مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

التراث الصوفي المخطوط بالخزائن العلمية بالجنوب المغربي الحاجة والحالة والآفاق

   ظل المجال الصحراوي المغربي  -في غالبه- يشكو من ضعف في النزوع العلمي، وبطء التطور التعليمي جراء قساوة البيئة الصحراوية وانتشار البداوة بهذا المجال  المتسم بعدم الاستقرار الاجتماعي، وبكثرة ترحال البدو من أهل الصحراء وتنقلهم المستمر والدائم بحثا عن مواطن الماء والكلإ لمواشيهم، مما جعلهم يحافظون على نسقهم القبلي القديم بتراتبيته القائمة على أساس عشائري وقرابي تتوزع بموجبه الأدوار الاجتماعية حسب منزلة الفرد داخل القبلية أو العشيرة[1].

   وما دمنا نتحدث عن الجذور التاريخية للتقاليد العلمية والممارسات التعليمية بالصحراء المغربية فلابد من الوقوف عند الدور البارز الذي اضطلع به عبد الله بن ياسين التمنارتي، الذي قاد حركة علمية إصلاحية من مدرسة “أكلو” بسوس نحو قلب الصحراء، فاجتمع حوله خلق كثير، وخلف آثارا دينيا وعلميا كبيرين في الصحراء وصل إلى حد أن قاد مسيرة علمية رفقة تلاميذه ومريديه من أبناء الصحراء لجمع شمل المغاربة ورص صفوفهم، بل تجاوز الأمر توحيد المغرب إلى تحرير الأندلس من المد المسيحي. ولم يكن عبد الله بن ياسين الوحيد الذي قاد حركة إصلاحية لنشر العلم والصلاح في الصحراء، بل كان هناك علماء آخرون أغلبهم قدموا من منطقة سوس، ومنهم الرجال الخمسة الذين هاجروا من تارودانت نحو الصحراء فكان لهم الدور كبير في نشر الإسلام وتصحيح العقيدة بالصحراء المغربية[2].    

   ويكمن اعتبار حدث هجرة الشيخ ماء العينين من قلب الصحراء المغربية (مدينة السمارة) للاستقرار بمدينة تزنيت أجل مظهر للتمازج الروحي والثقافي والفكري بين شمال المملكة وجنوبها، فقد رافق الشيخ ماء العينين في هجرته إلى سوس آلاف العلماء والمريدين من أبناء الصحراء[3]، كما اجتمع بالعديد عديد من علماء وفقهاء المدارس العلمية العتيقة بسوس ومنهم: الفقيه الصوفي الحاج الحسين الإفراني، الشيخ الصوفي علي الدرقاوي الإلغي، والعلامة محمد بن مسعود المعدري وغيرهم. 

   ولم يقف التواصل والتمازج العلمي والفكري والروحي بين الشمال والجنوب  عند هذا الحد، بل اتخذ أشكالا متعددة ومتنوعة منها على سبيل المثال لا الحصر:  

   نقل العديد من المكتبات التراثية من الصحراء إلى سوس ومن سوس إلى الصحراء، وقد ذكر العلامة المختار السوسي في كتابه: “خلال جزولة” نماذج من هذه المكتبات، وفي هذا الصدد يقول: “ومن المكاتب الضخمة، مكتبة الشيخ ماء العينين بن مامين القلقمي الصحراوي دفين تزنيت، فإنها لمكتبة عظيمة…ورأيت فيها من الخطوط الصحراوية والشجنيطية والسوسية، والسودانية والفاسية والمكناسية والتونسية والمصرية والمشرقية ما عز وجوده نظيره”[4].

   بعد هذا المدخل التاريخي العام سنعمل في القادم من سلسلة المقالات التي خصصنها للحديث عن واقع وآفاق التراث الصوفي المخطوط بالمغرب، إلى تسليط الضوء على حالة هذا التراث ووضعية أرصدته المخطوطة ببعض الخزائن العلمية بالمغربي ، كما سنعمل –بحول الله وقوته- على استشراف آفاق هذا التراث المغربي التليد الذي يعبر عن عمق الهوية الدينية والثقافية للحضارة المغربية.  

[1] أديوان (محمد)، النسق الثقافي المشترك بين سوس والصحراء، ندوة: الصحراء وسوس من خلال الوثائق والمخطوطات: التواصل والآفاق، كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط، 2001 ص 148.

[2] النحوي (خليل)، بلاد شنقيط: المنارة والرباط، المنظمة العربية للتربية والعلوم، تونس، 1987،  ص:98-99.

[3] للمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع ينظر: ماء العينين (ماء العينين)، في الأدب والمقاومة: نماذج من زاوية السمارة المعينية، دار وليلي، مراكش، 1996. وابن عتيق (ماء العينين)، الرحلة المعينية، تحقيق محمد ظريف، دار المعارف الجديدة، الراباط، 1998. وحمداتي (شبيهنا ماء العينين)، الشيخ ماء العينين وجهاده العلمي والوطني، دار المعرف الجديدة، الرباط، 1995.

[4] السوسي (محمد المختار)، خلال جزولة ص 328.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق