مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

الإنابة(3)

د/عبد الرحيم السوني 

باحث بمركز دراس بن إسماعيل

 

إن الإنابة – كباقي المصطلحات الصوفية السلوكية – تأخذ أبعادا مقامية على عادة أهل هذا الفن في التدرج العملي والحالي في بناء مفاهيمهم التي هي مفاهيم عملية تُنبئ عن أحوال أصحابها، ومن هذا الباب قال الشيخ عبد الله الهروي في تحديد درجات الإنابة: «الإنابة ثلاثة أشياء:

الرجوع إلى الحق إصلاحاً، كما رجع إليه اعتذاراً.

والرجوع إليه وفاءً، كما رجع إليه عهداً.

والرجوع إليه حالاً، كما رجع إليه إجابةً، وإنما يستقيم الرجوع إليه إصلاحاً بثلاثة أشياء:

بالخروج عن التبعات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات.

وإنما يستقيم إليه الرجوع إليه وفاء بثلاثة أشياء:

بالخلاص من لذة الذنب.

وبترك استهانة أهل الغفلة تخوفاً عليهم مع الرجاء لنفسك.

وبالاستقصاء في رؤية علل الخدمة.

وإنما يستقيم الرجوع إليه حالاً بثلاثة أشياء:

بالإياس من عملك، ومعاينة اضطرارك، وشيم برق لطفه بك»[1]. ويدخل في هذا الباب أيضا قول ابن عجيبة الحسني في تحديده لمراتب التوبة: «هي ثلاثة مراتب:

رجوع من الذنوب إلى التوبة، ومن الغفلة إلى اليقظة، ومن الفرق إلى الجمع على الله»[2]. و الإنابة في صورها العملية «هي على ثلاثة أوجه: إنابة من السيئات إلى الحسنات، وإنابة من كل ما سوى الله إلى الله، وإنابة من الله إلى الله»[3].

وعن مراتب الإنابة يقول الشيخ كمال الدين القاشاني: «إنابة العامة: هي الرجوع من مخالفة الأمر إلى موافقته، فلا يجدك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك. و إنابة الخاصة: الرجوع من مخالفة الإرادة إلى موافقتها، بحيث لا يختلج في قلبك إرادة لشيء لعلمك بأنه لا يقع إلا ما أراد الله تعالى وقوعه، وهذا أحد الوجوه التي يحمل عليها قول أبي يزيد: أنا المراد وأنت المريد  إذ لا مريد سواه، فالكل مراد له تعالى وتقدس … واعلم أن المتحقق بهذه الإنابة هو صاحب مقام الرضا. وإنابة خاصة الخاصة: أن لا يرى معه سواه»[4].

وخلاصة القول في الإنابة أنها مرحلة متقدمة عن التوبة؛ إذ هي أخص منها وفرع من فروعها، والمتحقق بوصفها يقال له المنيب ، و«المنيب على الحقيقة: هو من لم يكن له مرجع سواه فرجع إليه من رجوعه، ثم فني في رجوعه، فبقي شبحا لا وصف له قائما بين يدي الحق، مستغرقا في عين الجمع، قطع عنه سبل التفرقة والأخبار عن الأكوان»[5].

وقيل: « المنيب: هو الراجع عن كل شيء يشغله عن الله إلى الله»[6].   

وقيل: «المنيب: هو من ترك آفاته، وتدارك ما فاته»[7].

الهوامش:

 

 


[1]  ـ منازل السائرين، الشيخ عبد الله الهروي، ص: 16 – 17.

[2]  ـ معراج التشوف إلى حقائق التصوف، الشيخ أحمد بن عجيبة، ص: 6.

[3]  ـ معجم مصطلحات الصوفية، عبد المنعم الحفني، ص: 26.

[4]  ـ لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام، الشيخ كمال الدين القاشاني، ص: 122 ـ 123.

[5]  ـ حقائق التفسير، الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي، ص: 1068.

[6]  ـ عوارف المعارف، الشيخ عمر السهروردي، (ملحق بكتاب احياء علوم الدين، ج 5)، ص: 229.

[7]  ـ أربع رسائل في التصوف لأبي القاسم القشيري، قاسم السامرائي، ص: 60.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق