مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل.

 

وقد تلخص أنه لابد في تحقق الإيمان من ثلاثة أمور:

 أحدها: المعرفة وهي التجلي والانكشاف لحقيقة دعوى النبي صلى الله عليه وسلم بحيث لا يتطرق إلى شيء مما علم ضرورة مجيئه به احتمال النقيض بوجه، وهذه المعرفة وإن كانت من قبيل العلوم وهي من الكيفيات النفسانية دون الأفعال الاختيارية فقد سبق أنه يصح التكليف بها، باعتبار مباشرة أسبابها المؤدية إليها من توجيه الحواس وصرف النظر ودفع الموانع، وباعتبار ذاتها كان الإيمان مستفادا بالدليل.

 ثانيها: حديث النفس التابع للمعرفة اللازم لها.

ثالثها: الاستسلام والانقياد والإذعان بمعنى قبول الأحكام، وهو يستلزم الإجلال وعدم الاستخفاف بشد زنار ونحوه كما أشرنا إليه آنفا، ولعدم الاستسلام والإذعان المذكور حكمنا على كثير من أهل الكتاب وغيرهم بالكفر مع أنهم كانوا يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، ويستيقنون أمره، إلا أنهم استكبروا ولم يذعنوا فلم يكونوا مصدقين، وكذا أبو طالب الذي قال يخاطب المصطفى صلى الله عليه وسلم في بعض أشعاره

ودعوتني وزعمت أنك ناصحي * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا

وعرضت دينا لا محالة أنــــــــه * من خير أديان البرية دينــــا

وبالنظر إلى الانقياد والاستسلام عدوا الإيمان فعلا قلبيا، أو بالنظر إلى حديث النفس أو بالنظر إلى أسباب المعرفة، فظهر أن ليس حقيقة الإيمان مجرد كلمتي الشهادة على ما زعمت الكرامية، بل الإيمان أمر قلبي بدليل قوله تعالى: (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان)، (وقلبه مطمئن بالإيمان)،  (ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم ثبت قلبي على دينك)، وقال لأسامة حين قتل من قال لا إلاه إلا الله: (هلا شققت عن قلبه).

فإن قيل: الإيمان هو التصديق، وأهل اللغة لايعرفون من لفظ التصديق إلا التصديق باللسان، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يقنعون من المؤمن بكلمة الشهادة، ويحكمون بإيمانه من غير استفسار لما في قلبه، قلنا: لا خفاء في أن المعتبر في التصديق  لغة عمل القلب حتى لو فرضنا عدم وضع لفظ التصديق لمعنى أو وضعه لمعنى غير التصديق القلبي لم يحكم أحد من أهل اللغة والعرف أن من قال صدقت مصدقا للنبي صلى الله عليه وسلم مؤمن به، ولهذا صح نفي الإيمان عن بعض المقرين باللسان، قال تعالى: ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمومنين )، ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا )، ولا نزاع في أن المقر باللسان فقط يسمى مؤمنا لغة وشرعا بحسب الظاهر، وتجري عليه أحكام الإيمان، لكن ذلك لظن المواطأة، وإنما نزاعنا في كونه مؤمنا عند الله، والنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة كما كانوا يحكمون بإيمان المقر باللسان كانوا يحكمون بكفر المنافق، وأيضا الإجماع على أن من صدق بقلبه ومنعه من النطق خرس ونحوه فهو مؤمن، فبطل قول الكرامية المذكور أن حقيقة الإيمان كلمتا الشهادة، وقد تبين أيضا أن الإيمان يباين الإسلام مفهوما، وأما قوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المومنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين )، فلا يدل على اتحاد مفهومهما، وإنما يدل على تصادق المشتقين منهما على ذات واحدة، وقد قال سعد الدين كما نقله عنه السيد في حواشي المطول أن تصادق المشتقين كالناطق والضاحك على ذات واحدة لا يدل على تصادق مأخذيهما فضلا عن اتحاد المأخذين، فيصدق أن الناطق ضاحك، ولا يصدق أن النطق ضحك، وقول النسفي كغيره الإيمان والإسلام واحد لم يرد به اتحاد المفهوم، وإنما المراد أنهما متلازمان بحسب حكم المحاكم منا، بمعنى أنه لا يصح أن يحكم على أحد أنه مؤمن وليس بمسلم، أو مسلم وليس بمؤمن  لعدم الاطلاع على حقيقة ما في القلب.

ويدل على أن الأعمال ليست من مسمى الإيمان شرعا عطفها عليه في الكتاب والسنة كثيرا كقوله تعالى:( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، وتقييد العمل بالإيمان كقوله تعالى: (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مومن)، وإثبات الإيمان لمن ترك بعض الأعمال كقوله تعالى: (وإن طائفتان من المومنين اقتتلوا)، فسقط قول المعتزلة أن الأعمال جزء من مسمى الإيمان ينتفي بانتفائها حتى جعلوا العاصي خارجا عن الإيمان غير داخل في الكفر، فأثبتوا منزلة بين المنزلتين، نعم السلف يطلقون الإيمان على الكامل المنجي وهو المشتمل على الأعمال، فيقولون ومنهم ابن أبي زيد في رسالته الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح.

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227 على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين، ص: 122- 123.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق