مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

التحرير في نظائر الفقه المالكي لأبي الطاهر ابن بشير ق6هـ

  النظائر: جمع: نظير ومؤنثها نظيرة، وهي تعني الشَّبه والمماثلة، ولو في وجه من الوجوه، لذا فمن نظر إلى المسألتين ظنهما سواءً، والتأليف في هذا الباب قديم، اخترعه أسلافنا لتقريب المادة إلى ذهن القارئ، لاسيما وأن المسائل لو أراد المرء استقصاءها لعسر عليه ذلك، فكان هذا اللون من التأليف مخرجا سهلا وميسرا.

  وهذا الكتاب الذي نقدمه لقرائنا اليوم من هذه البابة، ومؤلفه ابن بشير من ألمع علماء مذهبنا المالكي، برع فيه وبزغ، وكتبه تدل على تبحره فيه.

  وقد انتخب كتابه هذا من كتب كثيرة من كتب أهل العلم، وضمنه مسائل مجموعة من أحكام الشريعة، وجملة من حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، وأقسامه مأخوذة حسب ما قسمها أهل العلم، وأتت به الرواية عن النبيء صلى الله عليه وسلم.

  هذا ملخص ما جاء في مقدمة كتابه رحمه الله تعالى، ثم ثنى بكتاب العلم، وعنونه ب: “أربعون حديثا ترجع إلى أعداد محصورة”، وساق منها أربعة  وثلاثين حديثا، تحتوي مقاصد عامة، وجملا من أصول التشريع جليلة عبادات ومعاملات، قاصدا بذلك تحفيز همة القارئ وتنشيطه للاطلاع على هذه المسائل المبثوثة في كتابه، وكأني به يقول: لا تحقرن كتابي على صغر حجمه، فإني قد جمعت لك فيه أصول ما تريد، وقواعد ما ترغب فيه.

  وبعد هذا الفصل ذكر الأحاديث التي يذكر أهل العلم أنها مدار التشريع الإسلامي كله.

  ثم رتب الأبواب على عادة السادة الفقهاء المالكية: كتاب الطهارة، فالصلاة، فالجنائز، وهكذا إلى أن ختم كتابه بما امتاز به المالكية في مؤلفاتهم، وهو ما يسمونه: “الجامع”، حيث يجمع صنوفا من العلم، وألوانا من الفوائد والفرائد، لا يجمعها رابط معين فتجمع فيه، لكن يغلب عليها الجانب الأخلاقي في التصور الإسلامي.

  وفي كل باب يذكر الفصول المندرجة تحته، دون بسط للمادة؛ إذ قصده ـ بل القصد من هذا التأليف ذاته ـ هو طلب الاختصار والجمع، لا البسط والتقصي للمسائل.

 ولنضرب لذلك مثلا بـ:

فصل: في ثبوت الخيار

الخيار يثبت في البيع بأحد أربعة أشياء:

– أحدها: أن يشترطه، وذلك بوجهين: المشورة، واختبار المبيع.

– والثاني: أن يوجد الغلط والتغرير.

– والثالث: أن يجد به عيبا يوجب الرد.

– والرابع: أن يكون فيه غبنا (كذا في المطبوع والصحيح: غبن، كذا رأيتُ )، وذلك ثلث القيمة فأزيد على خلاف فيه.

وعلى هذا فإن هذا التأليف لا يصلح للشادي في العلم المبتدئ فيه، إنما يحتاجه البارع المنتهي، ليتذكر به المسائل فحسب، لرصيده العلمي الذي يكتنزه، ثم يقيس النظير بالنظير، وأيضا فإن أهل العلم لا يجيزون الفتوى من هذه الكتب لاختصارها؛ إنما الفتوى من الكتب المعتمدة في المذهب كما نصوا عليه.

ولنأخذ مثالا آخر من:

كتاب الجامع:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الملاعن الثلاث: البول في الموارد، وقارعة الطريق، والظل».

«عشرة من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء في المضمضة، وقص الأظافر، وغسل البَرَاجِم (قلت: واحدتها بُرْجُمَة، وهي مفاصل الأصابع من ظهر الكف، تنتشر عند قبض الكف، وتجمع عن فتح الكف)، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتفاض الماء».

«ثلاث لا يحل لأحد أن يعملهن: لا يؤم رجل فيخص نفسه (قلت: بالدعاء كما بينته رواية أبي داوود)، فإن فعل فقد خانهم، ولا ينظر في قعر بيت قبل أن يستأذن، فإن فعل فقد دخل، ولا يصلي وهو حقب حتى يتخفف».

فأنت ترى أن هذه الأحاديث يوردها المؤلف دون أن يكون بينها رابط وثيق، يجمع بين تفاصيل دلالاتها، ويربط بين تضاعيف معانيها.

والكتاب قيم يستفيد منه الباحثون في التراث الفقهي المالكي خاصة، وغيرهم من المذاهب الإسلامية عامة، وقد كان الكتاب معلوما متداولا في الأوساط العلمية، حيث نقل منه العالم الجليل الحطاب في مواضع من كتابه الجليل: مواهب الجليل، وكذا الخرشي في شرحه لمختصر خليل، والعلامة عليش في منح الجليل.

  اسم الكتاب: التحرير في نظائر الفقه المالكي على مذهب الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه.

اسم المؤلف:   أبو الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير (كان حيا سنة:526هـ).

بعض مصادر ترجمته: الديباج المذهب (233:1)، شجرة النور الزكية (ص:126).

اعتناء: الأستاذ جلال الجهاني.

دار النشر: دار النور المبين للدراسات والنشر، ط:1، سنة: 1433هـ، 2012م.

إعداد: د. سعيد بلعزي

Science

الدكتور سعيد بلعزي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هل الكتاب ححق أو لا زال مخطوطا وإن كان حقق فهل طبع وفي أي بلد وجزاكم الله خيرا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق