التحسينات المالية في المذهب المالكي وتطبيقاتها المعاصرة 22
أدلة المذهبين:
استدل أصحاب المذهب الأول على جواز اشتراط ترك الثمر المتناهي على الشجر بما يلي:
-أولا: جواز البيع بشطر لم ينه عنه الشارع، أو لم يكن منافقا لمقتضى العقد، لقوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا"([1])، ثم إن الصحيح أن النهي قد ورد عن شرطين في بيع لا عن شرط واحد([2]).
-ثانيا: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع([3]).
وجه الدلالة من الحديث الشريف:
عن الحديث يفيد النهي عن بيع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، فكان للنهي غاية يقف عندها ولا يتعداها، فمفهوم الحديث: أن بيع الثمرة بعد بدو صلاحها جائز، وإلا فما فائدة ذكر بدو الصلاح؟ ولماذا جعل غاية للنهي؟ لاشك أن تعليق حكم المنع بغاية يفيد مخالفة ما قبل الغاية لما بعدها([4]).
استدل أصحاب المذهب الثاني: على فساد وشرط ترك الثمر المتناهي على الشجر، بما يلي:
-أولا: عموم نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وشرط([5]).
وجه الدلالة من الحديث:
إن البيع مع وجود الشرط لا يجوز، وهو مفسد للعقد، إلا ما استثني لمعنى، وهذه المعاني هي:
ورود الشرع به، أو ملاءمته للعقد، أو جريان العرف به([6]).
وشرط ترك الثمر المتناهي على الشجر عند الشراء، لا يقتضي العقد، وليس من المعاني السابق في شيء، فلا يمكن أن يستثنى من أصل المنع وعمومه، فيبقى على أصل المنع([7]).
-ثانيا: أن مطلق عقد البيع يقتضي تسليم المعقود عليه، فهو وشرط القطع سواء، أما شرط التبقية فلا يقتضيه العقد، بل فيه منفعة لأحد المتبايعين دون الآخر([8]).
واعترض على هذا الاستدلال:
بان الإطلاق في العقود محمول على العرف، وإطلاق بيع الثمار التي بدا صلاحها محمول على التبقية عرفا، فإذا اشترطت التبقية فقد شرط ما يقتضيه العقد، فكان الشرط مؤكدا المقتضى الإطلاق([9]).
الترجيح:
بعد استعراض ما ذهب إليه الفقهاء في حكم هذه المسألة، وما استدلوا به على ما ذهبوا إليه، اعترض على بعض هذه الأدلة، وما تأويل به الفقهاء بعض هذه الأدلة، فإنه يترجح في نظري ما ذهب إليه القائلون بجواز بيع الثمر الذي وما تأول به الفقهاء بعض هذه الأدلة، فإنه يترجح في نظري ما ذهب إليه القائلون بجواز بيع الثمر إلى بدا صلاحه مطلقا، وذلك لما يلي:
-أولا: جواز البيع مع وجود الشرط إذا لم يكن الشرط منهيا عنه أو مناقضا لمقتضى العقد والشرط الذي نحن فيه ليس منهيا عنه شرعا ولا من قضا لمقتضى عقد البيع([10]).
-ثانيا: عن الأصل في الإطلاق في العقود يحمل على العرف، والإطلاق في مسألة شراء الثمر المتناهي على الشجر يقتضي الترك في زماننا، فاشتراط الترك والتبقية إنما هو اشتراط لما يقتضيه عقد البيع، وهذا ما نبه عليه ابن عابدين من الحنفية حيث قال: "ولا يخفى أنهم في هذا الزمان، وإن لم يشترطوا الترك لكنه معروف عندهم، وقد قالوا: إن المعروف عرفا كالمشروط شرطا، ولو علم المشتري أن البائع يأمره بالقطع لم يرض بشرائه بعشر الثمن([11]).
-ثالثا: عن مفهوم المخالفة هو الأصل فيما بناه الجمهور من أحكام، حيث جوزوا بيع الثمر بعديد والصلاح مطلقا، وهذا مفهوم قوله: "حتى يبدو صلاحها"، وغن كان الحنفية ينازعون في حجية الأخذ بمفهوم المخالفة في كلام الشراع، إلا أن الصحيح انه متى تبين يقينا أو بغالب الظن أن القيد معتبر في تشريع الحكم، صح الأخذ بمفهوم المخالفة([12]).
[1] -سورة البقرة الآية 274.
[2] -المغني على مختصر الخرقي ص 161.
[3] -صحيح البخاري كتاب البيوع باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها بغير شرط القطع 6/383.
[4] -صحيح البخاري 4/270.
[5] -تقدم تخريجه.
[6] -الهداية شرح بداية المبتدي 2/53.
[7] -بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، 5/173.
[8] -الهداية شرح بداية المبتدي، 2/29.
[9] -المعونة على مذهب عالم المدينة 2/40.
[10] -التحسينات المالية، لحسن عوض، ص 73.
[11] -مجموعة رسائل ابن عبادين، رسالة نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف، 2/13.
[12] -المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، للدريني، ص 356.