مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالك الطائي الجياني (الحلقة التاسعة)

– القراءة والمطالعة:
قال الناظم – رحمه الله تعالى -:
فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ =@= عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ
*   *   *
ورد البيتُ في «تعدي الفعل ولزومه»، ويبين فيه ابنُ مالك – رحمه الله تعالى – حكمَ المفعول به، ووجوبَ نصبه إن لم يكن نائباً عن الفاعلِ. 
يحضُّ ابنُ مالك – رحمه الله تعالى – في بيتِه هذا على مثافنة الكتب وملازمتها، ويحث فيه على مطالعتها ومنادمتها، فهي جِلْسُ اللبيب، وإِلف الحبيب، وأُنس الغريب، يعثر الناظر فيها على الدرر، ويقتطف منها الأزهار والثمر.
إن القراءة غذاءُ العقول، وأمثلُ وسيلةٍ لتحصيل العلم المنقول والمعقول، فلا يستغني المتعلم والعالم عنها، ولا ينبغي لأحدٍ أن يملَّ منها، ولذلك كان أول ما نزل على النبي سيد الوجود – صلى الله عليه وسلم – هو أمره بالقراءة، بقوله تعالى:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (*) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (*) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (*) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (*) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5]. 

 

 

 

 

8- القراءة والمطالعة:

قال الناظم – رحمه الله تعالى –:

فَانْصِبْ بِهِ مَفْعولَهُ إِنْ لَمْ يَنُبْ    ///   عَنْ فَاعِلٍ نَحْوُ: تَدَبَّرْتُ الْكُتُبْ

*   *   *

ورد البيتُ في «تعدي الفعل ولزومه»، ويبين فيه ابنُ مالك – رحمه الله تعالى – حكمَ المفعول به، ووجوبَ نصبه إن لم يكن نائباً عن الفاعلِ. يحضُّ ابنُ مالك – رحمه الله تعالى – في بيتِه هذا على مثافنة الكتب وملازمتها، ويحث فيه على مطالعتها ومنادمتها، فهي جِلْسُ اللبيب، وإِلف الحبيب، وأُنس الغريب، يعثر الناظر فيها على الدرر، ويقتطف منها الأزهار والثمر.

إن القراءة غذاءُ العقول، وأمثلُ وسيلةٍ لتحصيل العلم المنقول والمعقول، فلا يستغني المتعلم والعالم عنها، ولا ينبغي لأحدٍ أن يملَّ منها، ولذلك كان أول ما نزل على النبي سيد الوجود – صلى الله عليه وسلم – هو أمره بالقراءة، بقوله تعالى:(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (*) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (*) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (*) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (*) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5]. 

وقد كان علماؤنا النّجُب، حريصين على اقتناء الكتب، ويشيدون بين الفينة والأخرى، بما بين دفاتها من الفوائد والأهمّية الكبرى، ومنهم: الجاحظ – رحمه الله تعالى – الذي يقول في وصف الكتاب:”ونعم الذخر والعُقدة هو، ونعم الجليس والعُدَّة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، ونعم المعرفةُ ببلاد الغربة، ونعم القرين والدخِيل، ونعم الوزير والنزيل. والكتاب وعاءٌ مُلِئَ علماً، وَظَرْفٌ حُشِيَ ظَرْفاً، وإناءٌ شُحِن مُزَاحاً وجِدّاً، إِنْ شئتَ كان أبيَنَ من سَحْبانِ وائلٍ، وإن شئتَ كان أعيا من باقِلٍ، وإن شئتَ ضَحِكْتَ مِنْ نوادِرِهِ، وإن شئتَ عَجِبتَ من غرائبِ فرائِده، وإن شئتَ ألهتْك طرائفُه، وإن شئتَ أشجَتْك مواعِظُه، وَمَنْ لَكَ بِوَاعِظٍ مُلْهٍ، وبزاجرٍ مُغرٍ، وبناسكٍ فاتِك، وبناطقٍ أخرسَ، وبباردٍ حارّ، وفي البارد الحارِّ «…» ولا أعلَمُ جاراً أبرَّ ولا خَليطاً أنصفَ ولا رفيقاً أطوعَ ولا معلِّماً أخضعَ ولا صاحباً أظهرَ كفايةً، ولا أقلَّ جِنَايَةً، ولا أقلَّ إمْلالاً وإبراماً، ولا أحفَلَ أخلاقاً ولا أقلَّ خِلافاً وإجراماً، ولا أقلَّ غِيبةً ولا أبعدَ من عَضِيهة ولا أكثرَ أعجوبةً وتصرُّفاً، ولا أقلّ تصلُّفاً وتكلُّفاً، ولا أبعَدَ مِن مِراءٍ ولا أتْرَك لشَغَب ولا أزهَدَ في جدالٍ ولا أكفَّ عن قتالٍ من كتاب. ولا أعلَمُ قريناً أحسنَ موَافاةً ولا أعجَل مكافأة ولا أحضَرَ مَعُونةً ولا أخفَّ مؤونة ولا شجرةً أطولَ عمراً ولا أجمعَ أمراً ولا أطيَبَ ثمرةً ولا أقرَبَ مُجتَنى ولا أسرَعَ إدراكاً ولا أوجَدَ في كلّ إبَّانٍ من كتاب. ولا أعلَمُ نِتاجاً في حَدَاثةِ سنِّه وقُرْب ميلادِه ورُخْص ثمنه وإمكانِ وُجوده يجمَعُ من التدابيرِ العجيبَة والعلومِ الغريبة ومن آثارِ العقولِ الصحيحة ومحمودِ الأذهانِ اللطيفة ومِنَ الحِكَم الرفيعة والمذاهب القوِيمة والتجارِبِ الحكيمة ومِنَ الإخبارِ عن القرون الماضية والبلادِ المتنازِحة والأمثالِ السائرة والأمم البائدة ما يجمَعُ لك الكتابُ”(1).

“وقيل لبعض العلماء: ما بلغَ من سرورك بأدبك وكتبك؟ فقال: هي إنْ خلوت لَذّتي، وإن اهتممت سَلوتي، وإن قلت: إنّ زهر البستان، ونور الجنان، يجلوان الأبصار، ويُمتعَان بحسنهما الألحاظ؛ فإن بستان الكتب يجلو العقلَ، ويشحَذُ الذّهن، ويُحيى القلبَ، وَيُقوّي القريحة، ويعين الطبيعة، ويبعث نتائج العقول، ويستثير دفائن القلوب، ويُمْتِعُ في الخلوةِ، وَيُؤنسُ في الوحشة، ويُضحك بنوادره، ويُسرّ بغرائبه، ويُفيد ولا يستفيد، ويُعطي ولا يَأخذ، وتصل لذّته إلى القلب، من غير سآمةٍ تُدركك، ولا مشقةٍ تَعرضُ لك”(2). 

وقد كانوا إلى ذلك عَاكفين عليها، شديدي الشوق إليها، وكان الزهري – رحمه الله – إذا أقبل على كتبه لم يلتفتْ إلى شيءٍ، حتى قالت له امرأته يومًا: والله، إن هذه الكتبَ أشدُّ عليّ من ثلاثِ ضرائرَ(3). و”كان ابن المبارك – رحمه الله – يُكثر الجلوس في بيته، فقيل له: ألا تستوحش؟ فقال: كيف أستوحش وأنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه؟!”(4)، يقصد الكتب. وكان أبو العباس ثعلب – رحمه الله – لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة شرط عليه أن يوسع له مقدار مسورةٍ، يضع فيها كتابا ويقرأ(5). ويقول ابن الجوزي – رحمه الله – “ما أشبعُ من مُطالعة الكتب، وإذا رأيت كتابًا لم أره، فكأني وقعتُ على كنز “(6). وحدَّث أبو هِفَّان، وقال:”لم أرَ قطُّ ولا سمعتُ مَن أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ؛ فإنه لم يقع بيده كتابٌ قط إلا استوفى قراءتَه كائناً ما كان، حتى إنه كان يكتري دكّاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر. والفتحِ بنِ خاقان؛ فإنه يحضر لمجالسة المتوكل، فإذا أراد القيامَ لحاجةٍ أخرج كتاباً من كُمّه أو خُفِّه وَقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عَوْدِهِ إِليهِ حتَّى في الخلاء. وإسماعيلَ بن إسحاق القاضي؛ فإني ما دخلتُ إليه إلا رأيتُه ينظر في كتابٍ، أو يُقلِّبُ كُتباً أو ينفضها(7)”. 

ولم تكن قراءتهم للكتبِ هذرمةً، بل كانت عن فهمٍ وتدبرٍ، ولذلك كانوا يقرؤون الكتابَ تارةً عدة مراتٍ، ليفكّوا مبانيه، ويفهموا معانيه، كالمُزَنيِّ – رحمه الله – القائل:”قرأت «الرسالةَ» خمسمائة مرةً، ما من مرةٍ إلا واستفدتُ منها فائدةً جديدةً”(8). كما كانوا يلازمون في الحلّ والأسفار، بعضَ الكتب والأسفار، كالإمام الغزالي – رحمه الله – الذي كان يستصحب كتاب «الذريعة إلى مكارم الشريعة» للراغب الأصفهاني – رحمه الله تعالى -، ولله در المتنبي حين قال:[من الطويل]

أعَزُّ مَكانٍ فِي الدُّنَا سَرْجُ سابحٍ   ///   وَخَيرُ جَليسٍ في الزَّمانِ كِتابُ!

ــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1.  الحيوان، 38-42.

2.  زهر الآداب، 1/184.

3.  شذرات الذهب، 2/100.

4.  سير أعلام النبلاء، 8/382.

5.  الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه، ص:77. والمسورة: المتَّكأُ من الجلدِ.

6.  صيد الخاطر، ص:454.

7.  معجم الأدباء، 5/2101-2102.

8.  المجموع، 1/9.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق