مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

التحسينات المالية في المذهب المالكي وتطبيقاتها المعاصرة 3

ذ. عبد السلام اجميلي 

من علماء القرويين

 

وعرفه الإمام الشاطبي بقوله : الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي، ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس [1].

وذكر له أمثلة كثيرة منها، القرض فإنه ربا في الأصل لأنه الدرهم بالدرهم إلى أجل ولكنه أبيح لما فيه من الرفقة والتوسعة على المحتاجين، بحيث لو بقي على  أصل المنع لكان في ذلك ضيق على المكلفين، ومثله بيع العرية بخرصها ثمرا، فإنه بيع الرطب واليابس، لكنه أبيح لما فيه من الرفق، ورفع الحرج بالنسبة إلى المعري والمعرى، ولو امتنع مطلقا لكان وسيلة لمنع الإعراء، كما أن ربا النسيئة لو امتنع في القرض لا امتنع أصل الرفق من هذا الوجه، ومثله الجمع بين المغرب والعشاء للمشقة، وجمع المسافر، وقصر الصلاة والفطر في السفر الطويل، وصلاة الخوف، وسائر الترخصات التي على هذا السبيل، فإن حقيقتها ترجع إلى اعتبار المآل في تحصيل المصالح أو درء المفاسد على الخصوص، حيث كان الدليل العام أدى إلى رفع ما اقتضاه ذلك الدليل من المصلحة، فكان من الواجب وعلى هذا المآل إلى أقصاه، ومثله الإطلاع على العورات للتداوي، والقراض والمساقات والسلم وإن كان الدليل العام يقتضي المنع.

الحنفية :

ومن الحنفية أبو الحسن الكرخي عرفه بقوله : “هو العدول في مسألة عن مثل ما حكم به في نظائرها إلى خلافه لوجه  أقوى يقتضي هذا العدول [2].

يقول الإمام الغزالي رحمه الله بعد أن أورد تعريف الكرخي وأمثلته: وهذا مما لا ينكر، وإنما يرجع الأستنكار إلى اللفظ، وتخصيص هذا النوع بتسميته استحسانا من بين سائر الأدلة [3].

وقد اعتبر الشيخ أبو زهرة تعريف الكرخي أفضل التعاريف للاستحسان عند الحنفية حيث يقول : وهذا التعريف بين التعريفات لحقيقة الاستحسان عند الحنفية، لأنه يشمل كل أنواعه ويشير إلى أساسه ولبه، إذ أساسه أن يجيئ الحكم مخالفا لقاعدة فيكون الاعتماد أقوى استدلالا في المسألة من القياس… ثم قال: وهذا التعريف يصور لنا أن الاستحسان كيفما كانت صوره وأقسامه يكون في جزئية ولو نسبيا في مقابل قاعدة كلية، فيلجأ إليه الفقيه في هذه الجزئية لكيلا يؤدي في الأخذ بالقاعدة التي هي القياس إلى الابتعاد عن الشرع في روحه ومعناه  [4].

وقد اعترض بعض العلماء على التعريف بكونه يدخل في التخصيص والنسخ، مع أن تخصيص العام ليس استحسانا والأخذ بالناسخ دون المنسوخ ليس استحسانا، يقول الإمام الآمدي رحمه الله بعد إيراده هذا التعريف : “ويدخل فيه العدول عن حكم العموم إلى مقابله للدليل المخصص، و العدول عن حكم  الدليل المنسوخ إلى مقابله للدليل الناسخ، وليس باستحسان عندهم [5].

وأجاب الشيخ بخيت المطيعي عن هذا الإشكال حيث يقول : “إذا كان يريد مطلق مخصص ولكنه لا يريد ذلك، بل إنه يخص تعريفه بكل قياس خفي أو نص أو إجماع قبل القياس الظاهر، ولم يرد مطلق مخصص، بل مخصص خاص في موضع خاص [6].

ويظهر أن هناك شبه اتفاق من طرف المذهب حول هذا التعريف يقول الشيخ أبو إسحاق الشيرازي : “فإن كان مذهبهم أي الحنفية على ما قاله الكرخي وعلى ما قال القائل الآخر بأقوى  الدليلين فنحن به نقول وارتفع الخلاف [7].

 


[1] -الموافقات 4-149.

[2] -كشف الأسرار لعبد العزيز البخاري 4-3 والتلويح على التوضيح 3-81.

[3] -المستصفى 1-283.

[4] -أصول الفقه لأبي زهرة، ص : 251.

[5] -الأحكام للأمدي، 3-200.

[6] -حاشية على شرح الأسنوي 4-400.

[7] -شرح اللمع، 2-270.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق