التحسينات المالية في المذهب المالكي وتطبيقاتها المعاصرة9
ذ/ عبد السلام اجميلي
من علماء القرويين
ثالثا : الاستحسان بالقياس [1]
وهو : أن يعدل بالمسألة عن حكم القياس الظاهر المتبادر فيها إلى حكم مغاير بقياس آخر هو أدق وأخفى من الأول، لكنه أقوى حجة وأصح استنتاجا منه، قال السرخسي عن هذا النوع من الاستحسان :
والاستحسان في الحقيقة قياسان أحدهما جلي ضعيف الأثر فيسمى قياسا والآخر خفي قوي فيسمى استحسانا أي قياسا مستحسنا، فالترجيح بالأثر لا بالخفاء والوضوح، وكثير من الأصوليين يقتصر في تعريف الاستحسان على أنه هو القياس الخفي، قال سعد الدين التفتازاني في حاشيته على العضد: والمراد بالاستحسان في الطالب قياس خفي يقابل قياسا جليا [2].
ومن أمثلته : وقف الأرض الزراعية
فيه قياسان : قياس جلي : وهو أن الوقف يشبه البيع في أن كلا منهما يتضمن إخراج العين عن ملك صاحبها، فلا يدخل في الوقف حقوق الشرب والمسيل والطريق، أي حقوق المرور في الوقف، إلا بالنص عليها من الواقف كما في البيع، وقياس خفي وهو أن الوقف يشبه الإجارة في إفادة كل منهما بمجرد الانتفاع بالعين، ومقتضى هذا أن تدخل حقوق الشرب والطريق والمسيل في الوقف وإن لم ينص الواقف عليها كما في الإجارة، فيرجح المجتهد القياس الثاني على القياس الأول : لأن المقصود من الوقف هو مجرد الانتفاع ، وهو لا يمكن إلا بأن يدخل الشرب والمسيل والطريق في وقف الأرض دون نص عليها، وهذا هو الاستحسان ([3]).
ومن أمثلته أيضا إذا أمر القاضي بقطع يد السارق اليمنى فأخطأ المنفذ وقطع اليد اليسرى، فالقياس الظاهر هو تضمين القائم بالتنفيذ كما لو أخطأ فقطع أنف السارق، لأن القضاء بقطع اليد اليمنى لا يخرج اليد اليسرى عن أن تكون محترمة متقدمة، فقطعها خطأ بعد القضاء وقبله سواء، والمنفذ جان ومتعد فيما صنع، فيكون ضامنا، وبهذا أخذ أبو يوسف ومحمد رحمهما الله، والاستحسان لا شيء على المنفذ بناء على أن تفويت اليد اليسرى معوض بإبقاء اليد اليمنى التي لم تقطع بعد هذا الخطأ، وأن التعويض من جنس ما فات السارق وهو خير له مما فاته، فإن منفعة البطش في اليد اليمنى أظهر منها في اليد اليسرى، والإتلاف بعوض لا يوجب الضمان على المعتدي الذي أتلف وأخلف كالشهود إذا شهدوا عليه ببيع مال بمثل قيمته، وهذا القياس الخفي أقوى تأثيرا وأصح نظرا، وبه قال أبو حنيفة رضي الله عنه. ويجاب عن قياس الصاحبين على قطع الأنف بأن قطع الأنف لا يسقط به الحد فلا تعويض فيه ([4]).
[1] -الإعتصام للشاطبي 2/224 بتصرف.
[2] -العضد 2/289 – كشف الأسرار، ص : 314.
[3] -نظرية الإستحسان، ص : 36.
[4] -المسوط، 9/175-176.