مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الإرشاد إلى تقريب الاعتقاد

إعداد:

الدكتور عبد الله معصر، رئيس مركز دراس بن إسماعيل

الدكتور مولاي إدريس غازي، باحث بمركز دراس بن إسماعيل.

 

قال الشارح رحمه الله مبينا وجوه الإعجاز القرآني:

ومنها إخباره بمغيبات ظهر مصداقها، كقوله:(سيهزم الجمع ويولون الدبر)[القمر: 45]، وقد هزموا ببدر، وكقوله:(وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين)[الروم:2]، إلى قوله:(بنصر الله) [الروم:4]، فغلبت الروم فارسا يوم بدر الذي فرح المؤمنون فيه بنصر الله، وقوله: (ستدعون إلى قوم بأس شديد)[الفتح:16]، وهم بنو حنيفة وقد دعاهم إليهم أبو بكر، أو فارس وقد دعاهم إليهم عمر، وقوله: “ولن تفعلوا”، أي لن تعارضوه فما فعلوا. وقوله:(ولن يتمنوه أبدا)[البقرة:95]، أي لن يتمنى اليهود الموت أبدا بما فعلوا، قال عليه السلام:” والله لا يقولها رجل منهم إلا غص بريقه”.

 ومنها إخباره عن القرون السالفة والشرائع الدائرة والقصص الماضية التي لا يعلم  القصة الواحدة منها إلا الفذ من أحبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلم ذلك، مع كونه صلى الله عليه وسلم أميا لا يقرأ، ولم يخالط أحدا ممن يظن به علم ذلك، وقد علمت قريش وغيرها ذلك من حاله حتى فاجأهم بها، كخبر موسى والخضر ويوسف وإخوته  وأصحاب الكهف وذي القرنين ولقمان وابنه وغير ذلك.

 ومنها هيبته وروعته مع الحلاوة، قال تعالى:( تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم) الآية[الزمر:23]، (لو أنزلنا هذا القرآن)الآية[الحشر:21]، قال جبير بن مطعم:” سمعت المصطفى صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ (أم خلقوا من غير شيء) الآيات[الطور:35] كاد قلبي أن ينفطر، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي”. ولما تلا عليه الصلاة والسلام (حم) فصلت على عتبة بن ربيعة، فلما بلغ: (فإن أعرضوا فقل أنذرتكم) الآية[فصلت:13]، أمسك عتبة فم النبي صلى الله عليه وسلم بيده وناشده الرحم أن يكف، ورام يحيى بن حكم الغزال بليغ الأندلس في وقته أن يحذو حذو سورة الإخلاص، قال: فاعترتني خشية حملتني على التوبة. ومر نصراني بقارئ فوقف يبكي، فقيل له مم بكيت؟ قال: للشجاء والنظم.

 ومنها حفظه من تغيير كلمة أو حرف أو شكلة مما صح عن الرسول، دخل يهودي على المأمون فتكلم فأحسن الكلام، فدعاه المأمون للإسلام فأبى، ثم جاء بعد سنة مسلما، فتكلم في الفقه، فأحسن فقال المأمون: ما سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من عندك، فأردت أن أستخبر الأديان، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاثة نسخ، فزدت ونقصت فيها، فأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني، وعملت في الإنجيل مثل ذلك، فأدخلته البيعة فاشتري، وكتبت ثلاثة مصاحف، فزدت ونقصت فأدخلته الوارقين، فلما تصفحوها ووجدوا الزيد والنقص رموا بها إلي ولم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ فأسلمت، قال يحيى بن أكثم: هذا المعنى مأخوذ من قوله تعالى: (بما استحفظوا من كتاب الله)[المائدة:44] أي التوراة والإنجيل، وقوله: (إنا نحن نزلنا الذكر) الآية[الحجر:9]، فوكل حفظ الكتابين إليهم فضيعوا، وضمن حفظ القرآن فلم يضع.

 ومنها أنه لا يمله قارئه وسامعه ولا يزداد إلا حلاوة، وكل كلام سواه وإن كان من البلاغة والحسن بمكان تمل إعادته؛ إذ من مقتضيات العادات معادات المعادات، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا في قوله في حديث عند الترمذي وغيره: (ولا يخلق على كثرة الرد)، أي لا يبلى القرآن في الأسماع والقلوب مع كثرة ترديده.

 ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم تعهد ولم تنفد، قال في الحديث المذكور: (ولا تنقضي عجائبه)، وعن علي: (لو أذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضع على الفاتحة وقر سبعين بعيرا لفعلت)، قال الشعراني والسنوسي أجمع العارفون على أن كلام الله واسع، وأنهم لا يزالون يفهمون منه علوما وأسرارا، وأن الكل مقصود ما لم يخرج إلى ما لا يقبله اللفظ في لسان العرب، فإن خرج فلا فهم ولا علم.

 ومنها جمعه الدليل والمدلول؛ لأنه محتج بنظمه المعجز على الأحكام التي في طيه من أمر ونهي ووعد ووعيد.

 ومنها تيسير حفظه حتى على الغلمان في أيسر مدة، وكتب الأمم لا يحفظها الواحد منهم فضلا عن الجم الغفير.

 ومنها شدة تأكيده والانفعال له؛ كان ابن مغيث يرق سماعه كثيرا ويبكي، فسمع قارئا يقرأ: (يا عبادي لا خوف عليكم اليوم) الآيات[الزخرف:68]، فصاح وغشي عليه وقاء شيئا أخضر، وما استتم يومه إلا ميتا، ومر بعض الصالحين ببغداد على صبي يبكي بباب مكتب فسأله، قال: كتب المعلم في لوحي سطرا أبكاني:(بسم الله الرحمن الرحيم الهاكم التكاثر)[التكاثر:1] إلى (تعلمون)[ التكاثر:4]، تهديد بعد تهديد وتخويف بعد تخويف، قال: أخر بكائك حتى يكتب لك سطرا أبلغ: (لترون الجحيم)[التكاثر:6]، فاضطرب الصبي وسقط ميتا، فوثب المعلم على الرجل فرفعه للخليفة، فقال: دعه، قد أسرع الصبي إلى منازل السعادة، وذكر الثعلبي والسمرقندي أن أبا ثعلبة الأنصاري صلى العشاء خلف المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقرأ صلى الله عليه وسلم: (الهاكم التكاثر)، فشهق أبو ثعلبة شهقة، فقرأ: (حتى زرتم المقابر)[التكاثر:2] ، فشهق شهقة أخرى ففارق الدنيا”.

شرح العالم العلامة البحر الفهامة شيخ الشيوخ

سيدي محمد الطيب بن عبد المجيد المدعو ابن كيران المولود سنة 1172هـ المتوفى بمدينة فاس 17 محرم سنة 1227

على توحيد العالم الماهر سيدي عبد الواحد بن عاشر قدس الله سرهما آمين.

ص 104- 105.

(طبع على نفقة الحاج عبد الهادي بن المكي التازي التاجر بالفحامين)

مطبعة التوفيق الأدبية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق