مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

التصوف المغربي وامتداده الإفريقي من خلال كتاب : فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور

ما من شك أن كتب التراجم والرجال تشكل الذاكرة الحية والمرآة الصادقة لمن أراد التعرف على تاريخ

المسلمين في مختلف مناحيه، ومنه تاريخ القطر الإفريقي، استشرافا لمستقبل يقيم قواعده على أصل

الخصوصية والتميز اللذين عرف بهما هذا التاريخ والمتمثل أساسا في وحدة العقيدة والمذهب والتصوف.

وعليه فإن دراسة الامتداد الصوفي المغربي في غرب إفريقيا من خلال سِفر "فتح الشكور في معرفة أعيان

علماء التكرور" يكتسي رداء اللُّحمة الروحية والعلمية ، وذلك لما للمشيخة الصوفية المغربية من مركزية في

تثبيت آصرة الأمن الروحي بين مختلف الحواضر والبلدان في هذا القطر الإسلامي، وما لها من إسهام في تعزيز

ما يمكن أن يصطلح عليه بوحدة المجال الصوفي1.

تدفعنا أيضا – لدراسة هذا الموضوع – الرغبةُ في الكشف عن الرباط القوي بين خصائص التصوف المغربي

بمختلف مشاربه وبين الشعور القوي بالانتماء الثقافي والحضاري والتاريخي الواحد الذي يهيمن على أبناء هذه

الأقطار الإفريقية.

ويعد "فتح الشكور" من أغنى المؤلفات بمشيخات المغاربة وأسانيد التلقين الصوفي المغربي للأفارقة كما أنه

حافل بذكركتب التصوف المغربي التي يتدارسها أهل التكرور. وعليه فانّ تتبُّع هذه الصُّوى والمعالم أمر

حاجيّ سيسعفنا في اكتشاف بعض مظاهر الامتداد الصوفي المغربي في إفريقيا طيلة قرن ونصف من الزمن.

وسنتناول الدراسة في أربعة محاور كبرى أولها التعريف بالكتاب وصاحبه: 

أولا : التعريف بالكتاب وصاحبه:

نبذة عن المؤلِّف:

يعد الشيخ محمد أبو عبد الله بن أبي بكر الصّديق البرتلي الولاتي (1140 – 1219 هـ،1727 – 1805 م)

من أعلام الشريعة والتصوف في زمانه، فقد حلاه تلميذه ابن الطالب الصغير بقوله: "الصالح الزاهد الورع

البركة الخاشع الأواب المفسر المحدث الحافظ المسند الراوية الأصولي الفروعي الأستاذ المقرئ المجود النحوي

اللغوي البياني العروضي المتفنن الصوفي المتخلق  ولي الله تعالى العارف به الأوحد الآخذ من كل فن أوفر  

نصيب"2، أخذ التوحيد عن الطالب احمد بن عمر بن الوافي المحضري، والفقه من خلال الرسالة عن الطالب

الأمين الحبيب الحرشي، وخليل عن الفقيه الحسن بن الطالب احمد بن علي البرتلي والألفية عن الإمام عمر

مم المحجوبي وأخذ سلوك التصوف عن الشيخ مولاي عبد المالك بن مولاي عبد الله الركاني بسنده الى الشيخ

محَمد بن ناصر الدرعي شيخ الطريقة الناصرية بالمغرب (1085هـ)  وكان ممن يلقنون ورده ببلده3.

ألف الولاتي في فنون مختلفة غير أن صفة الخمول التي كان يتصف بها وتبعده عن الظهور حالت دون التعرف

على كثير من هذه الأعمال كما في ترجمته، إلا أن من مؤلفاته المعروفة :

·   شرحان على صغرى السنوسي

·   شرح على أسماء الله الحسنى

·   شرح على السلم في المنطق

·   نسب الشرفاء ذرية مولاي الشريف

·   تأليف في علم السر

·   تأليف في علم التاريخ

·   أنظام كثيرة

·   فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور وهو موضوع الدراسة هنا.

منهج الكتاب:

يحتوي كتاب فتح الشكور4 لمؤلفه الشيخ البرتلي الولاتي على حوالي مائتي ترجمة لعلماء التكرور5  أشياخا

وتلاميذ،عاشوا ما بين سنة 1056 و1215 للهجرة، أي على امتداد قرن ونصف تقريبا،كما حوت هذه

التراجم الكثير من مشيخات وأسانيد علماء التكرور في العقيدة والفقه والتصوف عن المغاربة والمشارقة،

وزمرة مباركة من المصنفات والكتب التي تدرس وتلقن وتروى بالأسانيد عن الشيوخ،مما يشي بغنى هذا 

الكتاب وأهميته في توصيف الواقع العلمي والروحي بالحواضر الإفريقية وتفاعلاته مع المراكز العلمية

الإسلامية المجاورة كفاس وسوس الأقصى وغيرهما.

وعادة صاحب الكتاب في تراجمه أن يأتي باسم المترجم ونسبه متى ظفر به، ثم يحليه بأوصافه العلمية والخلقية،

وهو أمر يكاد يطرد في سائر من ترجم لهم إذ قلما يتخلف عن تحليتهم بالصلاح وأنواع المعارف العلمية،

ثم يعد شيوخ المتَرجم الذين أخذ عنهم حسب هذه العلوم كالفقه والعقيدة والتصوف واللغة والحديث

والسيرة والحساب مع تتبع أسانيد إجازاتهم كلما أمكن له ذلك.

ثم بعد ذلك يذكر للمترجَم ما صَنَّف من الكتب إن كان من أهل التأليف، أو الشعر إن كان من أهله، وقد

يستشهد بنماذج لشعرهم، أو يذكر الكرامات إن كان من أهل الكرامات. ويختم الترجمة بذكر تاريخ ولادته

ووفاته تارة باليوم والشهر والسنة، وتارة بالسنة فقط، وإذا تعذر عليه الوقوف على تاريخ وفاته فإنه يشير

على عادة المؤرخين في تقدير أزمنة الولادة والوفاة إلى المائة التي عاشوا خلالها اعتماداعلى طبقات

مشايخهم وتلاميذهم ومعاصريهم. والملاحظ من التراجم أن صاحبها مهتم بتتبع الجانب العملي والسلوكي

للمترجمين، وهو أمر له أبعاد مهمة سنقف عليها لدىالحديث عن انطباع التصوف في إفريقيا بالطابع 

المغربي من حيث السلوك والتخلق والبعد عن الاشتغال بالحقائق.

ثانيا :الأخذ عن شيوخ التصوف المغاربة :

تعتبر المشيخة المغربية رافدا رئيسا في تشكيل أسانيد التلقين الصوفي في بلدان غرب إفريقيا حيث ينتشر

التصوف بمدارسه وأوراده عبر الشيوخ الذين يفدون على تلك البلاد أو عبر رحلات الأفارقة إلى المغرب

والتي تتعدد دواعيها بين ما هو ديني أو تجاري أو علمي أو ما تفرضه الطبيعة الجغرافية للمنطقة من

الترحال والتنقل. وهكذا أصبح لهذا التواصل دور هام في اتصال الأسانيد المغربية الإفريقية في مجال

التصوف كما هو حاصل في سائر العلوم الأخرى، فانتشرت بذلك التيجانية والقادرية والشاذلية في تخوم هذه

البلاد  بأورادها وزواياها ومناهج التربية فيها ونمط التصوف الذي يهيمن عليها عبر الشيوخ والمريدين المغاربة

الذين حملوا لواء هذه المدارس.ومن أهم الأسانيد التي يذكرها كتاب "الفتح"؛ سند الطريقة الناصرية الشاذلية

التي تأسست بقرية تامكَروت على يد الشيخ الدرعي محمد بن ناصر وازدادت إشعاعا على يد ابنه الشيخ

 أحمد بن ناصر الدرعي(ت1129هـ)،وقد كان لهذه الأسرة الفضل في الجمع بين العلم والتصوف

وتنقية موارده من الشوائب، فلاقت بهذا إقبالا كبيرا واستحسانا واسعا في المغرب والبلاد الإفريقية.

يذكر صاحب " فتح الشكور" سنده للناصرية حيث أخذها عن الشيخ عن مولاي عبد المالك – عن والده

الشيخ عبد الله الركاني – عن سيدي محمد بن ابي زيان (أو ابن ابي ريان) – عن سيدي مبارك العنبري

(أو الغبري) عن شيخ الطريقة سيدي محمد بن ناصر الدرعي بسنده إلى الإمام الشاذلي مرورا بالشيخ

زروق الفاسي المغربيوهذا السند الإفريقي للورد الناصري يفيد انتشار الطريقة على يد هؤلاء الشيوخ

الذين جمعوا بين الاشتغال بالتصوف والتلقي العلمي، وكان للشيخ مولاي زيدان (ت 1202هـ)7

الفضل في وصول الورد الناصري إلى ولاتة حيث قال البرتلي :"هو الذي أوصل ورد الشيخ مولاي عبد

المالك لنا ولأهل بلادنا "8.

ويظهر جليا تكامل العلم والتصوف لدى التكروريين من خلال سند آخر للناصرية يذكره البرتلي من الطالب

محمد بن الطالب عمر الخطاط (ت 1165هـ). فإن هذا الشيخ العالم " المالكي مذهبا الأشعري اعتقادا الشاذلي

طريقة: اخذ الورد وطريق الصوفية الغازية الناصرية عن سيدي احمد بن محمد عمر من بني علي بن

عبد الله ثم من بني عيسى بن محمد ثم من بني حماد ثم التسايبت الشهير بالتواتي عن سيدي احمد بن عبد

القادر التلميذ المباشر لسيدي محمد بنناصر الدرعي"9. وهؤلاء كلهم من علماء إفريقيا فقها وحديثا ولغة.

ومن جملة من أخذوا الناصرية عن الشيخ احمد بن عبد القادر المذكور، الطالب سيدي أحمد التواتي

(ت 1138هـ )10 ثم لقن هذا الشيخُ الورد الناصري للعالم الكبير والولي الشهير الشيخ الطالب الأمين

بن الطالب الحبيب المتوفى (1166 هـ) 11، وقد أخذ عنه خلق كثير من أهل تلك البلاد وعلمائها منهم محمد

بن سيدي عثمان بن سيدي عمر الولي الذي أخذ عنه قبل أن يرحل إلى سجلماسة ويأخذ عن سيدي احمد

الحبيب السجلماسي، وقد توفي بتارودانت في 1132هـ 12.

كما تلقى الورد الناصري عن السوسيين سيدي احمد الشواف الوداني (ت 1140هـ)13 مصافحة

ومشابكة فقال: صافحني وشابكني وأضافني بالأسودين الماء والتمر شيخنا المرابط الخيّر الكوكب المنير

سيدي احمد بن أبي القاسم بن سيدي عبد الله الكرسيفي"14 مرورا بسيدي سعيد التملي ثم سيدي عبد

الرحمن بن محمد التلمساني نزيل تارودانت قاعدة السوس الأقصى ثم يحيى بن عبد الله بن سعيد بن عبد

المنعم الحاحي ثم الولي احمد بن محمد ادفال السوساني ثم الدرعي.

يظهر من عرض أسانيد علماء التكرور هذه أن المشيخة المغربية كان لها امتداد وحضور قوي في نشر

التصوف الجنيدي القائم على شواهد الشرع من غير إغراق في التكلف، ودون انفصال عن تلقي بقية العلوم

الشرعية حيث يكثر في مدارس العلم والمحاضر الإفريقية أن يأخذ التلاميذ الورد إلى جانب العلم وهي

ظاهرة واضحة في تراجم التكروريين في هذا الكتاب، وهو ما يحيلنا على المعطى الثاني المتعلق بحضور

التصوف المغربي من خلال الكتب والتصانيف التي يتدارسها علماء هذا القطر.   

ثالثا : التعاطي للمصنفات الصوفية المغربية بالأسانيد :

لعل أهم كتاب يتم تدارسه سندا عن المغاربة في علم التصوف هو شرح زروق الفاسي على حكم ابن عطاء الله

السكندري، وهذا مؤشر مهم على تفاعل حاضرة فاس مع حواضر العلم بإفريقيا كَـ : توات وولاّتة وتنبكت

وسائر بلاد تكرور، فقد كان العلامة الشيخ محمد بَغْيُعُ يُدرس شرح زروق الفاسي على حكم ابن عطاء الله

السكندري وشفا عياض لتلميذه العالم الحافظ احمد بابا بن الحاج احمد اقيت التمبكتي ( 1036هـ) 15،

وكان هذا الأخير حين مقدمه إلى المغرب " جلس للإقراء بجامع الشرفاء بمراكش فأقرأ فيه حكم ابن

عطاء الله" 16، وهذا جانب من عطاء علماء إفريقيا في حواضر المغرب العلمية يؤكد على وجود تواصل

علمي متبادل ومتين عبر التاريخ، وهو ما ذكره محمد بن يعقوب الأيسي المراكشي لما قال :" كان أخونا

احمد بابا من أهل العلم والفهم والإدراك التام الحسن حسن التصنيف كامل الحظ من العلوم فقها وحديثا

وعربية وأصولا وتاريخا منحيا للاهتداء لمقاصد العلماء مثابرا على التقييد والمطالعة، مطبوعا على

التأليف ألف تواليف مفيدة جامعة فيها أبحاث عقلية ونقلية قال حدثني بحديث الرحمة المسلسل بالأولية 

عن والده بسنده وحديث المصافحة عن والده أيضا وسمعت عليه أكثر صحيح مسلم بلفظه "17.

ومن بين الشيوخ المذكورين في فتح الشكور بدراسة كتاب الحكم، الشيخُ أحمد بن عمرو التواتي الناصري

(ت 1138هـ)، وأخذه عنه الشيخ الطالب الأمين بن الطالب الحبيب، وعنه كل من الطالب البشير بن

الحاج (ت1197هـ)، وحسن بن الطالب البرتلي (ت 1173هـ) وأحمد بن عمر الوافي المحضري

(ت 1194هـ). وإضافة إلى شرح الحكم، تعاطى علماء التكرور كتاب "دلائل الخيرات وشوارق

الأنوار في الصلاة على النبي المختار صلى الله عليه وسلم للإمام الجزولي"  بالقراءة والشرح والنظم

والعرض، وهذا الكتاب وإن لم يكن تأليفا في علم السلوك والتصوف إلا أن غالب الطرق الصوفية

بالغرب الإسلامي تتخذ ما ورد فيه من الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم أورادا. ونسوق هنا

نصا من فتح الشكور يصف بعض مظاهر العناية بهذا الكتاب الذائع الصيت نقلا عن عبد الرحمن

السعدي في تاريخ السودان قال: كنا جماعة نعرض على شيخنا الفقيه الأمين دلائل الخيرات، والنسخ

تختلف في إثبات لفظة سيدنا وإسقاطها، فسألناه عنه فقال: كنا نعرضه على الشيخ العلامة الفقيه محمد

بَغْيُعُ فسألته عنه كذلك فقال: ليس في ذلك الاختلاف بأس لا يضر شيئا، وسألناه أيضا عن قول المؤلف

وأن تغفر لعبدك فلان بن فلان، فقال كنا نعرضه أيضا على الفقيه عبد الرحمن بن الفقيه محمود فسألناه

عنه فقال مجيبا وأن تغفر لعبدك عبد الرحمن ولم يذكر والده"18، فهذا النص يبين كيف كان تعامل هؤلاء

الشيوخ والعلماء مع كتاب الجزولي المغربي وشدة حرصهم على ضبط مواده والتحقق من ألفاظه عن

طريق النظر في نسخ الكتاب الموجودة عندهم ثم عرضه على الشيوخ ومدارسته بالإسناد، هذا إضافة

إلى نظم أسماء النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في بدايته كما فعل أحمد بن أند بنعلي بن الشيخ

الولاتي (ت 1140هـ )19، إلى غيرها من وجوه العناية والدراسة.

واقتصرنا على هاذين الكتابين لما لهما من حضور قوي في الدراسات الصوفية بإفريقيا والغرب الإسلامي

عموما،وإلا فإن علماء التكرور كان معتمدهم في التدريس بالأساس على مصنفات المغاربة وشروحهم على

كتب الفقه المالكي والعقيدة والتصوف والسبب في ذلك راجع إلى الأخذ المباشر عنهم واتصال الإسناد

بينهم وإجازة بعضهم لبعض مما شكل مجالا صوفيا واحدا يمتد على طول البلدان الإفريقية وتطبعه صبغة

موحدة في التجربة والسلوك والصوفيين مما يلاحظه المتمعن في الممارسة الصوفية الإفريقية.

رابعا : انطباع الممارسة الصوفية الإفريقية بالطابع المغربي :

لا تقل دراسة الممارسة الصوفية الإفريقية في هذا الكتاب أهمية عن دراسة الأسانيد والشيوخ والمؤلفات

الصوفية، فمن شأن هذه الدراسة أن تثبت الرباط الروحي بين حواضر القطر الإفريقي أولا، ثم دور

صوفية المغرب في تشكيل هذا الرباط ثانيا، فالصورة المباشرة المثلى المعبرة عن الصلات الروحية هذه

هو المنهج التربوي للشيوخ والسلوك الأخلاقي للمريدين، أو باختصار: الطابع العام للتجربة الصوفية

بإفريقيا. ومن هنا سنبرز وجوه انطباع هذه التجربةبالطابع المغربي من خلال سمات وخصائص بارزة

في كتاب فتح الشكور نقتصر منها على اثنتين:خاصية الجمع والتكامل : عُرف شيوخ المغرب عبر قرون

خلت بالجمع بين العلم الشرعي والممارسة الصوفية، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا يسير منهم

لاعتبارات سياقية وتاريخية محددة، يشهد لذلك أن سلاسل التصوف المغربية القادرية والشاذلية والتيجانية

وغيرها، تسلسل فيها العلم إلى جانب التصوف، وأنتج أعلامها مؤلفات في سائر فنون العلم الشرعي

وأسسوا خزائن ومكتبات في ربوع المملكة لا تزال إلى اليوم، وقد تنبه علال الفاسي لهذه الخاصية

حيث قال: "مما امتاز به التصوف المغربي أن معظم رجاله ودعاته من أهل العلم بأصول الدين

وفروعه" 20 وهذى المعطى امتد جنوبا إلى إفريقيا حيث ان غالب من ذكرهم البرتلي في فتح الشكور

من الصوفية علماءُ وفقهاءُ ذووا تآليف وتصانيف، منهم الطالب محمد بن عمر الخطاط البرتلي الولاتي

وطنا المالكي مذهبا الأشعري اعتقادا الشاذلي طريقة كما جاء في ترجمته، صاحب جوهرة الإرشاد

والأجوبة في الفقه وتأليف في علم الحساب وقصائد كثيرة.ومنهم الشيخ العالم السيد أحمد بن عمرو

التواتي الذي أخذ عنه الطالب الأمين وهذا تخرج على يده خلق كثير من الفقهاء والعلماء منهم الشيخ

البرتلي صاحب فتح الشكور، ومنهم الشيخ العارف المختار بن أحمد الكنتي المشهورصاحب التآليف

المشهورة منها "تفسير البسملة والفاتحة" و "هداية الطلاب" في الفقه و "نزهة الراوي وبغية الحاوي" و

"الشموس المحمدية" في التوحيد و"الرسالة" في علم التصوف وألفية في العربية وغيرها. وكالشيخ عبد

الله بن سيدي الفاضل المكنى بأبي زيد التشتاوي اليعقوبي احد العلماء العاملين وصاحب التآليف في علم

التصوف منها تحفة التابع السني في الرد على المشاقق البدعي (ت 1209 هـ)21، ومعاصره شارح

منظومة ابن البنا في التصوف وصاحب "تقرير المنة بشرح إضاءة الدجنة" الشيخ المتمكن عبد الله

بن احمد بن الحاج المصطفى الغلاوي الشنقيطي (ت 1209هـ ) الذي أخذ منذ صغره عن الشيخ المربي

محمد احمد بن عبد الرحمان الغلاوي المساوي وكتب نظما في التوحيد، وله غير ذلك من الانظام

والتآليف أوصلها البرتلي إلى أكثر من ثلاثين تآليفا22، وكالشيخ محمد بن بن عثمان بن عمر الولي

المتوفى بتارودانت سنة (1130هـ) وقد لقي الشيخ المربي احمد الحبيب السجلماسي وأخذ عنه وقال فيه

البرتلي: بيته بيت علم وصلاح وجلالة توارثوا كابرا عن كابر، هو فقيه ولي بن فقيه ولي بن فقيه ولي،

ثلاثة في نسق كلهم فقهاء أولياء23.

وهكذا فقد اتخذت تراجم الصوفية في كتاب الفتح وجها يعبر للقارئ عن جهودهم في نشر العلم الشرعي

والحرص على التفقه في علوم الدين إضافة إلى الدخول في طريق الصوفية التي تعد عندهم الوجه

العملي للتدين ، ولذلك ترددت كثيرا في الكتاب عبارات من قبيل "العالم الولي" و "جمع بين العلم والعمل"

و "كان من العلماء العاملين" و "كان فقيها عالما صالحا" و "جمع بين العلم الغزير والدين المتين"

وغيرها من التحليات التي تشي برسوخ خاصية الجمع بين التصوف كسلوك وعمل وبين تحصيل

سائر العلوم الشرعية المتداولة.       

خاصية التخلق والواقعية : لقد اتسمت التجربة الصوفية المغربية بسمة الجد في تحصيل السلوك والأخلاق

الاجتماعية والتكيف مع المتطلبات الواقعية، وهي بهذه السمة أبعد ما تكون عن الاشتغال بخطاب

الحقائق والإغراق في الإشارات وتطلُّب المكاشفات أو الانكفاء حول التجربة الروحية الخاصة.

إن الاختيار الجنيدي للمغاربة قد امتد إفريقيا إن على مستوى المدارسة أو الممارسة، وهو ما تُزكيه

تراجم الصلحاء من هذا الكتاب، التي كَلِف المؤلف بتتبع الأخلاق الاجتماعية لأصحابها،

والسلوكات العملية ذات البعد الإصلاحي والنفعي، والأدوار التي اضطلع بها صلحاء هذا القطر

الإفريقي كالمصالحة بين الخصوم ورد المظالم وكف الأذى عنالناس وتهييب اللصوصومواجهتهم،

وكإطعام الطعام وكفالة اليتامى وإيواء الغرباء وعابري السبيل، والتصدق على العامة وعتق العبيد ونشر

المحبة والتزاور والنصح للناس وصلة الأرحام.. وهكذا تقلصت في الكتاب دائرة الكلام عن الحقائق 

الصوفية والإشارات العرفانية التي تنأى عن ملامسة الواقع الاجتماعي للمتَرجم أو تحصيله العلمي والمعرفي

مما نجده في كتب الرجال. وتبقى الكرامة الصوفية حاضرة في بعض التراجم كما سبق ذكره، غير المتأمل

في قضاياهايلمح بسهولة ارتباطها بالواقع العملي ودورها في معالجة قضايا المجتمع وهمومه.

فمن النصوص الشاهدة على انتقال هذه الخاصية من المغاربة إلى الأفارقة جانب من ترجمة الشيخ عمر

الخطاط البرتلي (1196هـ) الذي أخذ التصوف عن الشيخ سيدي أحمد الحبيب السجلماسي المغربي جاء

فيها أنه كان :" وصولا للرحم يحب أقاربه وعشيرته ويحمل كلَّهم ويحفظ يتاماهم وينمي لهم أموالهم ويعلمهم..

وكان رحمه الله يواسي ذوي الحاجات ويحب الفقراء والمساكين ويكرمهم، كثير الإنفاق على الضعفاء

والغرباء واليتامى والأرامل ويؤثرهم على نفسه، ويأخذ الزمنى كالعمي والمقعدين فيكفلهم ويحملهم يوم

الرحيل على دوابه "24.

وكترجمة الفقيه الحاج ابو بكر بن الحاج عيسى بن أبي هريرة الغلاوي : ( 1146هـ) الذي صحب في

سفره سيدي احمد بن الشيخ سيدي محمد بن ناصر الدرعي المغربي واخذ عنه الورد وكان يشرب تبغ فأمره

الشيخ بتركها ..25هكذا يبرز الامتداد الصوفي المغربي من خلال تراجم التكروريين في جمعه بين الأخذ

الصوفي وبين التلقي العلمي،وفي واقعيته وأخلاقيته التي تشكلت بفعل التواصل الروحي بين الشيوخ والمريدين

في هذه البلاد.

خاتمة:

إن دراسة كتاب فتح الشكور من منطلق التفاعلات والصلات الروحية التي ساهم فيها صوفية المغرب بقوة،

إضافةلكونها تبرز عمق الوشائج التاريخية والثقافية والفكرية التي تجمع المغرب بباقي الحواضر الإفريقية،

فإنها بلا شك تظهرأيضا طبيعة المجال الصوفي الواحد الممتد عبر إفريقيا؛ والذي يمكن أن نلمس كبرى

نتائجه فيما يلي:

أولا: قدرة الفاعل الصوفي على ترسيخ الأخلاق والقيم السمحة ونشرها على امتدادات جغرافية واسعة مما

يعززالأمن الروحي فيها.

ثانيا : اهتمام التجربة الصوفية المغربية/الإفريقية بتشكيل وعي ثقافي وأخلاقي مشترك يتحدد بالمذهب

الفقهي فيالعمليات والعقيدة الاشعرية في الاعتقاديات وطريق الجنيد في السلوكيات.

إن كتاب "الفتح" وغيره من كتب التراجم شهادة حية على دور صوفية المغرب في توسيع دائرة المجال

الثقافي المغربي وهو ما جعل صاحب الكتاب يخرج عن شرط كتابه في ترجمة أعيان التكرور

خاصة إلى ضم زمرة من صلحاءفاس وشيوخها لتراجم الكتاب كأبي المحاسن الفاسي وولده سيدي

محمد العربي الفاسي وسيدي محمد المهدي الفاسي وغيرهم، ناهيك عن أعلام مغربية عج بهم الكتاب،

وما ذلك إلا صورة حية لعمق المشيخة المغربية في إفريقيا، التي كرست جملة من القيم والأخلاق

الروحية والاجتماعية.. وهكذا " فإذا كان الاستعمار قد استطاع تحقيق بعض أهدافه،فإنه من الأكيد كان

يستطيع أكثر لو لم يجد مقاومة عمقها في نفوس الأفارقة رجال التصوف الذين انطلقوا فيالبدء من المغرب.

وبذلك تكون التجربة الصوفية من أبرز العوامل التي وسعت من المجال الجغرافي للثقافة المغربية

وعمقت الإشعاع الروحي المغربي، سواء في اتجاه أقطار الشمال الإفريقي أو نحو إفريقيا السوداء جنوب

الصحراء26.

 

 

وديع اكونين باحث بمركز علم وعمران

 


1 نقصد بالمجال الصوفي الروابط الروحية المشتركة في حيز جغرافي معين والتي تجعل لأبنائه  شعورا بالانتماء الى وحدة صوفية مشتركة.

2 فتح الشكور ص17

3نفس المصدر ص 21

4 طبع هذا الكتاب سنة 2007 من دار الغرب الاسلامي بتقديم وتحقيق المؤرخَين د محمد ابراهيم الكتاني و د محمد حجي اعتمادا على ثلاث نسخ، في مجلد واحد عدد الصفحات 299 صفحة. ثم أصدر د شوقي الهامل درسة حقق فيها كتاب الفتح استنادا على أربع نسخ اخرى زيادة على النسخ المعتمدة في طبعة دار الغرب الاسلامي، والدراسة حملت عنوان "الحياة الفكرية الإسلامية في ساحل إفريقيا الغربية: دراسة اجتماعية للتعليم الإسلامي في موريتانيا وشمال مالي خلال القرنين، 16-19، مع ترجمة وتحقيق لكتاب فتح الشكور للبرتلي الولاتي المتوفى عام 1805"

5 التكرور علم جغرافي يشمل غرب إفريقيا وغرب الصحراء. وقد عرفه صاحب الفتح في مقدمته بقوله: التكرور إقليم واسع ممتد شرقا إلى أدغاغ ومغربا إلى بحر بني الزناقية وجنوبا إلى بيط وشمالا إلى أدرار ص 26. وللتوسعة في المفهوم ينظر كتاب الحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني خلال القرنين 18 و 19م.  

6 فتح الشكور ص:205

7 توفي في ايوالن: بينها وبين توات نحو اربع رحلات. وكان مهيب الجانب قوي المناظرة صارما الحال لا تأخذه في الله لائمة، ذكر البرتلي سنده إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه. وله كرامات مشهوره. انظر ص 97 من فتح الشكور

8 فتح الشكور: ص 100

9 فتح الشكور :ص 127

10 فتح الشكور : هو الشيخ احمد التواتي بن محمد بن عمر التواتي الولي الصالح المتعبد أخذ الورد  والطريقة الناصرية عن أحمد بن عبد القادر عن الشيخ محمد بن ناصر الدرعي وأخذها عنه الطالب الامين بن الطالب الحبيب، كان مشتغلا بالتصوف ملأ خزانته بكتبه مكثرا من الاوراد . توفي بتشيت سنة 1138هـ . انظر ص 42 من فتح الشكور

11 نفس المصدر : هو الشيخ الفقيه العالم الرباني ذو المناقب الكثيرة الطالب الامين بن الطالب الحبيب الحرشي كان يقرئ عقيدة السنوسي والرسالة وإضاءة الدجنة والحكم أخذ عن عمر البرتلي وابي بكر بن الحاج عيسى الكلاوي والشيخ أحمد التواتي وغيرهم، وأخذ عنه خلق كثير. ترجمته في فتح الشكور ص 66

12 فتح الشكور :ص 103

13 حلاه البرتلي بقوله : "كان رحمه الله فقيها محدثا صالحاعلى نهج الدين القويم الكامل نجيبا.. أخذ عنه شيخنا الفقيه سيدي أحمد بن الفقيه سيدي محمد بن موسى بن إيجل الزيدي" ص 46

14 نفس المصدر :ص 45

15 فتح الشكور : ص 31 و 32

16 نفس المصدر : ص 34

17 نفس المصدر : ص 33

18 نفس المصدر : ص 63

19 نفس المصدر : ص 43

20 علال الفاسي "التصوف الاسلامي بالمغرب" ص 21

21 فتح الشكور ص 169 و170

22 نفس المصدر ص171 و 172

23 فتح الشكور ص: 121

24 فتح الشكور ص 185

25 نفس المصدر ص 75

26 عبد المجيد الصغير، الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب دراسات تاريخية مهداة للاستاذ ابراهيم حركات انجاز الجمعية المغربية للبحث التاريخي ص 276

 

 

لائحة المراجع:

·  فتح الشكور في معرفة أعيان علماء التكرور لابي عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي الولاتي تحقيق د محمد ابراهيم الكتاني ود محمد حجي دار الغرب الاسلامي. ط2 : 2007

· الاعلام بمن حل مراكش وأغمات من الاعلام الباس بن ابراهيم السملالي المراكشي ط2 : 1993 المطبعة الملكية الرباط

·  الوسيط في تراجم أدباء شنقيط احمد بن الامين الشنقيطي عناية فؤاد سيد مكتبة الخانجي بالقاهرة ط 2008

·   الحياة الفكرية والروحية بالمجال البيظاني خلال القرنين 18 و 19م الحسن حديدي مركز الدراسات الصحراوية . دار ابي رقراق للطباعة والنشر ط 2014.

·  الرحلة الحجازية  محمد يحيى الولاتي تقديم وتحقيق د محمد حجي دار الغرب الاسلامي ط 2: 2009.

·  سلوة الأنفاس ومحادثة الأكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس محمد بن جعفر بن ادريس الكتاني تحقيق حمزة بن محمد الطيب الكتاني و د محمد حمزة بن علي الكتاني . دار الامان ط2: 2014.

·  الرباطات والزوايا في تاريخ المغرب دراسات تاريخية مهداة للأستاذ ابراهيم حركات انجاز الجمعية المغربية للبحث التاريخي تنسيق نفيسة الذهبي.

·  الشيخ ماء العينين علماء وامراء في مواجهة الاستعمار الأوروبي منشورات مؤسسة الشيخ مربيه ربه لاحياء التراث والتنمية الطالب اخيار بن الشيخ مامينا ط2: 2011 ثقافة الصحراء مقوماتها المغربية وخصوصياتها ندوة لجنة القيم الروحية والفكرية الرباط 2002 مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية 2003.

· الرحلات المغربية السوسية بين المعرفي والأدبي محمد الحاتمي . تقديم عباس الجراري منشورات مختبر البحث في التراث والأعلام والمصطلحات جامعة ابن زهر كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق