مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

التعريف بمراحل تطور المذهب المالكي ومدارسه ومصادره الفقهية وأصوله[19]

 

الدكتور عبدالله معصر

رئيس مركز دراس بن إسماعيل:


10ـ الاستحسان: وقد وقع في تصوره وحقيقته خلاف، فقيل: هو العمل بأقوى الدليلين[1]، وقيل: الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي[2]، ويشهد له الرخص الواقعة  في الشريعة، فإن حقيقتها ترجع إل اعتبار المآل في جلب المصالح ورد المفاسد على الخصوص، وإن كان الدليل العام يقتضي منع ذلك[3] .

أقسام الاستحسان عند المالكية:

الأول – الاستحسان بالإجماع: ومثاله قول المالكية بوجوب غرم قيمة الدابة الكاملة على من قطع ذنب بغلة القاضي، لا قيمة النقص الحاصل بسبب ذلك، مع أن القياس يقتضي أن لا يغرم الجاني إلا ما أنقصها القطع فقط، غير أنهم أجمعوا على ذلك استحسانا؛ لأن ركوب القاضي لها امتنع بسبب فحش ذلك العيب، حتى غدت بالنسبة إلى ركوب مثله في حكم العدم.[4]

الثاني- الاستحسان بالمصلحة: ومن أمثلته قول المالكية بتضمين صاحب الحمام الثياب، والأصل عدم الضمان لأنه مؤتمن، لكنهم عدلوا عن الأصل والقياس استحسانا لمصلحة الناس، خشية ضياع أمتعتهم.[5]

الثالث- الاستحسان بالعرف: ومن أمثلته فتوى الإمام مالك فيمن قال: والله لا دخلت مع فلان بيتا، أنه لا يحنث بدخوله المسجد استحسانا بالعرف؛ إذ اللغة تقتضي أنه يحنث لأن لفظ البيت يطلق لغة على المسجد، غير أن عرف الناس لا يطلق لفظ البيت على المسجد، ولذلك لا يحنث إذا دخل المسجد استحسانا بالعرف[6].

الرابع- الاستحسان بترك اليسير للتوسعة: ومن أمثلته أن يستأجر الإنسان الأجير بطعامه وإن كان لا ينضبط مقدار أكله، ليسار أمره وخفة خطبه وعدم المشاحة[7] .

الخامس- الاستحسان بعمل أهل المدينة: ومن أمثلته إجازة الإمام مالك هبة بثواب غير مسمى، مع أن القياس عدم جوازها لأن هبة الثواب كالبيع، وفي البيع لابد من تسمية الثمن، غير أن الإمام مالك أجازه استحسانا وعدل عن ذلك؛ لأن عمل أهل المدينة جرى بذلك.[8]

السادس- الاستحسان بالقياس الخفي: وذلك بالأخذ بالقياس الخفي استحسانا مع معارضته لقياس جلي، ومن أمثلته ما رآه الإمام مالك في أن المحرم إذا صيد من أجله فأكل منه وهو عالم بأنه صيد من أجله، أن عليه جزاء ذلك الصيد، فإن لم يعلم بذلك فلا جزاء عليه، وهذا الحكم مبني على الاستحسان، والقياس أن لا جزاء عليه؛ لأن المحرم إذا صاد صيدا فأكل منه غيره لم يجب على الآكل جزاء، فبأن لا يجب عليه الجزاء إذا أكل منه أولى، وهذا وجه القياس الجلي، أما وجه الاستحسان وهو القياس الخفي أن الاصطياد لأجل المحرمين ممنوع، فإذا صيد من أجله ولم يأكل منه لم يلزمه بذلك جزاء؛ لأنه لم يباشر الاصطياد ولا أمر به أحدا تلزمه طاعته، ولا وجد منه مقصود الاصطياد وهو الأكل، أما إذا أكله فقد أتى بمقصود الاصطياد الذي كان من أجله فيجب به الجزاء.[9]

السابع: الاستحسان بمراعاة الخلاف، وسيأتي تعريفه.

 

 

الهوامش: 

 


[1] -إحكام الفصول:للباجي ص687.

 -[2]الاعتصام :للشاطبي ج2ص139 .

[3]  -الجواهر الثمينة:ص221 .

[4] -الاعتصام ج2ص373.

[5]  -الاعتصام ج2ص272 .

[6] -نفس المرجع نفس الصفحة.

[7]  -الاعتصام:ج2ص373 .

[8]  -مراعاة الخلاف في المذهب المالكي ص153.

[9]  -مراعاة الخلاف ص154.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق