مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

البعد التربوي لألفية ابن مالك الطائي الجيانيّ (الحلقة الثامنة)

– البذل والسخاء:
قال الناظم – رحمه الله تعالى -:
وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا
  كَأعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَما
  
*   *   *
ورد البيتُ في «باب كان وأخواتها»، ويبين فيه ابنُ مالك – رحمه الله تعالى – أنّ «ما دام»  يعمل عمل «كان» بشرط تقدم ما المصدرية الظرفية عليه، ومثَّل لذلك بقوله:(أَعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَمًا)، ومعنى المثال – كما قال الإمام الشاطبي – رحمه الله تعالى – في مقاصده”أعط الناسَ المالَ، وهب لهم، ولا تقطع ذلك عنهم، ما أصبتَ درهماً فما زاد، فإنَّ الخير خير  (1)”.
إن ابن مالك – رحمهُ الله تعالى – في قوله هذا يحضُّ على السّماحة والبذل والعطاء، وهي من حلية الكرماء، وشيمة العظماء، وقد دعا الله – سبحانه وتعالى – عباده إلى مكارم الأخلاق، وحضَّهم على الإفضال والإنفاق، فقال:(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:274]، وقال:(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[آل عمران:92]، كما عدَّ الإنفاقَ من صفات المؤمنين، وخلال المتقين، وقال:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[الأنفال:2-3]، وقال:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران:133-134].

 

– البذل والسخاء:

قال الناظم – رحمه الله تعالى -:

وَمِثْلُ كَانَ دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا /// كَأعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَما  

*   *   *

ورد البيتُ في «باب كان وأخواتها»، ويبين فيه ابنُ مالك – رحمه الله تعالى – أنّ «ما دام»  يعمل عمل «كان» بشرط تقدم ما المصدرية الظرفية عليه، ومثَّل لذلك بقوله:(أَعْطِ مَادُمْتَ مُصِيباً دِرْهَمًا)، ومعنى المثال – كما قال الإمام الشاطبي – رحمه الله تعالى – في مقاصده”أعط الناسَ المالَ، وهب لهم، ولا تقطع ذلك عنهم، ما أصبتَ درهماً فما زاد، فإنَّ الخير خير  (1)”.

إن ابن مالك – رحمهُ الله تعالى – في قوله هذا يحضُّ على السّماحة والبذل والعطاء، وهي من حلية الكرماء، وشيمة العظماء، وقد دعا الله – سبحانه وتعالى – عباده إلى مكارم الأخلاق، وحضَّهم على الإفضال والإنفاق، فقال:(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:274]، وقال:(لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[آل عمران:92]، كما عدَّ الإنفاقَ من صفات المؤمنين، وخلال المتقين، وقال:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ)[الأنفال:2-3]، وقال:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران:133-134].

وقال النبيّ – صلى الله عليه وسلم -:«مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا»[متفق عليه]، قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى -:”قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِي الْإِنْفَاقِ فِي الطَّاعَاتِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَعَلَى الْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَالصَّدَقَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُذَمُّ وَلَا يُسَمَّى سَرَفًا، وَالْإِمْسَاكُ الْمَذْمُومُ هو الإمساك عَنْ هَذَا  “(2).

وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – المثل الأعلى في الإفضال، والقدوة الأسمى في السخاوةِ وبذل النوال، قال ابن عباس – رضي الله عنه -:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-أَجْوَدَ النَّاسِ بِالْخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِى شَهْرِ رَمَضَانَ؛ إِنَّ جِبْرِيلَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَلْقَاهُ فِى كُلِّ سَنَةٍ فِى رَمَضَانَ حَتَّى يَنْسَلِخَ فَيَعْرِضُ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْقُرْآنَ فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»[متفق عليه]، وقال جابر – رضي الله عنه -:«مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لاَ»[متفق عليه]. 

وكانَ – صلى الله عليه وسلم – أجودَ بني آدم، يتخرّق في العطاء، وينفق بلا منٍّ ولا أذًى، ويُؤثرُ على نفسه ولو كان به خصاصةٌ؛ فقد “جَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً، لاَ يَخْشَى الْفَاقَةَ”[ صحيح مسلم، 7/74]. وجاءتهُ امرأةٌ يومَ حنينٍ فَأنشدت شعرا تُذكّره أيامَ رضاعته فى هوازن فرد عليهم ما أخذ وأعطاهم عطاءً كثيرًا حتى قُوّم ما أعطاهم ذلك اليوم فكان خمسمائة ألف ألفٍ. قال ابن دحية: وهذا نهاية الجود الذى لم يسمع بمثله فى الوجود  “(3).

 وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يوم حنينٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً. حتى قال:”وَاللَّهِ، لَقَدْ أَعْطَانِى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ”[صحيح مسلم، 7/75].

 ولله در ابن جابر الأندلسي – رحمه الله تعالى – حين قال:[من الكامل]

هَذَا الَّذي لا يَتَّقي فَقْرًا إذَا *** يُعْطي ولو كثُر الأنامُ ودَامُوا

وادٍ من الأنعَامِ أَعطى آمِلًا *** فَتحيَّرتْ لِعطَائهِ الْأَوْهامُ  (4)

وقد نسج على منواله صحابته – رضي الله عنه – وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع؛ فكان منهم مُتخرقون في العطاء: فكان منهم جماعةٌ “إِذَا رأوا أموالهم كثُرت وزادت نقَّصُوها بإيلاء البرّ وإسداء المعروف، خوفاً من أن تحملهم نفوسُهم على البطر والطغيان، وأن تلهيهم بكثرتها عن الاشتغال بعبادة الرحمان  “(5)، كأبي بكر الصديق الذي بذل كلَّ ماله في سبيل الله، وأبقى لأهله الله ورسوله  (6)، وعثمان بن عفان الذي جهز جيش العسرة  (7)، وعبد الرحمن بن عوف – رضي الله عنه – الذي جاءت قافلة له من الشام تحمل تجارةً عظيمةً، وكانت سبعمائة بعيرٍ، فجعلها جميعها في سبيل الله  (8)، رضي الله تعالى عنهم أجمعين -.

ففي ما ذكرَ بيانٌ أنَّ السَّخاء خصلة رفيعة وحلية بديعةٌ، وجدير بالمؤمن أن يتخلق بها، ويُعوّدَ نفسه الإفضالَ على الناس، لاسيّما عند نُزول الضّيق والباس، ويعلم أن المال يزكو بالبذل، ويتناقص بالشُّحّ والبخل، فقد جاء في الحديث:«إنّ مَفاتِيحَ الرِّزْقِ مُتَوَجِّهَةٌ نَحْوَ العَرْشِ فَيُنْزِلُ الله تَعَالَى على الناسِ أرْزَاقَهُمْ على قَدْرِ نَفقاتِهِمْ فَمَنْ كَثَّرَ كُثِّرَ لهُ ومَنْ قَلَّلَ قلل له  »(9)، قال المناوي – رحمه الله تعالى – في شرحه:” من وسع على عياله ونحوهم ممن عليه مؤونتهم وجوبا أو ندبا أدرَّ الله عليه من الأرزاق بقدر ذلك أو أزيد ومن قتَّر عليهم قُتِّر عليه  “(10). وفيه:«إنّ الله تَعَالَى يُنْزِلُ المعُونَةَ على قَدْرِ المؤونَة  »(11)، قال القسطلاني – رحمه الله تعالى –”إنَّ مادة الرزق متصلة باتصال النفقة منقطعةٌ بانقطاعها  “(12)، لذلك قال الإمام علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -:إن للنعمة أجنحةً؛ فإن أُمسكتْ بالإحسان قرَّتْ وإلا فرَّت. وقال بعض الحكماء ثواب الجود خلفٌ ومكافأة ومحبةٌ، وثوابُ البخل حرمان وإتلاف ومذَمّة  (13).

وهذا معنى قول الناظم – رحمه الله تعالى -، وفيه أيضا يقول أبو المحامد الشيخ الخديم – رحمه الله تعالى -:[من الرجز]

وَكُلُّ مَنْ وَافَاكَ لاِجْتِدَاءِ = فَاصْبُبْ عَلَيْهِ مَطَرَ الْعَطَاءِ

إِنْ كُنْتَ ذَا غِنًى وَلاَ تَحْتَكِرِ = مَالًا إِلَى غَدٍ لـِخَوْفِ الضَّرَرِ

لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ تَعَالَى = هُوَ الَّذِي أَعْطَاكَ ذَاكَ الْـمَالَا

فَحَيْثُمَا أَكْثَرْتَ فِيهِ التَّلَفَا = لِوَجْهِهِ أَعْطَاكَ جَلَّ الْخَلَفَا(14)

ــــــــــــــــــــ

الهوامش:

1.  المقاصد الشافية، 2/144.

2.  شرح النووي على مسلم (7/ 95).

3.  المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 139)

4.  المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (2/ 136)

5.  غرر الخصائص الواضحة (ص:310)

6.  المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/ 574)

7.  صحيح البخاري، (3/ 1351).

8.  سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (11/ 319)

9.  فيض القدير (2/ 523)

10.  فيض القدير (2/ 523)

11.  فيض القدير (2/ 318)

12.  إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (4/ 347)

13.  غرر الخصائص الواضحة (ص:308)

14. مسالك الجنان في جمع ما فرقه الديماني، ص:73.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق