وأدبية وعقدية فذلك سمة من السمات الدالة على أن رجال الله يعدهم قبل أن يختارهم لحضرته، ليعزهم بعزته، ويكونوا خلفاءه في أرضه يخاطبون كلا حسب استعداده[2].
أهمية نشر الكتاب:
ترجع أهمية نشر هذا الكتاب إلى ثلاث عوامل رئيسية:
أولا: أنه من الناحية الموضوعية يعالج قضية هامة وهي تفسير القرآن الكريم على طريقة أرباب المجاهدات والأحوال، وهذا منهج في التفسير نادر في المكتبة العربية، فأنت تستطيع أن تجد عددا غير قليل من التفاسير التي تتناول النص القرآني في ضوء اللغة العربية أو الإعراب أو البلاغة أو الفقه أو أسباب النزول أو التشريع أو القصص والأخبار أو نحو ذلك مما هو مألوف ومعروف منذ نزل القرآن، ومنذ ظهرت الاتجاهات المختلفة في دراسته، ويمكن أن تجد عدة مصنفات لعدة شخصيات في كل لون من هذه الألوان بحيث يغنيك واحد أو إثنان منها عما سواه، فإذا بحثت عن التفسير الصوفي ألفيته ــ على العكس من ذلك ــ نادرا، وألفيت الإنتاج فيه غير شاف، فإما أن يكون مقتضبا "كتفسير القرآن العظيم" لسهل بن عبد الله التستري (ت283هـ) وقد طبعته دارالسعادة في عام 1908 م فيما لا يزيد على مائتي صفحة، ويستطيع القارئ أن يتصور كيف يمكن لمائتي صفحة أن تعنى بدراسة القرآن على نحو مرض. وإما أن يكون مطعونا فيه كما هو الشأن في "حقائق التفسير" لأبي عبد الرحمان السلمي (ت412هـ) الذي يقول في وصفه ــ و نحن نقتطف منه هذه الفقرة لنوضح ما قلناه آنفا عن ندرة التفسير الصوفي: «لما رأيت المتوسمين بعلوم الظاهر قد سبقوا في أنواع فرائد القرآن من قراءات وتفاسير ومشكلات وأحكام وإعراب ولغة ومجمل ومفصل وناسخ ومنسوخ، ولم يشتغل أحد منهم بفهم الخطاب على لسان الحقيقة إلا آيات متفرقة أحببت أن أجمع حروفا أستحسنها من ذلك و أضم أقوال مشايخ أهل الحقيقة إلى ذلك و أرتبه على السور حسب وسعي و طاقتي».
[1] ـ لطائف الإشارات، ج1، ص: 10.
[2] ـ ينظر: لطائف الإشارات، ج1، ص: 10ـ11، باختصار وتصرف.