مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

التفسير الصوفي الإشاري من خلال نموذج لطائف الإشارات للقشيري (24)

 

ذ. عبد الرحيم السوني.

باحث بمركز دراس بن إسماعيل.      

و من الآيات الدالة على المظاهر الكونية قوله تعالى في الآية: ﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير﴾[1]. يقول القشيري في هذه الآية: «ماء السماء يحيي الأرض بعد موتها، وماء الرحمة يحيي أحوال أهل الزلة بعد تركها، وماء العناية يحيي أحوال[…][2] بعد زوال رونقها، وماء الوصلة يحيي أهل القربى بعد نضوبها»[3].

أما الآية التي يذكر فيها الليل والنهار وهي قوله تعالى: ﴿وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا﴾[4]، فنجده يفسرها بقوله: «جعل الليل والنهار علامة على كمال قدرته، ودلالة على وجوب وحدانيته، في تعاقبهما وتناوبهما، وفي زيادتهما ونقصانهما. ثم جعلهما وقتا صالحا لإقامة العبادة، والاستقامة على معرفة جلال إلهيته، فالعبادة شرطها الدوام والاتصال، والوظائف حقها التوفيق والاختصاص. ولو وقع في بعض العبادات تقصير أو حصل في أداء بعضها تأخير تداركه بالقضاء حتى يتلافى التقصير. ويقال من وجوه الآيات في الليل والنهار إفراد النهار بالضياء من غير سبب، وتخصيص الليل بالظلام بغير أمر مكتسب، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة﴾: وهو اختلاف أحوال القمر في إشراقه ومحاقه، فلا يبقى ليلتين على حال واحدة، بل هو في كل ليلة في منزل آخر، إما بزيادة أو نقصان. وأما الشمس فحالها الدوام… والناس كذلك أوصافهم، فأرباب التمكين الدوام شرطهم، وأصحاب التلوين التنقل حقهم، قال بعضهم:

    ما زلت أنزل من ودادك منزلا          تتحير الألباب دون نزوله».[5]

بناء على كل ما سبق، ولو أنها عبارة عن أمثلة قد لا تكون ممثلة بشكل جوهري لطبيعة تناول القشيري لتفسير القرآن، يمكن أن يتبين للدارس أن هذا الأخير سلك مسلك كل الذين يجدون في القرآن الكريم كل ما يريدونه، ونعني بذلك أن الصوفي يؤصل لتجربته الصوفية من خلال الرجوع إلى القرآن الكريم، بحيث يمكن القول إن التجربة الصوفية بأحوالها ومقاماتها، ومجاهدتها، والأخطاء والأعطاب التي تعترض السائرين فيها، والإمدادات التي يتلقونها،… الخ، تتطابق تطابقا كليا مع ما جاء به القرآن الكريم. أو قل إن التجربة الصوفية تظهر من خلال التفسير الإشاري للقرآن الكريم، كأنها تمثل عملي لمعاني ومقاصد ومرامي وغايات الحق سبحانه وتعالى المبثوثة في كلامه.

 


[1]  ـ سورة الحج، الآية 63

[2]  ـ غير موجودة

[3]  ـ لطائف الإشارات، ج.4، ص.229

[4]  ـ سورة الإسراء، الآية 12

[5]  ـ لطائف الإشارات، ج.4، ص.11

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق