اعتنى فقهاء المغرب ببعض الموضوعات الفقهية، وانكبوا عليها بالبحث والتحقيق والتدقيق، حتى أضحينا نجد لهم رسائل صغيرة مستقلة، في شرح أو بيان نازلة أو مسألة واحدة، أو في أبواب معينة من كتاب معين، وكتاب الارتفاق بمسائل من الاستحقاق لأبي علي الحسن بن رحال بن أحمد بن علي التدلاوي المعداني(ت1140هـ)، يعد من المؤلفات التي ابتكرت في هذا الباب، على مذهب عالم المدينة، اعتنى فيه صاحبه بجمع وبيان بعض المسائل المتعلقة بالفقه القضائي العملي التطبيقي، التي تتكرر بين يدي القضاة – كما صرح هو نفسه بذلك-.

وقد اكتفى المؤلف في كتابه بتوضيح ما له علاقة بالشهادة وما يترتب عنها، مستهلا ذلك بمقدمة بيّن فيها ما يفعله بعض العدول والقضاة من استخراج الشيء المستحق من يد الحائز الذي يدعي المِلكية لما حازه بناءً على شهادة اللفيف، – أي الجماعة الذين لم تثبت  عدالتهم- ، ثم أتى  بفصل أول تحدث فيه عن: اللفظ المحتمل الذي لا يعرفه إلا العالم لا تصح الشهادة به إلا مفسرة، من غير العالم ذي النباهة. وتطرق في الفصل الثاني إلى: أن الحوز وما في معناه كولادة الدابة عند الذي أراد استحقاقها ليس هو المِلْك بل أعم من ذلك.

وبين في الفصل الثالث مسألة: تقديم بينة الملك على بينة الحوز ولو طال…، ثم ختم ببيان ما يعتمد عليه الشاهد في شهادته لفلان، وإلا لم يجز له أن يشهد بالمِلك لمن يطلب ذلك. مع العلم أن المؤلف جمع بين الفصلين الثاني والثالث والخاتمة معللا ذلك بكون بعضها داخل في بعض.

وقد امتازت هذه الرسالة بكثرة النقول عن متقدمي المذهب والترجيح بينها؛  بأسلوب يتسم  بالسهولة والوضوح، وأحيانا يلجأ إلى اللغة العامية، كما هو الحال عنده في استفسار الشهود العوام عن دابة، مثل قوله: «ما معنى هي مَالُ أو امْتَاعْتُ»، أو«من أين جَاتُ»، أو«من أين كانت مَلْكُ»، مع ميله إلى الاختصار وعدم الإطالة، ونقل الأقوال بلفظها وعزوها إلى أصحابها في الأغلب،  إضافة إلى اجتهادات وتعقيبات له، لا تخلو من فائدة.

والمتفحص للكتاب يلحظ أن ابن رحال اعتمد في كتابه هذا ما ينيف عن ستين مصدرا، منها المدونة لسحنون، والنوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني، والمعونة للقاضي عبد الوهاب، والكافي لابن عبد البر، والتبصرة للخمي، والمقدمات الممهدات لابن رشد، والتنبيهات للقاضي عياض، والنهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام للمتيطي، والجواهر الثمينة لابن شاس، والذخيرة للقرافي، وتفسير البيضاوي، ولباب اللباب لابن راشد القفصي، وتفسير ابن عرفة، والتوضيح للشيخ خليل، والتاج والإكليل للمواق، وغير ذلك.

وقد اعتنى بكتاب الارتفاق من جاء بعد ابن رحال واستفادوا منه في مؤلفاتهم مثل: أبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي في كتابه «البهجة في شرح التحفة»، والوزاني في حاشيته على شرح ابن سودة على اللامية، ونوازله الكبرى، وغيرهما.

طبع الكتاب مرتين: الأولى بمكتبة الرشد، تحقيق ودراسة محمد بن سليمان المنيعي، الطبعة الأولى (1421هـ – 2000م).

والثانية بمكتبة دار الرشاد الحديثة، تحقيق وتقديم وتعليق مبارك أحمد زكي، الطبعة الأولى ( 1428هـ – 2007م).