مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

التحسينات المالية في المذهب المالكي وتطبيقاتها المعاصرة 5

ذ/ عبد السلام اجميلي 

من علماء القرويين

 

– ضوابط الاستحسان:

الضابط الثالث: ألا يعارض الحكم الاستحساني أصلا من أصول الشريعة، أو نصا محكما من الكتاب أو السنة المتواترة، أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة:

إذا كان من الصعب أن تصور هذه المعارضة إذا كان سند الحكم الاستحساني نصا أو إجماعا أو قياسا، فإن من المحتمل تصورها إذا كان السند (ضرورة أو مصلحة أو عرفا).

ولا يخفى أن كثيرا من أهل الهوى قد اتخذوا من هذه الأدلة الشرعية بوابة مشرعة للولوج إلى ما حرم الله، فلابد من الضابط المذكور، ليكون سدا منيعا في وجه كل صاحب هوى.

أما وجه اعتبار هذا الضابط، فمن الواضح أن كلا من (الضرورة والمصلحة والعرف) قد عرف اعتبارها من نصوص الكتاب والسنة، فإذا جاءت هذه الأدلة بأحكام معارضة لنصوص قطعية في الكتاب والسنة، للزم من ذلك أن يعارض المدلول دليله، وهو باطل([1]).

ومن أجل ضمان عدم معارضة (الضرورة أو المصلحة أو العرف) لأصول الشريعة أو محكم نصوصها، وضع الفقهاء ضوابط تضبطها، وقواعد ينتهجونها ويتبعونها في اجتهادهم([2]).

الضابط الرابع: أن يعمل بالاستحسان إذا كان في تطبيق الحكم الشرعي بعد عن مقاصد الشريعة:

إن الاستحسان علاج ناجع عندما تكون لوازم الأدلة ومآلاتها بعيدة عن مقاصد الشريعة، ولاشك أن النظر في مآلات الأدلة ولوازمها معتبر ومقصود شرعا([3]).

إن الحكم الشرعي لا يخلو من مصلحة تجلب أو مفسدة تدرأ، ولكن قد يكون في اطراد تطبيق هذا الحكم مآل على خلاف ما قصد منه، فيؤدي إلى مفسدة تساوي أو تزيد على المصلحة المراد استجلابها أو المفسدة المراد درؤها([4]).

ومثال ذلك: النهي عن بيع المعدوم، أو بيع مالا يمكن الإنسان، فلو اطرد حكم المنع والنهي لوقع كثير من التجار في حرج ومشقة، لأنه لا يستطيع أن يشتري أو يبيع ما هو موصوف في الذمة، والذي يكون عادة أقل ثمنا، وأكثر ربحا للمشتري، وفيه قضاء الحوائج، واتفاق السلعة للبائع، وبهذا المنع يتوقف كثير من التجار عن البيع والشراء، لأن شراء السلع الحاضرة من أصحابها يكون وفق القيمة السوقية، وقد يرتفع السعر بعد الشراء وقد ينخفض، فإذا كان رأس المال المتاجر به لا يقوى على مبايعة تقلبات الأسعار، اضطر صاحبه لعدم المغامرة برأس ماله، وبالتالي تتوقف حركة المال مما يؤدي إلى هلاكه ونفاذه.

وهنا يأتي الاستحسان ليعالج هذه المشقة التي قد تنتج عن اطراد تطبيق الحكم الشرعي، فيستثني بيع السلم، ليحقق مصالح تربو على المفاسد التي أراد الشارع درأها بنهيه عن بيع المعدوم، وتربو على المصالح التي أراد الشارع تحقيقها من نهيه عن بيع المعدوم([5]).

 


[1] -ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية، للعلامة محمد سعيد رمضان البوطي، ص 118.

[2] -المدخل الفقهي العام للزرقا، 2/872.

[3] -الموافقات في أصًول الشريعة للشاطبي، 4/153-165.

[4] – قواعد الأحكام في مصالح الأنام، للعز بن عبد السلام، دار الطباع 1992، ص 609.

[5] -التحسينات المالية عند الحنفية، للدكتور حسن عوض، ص 19.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق