مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

الأسرة والحركة النسائية بالمغرب، تماسك أم مساواة؟

 

إلياس بوزغاية


 

 

تقديم

 

من الملاحظ أن الكتابات التي تدخل في إطار الحركة النسائية والدفاع عن حقوق المرأة تعتمد بالأساس على مفهوم المساواة. بالمقابل، فإن الكتابات التي تنتقد هذا التوجه تنبه إلى أن المساواة مفهوم دخيل يستهدف التضامن والتماسك داخل الأسرة المسلمة. بين المساواة والتماسك هناك إشكاليات عميقة يحتاج المجتمع إلى التأمل فيها وإعادة النظر في الفلسفة المؤسسة لهما من أجل بناء مجتمع متوازن لا يظلم المرأة ولا يفكك الأسرة.

 

I-                    الأسرة والحركة النسائية: بين التطور والثبات 

لطالما كانت علاقة الحركة النسائية بمؤسسة الأسرة علاقة متوترة، فالدور الاجتماعي النمطي الذي تقوم به المرأة داخلها يجعلها تبدوا وكأنها تحتاج إلى التحرير والانعتاق. لكن الأكيد هو أن هذه الأدوار تساهم بشكل كبير في الحفاظ على تماسك واستمرار الأسرة. الحديث عن المساواة وعدم وجود اختلاف بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات يخيف العقلية الذكورية ويثير حفيظة المحافظين الذين يرون فيها تهديدا لثقافة المجتمع وكيان الأسرة. والواقع هو أن التحولات الاجتماعية اليوم على المستوى القيمي والسلوكي أصبحت لا تدع مجالا للمواقف لإيقاف زحفها، كما أنها تشير إلى حدة الصراع بين قيم الأمس واليوم داخل الأسرة، وهو ما يثير جدلية الثابت والمتحول في المجتمع المغربي.

يؤكد علماء التغيير الاجتماعي أن تحول المجتمعات يحصل نتيجة التطور في العناصر المادية والفكرية لها وأن الأفراد فقط يتفاعلون ويتأقلمون مع هذه العناصر.[1] فالتمدن والثورة الصناعية وبرامج تنظيم الأسرة وخروج المرأة للعمل والإعلام والتكنولوجيا كلها عوامل ساعدت وتساعد على تحول الأسرة في بنيتها وأدوارها ووظيفتها. تضيف الدكتورة نهى قرطاجي بهذا الصدد إلى أنه في البلدان الإسلامية “سوء فهم الدين ومقاصده من الأسرة، بالإضافة إلى جمود القوانين والممارسات القضائية المنحازة، وكذلك الأعراف والتقاليد الموروثة، كلها ساهمت في عدم انسجام وتصالح هذا الجيل مع مصادر قيمه”[2]. قضايا مثل جرائم الشرف والعذرية والولاية والقوامة والجنسية والإرث هي مسائل تطرح إشكالية مواكبة التشريع الإسلامي للتحولات الاجتماعية وتجعل مفهومي حقوق المرأة والتماسك الأسري يدخلان في مفاوضات ومساومات غالبا ما تكون المرأة ضحية لها.

الأسرة كموضوع للتحول لا تخضع فقط للعناصر المادية التي تؤثر فيها، بل هي أيضا محل تجاذب بين عدة تيارات ومقاربات فلسفية تحاول تقديم وجهات نظر في الموضوع. الحركة النسائية بالتأكيد من أهم الفاعلين الذين يضعون العنصر النسوي والمؤسسة الأسرية وجها لوجه في سياق التحولات.

 

II-                  المسألة النسائية والمسألة الأسرية  بالمغرب: بأية مرجعية

من المهم استحضار السياق التاريخي الذي أتت فيه الحركة النسائية، فمنذ الثورة الفرنسية سنة 1789 تم اعتماد المبادئ الثلاث: Egalité, Fraternité, Liberté . مفهوم المساواة من ضمن هذه المبادئ بدأ يتبلور ويتطور من الناحية الفلسفية والقانونية إلى أن وصل إلى إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، والذي تطور تدريجيا على وقع العديد من المؤتمرات العالمية (مؤتمر مكسيكو 1975 – مؤتمر نيروبي 1985 – مؤتمر بيكين 1995). هذه المؤتمرات التي تمت تحت رعاية الأمم المتحدة ما لبثت أن شكلت ما يعرف اليوم بالحركة النسائية العالمية والتي تجعل اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) المرجع الأول لها.

يسجل موقع اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل أن بعض وثائق الأمم المتحدة المعنية بالمرأة خالية تماما من أي إشارة للأسرة، وأن السياقات التي ورد فيها هذا المصطلح تنحصر في تنظيم الأسرة وتحديد النسل، إلغاء القوامة واستبدالها بالشراكة، اعتبار ممارسة الرجل للقوامة عنفا ضد المرأة، إقرار حق الشواذ في تكوين أسر، اعتبار الأمومة وظيفة اجتماعية بدلا من أن تكون وظيفة فطرية.[3] يمكن التخمين هنا بأن هذه البنود هي امتداد لفلسفة العقد الاجتماعي التي تشجع على مراجعة الأفكار المسبقة وإعادة بناء النظام الاجتماعي بالتركيز على الحرية الفردية مقابل سيطرة المجتمع، فمفهوم الجندر Gender)) مثلا يعتمد على تكسير بديهيات فكرة الاختلاف الطبيعي والبيولوجي والقول بثقافية صفات الذكورة والأنوثة وبالتالي فإن أي تفريق بين الجنسين هو تمييز يجب أن يراجع بطريقة جذرية تجعل المساواة المطلقة هدفا استراتيجيا لها.[4] من بين امتدادات هذه الفلسفة هو ما تحدث عنه الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقال له مشيرا إلى الفرق بين المجتمعات التعاقدية والمجتمعات التراحمية.[5]

الحركة النسائية المغربية كما في معظم دول العالم الثالث واكبت هذا التوجه في معظمها وناضلت من أجل تحقيقه، لكن في فترة التسعينات ومع بروز التيار الإسلامي ظهرت أصوات تنادي برفض المرجعية الغربية وإعادة الاعتبار لحقوق المرأة من داخل الشريعة الإسلامية. ومثلت مكانة الأسرة ركيزة أساسية في توجه الحركة النسائية الإسلامية بالموازاة مع تحقيق المساواة للمرأة (منتدى الزهراء نموذجا[6]). هذا المسعى المزدوج في ظل التحولات المعاصرة يشكل تحديا كبيرا على المستوى النظري والقانوني والمجتمعي.

 

III-                تماسك ومساواة: في البحث عن المشترك وتدبير المختلف 

في المغرب، كما في معظم الدول المسلمة، هناك إشكالية قانونية مستمرة تتمثل في تحديد المرجعية المعتمدة في إحداث التغيير المطلوب، فبين الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي والقوانين الوطنية والقوانين الدولية توجد مجموعة من العناصر التي تتقاطع وتتعارض فيما بينها. بهذا الصدد يسجل العديد من الباحثين أن المرجعية القانونية في المغرب تعرف ازدواجا في الخطاب، فالدستور المغربي ينص على إسلامية الدولة في الفصل السادس وفي الوقت نفسه يعترف ويلتزم بالقوانين الدولية كما هو مشار في تصدير الدستور. وفي الوقت الذي ينص فيه في المادة 32 على أن “الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع” (والذي بموجبه تم إحداث المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة)، فإنه ينص في الفصل 19 على المساواة بين الجنسين (والذي بموجبه تم إحداث هيئة المناصفة التي تسعى لتفعيل هذا الفصل.)

وإذا كان من الممكن تسمية هذا الواقع تضاربا في القوانين، فإنه من المؤكد أنه يعكس أيضا نوعا من الحرص على خلق توازن بين المحافظة على الهوية الإسلامية وعلى الانفتاح على القوانين الدولية، كما أنه يسعى إلى تعزيز مكانة الأسرة وقيمة التماسك وفي الوقت نفسه كرامة المرأة وقيمة المساواة. إن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هنا هو ما هو المشترك والمختلف في المرجعيتين؟

ترى الدكتورة رجاء ناجي مكاوي أن مساحة التوافق بين الاسلام ومدونة الأسرة والمواثيق الدولية كبيرة، وأن اتفاقية سيداو أصبحت أمرا متجاوزا في ظل الاصلاحات التي جاءت بها المدونة والدستور الجديد حيث أن الزوجة تتمتع بحقوق أكبر من تلك المنصوص عليها في المادة 16 من اتفاقية سيداو (المساواة في الحقوق والواجبات) كالمسؤولية المشتركة والمهر والتكفل بالنفقة والقوامة. وبذلك يكون المغرب قد أبقى فقط على التحفظات التي تشير إلى المساواة الرياضية والتي تتعارض مع المساواة التي يقصدها المشرع المغربي “التي تكفل لكل من الزوجين حقوقا ومسؤوليات ضمن إطار من التوازن والتكامل بغية الحفاظ على رباط الزوجية المقدس”[7] تسجل الدكتورة رجاء في الأخير أن مسألة تأويل مدى مطابقة الشريعة الإسلامية للاتفاقية تطبعها أحيانا بعض الحساسيات الإيديولوجية.[8]

يتضح مما سبق أن مفهومي المساواة والتماسك الأسري يعرفان تفاعلا كبيرا ومستمرا داخل مؤسسة الأسرة، ومن خلال المقاربات النظرية، وفي الفعل المدني بالمغرب. وقد تطرقت إحدى الدراسات التي نشرها صاحب المقال إلى أن الحركة النسائية المغربية بشقيها العلماني والإسلامي تركز تارة على مفهوم المساواة وتارة على مفهوم التماسك وذلك اعتمادا على مرجعيتين مختلفتين (المواثيق الدولية / الشريعة الإسلامية) وهو ما يولد مقاربتين ميدانيتين إحداهما تحاول الانتصار للمرأة من خلال القانون والأخرى تعتمد مقاربة الصلح والتماسك الاجتماعي، وهو ما يؤدي إلى نتائج وتأثير متساوي ومتكامل في عملية التغيير الاجتماعي بالمغرب[9]

إن الرهان الذي ينبغي التركيز عليه اليوم هو خلق سياسة واعية بأهمية تحقيق الكرامة والمساواة للمرأة بدون أن يكون ذلك على حساب التماسك الأسري والقيم الاجتماعية، والعكس صحيح. التحولات الاجتماعية الحالية تؤشر بشكل متزايد على تأرجح في القيم بين ما هو إسلامي يحتاج إلى تجديد وعلماني يحتاج إلى تمحيص وتعديل. لذلك يبدوا أن المقاربات المعتمدة لا بد أن تركز على البحث في المشترك بين القيم الإسلامية العادلة في جوهرها وبين القيم الوافدة المستمدة من التجربة الإنسانية، ثم العمل على تدبير المختلف في جو من الحوار والاحترام المتبادل.

 

 


[1] Shildrick, T. A. and MacDonald, R. (2006) ‘In defence of subculture: young people, leisure and social divisions’, Journal of Youth Studies, 9 (2), pp.125-140

[2]  د. نهى قرطاجي. ملخص الدراسة: “القيم الغربية وأثرها على كيان الأسرة المسلمة”. متاح من http://www.albayan.co.uk/Files/articleimages/takrir/2-4-8.pdf

[3]  اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل.   مفهوم الأسرة في الوثائق الدولية. متاح من http://www.iicwc.org/lagna/iicwc/iicwc.php?id=989

[4]  اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل.  بحث مقدم في مؤتمر الخطاب الإسلامي المعاصر. ورقة (مصطلح الأسرة في أبرز المواثيق الدولية.. دراسة تحليلية). متاح من http://www.iicwc.org/lagna/iicwc/iicwc.php?id=989

[5]  انظر مقال للدكتور عبد الوهاب المسيري بعنوان: النسوية: التمركز حول الأنثى! . http://www.nashiri.net/articles/intellect-and-philosophy/2582–.html  

 

[6]  موقع منتدى الزهراء http://www.fz.ma/page12.html

[7]  نص التحفظات والإعلانات المقدمة من المغرب فيما يخص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة. http://www1.umn.edu/humanrts/arabic/Morocco-CedawR.html

[8]  رجاء مكاوي ترد على الخائفين من اتفاقية سيداو. “جريدة أخبار اليوم المغربية”. 16 نونبر 2011

[9] Ilyass Bouzghaia. The Feminist Movement and Social Change in Morocco: Trends and Impacts http://www.amazon.fr/Feminist-Movement-Social-Change-Morocco/dp/3659166847

 

 

نشر بتاريخ: 05 / 05 / 2014

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق