الرابطة المحمدية للعلماء

اعتداء شنيع: نبش ضريح الشيخ أحمد زرّوق البرنسي الفاسي ونقل ما به من رفاة

قامت مجموعة من المتطرفين، في اعتداء شنيع، بنبش ضريح الشيخ أحمد زرّوق الفاسي، ونقل ما به من رفاة… وقال أهالي المنطقة – الذين تجمّعوا صباح يوم السبت الماضي – أنهم قد تعرّفوا على المجموعة التي قامت بهذا العمل الشنيع، وأنهم قد أبلغوا اللجنة الأمنية عن أسمائهم… وأفاد مراسل وكالة الأنباء الليبية بالمدينة، أن عملية الإزالة اقتصرت على الضريح والقبر دون المساس بالمسجد أو المكتبة العلمية اللذين يحملان اسم الشيخ أحمد زرّوق…

استنكر حفيد الشيخ أحمد زروق، الشيخ محمد أدريس طيب حادثة هدم الأضرحة، فهو لم يبدو راضياً ازاء ما حدث من أعمال تدمير للأضرحة، خصوصاً بعد حادثة هدم ضريح أحمد زروق، الذي ولد بقرية تليوان بالمغرب، ويعد من السادة المالكية ومن أولياء الله الصالحين.

من جهته انتقد المؤتمر الوطني الليبي، الذين قاموا بهدم بعض الأضرحة في البلاد، وتعهّد باتخاذ الإجراءات الصارمة ضد كل من يحاول المساس بسيادة الدولة وشرعيتها. وانتقد المؤتمر، وهو أعلى سلطة في البلاد، في بيان له أمس، من وصفهم بـ’الإخوة’ الذين قاموا بهدم الأضرحة ونبش القبور.

وتعهّد بأنه “لن يتهاون ولن يتوانى في اتخاذ كافة الإجراءات الصارمة ضد كل من يحاول المساس بسيادة الدولة وشرعيتها’، ورفض بشدة أية محاولات لاستعمال ‘القوة خارج إطار شرعية الدولة’، معتبراً كل من يقوم بذلك ‘خارجاً عن القانون ويعرّض نفسه للمساءلة الجنائية والملاحقة القضائية.

ولفت المؤتمر في بيانه إلى أن “الخروج عن شرعية الدولة وسيادتها واللجوء إلى استخدام القوة والسلاح، أمر يناقض أوامر ديننا الحنيف وقواعده الشرعية الأصيلة التي تقرر أن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح”

كما تم مساء السبت، عقد اجتماع بمقر مسجد زرّوق ضم رئيس المجلس المحلّي مصراتة واللجنة الأهلية لإدارة وقف أحمد زرّوق ، ولجنة شؤون الطرق الصوفية ، ولجنة من أهالي المنطقة ، وعضو من لجنة الصلح والتواصل الاجتماعي تم الاتفاق فيه على وضع آلية لحماية الأضرحة ، وملاحقة الجناة والمعتدين على عليها…
ويعود تاريخ وجود الشيخ “أحمد بن أحمد ابن عيسى الفاسي البُرنُسي” المشهور بزرّوق، بمصراتة إلى سنة 886 هجرية ، وهو أحد العلماء الذين جاؤوا إلى ليبيا من بلاد المغرب، وكان يقصده التلاميذ والطلاب والمريدون من مختلف البلاد الإسلامية…

وكان مولد الشيخ زروق رحمه الله بمدينة فاس في يوم الخميس 18 محرم عام 846 ه /28 ماي سنة 1442، وتوفيت أمه بعد ولادته في يوم السبت ثم أبوه في يوم الثلاثاء قبل أن يكمل أسبوعه الأول، فكفلته جدته الفقيه أم البنين حتى بلغ العاشرة وخلال ذلك حفظ القرآن الكريم وتعلم صناعة الخرز.

وهو من قبيلة البرانس التي تعيش في منطقة جبل البرانس ما بين فاس وتازة، لوالد كان من أهل الولاية والصلاح، حيث شيد على مدفنه في القرية بناية أنيقة تشتمل على مسجد جامع ومكان لسكن الإمام وتعرف بزاوية سيدي احمد زروق يقام بها موسم الشيخ شهر غشت من كل سنة، ويحظى ضريح والده بتعظيم واحترام أهل القبيلة، وقد ورث زروق هذا اللقب عن جده الذي كان أزرق العينيين زرقة معروفة في العرق البربري، وحين ولد زروق اسماه أبوه محمدا، لكن ما لبث أن عرف باسم أبيه (أحمد) حين توفي الأب واحتفظ باسمه.
انتظم وهو ابن ستة عشر في سلك طلبة جامع القرويين والمدرسة البوعنانية معاً، وصار يتردد عليهما لدراسة أمهات كتب المذهب المالكي والحديث والأصول وقواعد العربية، كما درس بعضاً من كتب التصوف، وتتلمذ على اشهر علماء فاس وفقهائها آنذاك، وعددهم يزيد على ثلاثين فقيهاً و محدثاً وفقيراً، كما درس أمهات الكتب في فقه الشريعة.

أما عن شيوخه ورحلته في طلب العلم فقد درس على عدد كبير من علماء المغرب الأقصى وقام برحلة وذهب إلى تونس حيث أخذ عن عدد من العلماء منهم الشيخ عبد الرحمن الثعالبي والشيخ إبراهيم التازي والمشذالي والرصاع والحافظ التنسي وحلولو اليزليتني ، ثم قام بالحج وزار مصر وأخذ عن عدد من علمائها منهم النور السنهوري والحافظ الدميري والحافظ السخاوي، وأخذ عن أبي العباس أحمد بن عقبة الحضرمي ، كما أخذ عن علماء آخرين كثيرين.

وبعد ترحال دام سنوات ألقى عصا التجوال في مسراتة، واستقر بها في ربيع أول عام 889 هـ أبريل سنة 1484م.

وبنفس النهج الذي يسير عليه العارفون في شيوع ذكرهم بعد وفاتهم ورفضهم إقامة الزوايا على قبورهم ، سار شيخنا أبو العباس زروق على نفس النهج، حيث قام خادمه أحمد بعد وفاته بعشرين سنة ببناء قبة على قبره وبجانبها مسجد ، وكان قد طلب من شيخه زروق أن يسمح له ببناء زاوية فرفض، وأصبح المسجد ملتقى لطلاب العلم والزهاد ومركزا لتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الشرعية حتى اليوم حسب ما ذكره أبو سالم عبد الله بن محمد بن أبي بكر العياشي في الرحلة العياشة.

ومما أجمل ما قيل في هذا الشيخ الفاضل:

زروق أهل الله في كل برهة ومأوى    العفاة في اليسار وفي العسر
فلا زلت للاحسان أهلا وموطناً     ومأوى الخصال الساميات لدى الدهر
عليكم من الرحمن أزكى تحية     وأسمى مهابات إلى الحشر والنشر
وصلى الذي ولاك مجداً وسؤدداً  على المنتقى المبعوث للسود والحمر
واله والأزواج طراً وصحبه      ذوي النجدة الفيحاء والسادة الغرّ

هذا هو وقد ملأ ذكر شيخ ومحتسب الصوفية الآفاق، نظرا لما خلفه من كتب ولما عرف عنه من ورع ولما عهد في فكره من قضايا شذت إليها الألباب لأنها ترتبط بالتنظير الصوفي من مرتكز فكر مقاصدي رصين ، يلتزم الأصول الكلية التي جاءت بها الشريعة ، ويقوم على أساس اجتهاد تعبدي تكتنفه حكم ومعاني ربانية .

ترك الشيخ أحمد زروق إلى جانب السيرة العطرة والذكر الحسن، العديد من المؤلفات التي انتشرت في البلاد الإسلامية، وهي في فنون شتى، في العربية والحديث والحكمة والتصوف والفقه، وكان أشهرها كتبه في التصوف التي من أهمها كتابيه (قواعد التصوف) و(عدة المريد الصادق).

وهو في المقدمة من زمرة “الصوفية الفقهاء” أو “فقهاء الصوفية” الذي أكثروا من نقد الصوفية إلى جانب مدح طريقتهم لا من باب معاداتهم وإنما من باب إصلاح أحوالهم كحجة الإسلام أبي حامد الغزالي والإمام القطب أحمد الرفاعي والإمام عبد الوهاب الشعراني والإمام المجدد أحمد الفاروقي السرهندي وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.

وكانت مجموعة من الإسلاميين الذين يمثلون التيار السلفي، قامت على مدى الأيام الماضية بهدم بعض الأضرحة ونبش القبور في مدن زليتن ومصراتة والعاصمة طرابلس، مما ولّد استياءً شعبياً كبيراً، وخلق بلبلة في صفوف الليبيين.

وتنتاب أبناء الطريقة حالة من الغضب العارم بسبب تلك الجريمة النكراء؛ فالشيخين الأسمر وزرّوق لا يمثلان قيمة كبيرة لدى أتباعهما فحسب بل لجميع المتصوفين في مصر والعالم الإسلامي. وطالبوا قادة العالم الإسلامي بالتصدي بالقوة وبالحزم المطلوبين لدعاة التطرف والمنحرفين فكرياً وأخلاقياً المتسترين زوراً تحت عباءة الدين، والضرب بيد من حديد على أياديهم الآثمة التي تعتدي على أضرحة العلماء المتصوفين الأجلاء’.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق